العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في مقال ثلث البشر سيعيشون قريبا في عالم البعد الخامس (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 27-09-2007, 10:12 PM   #1
سـامي العامري
شاعر وأديب
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2007
المشاركات: 25
إفتراضي الحاووت ! (*)

الحاووت ! (*)
*-*-*-*-*

سامي العامري
---------

حدثَ ذلك في زمنٍ سحيقٍ .
كان حولَ تُرعةٍ قردٌ وذئبٌ وحِمارٌ وغرابٌ وسنجابٌ وفأر , وكانت هذه الحيوانات جميعُها من اللواحم وكانت تلك الترعةُ تقعُ على أحد جوانب الغابة وهذه الغابةُ يحكمها كالعادة أسدٌ , عرينُهُ مُسوَّرٌ بعنايةٍ ويتوسّط الغابة إلاّ أنَّ هذا الأسد لا يمتلك من الهيبة والقوة إلاّ من كونهِ أسداً عدا ذلك فهو أحمق ومغرور ولكنه يدَّعي العدل والشفقة ليدوم سلطانُهُ وتتعزَّز سُمعتُهُ وهو مِهما أعطى فلن يؤثِّر ذلك على سَعة أملاكهِ , وفي هذا المناخ او البيئة عاش الجميع لسنواتٍ بسلامٍ ووئام .
ولكن حصل يوماً أنْ توهَّمَ الفأر أنَّ بإمكانه أن يصبح أكثر من مجرَّد فأرٍ وتَوَهَّمَ كذلك بأنه يُعامَل باحتقارٍ كونهُ فأراً صغيراً ضئيلاً فَحَسْبُ فلا هو بالغراب فيستطيع الطيران ولا بالقرد فيستطيع التسلّق و لا بالحمار فيتعلّم الجَلَدَ وهكذا فبدأَ مناوراتهِ العكسية فراحَ اعتماداً على عطف الأسدِ عليهِ يعبثُ بحقوق زملائهِ فاذا كانت هناك شريحة لحمٍ كبيرة والتي هي في العادة حِصّة الجميع , هرعَ الى الملكِ زاعماً أنهُ يُلاقي الغبن والظلم من رفاقهِ ليستأثر بالحِصَّة الأكبر وهو يعلم أنه مِهما تناول منها فلن يستطيع أن يتناول كميةً أكبرَ من سعة بطنهِ او بُطَيْنهِ ولكنه مع ذلك يظلُّ يتهدَّد ويتوعَّد بالذهاب الى الملك والشكوى عندهُ من مصادرة الحقوق في حالِ امتقعَ لونُ أحدهم وهو يحتجُّ على كيفية سَيرِ الأمور ومجريات الحياة منذ أنْ حَسِبَ هذا الفأر بأنَّ لهُ الكلمة الأخيرة في حياة زملائهِ وكان هذ الملك يُصدِّق فيذهبُ الى زملاء الفأر مُوبِّخاً او مُنذِراً إيّاهم بالنفي تارةً وبالحبس تارة أخرى , وكانت كلُّ محاولات توضيح الأمر من بقية الزملاء تذهب هباءاً , لسبب بسيط هو أنه فأرٌ صغير ويجب معاملتُهُ معاملةً خاصّة هكذا استقرَّتْ الفكرةُ عند الأسد وهكذا استمرَّت الحال حتى ضاق زملاءهُ الآخرون ذرعاً به , بهذا الفأر المشاكس اللعين ذي الدلال , وكان الأسد يأتي بطعامهِ من صيدهِ خارج الغابة , وهذا الملك بدَورهِ مِهما أكلَ لا يستطيع إلتهام بقرةٍ بكاملها مثلاً لذا فبقيةِ طعامهِ تكون عملياً من حِصَّة سُكّان الغابة فهو يتركها على مقربة من الترعة ويوصي الفأرَ الأثير لديه بالتوزيع العادل .
وهذا الملك كثيراً ما كانت تطيب له مشاعرُ الإعتداد بالنفس وبالقيمة الخاصة لمجرَّد شعورهِ بأنه أسدٌ ولدَيهِ رعايا ومملكة وغير ذلك .
وفي ليلةٍ قَرَّرَ بقيةُ زملاء الفأر كَحَلٍّ موضوعيٍّ نفسيٍّ الإضرابَ عن الحديث مع الفأر وحتى عدم التعامل معهُ , وعلى هذه الشاكلة سارت الأمور , فكان الفأر اذا شبعَ وأتلفَ باقي الطعام وذهبَ الى القرد للدردشة معهُ , والتي كانت كثيراً ما تحصل في السابق , وجدَ القردَ يَنفرُ منه واذا الحَّ عليه بالحديث معه هزَّ القرد ذَنَبَهُ مكتفياً بذلك فقط ثمَّ يلجأُ الفأر بعد خيبةٍ الى الغراب فيجدُ الغرابَ وقد حَطَّ أعلى من الغصن الذي كان حاطّاً عليهِ ثم يذهب الى الذئب فيكتفي الذئب بتكشير أنيابهِ فقط ثمَّ يسيرُ الى الحِمار فيكتفي الحمارُ بتشنيف أذنيهِ فقط ثم يذهب الى السنجاب حائراً منكسراً وربما غاضباً أيضاً فيلاقي نفسَ ردِّ الفعل إذْ يتسلَّق السنجابُ الشجرةَ أعلى فأعلى رامياً على الفأر نثارَ الأوراق ,
فما كان من الفأر إلاّ أنْ ذهبَ الى الملكِ مرَّة أخرى وعرضَ عليه شكواه الجديدة , والأسدُ لا يُصدِّقُ ثُمَّ يُقسِمُ له الفأرُ بأنَّ الأمر صحيحٌ ويستطيع المجيءَ معه ليرى ذلك بأُمِّ عينهِ , وبالفعل ذهبَ الملك مع الفأر ليستطلعَ جَلية الأمر ولمّا وصلا الترعة , وجدَ الملك الجميعَ بَشوشين ضاحكين ومستغربين من مبالغات الفأر , وطبعاً بعد ذهابِ الفأر الى الملك شاكياً كانت المجموعة هذه قد غيَّرتْ او أضافت الى استراتيجيتها بنداً يقولُ بأنه اذا حصل وإنْ جاء الأسدُ نعود الى طَبعِنا السابق ونتحدَّثُ مع الفأر بشكلٍ طبيعيٍّ فيضطرُّ الملكُ الى تعنيف الفأر وتحذيرهِ من مغبة تكرار الشكوى لدى سلطانهِ وهذا ما حدثَ وعلى هذا المنوال سارت الخطّة بتكيُّفِ هؤلاء الزملاء مع حالة انعدام العدالة , والإكتفاء بالضرورات المُلِحَّة أمّا المُهمّة والثانوية فكانوا يتركونها لحُريَّة الفأر ومزاجهِ واضطُرَّ الفأرُ للإنصياع الى لغة رفاقهِ الجديدة معه والتي هي التجاهل او الحركات فقط أمّا مع بعضهم البعض فكانوا طبعاً يتحدَّثون حديثاً طبيعيَّاً كسابقِ عهدهم ولكنْ ما أنْ يقترب الفأر منهم حتى يصمتوا وأغلب الأحيان يتفرَّقوا , وبمرور السنوات اعتاد الفأر الغبي على لغة الإشارات رغم أنهم نبَّهوهُ
عدة مراتٍ منذ البدء الى انتهازيتهِ واستغلالهِ المستمرِّ وانفراده في التصرُّف بالحاجات الجماعية .
وصار من المألوف اذا ذهب الى القرد , أنْ يهزَّ القردُ له ذنَبَهُ وتصْدُقُ الحالةُ بشأن سلوك الآخرين معه أمّا هم فيما بينهم فاللغةُ السائدة هي اللغة الغابوية الأمُّ التي رويداً رويداً لم يعُد الفأر يتذكَّر منها غيرَ الحديث القصير الذي له مع الملك المشغول بلاشيءٍ او بالكسل والذي ظنَّ بسببِ ركاكة لغة الفأر أنَّ الفأر لسببٍ ما بدأ يُخَرِّف , ربّما بسبب الكِبَر , هكذا فَكَّرَ رغم أنَّ الأسد قَبْلَ هذا قد نزلَ عدة مراتٍ عند رغبة الفأر ودلالهِ بأنْ نفى القردَ لأسابيعَ خارجَ غابتهِ وسجَنَ الحِمارَ لأسابيع ونتَفَ عدَّة أرياشٍ من الغراب أيضاً ولكنَّ إصرارَ الجميع على الوصول بالخطة الى نهايتها جعلَها في الختام تنجحُ وتثمرُ بالفعل , إذْ أدركَ الفأرُ مُتأخِّراً أنهُ هو وراء هذه المتاعب فحاولَ تبريرَ فعلتهِ أمامهم ولكنه لم يجد حُجةً بل وأكثر من هذا فوجيءَ بأنهُ قد نسيَ لغة زملائهِ برمَّتها , لغة وطنهِ , فبدأ تدريجيَّاً بالإنزواء وحيداً بعيداً وما عادتْ له رغبةٌ حتى بالإختلاط والحديث مع أحدٍ فتركَ كلَّ ما في حوزتهِ واعتكفَ .
وذات يومٍ وبينما كان يسترجعُ بمرارةٍ ذكرياتهِ الحلوةَ في مُعْتَكَفهِ إذا به يسمع من بعيدٍ قهقهاتِ قردٍ ونعيبَ غرابٍ وصياحَ سنجابٍ وعواءَ ذئبٍ ونهيقَ حِمارٍ وكان هذا الصخَبُ يجري حول الترعةِ باسلوبٍ احتفاليٍّ بهيجٍ فرأى الفأر أنه بَعْدَ هذه الإهانةِ التي تلقّاها لا أملَ بعودة المياه الى مجاريها فراح يدنو منهم مُنهَكاً خائراً حتى وصلَ حافةَ الترعةِ فألقى عليهم نظرةً أخيرة ثُمَّ رمى بنفسهِ في الترعة وانتحر !


----------------------------
(*) الحاووت : تعبيرٌ من الكاتب , والمقصود الحيوان كعنصرٍ وهو على وزن ناسوت ولاهوت .
(**) للقصة ظلٌّ من الواقع البَشَري عاشهُ الكاتب .

كولونيا – أيلول – 2007
سـامي العامري غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-09-2007, 10:42 AM   #2
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ولنا فى عالم الغاب عظات ..

قصة أعجبتنى كثيرا ..

تحياتى أستاذ سامى .. حروفك غراء ساطعة ..

متابع لكل ما تكتب .. واسمح لى أن أرحب بك ..

فالأدباء فى إجازة .. وعنهم أقول :

مرحبا بك بيننا .. نتابع كل ما تخطه يراعك الذهبية ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .