العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الاسلامي > الخيمة الاسلامية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 17-07-2010, 10:24 AM   #141
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الرازي عالم الكيمياء

يعد "الرازي" من رواد علم الكيمياء، وقد أمضى شطرًا طويلاً من حياته في دراسة العلم، من خلال الممارسة العملية والتجريبية، وله فيه مؤلفات قيمة، حتى عده كثير من العلماء مؤسس الكيمياء الحديثة.

وقد اهتم "الرازي" بعلم الكيمياء؛ لأنه العلم الوحيد الذي يمكن الحصول على حقائق من خلال التجارب التي يجريها، وتقوده إلى استنتاج القوانين، ولكنه ما لبث أن ترك هذا المجال، بعد أن ضعف بصره، وتحول إلى دراسة الطب وممارسته وهو في نحو الأربعين من عمره.

وكان "الرازي" متبحرًا في ذلك العلم، واسع الاطلاع فيه، فلم يقف عند حد الاطلاع على إنتاج علماء اليونان والفرس والهنود فحسب، وإنما أضاف إلى ذلك ما وصل إليه بخبرته وممارسته وتجاربه ومشاهداته.

وقد حضَّر زيت الزاج أو الزاج الأخضر (حامض الكبريتيك) والكحول بتقطير المواد النشوية والسكرية المتخمرة.

كما عني "الرازي" بوصف المواد التي يجري عليها التجارب، والأدوات والآلات التي يستعملها، ثم طريقة العمل، كما وصف كثيرًا من الأجهزة العلمية التي كانت معروفة في عصره.

ومن الطريف أنه ربط الطب بالكيمياء، فكان ينسب الشفاء بفعل الأدوية التي يصفها الطبيب، إلى التفاعلات الكيميائية التي تتم في الجسم.

ويعد "الرازي" من تلاميذ "جابر بن حيان" العالم الكيميائي المعروف، وقد استطاع "الرازي" أن يطور كيمياء "جابر" وينظمها ويزيد عليها بما ابتكره من نظريات كثيرة ومشاهدات عديدة.

مؤلفات "الرازي" في الكيمياء

تعد مصنفات "الرازي" في الكيمياء علامة بارزة على طريق هذا العلم العريق؛ إذ تحوي الكثير من مشاهداته وملاحظاته وتجاربه واستنتاجاته، ومن تلك المؤلفات:

سر الأسرار.

التدبير.

الإكسير.

شرق الصناعة.

نكت الرموز.

الترتيب.

رسالة الخاصة.

الحجر الأصفر.

الرد على الكندي في رده على الصناعة.

الرازي الفيلسوف المغبون

كما كان "الرازي" فيلسوفًا معروفًا، وله اهتمام بالعلوم العقلية، وكان يدعو العلماء وخاصة الأطباء إلى الأخذ من العلوم الطبيعية ودراسة العلوم الفلسفية والقوانين المنطقية، ويرى أن إغفال تلك العلوم يزري بالعلماء.

واختلف "الرازي" مع المشائين المسلمين في إمكان التوفيق بين الفلسفة والدين، وتأثر بآراء "سقراط"، واتبع "أرسطو" في الكثير من أفكاره وآرائه.

كما رد في كتاباته على بعض متكلمي المعتزلة مثل "الجاحظ" و"أبي قاسم البلخي"، وكثير ممن حاولوا إدخال البراهين العلمية في الدين.

وبالرغم من الاتجاه العلمي للرازي والنزعة القلية له والتي تحكم أسلوب تفكيره ونظره إلى حقائق الأمور ومشاهدات العلوم، فإنه رفض إقحام تلك النزعة على أمور الدين؛ لأن العقل البشري يقصر عن أمور كثيرة في الكون، ومن الخطأ تحكيمه مطلقًا في أمور الدين، وقد أثار ذلك حفيظة الكثير من العلماء ضده حتى رموه بالكفر واتهموه في دينه، حسدًا منهم وغيرة بعدما بلغ مكانة لدى العامة والخاصة.

ومن أبرز مؤلفاته في المجال:

المدخل إلى المنطق.

المدخل التعليمي.

المدخل البرهاني.

الانتقام والتحرير على المعتزلة.

وتوفي "الرازي" عن عمر بلغ نحو ستين عامًا في (5 من شعبان 311هـ= 19 من نوفمبر 923م).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 19-07-2010, 08:52 AM   #142
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو عبيدة بن الجراح.. أمين أمة ووائد فتنة

(في ذكرى خروجه لفتح الشام: 7 من شعبان 12هـ)

في السابع من شعبان من العام الثاني عشر الهجري [17 من أكتوبر 633م] خرج "أبو عبيدة بن الجراح" إلى "الشام" قائدًا على أحد جيوش المسلمين للتصدي للروم، ونشر راية الإسلام، ودعوة الحق والعدل والتوحيد.

وكان أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح (رضي الله عنه) أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، وقد أسلم بدعوة "أبي بكر الصديق" (رضي الله عنه)، فانطلق هو و"عثمان بن مظعون" و"عبد الرحمن بن عوف" و"أبو سلمة بن عبد الأسد" و"عبيدة بن الحارث" حتى أتوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعرض عليهم الإسلام، وعرَّفهم بشرائعه؛ فشرح الله صدورهم للإسلام، وأسلموا جميعًا في ساعة واحدة، وكان ذلك في فجر الدعوة قبل دخول النبي (صلى الله عليه وسلم) دار الأرقم.

من مناقب أبي عبيدة

يجتمع نسب"أبو عبيدة" مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في جدِّه "فهر بن مالك بن النضر بن كنانة"، وكان أبو عبيدة أَصْبحَ الناسِ وجهًا، وأحسنهم خلقًا، وأشدَّهم حياء، وتصفه المصادر القديمة بأنه كان رجلاً نحيفًا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طويلاً أحنى، وأنه كان أثرم الثنيتين، ويُروى أنه فقدَ ثنيتيْه في غزوة أُحد، حينما حاول أن ينزع الحلقتين المعدنيتين اللتين دخلتا في وجنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، ويذكر الرواة أن ثغره حسُن بذهابهما، حتى قيل: "ما رؤي هَتَم قط أحسن من هتم أبي عبيدة". (والهتم: كسر الثنايا، ورجل أهتم: مكسور الثنايا). وقد أبلى "أبو عبيدة" يومئذ بلاءً حسنًا، وكان يتقدم الصفوف، ويقاتل المشركين بشجاعة وبطولة نادرتين، وفجأة أبصر أباه -وكان مشركًا- وهو يقاتل في صفوف المشركين، وهاله أن يجد إخوانه من المسلمين يُقتلون بسيف أبيه، فانطلق بسرعة نحو أبيه فابتدره بطعنة قاتلة بسيفه قبل أن يسبقه إلى أحد المسلمين فيقتله.

في تلك اللحظة الفريدة تصارعت في نفسه عاطفة البنوَّة مع عاطفة الأخوة في الدين والعقيدة الصادقة، ولكن سرعان ما انتصر إيمانه بالله تعالى على مشاعر البنوة، وسمت العقيدة الخالصة على كل ما عداها، فلم يتردد ولم يضعف.

وقد شهد له النبي (صلى الله عليه وسلم) بالجنة، وسمَّاه "أمين الأمة". فعن "أنس" (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن لكل أمة أمينًا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". وقال (صلى الله عليه وسلم): "ما من أصحابي أحد إلا لو شئت أخذت عليه إلا أبا عبيدة".

أبو عبيدة والخلافة

وكان "أبو عبيدة" معدودًا فيمن جمع القرآن الكريم، وقد هاجر إلى أرض الحبشة فيمن هاجروا إليها من المسلمين، إلا إنه لم يُطِل المُكْث بها؛ فقد عاد إلى مكة مرة أخرى، ثم هاجر إلى المدينة بعد ذلك.

وحينما تُوفِّي النبي (صلى الله عليه وسلم) كان أبو عبيدة من أقوى المرشحين لخلافته، فأتاه بعض المسلمين، ومنهم "عمر بن الخطاب"؛ ليبايعوه على الخلافة، إلا أنه أبى، وقال: "أتأتوني وفيكم ثالث ثلاثة"؛ يعني "أبا بكر الصديق".

وانطلق معه إلى السقيفة، حيث اجتمع الأنصار؛ ليختاروا من بينهم خليفة للمسلمين في المدينة قبل أن يذهب الأمر إلى المهاجرين، فلما عَلِم المهاجرون بذلك ذهبوا إليهم حتى لا يتحزَّب المسلمون وتقع الفتنة بينهم.

واحتدم النقاش بين الفريقين، وكاد الشر يتطاير بين المهاجرين والأنصار، ويحدث خلاف بينهم، وتشتعل الفتنة، فيتدخل "أبو عبيدة" لتسكين حدَّة النفوس، وتهدئة روع المؤمنين، وكان قد لزم الصمت طوال الوقت، فقال: "يا معشر الأنصار، كنتم أول من نَصَر وآزر؛ فلا تكونوا أول من بدَّل وغيَّر".

فنزلت تلك الكلمة الحكيمة بردًا وسلامًا على قلوب الأنصار، وكانت بمثابة النور الذي كشف للفريقين ما كادوا يقعون فيه من الفتنة والشقاق، فقال "بشير بن سعد" من زعماء "الخزرج" –وقد شرحت تلك الكلمات صدره-: "إنا والله وإن كنا أُولي فضيلةٍ في جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا، والكدح لأنفسنا، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك، ولا نبتغي من الدنيا عرضًا، فإن الله وليُّ النعمة علينا بذلك. ألا إن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) من قريش، وقومه أحقُّ به وأولى".

وهنا سارع "أبو عبيدة" بمبايعة "أبي بكر" فبايعه الجميع، وهكذا قدَّر الله لتلك الفتنة أن تموت في مهدها بفضل كياسة "أبي عبيدة"، ورجاحة عقله، وتواضعه، ونفاذ بصيرته، وقوة إيمانه، وإخلاصه لله عز وجل.

الخروج إلى الشام

وحظي "أبو عبيدة" بثقة خليفة المسلمين "أبي بكر الصديق" (رضي الله عنه)، وهو الذي زكَّاه النبي (صلى الله عليه وسلم) ووصفه بـ"أمين الأمة"، فلم يجد "أبو بكر" من يقوم بأمر مال المسلمين خيرًا منه، فولاه بيت مال المسلمين، فكان يتلقى أموال الزكاة، وينظر في توزيعها على حاجات المسلمين.

وكان "أبو عبيدة" ممن استشارهم "الصدِّيق" لغزو "الشام" بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وحاجة الدولة الإسلامية الناشئة إلى تأمين حدودها من الأخطار المحدقة بها، وتأكيد قوتها أمام القوى الخارجية المتربصة بها، والحفاظ على هيبتها ومكانتها في نفوس أعدائها.

فلما فرغ "الصديق" من حرب أهل الردة، وحرب مسيلمة الكذَّاب، واستطاع تأمين الدولة من الداخل ضد القبائل العربية المتمردة، وفلول المرتدين من مانعي الزكاة ومدِّعي النبوة وغيرهم، جهَّز الأمراء والجنود لفتح الشام، ووقع اختياره على "أبي عبيدة" و"يزيد بن أبي سفيان" و"عمرو بن العاص" و"شرحبيل بن حسنة"؛ ليكونوا على قيادة الجيوش المتجهة إلى الشام، واستطاع هؤلاء القادة أن يحققوا الانتصارات تلو الانتصارات، فكانت وقعة "أجنادين" بقرب الرملة التي جاءت بالنصر المؤزر، فطارت البشرى إلى "الصدِّيق" (رضي الله عنه) وهو في مرض الموت، ثم كانت وقعة "فِحْل" ووقعة "مرج الصُّفَّر" تتويجًا لانتصارات المسلمين في الشام.

واستطاع "أبو عبيدة" أن يتوغل بجنوده في أرض الشام، مارًّا بوادي القرى وبالحجر، فلما دخل "مآب" قاومه الروم وعرب "مآب" فتصدى لهم وأخضعهم، فلما بلغ "الجابية" جاءته الأنباء بتجهيز "الروم" بقيادة "هرقل" للقاء المسلمين بجيش كبير.

تحت إمرة "خالد"

وأرسل "أبو عبيدة" إلى "أبي بكر" يستشيره في الأمر، فأمدَّه الخليفة بجيش كبير، وكتب إليه يقول: "أما بعد، فإني قد وليت خالد بن الوليد قتال الروم في الشام فلا تخالفه، واسمع له، وأطع أمره، فإني وليته عليك وأنا أعلم أنك خير منه، ولكن ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك. أراد الله بنا وبك سبيل الرشاد".

وبسماحة رحبة وتواضع عظيم يسلم "أبو عبيدة" قياده لخالد بن الوليد، فيجعله "خالد" على المشاة، وانطلق جيش المسلمين ليحاصر "دمشق"، فنزل "خالد" على الباب الشرقي، ونزل "أبو عبيدة" على باب الجابية، وبقية القوَّاد على الأبواب الأخرى.

وأحاط المسلمون بالمدينة الحصينة، وضيَّقوا عليها الحصار، وحاول أهل "دمشق" المقاومة والدفاع عن مدينتهم بكل قوة.

ووسط هذه الأحداث الصعبة جاء خطاب "عمر بن الخطاب" (رضي الله عنه) إلى "أبي عبيدة" ينعي إليه نبأ وفاة "أبي بكر"، ويخبره بعزل "خالد بن الوليد" عن قيادة الجيش، وتوليته هو القيادة بدلاً منه.

فتح دمشق وصلح أبي عبيدة

ولكن أبو عبيدة يتكتم الأمر، ويظل جنديًّا تحت إمرة "خالد" حتى لا يفتّ ذلك في عضد الجنود، وتجنبًا لما قد يثيره نبأ عزل "خالد" من فوضى واضطراب، خاصة أن المسلمين يواجهون عدوًّا قويًّا قد ضربوا حوله حصارًا محكمًا، لكنه لم يَلِن ولم يستسلم.

وسعى "أبو عبيدة" إلى إبرام صلح مع أهل "دمشق" في الوقت الذي تمكن فيه "خالد" من اقتحام الباب الشرقي ودخول دمشق عَنوة.

والتقى القائدان في المدينة، ويثور الجدل بينهما حول مصير المدينة: هل فتحت عنوة أم صلحًا؟! ويُصِرُّ "أبو عبيدة" على الوفاء بصلحه مع أهلها، فلا يملك "خالد" إلا إقرار عقد الصلح وفاءً لذمة "أبي عبيدة"، وإبراءً لعهده مع أهل "دمشق"، وينزل له طائعًا عن قيادة الجيش بعد أن يعلم بقرار الخليفة الجديد "عمر بن الخطاب" (رضي الله عنه) جميعًا.

أبو عبيدة في المدينة

وعندما يعود أبو عبيدة إلى المدينة يرسل إليه الخليفة أربعة آلاف دينار، ويقول للرسول: انظر ما يصنع بها. فيقسِّمها "أبو عبيدة" بين الفقراء المحتاجين لساعته، وعندما يعلم عمر تُشْرق نفسه بالسعادة، ويهتف في رضا: "الحمد لله الذي جعل في الإسلام مَن يصنع هذا"، ثم لم يلبث عمر أن لقي أبا عبيدة فصافحه، وقبَّل يده، وتنحيا يبكيان.

ولم تمضِ إلا سنوات قليلة حتى تُوفِّي "أبو عبيدة" في طاعون "عَمواس" – وهي قرية بين "الرملة" و"بيت المقدس" في سنة (18هـ = 639م) عن عمر بلغ ثمانية وخمسين عامًا، ولم يعقُب له ولد.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-07-2010, 06:01 AM   #143
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

معركة "الحُصَيْد" وانكسار الفرس

(في ذكرى نشوبها: 10 من شعبان 12هـ)

استطاع سيف الله خالد بن الوليد أن يحقق انتصارات عديدة في بلاد الشام، فاستولى على "الحيرة" بعد أن حطم مقاومة أهلها، ومن ورائهم الفرس، وأقام الفارس المنتصر بالحيرة، وجعلها مركزًا لقيادته؛ فكانت أول عاصمة إسلامية خارج بلاد العرب، وقد ترك خالد أمر إدارتها لزعمائها من أهلها، وسعى إلى نشر العدل والأمن فيها؛ فترك الفلاحين يعملون في الأرض، ولم يتعرض لرجال الدين من النصارى فيها، وصالح سكانها على الجزية، بعد أن رفع عنهم ظلم دهاقين الفرس واستبدادهم.

"ذات العيون" وجسر الإبل

ثم استولى بعد ذلك على "الأنبار" وما حولها. وكانت "الأنبار" مدينة حصينة محاطة بخندق عميق، فحاصرها زمنًا، وكان خالد قليل الصبر على الحصار، فأمر رماته أن يصوبوا سهامهم إلى عيون أعدائهم، وأن يرموهم في وقت واحد؛ فأصابوا نحو ألف عين منهم، فسُميت تلك الواقعة "ذات العيون".

وطاف خالد بالخندق، ثم تخير أضيق نقطة فيه، فأمر بنحر الإبل الضعيفة، فألقاها في الخندق حتى غطت ذلك الجانب، فصنع بذلك جسرًا عبر عليه جنوده تحت غطاء من الرماة الذين أخذوا يرشقون حامية الحصن بالنبال، حتى استطاع فرسان المسلمين اقتحام الحصن وفتح المدينة؛ فأسرع قائد المدينة "شيرزاد" الفارسي بإعلان قبوله جميع شروط "خالد" في سبيل الصلح والأمان، فأمَّنه خالد، وصالح أهلها.

وأقام خالد في "الأنبار" حتى اطمأن إلى استتباب الأمور فيها، ثم تحرك بجيشه قاصدًا "عين التمر" بعد أن استخلف "الزبرقان بن بدر" على "الأنبار".

خالد في دومة الجندل

وكان "مهران بن بهرام" حاكم "عين التمر" من قِبَل الفرس قد حشد جمعًا كبيرًا من الفرس ومن القبائل العربية الموالية لهم، وعلى رأسها "عقَّة بن أبي عقَّة"؛ فنزل عقة على الطريق ليتصدى للمسلمين، ويمنعهم من دخول الحصن، ولكن "خالد" أسره، ثم ما لبث أن قتله مع من ظفر بهم من فلول البدو الذين احتموا بالحصن بعد فرار مهران وجنوده منه.

ولما أتم خالد فتح "الأنبار" و"عين التمر" أرسل إليه الخليفة أبو بكر الصديق يأمره بالتحرك إلى "دُومَة الجَنْدَلِ" لنجدة قوات "عياض بن غنم" بها.

وكانت "دومة الجندل" إحدى المدن التجارية الكبرى في الجزيرة العربية، وهي مشهورة بأسواقها الكبيرة، كما كانت أيضًا مركزًا هامًّا للمواصلات، ونقطة التقاء الطرق القادمة من أوساط شبه الجزيرة العربية والعراق والشام. ومن ثَم فقد كانت محطَّ أنظار العرب والفرس على السواء، وكان الاستيلاء عليها غاية يسعى إليها كلا الفريقين.

الفرس يستعدون للقتال

بعد أن انصرف خالد من "عين التمر" ظن الفرس أنه قد غادر الشام متوجهًا إلى الجزيرة العربية مع القسم الأكبر من قواته، فأرادوا طرد قواته من الشام، واستعادة الأراضي التي فتحها المسلمون؛ لاسترداد هيبة الإمبراطورية الفارسية التي ضاعت مع الهزائم المتتالية التي ألحقها بها المسلمون.

وبدأ "بهمن" قائد الفرس ينظم جيشه من جديد، فراح يجمع شتات مقاتليه الذين انسحبوا من الحاميات الموجودة في أجزاء الإمبراطورية الفارسية، ويحشد إليهم المزيد من الجنود الجدد، وانضم إليهم عدد كبير من المتطوعين، ولكن ذلك جعل جيشه أقل كفاءة واستعدادًا للقتال من الجيوش الأخرى التي حاربها "خالد" من قبل، واستطاع إلحاق الهزائم بها.

وأدرك "بهمن" بحنكته نقطة الضعف تلك؛ فقرر ألا يزج بهذا الجيش في القتال قبل أن يدعمه بقوات كبيرة من العرب النصارى الموالين للفرس.

الطريق إلى الحُصيد

واستجاب له هؤلاء النصارى بعد أن وجدوا أن الفرصة أصبحت سانحة لهم للانتقام من المسلمين، والثأر لمقتل قائدهم "عقة" الذي قتله خالد في عين التمر، وبدأت تلك القبائل العربية النصرانية الاستعداد للحرب.

وقسّم "بهمن" قواته إلى جيشين كبيرين، جعل على الأول "رُوزَبَه"، ووجهه إلى الحصيد، والثاني تحت إمرة زَرْمِهْر، ووجهه إلى الخنافس.

وفي الوقت نفسه قرر "القعقاع بن عمرو" قائد المسلمين في العراق -بعد رحيل خالد- أن يرسل كتيبتين إلى الحصيد والخنافس لتأخير تقدم الفرس في هذين المكانين، واحتفظ القعقاع بباقي جيشه في حالة تأهب واستعداد لأية معركة محتملة لحين قدوم خالد بقواته من الحيرة.

خطة خالد بن الوليد

قرر خالد أن يخوض المعركة على طريقته الخاصة، وذلك بأن يبدأ بالأعمال الهجومية؛ حتى يدمر كل قوة في مكانها على حدة؛ فقسم قواته في الحيرة إلى مجموعتين: الأولى بقيادة "القعقاع بن عمرو"، والثانية بقيادة "أبي ليلى بن فَدَكي السعدي"، ثم عززهما بالقوات التي حاربت في دُومَة الجندل بعد أن نالت قسطا من الراحة بعد عناء المعركة.

وبعد أيام احتشدت جميع قوات المسلمين في عين التمر في ثلاثة ألوية، فوجّه خالد القعقاعَ إلى "الحصيد"، وأبا ليلى إلى "الخنافس"، وأمرهما أن يتصديا لجيوش الفرس، فيَهِمَّا بسرعة، وفي آن واحد؛ حتى يتمكنا من القضاء عليها.

وتحرك كل من القعقاع وأبي ليلى في طريقين منفصلتين، وكانت المسافة إلى "الحصيد" أقصر من المسافة إلى "الخنافس"، فلمَّا اقترب القعقاع من "الحصيد" سارع رُوزَبَه القائد الفارسي فيها بطلب المساعدة من زميله زرمهر في "الخنافس"، ولكن "زرمهر" لم يجرؤ على تحريك جيشه إليه قبل استئذان قائدهما "بهمن"، إلا أنه سار بنفسه إلى "الحصيد" ليقف على حقيقة الأمور بها.

هزيمة الفرس في الحصيد

وصل القعقاع بن عمرو بجيشه إلى الحصيد في (10 من شعبان 12هـ = 20 من أكتوبر 633م)، وبدأ على الفور بمهاجمة جيوش الفرس التي كانت تفوقه عددًا وعدة، وأظهر القعقاع من ضروب الفروسية ونوادر البطولة ما أشعل الحماس في قلوب جنوده؛ فانطلقوا يحصدون رؤوس أعدائهم، وشقّ القعقاع صفوف الفرس حتى وصل إلى قائدهم رُوزَبَه، فأطاح رأسه بسيفه، إلا أن ذلك لم يفتّ في عضد جنوده الذين اندفعوا إلى القتال بشراسة شديدة، ولكن المسلمين لم تكن تنقصهم القوة والشجاعة للتصدي لهم، والكرّ عليهم، وإعمال السيف فيهم قتلا وجرحًا.

وتقدم "زرمهر" صفوف الفرس، وطلب المبارزة، فاندفع إليه أحد قادة المسلمين، وسرعان ما أرداه قتيلا مُدرجًا في دمائه. فلما رأى جنود الفرس قائدهم الثاني يخر صريعًا دبت الفوضى في صفوفهم، وساد بينهم الاضطراب، وتراجعوا بسرعة، كل منهم ينشد النجاة بنفسه، ويطلب الفرار بجلده، فانسحبوا إلى "الخنافس"، تاركين وراءهم أعدادا كبيرة من القتلى.

الهروب إلى الخنافس

وصل الجنود الفارون إلى "الخنافس" قبل وصول أبي ليلى بجيوشه إليها بوقت قصير، فانضموا إلى الجيش الفارسي بها تحت لواء قائد آخر هو "مهبوزان".

وما لبثت أن جاءت الأخبار بقدوم جيش المسلمين نحو المدينة، فلما سمع قائد الفرس أنباء قدوم جيش المسلمين إلى "الخنافس" بقيادة أبي ليلى قرر الانسحاب، وعدم الدخول مع المسلمين في معركة غير مضمونة العواقب، وآثر السلامة والنجاة بجيشه، خاصة بعد الهزيمة التي لحقت بسلفيْه على أيدي المسلمين في "الحصيد"، فخرج مهبوزان بسرعة من الخنافس، وسار بجنوده إلى "المُصَيِّخ"؛ لينضم إلى قوات العرب من النصارى المحتشدين بها والموالين للفرس.

وعندما وصل أبو ليلى إلى الخنافس وجدها خالية من الفرس، فأقام بها مدة، ثم أرسل إلى خالد بن الوليد يُنهي إليه أنباء استيلائه على المدينة، ويخبره بفرار الفرس إلى "المُصَيِّخ".
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-07-2010, 08:59 AM   #144
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ابن مالك.. صاحب الألفية

(في ذكرى وفاته: 12 من شعبان 672هـ)


"الألفية" نوع من المنظومات الشعرية في الفنون المختلفة، وقلَّما يخلو علم من علوم العربية من هذا النظم؛ حيث نجده في علم الحديث، والفقه، وأصول الفقه، والنحو، والبلاغة، والفرائض، وغيرها…، وتمتاز الألفية بأن أبياتها تبلغ ألفًا أو تقارب الألف أو تربو، ومن ذلك جاءت تسميتها بالألفية.

وصياغة العلوم نظمًا نشأت قديمًا بقصد التيسير على الدارسين للإلمام بالعلوم، وتذكر مسائلها، ومن أشهر ما عُرف من الألفيات: ألفية "ابن سينا" المتوفَّى سنة (370هـ = 980م) في أصول الطب، وألفية "ابن معط" المتوفَّى سنة (672هـ = 1273م) في النحو، وألفية "ابن مالك" المتوفى سنة (672هـ = 1273م)، وألفية "العراقي" المتوفَّى سنة (806هـ = 1404م) في علم مصطلح الحديث، وألفية "ابن البرماوي" المتوفَّى سنة (831هـ = 1427م) في علم أصول الفقه، وألفية "القباقبي" المتوفَّى سنة (850هـ = 1446م) في البلاغة، وكان للسيوطي المتوفَّى سنة (911هـ = 1505م) ألفيَّتان في علمي مصطلح الحديث والنحو.

غير أن ألفية ابن مالك في النحو هي أشهر الألفيات على اختلاف أنواعها وفنونها، وأصبح الذهن ينصرف إليها حين يُذكر اسم الألفية. وغدَت من الأصول التي لا يستغني عنها الدارسون للنحو حتى وقتنا هذا، وحسبك دليلاً على هذا أنها ما تزال حيَّة نابضة لم تضعفها كثرة السنين، وتغير الأحوال.

المولد والنشأة

في مدينة "جيَّان" بالأندلس وُلِد محمد بن عبد الله بن مالك الطائي سنة (600هـ = 1203م)، وكانت الأندلس تمرُّ بفترة من أحرج فترات تاريخها؛ حيث تساقطت قواعدها وحواضرها في أيدي القشتاليين النصارى. ولا يُعرف كثير عن حياته الأولى التي عاشها في الأندلس قبل أن يهاجر مع مَن هاجر إلى المشرق الإسلامي بعد سقوط المدن الأندلسية، ولا شك أنه حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة قبل أن يتردد على حلقات العلم في بلده، ويحفظ لنا "المقري" في كتابه المعروف "نفح الطيب" بعض أسماء شيوخ ابن مالك الذين تلقى العلم على أيديهم، فذكر أنه أخذ العربية والقراءات على ثابت بن خيار، وأحمد بن نوار، وهما من شيوخ العلم وأئمته في الأندلس.

الهجرة إلى المشرق

هاجر ابن مالك إلى المشرق الإسلامي في الفترة التي كانت تتعرَّض قواعد الأندلس لهجمات النصارى، وكان الاستيلاء على "جيان" مسقط رأس ابن مالك من أهداف ملك قشتالة، وكانت مدينة عظيمة حسنة التخطيط، ذات صروح شاهقة، وتتمتع بمناعة فائقة بأسوارها العالية، وقد تعرَّضت لحصار من النصارى سنة (327هـ = 1230م)، لكنها لم تسقط في أيديهم. وأرجح أن يكون ابن مالك قد هاجر عقب فشل هذا الحصار إلى الشام، وهناك استكمل دراسته، واتصل بجهابذة النحو والقراءات، فتتلمذ في دمشق على "علم الدين السَّخاوي" شيخ الإقراء في عصره، و"مكرم بن محمد القرشي"، و"الحسن بن الصباح"، ثم اتجه إلى "حلب"، وكانت من حواضر العلماء، ولزم الشيخ "موفق الدين بن يعيش" أحد أئمة النحو في عصره، وجالس تلميذه "ابن عمرون".

وقد هيأت له ثقافته الواسعة ونبوغه في العربية والقراءات أن يتصدر حلقات العلم في حلب، وأن تُشَدّ إليه الرِّحال، ويلتف حوله طلاب العلم، بعد أن صار إمامًا في القراءات وعِلَلها، متبحِّرًا في علوم العربية، متمكنًا من النحو والصرف لا يباريه فيهما أحد، حافظًا لأشعار العرب التي يُستشهد بها في اللغة والنحو.

ثم رحل إلى "حماة" تسبقه شهرته واستقر بها فترة، تصدَّر فيها دروس العربية والقراءات، ثم غادرها إلى القاهرة، واتصل بعلمائها وشيوخها، ثم عاد إلى دمشق، وتصدر حلقات العلم في الجامع الأموي، وعُيِّن إمامًا بالمدرسة "العادلية الكبرى"، وولِّي مشيختها، وكانت تشترط التمكن من القراءات وعلوم العربية، وظلَّ في دمشق مشتغلاً بالتدريس والتصنيف حتى تُوفِّي بها.

تلاميذه

تبوأ ابن مالك مكانة مرموقة في عصره، وانتهت إليه رئاسة النحو والإقراء، وصارت له مدرسة علمية تخرَّج فيها عدد من النابغين، كانت لهم قدم راسخة في النحو واللغة، ومن أشهر تلاميذه: ابنه "محمد بدر الدين" الذي خلف أباه في وظائفه، وشرح الألفية، و"بدر الدين بن جماعة" قاضي القضاة في مصر، و"أبو الحسن اليونيني" المحدِّث المعروف، و"ابن النحاس" النحوي الكبير، و"أبو الثناء محمود الحلبي" كاتب الإنشاء في مصر ودمشق.

مؤلفاته

كان ابن مالك غزير الإنتاج، تواتيه موهبة عظيمة ومقدرة فذَّة على التأليف، فكتب في النحو واللغة والعروض والقراءات والحديث، واستعمل النثر في التأليف، كما استخدم الشعر في بعض مؤلفاته، ومن أشهر كتبه في النحو: "الكافية الشافية"، وهي أرجوزة طويلة في قواعد والصرف، وكتاب "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" جمع فيه بإيجاز قواعد النحو مع الاستقصاء؛ بحيث أصبح يُغني عن المطوَّلات في النحو، وقد عُنِي النحاة بهذا الكتاب، ووضعوا له شروحًا عديدة.

وله في اللغة: "إيجاز التصريف في علم التصريف"، و"تحفة المودود في المقصور والممدود"، و"لاميات الأفعال"، و"الاعتضاد في الظاء والضاد".

وله في الحديث كتاب "شواهد التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح"، وهو شروح نحوية لنحو مائة حديث من صحيح البخاري.

ألفية ابن مالك

والألفية هي أشهر مؤلفات ابن مالك حتى كادت تطغى بشهرتها على سائر مؤلفاته، وقد كتب الله لها القبول والانتشار، وهي منظومة شعرية من بحر "الرجز"، تقع في نحو ألف بيت، وتتناول قواعد النحو والصرف ومسائلهما من خلال النظم بقصد تقريبهما، وتذليل مباحثهما، وقد بدأها بذكر الكلام وما يتألف منه، ثم المعرب والمبني من الكلام، ثم المبتدأ والخبر، ثم تتابعت أبواب النحو بعد ذلك، ثم تناول أبواب الصرف، وختم الألفية بفصل في الإعلال بالحذف، وفصل في الإدغام.

ومن نظمه ما قاله في الكلام وما يتألف منه:

كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كَاسْتَقِم

واسْمٌ وَفِعْلٌ، ثمَّ حَرْفٌ - الكَلِمْ

واحدُهُ كلِمَةٌ والقَوْل عَـمْ

وكِلْمَةٌ بها كـلامٌ قـد يُؤَمْ

بالجَرِّ والتَنْوِين والنِّدَا، وَأَلْ

وَمُسْنَدٍ للاسْم تَمييزٌ حَصَلْ

بتا فَعَلْتُ وَأَتت ويا افْعَلِي

ونُونِ أَقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْـجَلِي

التزم ابن مالك في الألفية المنهج الاختياري الانتقائي، الذي يقوم على المزج بين مذاهب النحاة دون ميل أو انحياز، والتخير منها والترجيح بينها، وهو منهج التزمه في مؤلفاته كلها. كما توسَّع في الاستشهاد بالحديث النبوي، واتخذه أساسًا للتقعيد النحوي إلى جانب الاستشهاد بالقرآن الكريم بقراءاته المختلفة وأشعار العرب.

يُذكر لابن مالك أنه وضع عناوين جديدة لبعض مسائل النحو، لم يستخدمها أحد قبله من النحاة، مثل باب "النائب عن الفاعل"، وكان جمهور النحاة قبله يسمُّونه: "المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله"، و"البدل المطلق" بدلاً من قولهم "بدل كل من كل"، و"المعرف بأداة التعريف" بدلاً من "التعريف بأل".

شروح الألفية

ولقد لقيت ألفية ابن مالك عناية كبيرة من العلماء، فقام بعضهم بشرحها وإعراب أبياتها، أو وضع حواشٍ وتعليقات عليها، وقد زاد عدد شرَّاح الألفية على الأربعين، من بينهم ابن مالك نفسه، وابنه "محمد بدر الدين" المتوفَّى سنة (686هـ = 1287م)، غير أن أشهر شروح الألفية وأكثرها ذيوعًا هي:

- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: للنحوي الكبير جمال الدين بن هشام الأنصاري المتوفَّى سنة (761هـ = 1359م)، وقد حقَّق هذا الكتاب العالم الجليل محمد محيي الدين عبد الحميد، وصنع له شرحًا باسم "عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك"، في أربعة مجلدات، وقد رُزِق الكتاب وشرحه القبول، فأقبل عليه طلاب العلم ينهلون منه حتى يومنا هذا.


- شرح ابن عقيل لقاضي القضاة بهاء الدين عبد الله بن عقيل، المتوفَّى سنة (769هـ = 1367م)، وهو يمتاز بالسهولة وحسن العرض، وقد حقَّق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد هذا الكتاب، ونشره في أربعة أجزاء مع تعليقه عليه بعنوان "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل"، وقد لقي هذا الشرح قبولاً واسعًا، ودرسه طلبة الأزهر في المرحلة الثانوية.

- "منهج السالك إلى ألفية ابن مالك" المعروف بـ"شرح الأشموني"، لأبي الحسن علي نور الدين بن محمد عيسى، المعروف بالأشموني، المتوفَّى سنة (929هـ = 1522م)، وهذا الشرح يُعَدّ من أكثر كتب النحو تداولاً بين طلبة العلم من وقت تصنيفه إلى الآن، وهو من أغزر شروح الألفية مادة، وأكثرها استيعابًا لمسائل النحو ومذاهب النحاة.

وبلغت العناية بأبيات الألفية أن قام بعض العلماء بإعرابها مثلما فعل الإمام "خالد الأزهري" المتوفَّى سنة (905هـ = 1499م) في كتابه "تمرين الطلاب في صناعة الإعراب"، كما قام بعض العلماء بشرح شواهد شروح الألفية، مثلما فعل "بدر الدين العيني" المتوفَّى سنة (855 هـ = 1451م) في كتابه "المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية".

وفاة ابن مالك

كان ابن مالك إمامًا، زاهدًا، ورعًا، حريصًا على العلم وحفظه، حتى إنه حفظ يوم وفاته ثمانية أبيات من الشعر، واشتهر بأنه كثير المطالعة سريع المراجعة، لا يكتب شيئًا من محفوظه حتى يراجعه في مواضعه من الكتب، وكان لا يُرى إلا وهو يُصلِّي أو يتلو القرآن الكريم، أو يصنف أو يُقرِئ القرآن تلاميذه، وظلَّ على هذه الحالة حتى تُوفِّي في (12 من شعبان 672هـ = 21 من فبراير 1274م) في دمشق، وصُلِّي عليه بالجامع الأموي.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 26-07-2010, 07:24 AM   #145
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ابن شهاب الآلوسي.. علامة العراق

(في ذكرى ميلاده: 15 من شعبان 1217 هـ)

تمتعت الأسرة الآلوسية بمنزلة رفيعة وتقدير عظيم لمكانة أبنائها واشتغالهم بالعلم وتصدرهم للدرس والإفتاء والقضاء في بغداد. وأصل هذه الأسرة من جزيرة آلوس في نهر الفرات، ومن هنا جاءت التسمية، وقد ارتحل عميد هذه الأسرة الكريمة السيد محمود الخطيب الآلوسي إلى بغداد واتخذها وطنًا في الثلث الأخير من القرن القرن الثاني عشر الهجري، وكان عالمًا صالحًا، أحسن تربية أبنائه وتعليمهم، فساروا في طريقه، وجلسوا للتدريس والقضاء، وتعاقب أحفاده يحملون راية آبائهم في تواصل جاد وعمل مثمر حتى يومنا هذا، غير أن الذي طير شهرة العائلة، وجعلها محط الأنظار هو الإمام أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله صلاح الدين بن محمود الخطيب الآلوسي.

المولد والنشأة

ولد أبو الثناء محمود الآلوسي في بغداد في (15 شعبان 1217 هـ = 11 من ديسمبر 1803م).

ونشأ في بيت علم وفضل، فأبوه واحد من كبار علماء بغداد، وكان بيته كعبة للعلماء والطلاب، حيث تعقد جلسات العلم وتطرح سائله وقضاياه المختلفة في الفقه والحديث والتفسير والنحو والبلاغة والبيان وغيرها من العلوم.

وفي هذا الجو العلمي نشأ الصبي الصغير، وتعلقت عيناه بأبيه وهو يراه يتصدر تلك الحلقات مناقشًا ومحاورًا ومعلمًا، ويلقى من الحاضرين أسمى آيات التقدير والإعجاب، وسمت نفس الصبي إلى طلب العلم وتحصيله، وكان في نفسه استعداد عظيم للعلم، وحافظة قوية تلتهم ما تقرأه، وهمة عالية في المثابرة على المذاكرة، ولم تمض عليه سنوات قليلة حتى كان قد أتم حفظ المتون في الفقه والنحو والعقيدة والفرائض قبل أن يتم الرابعة عشرة من عمره.

ولم يقتصر الآلوسي في طلب العلم على والده، بل اتجه إلى حلقات غيره من أفذاذ العلماء في عصره، فاتصل بالشيخ علي السويدي، وأمين الحلي، وخالد النقشبندي، وعبد العزيز الشواف، ثم تطلعت همته إلى السفر إلى بيروت ودمشق، ليتتلمذ على علمائها.

علاقته بداود باشا

وفي تلك الفترة كانت العراق قد شهدت بواكير نهضة مباركة قام عليها داود باشا والي بغداد النابه، فاستقدم عددًا من الخبراء الأوروبيين وعهد إليهم بإنشاء المصانع وبناء المدارس، وأقام مطبعة حديدة، وأصدر صحيفة سماها جرنال العراق، وأعاد تعمير المساجد القديمة، وعين بها جماعة من العلماء للتدريس، وكان لهذه الجهود أثر لا ينكر في تحريك الحياة الراكدة، وكان من الطبيعي أن يجد الفتى النابه في داود باشا رمزًا للنهوض واليقظة، فوقف معه وعاونه.

ولما اشتد الخلاف بين داود باشا والدولة العثمانية، وكان هو واليا من قبلها وقف الآلوسي في صف الوالي وآزره، وحشد الرأي العام في تأييده ومعاونته ضد الجيش العثماني الذي أحكم الحصار على بغداد، وشاءت الأقدار أن ينتشر الطاعون في بغداد فيعصف بالأهالي في غير رحمة، وزاد الأمر سوءا فيضان دجلة بمياه كاسحة أغرقت المدينة، ولم يجد داود باشا فائدة من المقاومة فاستسلم للجيش العثماني.

وجاء قائد الحملة ليبحث عن رجال داود باشا ومعاونيه ويزج بهم في السجون، وكان الآلوسي واحدا ممن طالتهم المحنة، وحلت بهم المصيبة، وزجوا في السجون.

في كنف الوالي الجديد

غير أن نباهة الآلوسي وسعة علمه بلغت مسامع الوالي الجديد رضا باشا، فطلب بعض مؤلفاته ليقرأها وكان على حظ من المعرفة، فنالت إعجابه، وأصدر أمرًا بالإفراج عن الآلوسي وعينه خطيبًا لجامع الشيخ عبد القادر الجيلي، وكان يحضر دروسه، فأعجب بحسن بيانه وغزارة علمه، واتفق أن أنجز كتابه "كتاب البرهان في إطاعة السلطان" فقدمه إليه، فأجازه عليه بتولية أوقاف مدرسة مرجان التاريخية، وكانت لا تُعطي إلا للجهابذة من العلماء، ثم ولاه منصب الإفتاء في بغداد وهو في الثلاثين من عمره، تقديرًا لعلمه وكفايته ونبوغه وذكائه، كان يشترط فيمن يتولى هذا المنصب الجليل في الدولة العثمانية أن يكون حنفي المذهب؛ لأنه المذهب الرسمي للدولة، وعلى الرغم من كون الآلوسي شافعي المذهب فإنه استطاع في فترة قصيرة أن يدرس المذهب في أوسع كتبه ومدوناته الكبيرة، وأن يلم بقضاياه ومسائله.

ولما ظهرت نعمة الله على الآلوسي واتسع رزقه، اشترى دارًا واسعة، وجعل قسمًا منها مسكنًا لطلابه الذين يغدون إليه من أطراف العراق وكردستان لتلقي العلم عليه، ولم يكتف الآلوسي باستقبالهم في مسكنه، وإنما امتدت إليه مظلة كرمه، فكان يطعمهم ويتكفل بهم.

محنته

لم يمكث رضا باشا في ولايته على العراق طويلا، فحل مكانه محمد نجيب، ولم يجد الآلوسي في ظل ولايته ما كان يجده عند الوالي السابق من التقدير والإجلال، بل ضاق من مكانته ونفوذه العلمي في بغداد، فانتهز فرصة اشتعال مظاهرة ضده واتهم الآلوسي بأنه الذي يقف خلفها، وسارع بغزله عن الإفتاء، وحاربه في رزقه، وحال بينه وبين السفر إلى الأستانة لمقابلة الخليفة العثماني.

واضطرته هذه الظروف الصعبة إلى بيع أثاث بيته حتى يتمكن من الإنفاق على بيته وعلى العشرات من طلابه الذين يسكنون بيته، وكانت في الشيخ عزة نفس وإباء، فلم يشأ أن يعلن عن ضيق ذات يده، وفي الوقت نفسه انشغل بإكمال تفسيره للقرآن حيث كان يجد فيه السلوى عما به من ضيق، حتى إذا انقضت سنوات المحنة انطلق إلى الأستانة ومعه تفسيره (1267 هـ = 1851م).

الرحلة إلى الأستانة

وفي دار الخلافة العثمانية استقبله محمد عارف حكمت شيخ الإسلام استقبالا حسنًا، وأشار عليه أن يكتب إلى الصدر الأعظم مذكرة عن حاله وما يرجوه، فكتب إليه، فأعجب الصدر الأعظم بما كتب، ونعم برضا الخليفة عبد المجيد، الذي رتب له مالا جزيلا كل عام، وعاد إلى بغداد بعد أن مكث في دار الخلافة واحدًا وعشرين شهرًا، وخرجت بغداد كلها في استقباله.

مؤلفاته

ترك الآلوسي مؤلفات كثيرة، إذ كان ذا قلم سيال، وفكر متدفق، ومنطق منظم، وبدأ التأليف منذ فترة باكرة وهو في الثالثة عشرة، ثم تتابعت مؤلفاته تترى في حياته المديدة، ومن هذه المؤلفات:

- الأجوبة العراقية عن الأسئلة اللاهورية، وهو إجابة لأسئلة بعث بها إليه أهالي الهند يستفتونه في بعض المسائل، وقد أجازه السلطان العثماني محمود الثاني على هذا الكتاب جائزة سنية (قيمة).

- الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية، ويحتوي على ثلاثين مسألة مهمة في الفقه والتفسير واللغة والمنطق.

- نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول، ودون فيه رحلته إلى عاصمة دار الخلافة واصفًا ما نزل به المدن، ومن قابله من الناس، وهي تعد وثيقة تاريخية تسجل فترة زمنية من التاريخ الاجتماعي والثقافي لأمتنا.

- سُفْرة الزاد لسَفْرة الجهاد، دعا فيها المسلمين إلى اليقظة علميًا واقتصاديًا وعسكريًا، وأعلن أن الجهاد فريضة محتومة أمام اعتداءات الاستعمار.

روح المعاني


غير أن أجل إنتاج الآلوسي وأعظم آثاره التي جعلت له اسمًا مدويًا، وجلبت له الذيوع والشهرة، وأنزلته منزلة رفيعة بين كبار العلماء هو تفسيره المعروف بـ"روح المعاني" في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني، وهو تفسير جامع لخلاصة كل ما سبقه من التفاسير مثل تفسير ابن عطية وتفسير أبي حيان، والكشاف للزمخشري وتفسير أبي السعود وتفسير البيضاوي وتفسير الفخر الرازي، وصاغ من ذلك كله تفسيره بعد أن أطال النظر فيما قرأ، ووازن وقارن ورجح ما اختاره، معتمدًا على زاد كبير من الثقافة الواسعة في علوم الشرع واللغة.

وتوسع الآلوسي في تفسيره في المسائل البلاغية، وعني بمسائل النحو ولزم حدود الاعتدال في مناقشة الآراء الفقهية المخالفة للمذهب الحنفي.

وفاة الآلوسي

كان الآلوسي إمامًا لمدرسة كبيرة امتدت به، وتأثرت بطريقته ومنهجه في التأليف، ولولاه لربما تاخرت النهضة العلمية في العراق؛ لأن تلاميذه حملوا رايته ونهجوا طريقته، فاتصل تأثيره في الأجيال اللاحقة ولم ينقطع، وقد مدح في حياته ورثي بعد مماته بأشعار كثيرة لم تتح نظائرها إلا للملوك والأمراء، وقد جمع تلميذه الأديب عبد الفتاح الشواف، وابنه أبو البركات نعمان خير الدين هذه الأشعار في كتاب كبير من مجلدين سمياه: حديقة الورود في مدائح أبي الثناء محمود.

ولم تطل الحياة بعد عودة الآلوسي من عاصمة دار الخلافة، حيث لقي ربه في (25 من ذي القعدة سنة 1270 هـ = 19 أغسطس 1854م).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-07-2010, 12:01 PM   #146
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

عبد الحميد الثاني وجدل لم ينتهِ

(في ذكرى ميلاده: 16 شعبان 1258هـ)


السلطان العثماني عبد الحميد الثاني شخصية تاريخية أثارت جدلا كثيرا خرج بأحكام متباينة على الرجل؛ حيث ينظر إليه البعض على أنه مصلح عادل، حكم دولة مترامية الأطراف متعددة الأعراق بدهاء وذكاء، ومدّ في عمر الدولة والخلافة العثمانية، ووقف ضد الأطماع الاستعمارية الغربية لاقتسام تركة "رجل أوربا المريض"، مستفيدًا من تضارب هذه الأطماع، فضلا عن موقفه الحازم والرافض لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين..

بينما ينظر إليه آخرون على أنه مستبد ظالم ديكتاتور، حكم هذه الإمبراطورية الشاسعة لمدة 33 عامًا حكمًا فرديًا، كانت كلمته هي الأولى والأخيرة؛ واضطهد الأحرار، وقتل بعضهم، وطارد البعض الآخر، ولم يسلم منه إلا من خضع له.

إلا أن القارئ والمستطلع الواعي يحتاج إلى أن ينظر بعينيه الاثنتين متفحصا وجهتي النظر السابقتين؛ حتى لا تصاب رؤيته بالأحادية فيصدر أحكامًا صارمة وجائرة على شخصيات وأحداث متعددة الجوانب والأبعاد، وفي هذا إهدار لقيمة التاريخ الذي سجّل لنا حسنات الرجل وسيئاته.

المولد والنشأة

ولد عبد الحميد يوم الأربعاء (16 شعبان 1258 هـ = 22 سبتمبر 1842م)، وهو ابن السلطان عبد المجيد الأول الذي يعد أول سلطان عثماني يضفي على حركة التغريب في الدولة العثمانية صفة الرسمية، وعُرف عهده بعهد التنظيمات، الذي يعني تنظيم شئون الدولة وفق المنهج الغربي.

أما أمه فهي "تيرمشكان" جركسية الأصل توفيت عن 33 عاما، ولم يتجاوز ابنها عشر سنوات، فعهد بعبد الحميد إلى زوجة أبيه "بيرستو قادين" التي اعتنت بتربيته، وأولته محبتها؛ لذا منحها عند صعوده للعرش لقب "السلطانة الوالدة".

تعلم عبد الحميد اللغتين العربية والفارسية، ودرس الكثير من كتب الأدب والدواوين الشعرية والتاريخ والموسيقى والعلوم العسكرية والسياسية، وكان يحب مهنة النجارة ويقضي فيها الوقت الكثير، وما تزال بعض آثاره النجارية موجودة في المتحف.

توفي والده وعمره 18 عامًا، وصار ولي عهد ثان لعمه "عبد العزيز"، الذي تابع نهج أخيه في مسيرة التغريب والتحديث، واستمر في الخلافة 15 عاما شاركه فيها عبد الحميد في بعض سياحاته ورحلاته إلى أوروبا ومصر.

التقى عبد الحميد في خلافة عمه بعدد من ملوك العالم الذين زاروا إستانبول. وعُرف عنه مزاولة الرياضة وركوب الخيل والمحافظة على العبادات والشعائر الإسلامية والبعد عن المسكرات والميل إلى العزلة، وكان والده يصفه بالشكاك الصامت.

قتل السلطان عبد العزيز في مؤامرة دبرها بعض رجال القصر، واعتلى العرش من بعده مراد الخامس شقيق عبد الحميد، ولكنه لم يمكث على العرش إلا 93 يومًا فقط، حيث تركه لإصابته باختلال عقلي.

تولي الخلافة



بويع عبد الحميد بالخلافة في (9 شعبان 1293 هـ = 31 أغسطس 1876)، وكان في الرابعة والثلاثين من عمره، وهو الخليفة السابع والعشرون في الخلفاء العثمانيين، وتولَّى العرش مع اقتراب حرب عثمانية روسية جديدة، وظروف دولية معقدة، واضطرابات في بعض أجزاء الدولة، خاصة في البلقان.

اجتمعت الدول الكبرى في إستانبول في مؤتمر "ترسخانة" في (5 ذي الحجة 1293 = 23 ديسمبر 1876م)، لمناقشة الحرب القادمة، وتزامن ذلك مع إعلان المشروطية الأولى (الدستور)، ثم افتتاح مجلس المبعوثان (النواب) المنتخب من الولايات العثمانية المختلفة، حيث بدأت الخطوات الحثيثة نحو النظام البرلماني. ومع دق طبول الحرب العثمانية الروسية سحبت الدول الكبرى سفراءها من إستانبول، وتركت العثمانيين وحدهم أمام الروس.

وقعت الحرب في منتصف عام (1294 هـ = 1877م)، وعرفت بحرب 93، وتعد من كبرى حروب ذلك الوقت، ومني فيها العثمانيون بهزيمة كبيرة، واقترب الروس من إستانبول لولا تكتل الدول الأوروبية ضد روسيا، وحضور الأسطول الإنجليزي إلى ميناء إستانبول، وأُمليت على العثمانيين معاهدتي صلح هزليتين هما: آيا ستافانوس، وبرلين، اقتطعت فيهما بعض أراضي الدولة العثمانية، وفُرضت عليها غرامات باهظة، وهُجّر مليون مسلم بلغاري إلى إستانبول.

تعطيل الدستور

شعر السلطان عبد الحميد بأنه أجبر على قرار الحرب بسبب ضغوط مدحت باشا -الصدر الأعظم - الذي حرّض طلبة العلوم الدينية العليا للقيام بمظاهرات تجبر السلطان على الحرب. تصاعد الرأي العام على إثر هذه المظاهرات داعيا إلى الحرب. رأى السلطان أن هناك قصورًا في الرأي العام ممثلا في المجلس الذي دفع بالأمة إلى الحرب في غير وقتها وبدون استعداد لها أو حاجة إليها؛ لذلك قام بتعطيل الحياة النيابية إلى أجل غير مسمى في (9 صفر 1295 هـ = 13 فبراير 1878م)، واستمر هذا التعطيل مدة ثلاثين عاما ونصف، بعد حياة نيابية استمرت عاما واحدا.

والملاحظ أن السلطان لم يلغِ الدستور أو ينحيه، بل استمر نشر الدستور في النشرة السنوية للدولة طيلة 31 عاما متوالية دون انقطاع، وإن كانت أحكامه لم تطبق. ولم يجتمع مجلس الأعيان، ولكنهم استمروا في تقاضي مرتباتهم بصورة رسمية مدى الحياة.. وعلى هذا الأساس فإن السلطان أدار دولته بصورة شخصية دون مجلس، في ظل دستور يمنع تدخل السلطان في شئون الحكومة؛ لهذا وسم السلطان بصفة المستبد والديكتاتور.

وقد استصوب السياسي الألماني بسمارك ما فعله السلطان عبد الحميد من حل مجلس المبعوثان (النواب)، وعلَّق عليه بقوله: "إن لم يكن قوام الدولة شعبًا واحدًا، فإن ضرر مجلسها يكون أكبر من نفعه".

حكم السلطان حكمًا فرديًا من مقر إقامته في قصر ييلذر، وربط جميع مؤسسات الإمبراطورية بشخصه، غير أنه لم يستعمل القوة القسرية في حكمه، حيث لم يتدخل الجيش في الشئون الداخلية، وإن اعتمد السلطان على تحريات الأمن التي قامت بالعديد من التجاوزات.

ويلاحظ أن السلطان عبد الحميد كان بعيدًا عن سفك الدماء أو أسلوب الاغتيالات وتصفية معارضيه، وكان لا يلجأ إلى عقوبة السجن إلا في القليل، ثم يغيرها بالنفي. ولم يصدّق خلال سلطته الطويلة إلا على خمس عقوبات إعدام فقط، وهي أقل عدد من عقوبات الإعدام في تاريخ تركيا كلها.

الديون العثمانية

بلغت الديون العثمانية الخارجية عند تولي السلطان عبد الحميد الثاني حوالي 252 مليون قطعة ذهبية، وهو مبلغ كبير بمقياس ذلك العصر، فأقنع السلطان الدول الدائنة بإسقاط 146 مليونًا. ولتسديد المبلغ الباقي وُضعت بعض مؤسسات الدولة تحت تصرف مؤسسة الديون العمومية، وتمكن بهذه الوسيلة من تسديد هذه الديون، وكان حريصًا طوال عهده على عدم الاستدانة من الخارج إلا في أضيق الحدود.

سياسته ومشاريعه

كان عبد الحميد الثاني يرى ضرورة العمل على توحيد القوى الإسلامية لمجابهة الروح الاستعمارية الطامعة في الدولة العثمانية؛ لذلك سعى إلى طرح شعار الجامعة الإسلامية، وجعلها سياسة عليا لدولة الخلافة، فعمل على تدعيم أواصر الأخوة بين مسلمي الصين والهند وإفريقيا، ورأى في ذلك الشعار وسيلة لتوحيد الصفوف حوله وحول دولته في الداخل والخارج؛ فاستعان بمختلف الرجال والدعاة والوسائل لتحقيق غرضه، فأقام الكليات والمدارس، وربط أجزاء الدولة بـ30 ألف كيلومتر من البرق والهاتف، وبنى غواصة وعني بتسليح الجيش.

إلا أن أعظم مشروعاته الحضارية هو سكة حديد الحجاز لتيسير الحج على المسلمين، بحيث يستعاض بهذا المشروع عن طريق القوافل الذي كان يستغرق السفر به أربعين يومًا، وانخفضت المدة بالخط الحديدي إلى أربعة أيام.

وقد خلق هذا المشروع العملاق حماسة دينية بالغة بعدما نشر عبد الحميد الثاني بيانًا على المسلمين يدعوهم فيه للتبرع، وافتتح القائمة بمبلغ كبير؛ فتهافت المسلمون من الهند والصين وبقية العالم على التبرع، باعتبار أن هذا المشروع هو مشروع المسلمين أجمعين. ووصل أول قطار إلى المدينة المنورة في (رجب 1326 هـ = أغسطس 1908م)، بعد ثمانية أعوام من الحماسة والعمل الدائبين.

عبد الحميد والدول الكبرى

كان السلطان شخصيًا غير مرغوب فيه بالنسبة للدول الأوروبية؛ لأنه يمسك في قبضته ملايين المسيحيين، وبصفته خليفة للمسلمين فإن له نفوذا وسلطانا روحيا على رعايا الدول الأوروبية المسلمين.

لم يكن من الممكن لأي من الدول الكبرى أن تقتطع أجزاء من الدولة العثمانية في أوروبا أو البلقان في ظل وجود عبد الحميد الثاني؛ لذا أخذت فكرة إسقاطه تكتسب ثقلا كبيرًا في لندن وباريس.

كما أن سياساته فيما يتعلق بالجامعة الإسلامية وسكة حديد الحجاز وبغداد، ونجاحه في تشييد سكة حديد بغداد برأسمال ألماني (وبذلك استطاع إدخال ألمانيا إلى قائمة الدول المتنافسة في منطقة خليج البصرة الغنية بالبترول، وضمن عدم اقتراب بريطانيا، وحماية السكة الحديد باعتبار ألمانيا صاحبة امتيازها) كل ذلك أقلق إنجلترا، وأثار عدم ارتياح روسيا، وخلق صلابة في التصميم الأوروبي على ضرورة التخلص من هذا الخليفة الماكر الذي استطاع بدهائه تحييد القوى الأوروبية.

عبد الحميد واليهود

كان الحادث المهم الذي أثار أوروبا ضد السلطان عبد الحميد هو رفضه إسكان وتوطين المهاجرين اليهود في فلسطين، فقد كانت أوروبا المسيحية تريد تصدير مشكلة اليهود التي تعاني منها إلى الدولة العثمانية.

وكان أول اتصال بين "هرتزل" رئيس الجمعية الصهيونية، والسلطان عبد الحميد، بعد وساطة قام بها سفير النمسا في إستانبول، في (المحرم 1319 هـ = مايو 1901م)، وعرض هرتزل على السلطان توطين اليهود في فلسطين، وفي المقابل سيقدم اليهود في الحال عدة ملايين من الليرات العثمانية الذهبية كهدية ضخمة للسلطان، وسيقرضون الخزينة العثمانية مبلغ مليوني ليرة أخرى.

أدرك السلطان أن هرتزل يقدم له رشوة من أجل تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وبمجرد تحقيقهم لأكثرية سكانية سيطالبون بالحكم الذاتي، مستندين إلى الدول الأوروبية.. فأخرجه السلطان من حضرته بصورة عنيفة.

يقول السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته عن سبب عدم توقيعه على هذا القرار: "إننا نكون قد وقَّعنا قرارًا بالموت على إخواننا في الدين". أما هرتزل فأكد أنه يفقد الأمل في تحقيق آمال اليهود في فلسطين، وأن اليهود لن يدخلوا الأرض الموعودة (فلسطين) طالما أن السلطان عبد الحميد قائمًا في الحكم مستمرًا فيه.

كانت صلابة عبد الحميد الثاني سببًا رئيسًا في تأخير مشروع الصهيونية العالمية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين؛ لذلك سعى اليهود للإيقاع بالسلطان وتشويه صورته أثناء حكمه، وكذلك في التاريخ، وتغلغل بعضهم في جمعية الاتحاد والترقي التي أسقطت السلطان، وكان على رأسهم "عمانويل كراسو".
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-07-2010, 12:07 PM   #147
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

السلطان والأرمن

عاش الأرمن كغيرهم من الأجناس التي ضمتها الإمبراطورية العثمانية، واحتل بعضهم منصب الوزير، وكان تعدادهم داخل الدولة لا يزيد على مليوني شخص. ونصت معاهدة برلين على إجراء إصلاحات لصالح الأرمن في 6 ولايات عثمانية في الأناضول، ولم تكن تبلغ أكبر نسبة لكثافتهم السكانية في أي ولاية أكثر من 20%، إلا أن السلطان رفض تطبيق هذه المادة من المعاهدة؛ فقام الأرمن -بإيعاز من بعض الدول الكبرى- بارتكاب مذابح بشعة ضد المسلمين القرويين، حيث بقروا بطون الحوامل وقتلوا النساء، وقطعوا عورات الرجال وحرقوا المساجد، ولم يجد عبد الحميد بُدًا من مواجهة هذا الإرهاب الصليبي، فشنت بالتالي الصحافة الغربية حملة شعواء عليه ووصفته بالسلطان الأحمر.

كذلك عمل السلطان على تشكيل فرق من الأكراد لحماية المسلمين العزل في الأناضول عرفت بأفواج الخيالة الحميدية. ويقول أحد المؤرخين: "إن هذه السياسة حافظت على الوجود الكردي والمسلم في الأناضول حتى اليوم".

لم يكتف الأرمن بإشاعة الفوضى وارتكاب المذابح بحق القرويين، بل قاموا بأعمال شغب في إستانبول نفسها سنة (1313 هـ = 1892م) و(1314 هـ = 1896م)، وقد واجهتها القوات العثمانية بحزم، أما الدول الكبرى فتركت الأرمن لحالهم بعد أن أوقعتهم في الأزمة، فحاول الأرمن جذب انتباه الدول العظمى إليهم فخططوا لاغتيال السلطان عبد الحميد سنة (1323 هـ = 1905م) فيما عرف بحادث القنبلة، لكنهم فشلوا في اغتيال السلطان، ومات بعض الأمراء والجنود، وقبض على المتآمر البلجيكي "جوريس"، لكن السلطان عفا عنه، بل استخدمه في جمع معلومات له في أوروبا.

عبد الحميد والاتحاد والترقي

الاتحاد والترقي هو أول حزب سياسي في الدولة العثمانية، ظهر عام (1308 هـ = 1890م) كحزب سري يهدف إلى معارضة حكم عبد الحميد الثاني والتخلص منه، وبعدما اكتشف السلطان أمر الحزب سنة (1315 هـ = 1897م) نفى الكثير من أعضائه إلى الخارج، وهرب بعضهم إلى باريس، ثم اجتمع المعارضون لحكم السلطان في باريس في (ذي القعدة 1319 هـ = فبراير 1902م) في مؤتمر أطلقوا عليه "مؤتمر الأحرار العثمانية"، واتخذ قرارات مهمة، منها تأسيس إدارات محلية مستقلة على أساس القوميات، وهو ما يعني تمزيق الإمبراطورية العثمانية، غير أن هذا القرار اعترض عليه بعض الحاضرين في المؤتمر، ثم طالب المؤتمرون من الدول الأوروبية التدخل لإنهاء حكم السلطان عبد الحميد وإقصائه عن العرش.

افتتح الاتحاد والترقي فروعًا له داخل الدولة العثمانية التحق بها عدد كبير من الضباط الشباب وذوي الرتب الصغيرة، ثم تزايد عدد الضباط حتى قيل إن كل ضباط الجيش العثماني الثالث في البلقان سنة (1326 هـ = 1908م) كانوا منضمين إلى الاتحاد والترقي. وتحالفت الجمعية مع الثوار في البلقان، وأهدرت عصابات البلغار واليونانيين كثيرًا من دماء المسلمين بالاتفاق مع الاتحاديين بغرض هدم النظام الحميدي. وبدأ الاتحاديون في قتل الموظفين العثمانيين الذين لا يتعاونون معهم.

بعد كثير من الاضطرابات والوقائع قرر السلطان عبد الحميد استئناف تطبيق الدستور في جمادى الآخرة (1326 هـ = يوليو 1908م)، وتولت جمعية الاتحاد والترقي الحكم، وأعلنت تطبيقها لمبادئ الثورة الفرنسية.

والواقع أن تولي الاتحاد والترقي الحكم لم يؤسس الديمقراطية، وإنما تحول النظام إلى حزب واحد وديكتاتورية واحدة حوت جميع العناصر الراغبة في تمزيق الدولة. وكما يقول أحد المؤرخين: "لو كانت المشروطية الثانية نتيجة حركة شعبية، لأمكن تخطي الخطوة الأولى للديمقراطية"، وكان ضباط الاتحاد والترقي يقولون بأن المشروطية الثانية هي ضيعتهم وحدهم دون غيرهم، واقترن إعلان الدستور ببعض الحوادث المؤلمة للدولة العثمانية؛ إذ أعلنت بلغاريا وكريت انفصالهما عن الدولة العثمانية والانضمام لليونان، واستقلت البوسنة والهرسك.

حادث 31 مارت

رأى الاتحاديون ضرورة التخلص من السلطان عبد الحميد وإسقاط حكمه، واتفقت هذه الرغبة مع رغبة الدول الأوروبية الكبرى خاصة بريطانيا التي رأت في ذلك الخطوة الأولى لتمزيق الإمبراطورية العثمانية، وشعر اليهود والأرمن أنهم اقتربوا كثيرًا من أهدافهم؛ لذلك كانت أحداث 31 مارت (هو الشهر الأول من شهور السنة الرومية، ويقابل شهر إبريل، مع فارق بين الشهرين مقداره 18 يوما) ويوافق يوم (21 ربيع أول 1327 هـ = 13 إبريل 1909)؛ حيث حدث اضطراب كبير في إستانبول قتل فيه بعض جنود الاتحاد والترقي.

وعلى إثر ذلك جاءت قوات موالية للاتحاد والترقي من سلانيك، ونقلت إلى إستانبول، وانضمت إليها بعض العصابات البلغارية والصربية، وادعت هذه القوات أنها جاءت لتنقذ السلطان من عصاة إستانبول، وأراد قادة الجيش الأول الموالي للسلطان عبد الحميد منع هذه القوات من دخول إستانبول والقضاء عليها إلا أن السلطان رفض ذلك، وأخذ القسم من قائد الجيش الأول بعدم استخدام السلاح ضدهم؛ فدخلت هذه القوات إستانبول بقيادة محمود شوكت باشا وأعلنت الأحكام العرفية، وسطوا على قصر السلطان وحاولوا الحصول على فتوى من مفتي الدولة بخلع السلطان لكنه رفض، فحصلوا على فتوى بتهديد السلاح.

واتهم المتآمرون الثائرون السلطان بأنه وراء حادث 31 مارت، وأنه أحرق المصاحف، وأنه حرّض المسلمين على قتال بعضهم بعضًا، وهي ادعاءات كاذبة كان هدفها خلع السلطان عبد الحميد، وأعلنوا عزله.

ندب الثائرون أربعة موظفين لتبليغ السلطان بقرار العزل، وهم: يهودي وأرمني وألباني وجرجي، وهكذا أخذ اليهود والأرمن ثأرهم من عبد الحميد الثاني. واعترف الاتحاديون بعد ذلك بأنهم أخطئوا في انتخابهم لهذه الهيئة.

تنازل السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش لأخيه محمد رشاد في (6 ربيع آخر 1327 هـ = 27 إبريل 1909م)، وانتقل مع 38 شخصًا من حاشيته إلى سلانيك بطريقة مهينة ليقيم في المدينة ذات الطابع اليهودي في قصر يمتلكه يهودي بعدما صودرت كل أملاكه وأمواله، وقضى في قصره بسلانيك سنوات مفجعة تحت رقابة شديدة جدًا، ولم يسمح له حتى بقراءة الصحف.

الوفاة

وقد تُوفِّي السلطان عبد الحميد الثاني في (28 ربيع آخر 1336 هـ = 10 فبراير 1918م) عن ستة وسبعين عامًا، واشترك في تشييع جنازته الكثير من المسلمين، ورثاه كثير من الشعراء، بمن فيهم أكبر معارضيه "رضا توفيق" الذي كتب يقول:

عندما يذكر التاريخ اسمك

يكون الحق في جانبك ومعك أيها السلطان العظيم

كنا نحن الذين افترينا دون حياء

على أعظم سياسي العصر

قلنا: إن السلطان ظالم، وإن السلطان مجنون

قلنا لا بد من الثورة على السلطان

وصدقنا كل ما قاله لنا الشيطان
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-08-2010, 05:28 AM   #148
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

بلاط الشهداء.. وتوقف المد الإسلامي بأوروبا

(في ذكرى نشوبها: 2 رمضان 702هـ)

فتح المسلمون الأندلس سنة (92 هـ = 711م) في عهد الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك"، وغنموا ملك القوط على يد الفاتحين العظيمين طارق بن زياد وموسى بن نصير، وأصبحت الأندلس منذ ذلك الوقت ولاية إسلامية تابعة لدولة الخلافة الأموية، وتعاقب عليها الولاة والحكام ينظمون شئونها ويدبرون أحوالها، ويواصلون الفتح الإسلامي إلى ما وراء جبال ألبرت في فرنسا.

ولم يكد يمضي على فتح الأندلس سنوات قليلة حتى نجح المسلمون في فتح جنوبي فرنسا واجتياح ولاياتها، وكانت تعرف في ذلك الحين بالأرض الكبيرة أو بلاد الغال، وكان بطل هذه الفتوحات هو "السمح بن مالك" والي الأندلس، وكان حاكما وافر الخبرة، راجح العقل، نجح في ولايته للأندلس؛ فقبض على زمام الأمور، وقمع الفتن والثورات، وأصلح الإدارة والجيش.

وفي إحدى غزواته التقى السمح بن مالك بقوات الفرنجة في تولوشة (تولوز)، ونشبت معركة هائلة ثبت فيها المسلمون ثباتا عظيما على قلة عددهم وأبدوا شجاعة نادرة، وفي الوقت الذي تأرجح فيه النصر بين الفريقين سقط السمح بن مالك شهيدًا من فوق جواده في (9 من ذي الحجة 102 هـ = 9 من يونيو 721م)، فاضطربت صفوف الجيش واختل نظامه وارتد المسلمون إلى "سبتمانيا" بعد أن فقدوا زهرة جندهم.

مواصلة الفتح

وعلى إثر استشهاد السمح بن مالك تولّى عبد الرحمن الغافقي القيادة العامة للجيش وولاية الأندلس، حتى تنظر الخلافة الأموية وترى رأيها، فقضى الغافقي بضعة أشهر في تنظيم أحوال البلاد وإصلاح الأمور حتى تولّى "عنبسة بن سحيم الكلبي" ولاية الأندلس في (صفر سنة 103 هـ = أغسطس من 721م)، فاستكمل ما بدأه الغافقي من خطط الإصلاح وتنظيم شئون ولايته والاستعداد لمواصلة الفتح، حتى إذا تهيأ له ذلك سار بجيشه في أواخر سنة (105 هـ = 724م) فأتم فتح إقليم سبتمانيا، وواصل سيره حتى بلغ مدينة "أوتون" في أعالي نهر الرون، وبسط سلطانه في شرق جنوبي فرنسا، وفي أثناء عودته إلى الجنوب داهمته جموع كبيرة من الفرنج، وكان في جمع من جيشه؛ فأصيب في هذه المعركة قبل أن ينجده باقي جيشه، ثم لم يلبث أن تُوفِّي على إثرها في (شعبان 107 هـ = ديسمبر 725م).

وبعد وفاته توقف الفتح وانشغلت الأندلس بالفتن والثورات، ولم ينجح الولاة الستة الذين تعاقبوا على الأندلس في إعادة الهدوء والنظام إليها والسيطرة على مقاليد الأمور، حتى تولى عبد الرحمن الغافقي أمور الأندلس في سنة (112 هـ = 730م).

عبد الرحمن الغافقي

لم تكن أحوال البلاد جديدة عليه فقد سبق أن تولى أمورها عقب استشهاد السمح بن مالك، وعرف أحوالها وخبر شئونها، ولا تمدنا المصادر التاريخية بشيء كثير عن سيرته الأولى، وجل ما يعرف عنه أنه من التابعين الذين دخلوا الأندلس ومكنته شجاعته وقدراته العسكرية من أن يكون من كبار قادة الأندلس، وجمع إلى قيادته حسن السياسة وتصريف الأمور؛ ولذا اختاره المسلمون لقيادة الجيش وإمارة الأندلس عقب موقعه "تولوشة".

كان الغافقي حاكما عادلا قديرا على إدارة شئون دولته، وتجمع الروايات التاريخية على كريم صفاته، وتشيد بعدله، فرحبت الأندلس بتعيينه لسابق معرفتها به وبسياسته، ولم يكن غريبا أن يحبه الجند لرفقه ولينه، وتتراضى القبائل العربية فتكف عن ثوراتها، ويسود الوئام إدارة الدولة والجيش.

غير أن هذا الاستقرار والنظام الذي حل بالأندلس نغصه تحركات من الفرنج والقوط واستعداد لمهاجمة المواقع الإسلامية في الشمال، ولم يكن لمثل الغافقي أن يسكت وهو رجل مجاهد عظيم الإيمان، لا تزال ذكريات هزيمة تولوشة تؤرق نفسه، وينتظر الفرصة السانحة لمحو آثارها، أما وقد جاءت فلا بد أن ينتهزها ويستعد لها أحسن استعداد، فأعلن عزمه على الفتح، وتدفق إليه المجاهدون من كل جهة حتى بلغوا ما بين سبعين ومائة ألف رجل.

خط سير الحملة

جمع عبد الرحمن جنده في "بنبلونة" شمال الأندلس، وعبر بهم في أوائل سنة (114 هـ = 732م) جبال ألبرت ودخل فرنسا (بلاد الغال)، واتجه إلى الجنوب إلى مدينة "آرال" الواقعة على نهر الرون؛ لامتناعها عن دفع الجزية وخروجها عن طاعته، ففتحها بعد معركة هائلة، ثم توجه غربا إلى دوقية أقطاينا "أكويتين"، وحقق عليها نصرا حاسما على ضفاف نمهر الدوردوني ومزّق جيشها شر ممزق، واضطر الدوق "أودو" أن يتقهقر بقواته نحو الشمال تاركا عاصمته "بردال" (بوردو) ليدخلها المسلمون فاتحين، وأصبحت ولاية أكويتين في قبضة المسلمين تماما، ومضى الغافقي نحو نهر اللوار وتوجه إلى مدينة "تور" ثانية مدائن الدوقية، وفيها كنيسة "سان مارتان"، وكانت ذات شهرة فائقة آنذاك؛ فاقتحم المسلمون المدينة واستولوا عليها.

ولم يجد الدوق "أودو" بدا من الاستنجاد بالدولة الميروفنجية، وكانت أمورها في يد شارتل مارتل، فلبى النداء وأسرع بنجدته، وكان من قبل لا يُعنى بتحركات المسلمين في جنوب فرنسا؛ نظرا للخلاف الذي كان بينه وبين أودو دوق أقطانيا

استعداد الفرنجة

وجد شارل مارتل في طلب نجدته فرصة لبسط نفوذه على أقطانيا التي كانت بيد غريمه، ووقف الفتح الإسلامي بعد أن بات يهدده، فتحرك على الفور ولم يدخر جهدا في الاستعداد، فبعث يستقدم الجند من كل مكان فوافته جنود أجلاف أقوياء يحاربون شبه عراة، بالإضافة إلى جنده وكانوا أقوياء لهم خبرة بالحروب والنوازل، وبعد أن أتم شارل مارتل استعداده تحرك بجيشه الجرار الذي يزيد في عدده على جيش المسلمين يهز الأرض هزا، وتردد سهول فرنسا صدى أصوات الجنود وجلباتهم حتى وصل إلى مروج نهر اللوار الجنوبية.

اللقاء المرتقب

كان الجيش الإسلامي قد انتهى بعد زحفه إلى السهل الممتد بين مدينتي بواتييه وتور بعد أن استولى على المدينتين، وفي ذلك الوقت كان جيش شارل مارتل قد انتهى إلى اللوار دون أن ينتبه المسلمون بقدوم طلائعه، وحين أراد الغافقي أن يقتحم نهر اللوار لملاقاة خصمه على ضفته اليمنى قبل أن يكمل استعداده فاجأه مارتل بقواته الجرارة التي تفوق جيش المسلمين في الكثرة، فاضطر عبد الرحمن إلى الرجوع والارتداد إلى السهل الواقع بين بواتييه وتور، وعبر شارل بقواته نهر اللوار وعسكر بجيشه على أميال قليلة من جيش الغافقي.

وفي ذلك السهل دارت المعركة بين الفريقين، ولا يُعرف على وجه الدقة موقع الميدان الذي دارت فيه أحداث المعركة، وإن رجحت بعض الروايات أنها وقعت على مقربة من طريق روماني يصل بين بواتييه وشاتلرو في مكان يبعد نحو عشرين كيلومترا من شمالي شرق بواتييه يسمّى بالبلاط، وهي كلمة تعني في الأندلس القصر أو الحصن الذي حوله حدائق؛ ولذا سميت المعركة في المصادر العربية ببلاط الشهداء لكثرة ما استشهد فيها من المسلمين، وتسمّى في المصادر الأوربية معركة "تور- بواتييه".

ونشب القتال بين الفريقين في (أواخر شعبان 114 هـ = أكتوبر 732م)، واستمر تسعة أيام حتى أوائل شهر رمضان، دون أن يحقق أحدهما نصرا حاسما لصالحه.

وفي اليوم العاشر نشبت معركة هائلة، وأبدى كلا الفريقين منتهى الشجاعة والجلد والثبات، حتى بدأ الإعياء على الفرنجة ولاحت تباشير النصر للمسلمين، ولكن حدث أن اخترقت فرقة من فرسان العدو إلى خلف صفوف المسلمين، حيث معسكر الغنائم، فارتدت فرقة كبيرة من الفرسان من قلب المعركة لرد الهجوم المباغت وحماية الغنائم، غير أن هذا أدى إلى خلل في النظام، واضطراب صفوف المسلمين، واتساع في الثغرة التي نفذ منها الفرنجة.

وحاول الغافقي أن يعيد النظام ويمسك بزمام الأمور ويرد الحماس إلى نفوس جنده، لكن الموت لم يسعفه بعد أن أصابه سهم غادر أودى بحياته فسقط شهيدا في الميدان، فازدادت صفوف المسلمين اضطرابا وعم الذعر في الجيش، ولولا بقية من ثبات راسخ وإيمان جياش، ورغبة في النصر لحدثت كارثة كبرى للمسلمين أمام جيش يفوقهم عددا. وصبر المسلمون حتى أقبل الليل فانتهزوا فرصة ظلام الليل وانسحبوا إلى سبتمانيا، تاركين أثقالهم ومعظم أسلابهم غنيمة للعدو.

ولما لاح الصباح نهض الفرنجة لمواصلة القتال فلم يجدوا أحدا من المسلمين، ولم يجدوا سوى السكون الذي يطبق على المكان، فتقدموا على حذر نحو الخيام لعل في الأمر خديعة فوجدوها خاوية إلا من الجرحى العاجزين عن الحركة؛ فذبحوهم على الفور، واكتفى شارل مارتل بانسحاب المسلمين، ولم يجرؤ على مطاردتهم، وعاد بجيشه إلى الشمال من حيث أتى.

تحليل المعركة

تضافرت عوامل كثيرة في هذه النتيجة المخزية، منها أن المسلمين قطعوا آلاف الأميال منذ خروجهم من الأندلس، وأنهكتهم الحروب المتصلة في فرنسا، وأرهقهم السير والحركة، وطوال هذا المسير لم يصلهم مدد يجدد حيوية الجيش ويعينه على مهمته، فالشقة بعيدة بينهم وبين مركز الخلافة في دمشق، فكانوا في سيرهم في نواحي فرنسا أقرب إلى قصص الأساطير منها إلى حوادث التاريخ، ولم تكن قرطبة عاصمة الأندلس يمكنها معاونة الجيش؛ لأن كثيرًا من العرب الفاتحين تفرقوا في نواحيها.

وتبالغ الروايات في قصة الغنائم وحرص المسلمين على حمايتها، فلم تكن الغنائم تشغلهم وهم الذين قطعوا هذه الفيافي لنشر الإسلام وإعلاء كلمته، ولم نألف في حروب المسلمين الحرص عليها وحملها معهم أينما ذهبوا، ولو كانوا حريصين عليها لحملوها معهم في أثناء انسحابهم في ظلمة الليل، في الوقت التي تذكر فيه الروايات أن الجيش الإسلامي ترك خيامه منصوبة والغنائم مطروحة في أماكنها.

نتائج المعركة

كثر الكلام حول هذه المعركة، وأحاطها المؤرخون الأوربيون باهتمام مبالغ، وجعلوها معركة فاصلة، ولا يخفى سر اهتمامهم بها؛ فمعظمهم يعدها إنقاذًا لأوروبا، فيقول "إدوارد جيبون" في كتاب "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية" عن هذه المعركة: "إنها أنقذت آباءنا البريطانيين وجيراننا الفرنسيين من نير القرآن المدني والديني، وحفظت جلال روما، وشدت بأزر النصرانية".

ويقول السير "إدوارد كريزي": "إن النصر العظيم الذي ناله شارل مارتل على العرب سنة 732م وضع حدا حاسما لفتوح العرب في غرب أوروبا، وأنقذ النصرانية من الإسلام".

ويرى فريق آخر من المؤرخين المعتدلين في هذا الانتصار نكبة كبيرة حلت بأوروبا، وحرمتها من المدنية والحضارة، فيقول "جوستاف لوبون" في كتابه المعروف "حضارة العرب"، الذي ترجمه "عادل زعيتر" إلى العربية في دقة وبلاغة:

"لو أن العرب استولوا على فرنسا، إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا، مركزا للحضارة والعلم؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعر أحيانا، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم".

وبعد معركة بلاط الشهداء لم تسنح للمسلمين فرصة أخرى لينفذوا إلى قلب أوربا، فقد أصيبوا بتفرقة الكلمة، واشتعال المنازعات، في الوقت الذي توحدت قوة النصارى، وبدأت ما يُسمّى بحركة الاسترداد والاستيلاء على ما في يد المسلمين في الأندلس من مدن وقواعد.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 17-08-2010, 07:15 AM   #149
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

فتح إنطاكية.. وانهيار الحلم الصليبي

(في ذكرى استردادها: 5 رمضان 666هـ)


بعد مقتل السلطان قطز بطل معركة عين جالوت اتفق الأمراء المماليك على اختيار بيبرس سلطانًا على مصر، وجلس في إيوان القلعة في (19 من ذي القعدة 658هـ = 26 من أكتوبر 1260م) إيذانًا ببدء فترة التأسيس والاستقرار لدولة المماليك البحرية بعد فترة التحول التي شهدتها بعد قضائها على الحكم الأيوبي في مصر، وكانت فترة قلقة مليئة بالفتن والقلاقل، وكان على بيبرس أن يبدأ عهدًا جديدًا من الثبات والاستقرار بعد أن أصبح بيده مقاليد الأمور في مصر والشام.

الاستعداد لمواصلة الجهاد

وما إن جلس بيبرس على سدة الحكم في مصر حتى قضى على الفتن والثورات التي اشتعلت ضده، وقام بتنظيم شؤون دولته، وسعى لإيجاد سند شرعي تُحكم دولة المماليك باسمه، فأحيا الخلافة العباسية في القاهرة، واستقدم أحد الناجين من أسرة العباسيين بعد مذبحة هولاكو في بغداد، ويدعى أبا العباس أحمد، وعقد مجلسًا في القلعة في (8 من لمحرم 661هـ = 22 من نوفمبر 661م) حضره قاضي القضاة وكبار العلماء والأمراء، وقرأ نسب الخليفة على الحاضرين بعدما ثبت عند القاضي، ولُقِّب الخليفة بالحاكم بأمر الله، وقام بيبرس بمبايعته على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، ولما تمت البيعة أقبل الخليفة على بيبرس وقلده أمور البلاد والعباد.

وسبق لنا أن تناولنا موضوع إحياء الخلافة العباسية في شيء من التفصيل في يوم (التاسع من المحرم).

وسعى بيبرس إلى تقوية الجيش وإمداده بما يحتاج من السلاح والعتاد، وأولى عناية بالأسطول ودور صناعة السفن المصرية في الفسطاط والإسكندرية ودمياط. وعمل على تحصين مناطق الحدود، وتنظيم وسائل الاتصال ونقل المعلومات من خلال نظام البريد. ولما اطمأن إلى ذلك قام بمواجهة القوى المتربصة بالإسلام وفي مقدمتها الصليبيون.

الصليبيون في الشام

لم يتجه "لويس التاسع" بعد إطلاق سراحه من مصر إلى فرنسا. وإنما اتجه إلى "عكا"، وكانت حملته الصليبية قد مُنيت بهزيمة مروعة في معركة المنصورة في (3 من المحرم 648هـ = إبريل 1250م) فقد فيها زهرة جنده، وأصيب الصليبيون بكارثة كبرى ظل أثرها المروع مستعصيًا على العلاج والإصلاح، وسبق لنا أن تناولناها على نحو من التفصيل في ذكرى وقوعها في الثالث من المحرم.

وقضى لويس التاسع في الإمارات الصليبية بالشام أربع سنوات يحاول جاهدًا تصفية الخلافات بين أمراء الصليبيين، والمحافظة على كياناتهم، وتنظيم الدفاع عن إماراتهم الصليبية، فعني بتحصين عكا وحيفا وقيسارية ويافا، وعمل على إعادة الصلح بين إمارة إنطاكية وأرمينية وسعى لإقامة حلف مع المغول، غير أن مسعاه لم يكلل بالنجاح، ثم غادر عكا عائدًا إلى بلاده في (5 من ربيع الأول 625هـ = 25 من إبريل 1254م).

ولم يكد لويس التاسع يرحل عن الشام حتى دبت المنازعات بينهم من جديد، وتصاعد الصراع بينهم إلى حد القتال، ولم يجدوا كبيرًا ينطوون تحت لوائه، فسادت أوضاعهم في الوقت الذي دولة المماليك بدأت في البروز بعد انتصارها العظيم في عين جالوت.

مقدمات الفتح الإسلامي

وكانت الفترة التي تلت رحيل لويس التاسع إلى أن تولى بيبرس سلطنة مصر والشام فترة هدوء ومسالمة بين الصليبيين والمسلمين لانشغال كل منهما بأموره الداخلية، على أن هذه السياسة المسالمة تحولت إلى ثورة وشدة من قبل المماليك بعد أن أخذ الصليبيون يتعاونون مع المغول ضد المماليك، ويعملون مرشدين لجيوشهم، ولم يقتصر الأمر على هذا بل استقبلت بعض الإمارات الصليبية قوات مغولية في حصونها.

وقد أصبح على المماليك أن يدفعوا هذا الخطر الداهم، وبدلاً من أن يواجهوا عدوًا واحدًا، تحتم عليهم أن يصطدموا مع المغول والصليبيين معًا، وكان بيبرس بشجاعته وسياسته قد ادخرته الأقدار لمثل هذه الفترات التاريخية الحرجة من تاريخ الأمة، فكان على قدر المسؤولية، وحقق ما عجز عشرات القادة الأكفاء عن تحقيقه.

وبدأت عمليات بيبرس العسكرية ضد الصليبيين في سنة (663هـ = 1265م)، فتوجه في (4 من ربيع الآخر 663هـ) إلى الشام، فهاجم "قيسارية" وفتحها عنوة في (8 من جمادى الأولى)، ثم عرج إلى أرسوف، ففتحها في شهر رجب من السنة نفسها.

وفي السنة التالية استكمل بيبرس ما بدأ، ففتح قلعة "صفد"، وكانت معقلاً من معاقل الصليبيين، وكان بيبرس يقود جيشه بنفسه، ويقوم ببعض الأعمال مع الجنود إثارة لحميتهم فيجر معهم الأخشاب مع البقر لبناء المجانيق اللازمة للحصار. وأصاب سقوط صفد الصليبيين بخيبة أمل، وحطم معنوياتهم؛ فسارعت بعض الإمارات الصليبية إلى طلب الصلح وعقد الهدنة.

الطريق إلى إنطاكية

تطلع بيبرس إلى الاستيلاء على إنطاكية التي تحتل مكانة خاصة لدى الصليبيين لمناعة حصونها، وتحكمها في الطرق الواقعة في المناطق الشمالية للشام، وكانت ثاني إمارة بعد الرها يؤسسها الصليبيون في أثناء حملتهم الأولى على الشام، وظلوا يسيطرون عليها مائة وسبعين عامًا.

وكان بيبرس قد استعد لهذه الموقعة الحاسمة خير استعداد، ومهد لسقوط الإمارة الصليبية بحملاته السابقة حتى جعل من إنطاكية مدينة معزولة، مغلولة اليد، محرومة من كل مساعدة ممكنة، فخرج من مصر في (3 من جمادى الآخرة 666هـ = 19 من فبراير 1268م)، ووصل إلى غزة، ومنها إلى "يافا" فاستسلمت له، ثم نجح في الاستيلاء على "شقيف أرنون" بعد حصار بدأه في (19 من رجب 666هـ = 5 من إبريل 1268م)، وبفتح يافا وشقيف، لم يبق للصليبيين جنوبي عكا التي كانت بأيديهم سوى قلعة عتليت.

ثم رحل بيبرس إلى طرابلس، فوصلها في (15 من شعبان 666هـ = 30 من إبريل 1268م) فأغار عليها وقتل كثيرًا من حاميتها، وقطع أشجارها وغور مياهها، ففزعت الإمارات الصليبية، وتوافد على بيبرس أمراء أنطرسوس وحصن الأكراد طلبًا للأمن والسلام، وبهذا مهد الطريق للتقدم نحو إنطاكية.

فتح إنطاكية

رحل بيبرس من طرابلس في (24 من شعبان 666هـ = 9 من مايو 1268م) دون أن يطلع أحدًا من قادته على وجهته، واتجه إلى حمص، ومنها إلى حماة، وهناك قسّم جيشه ثلاثة أقسام، حتى لا يتمكن الصليبيون من معرفة اتجاهه وهدفه، فاتجهت إحدى الفرق الثلاث إلى ميناء السويدية لتقطع الصلة بين إنطاكية والبحر، وتوجهت الفرقة الثانية إلى الشمال لسد الممرات بين قلقلية والشام لمنع وصول إمدادات من أرمينية الصغرى.

أما القوة الرئيسية وكانت بقيادة بيبرس فاتجهت إلى إنطاكية مباشرة، وضرب حولها حصارًا محكمًا في (أول رمضان سنة 666هـ = 15 من مايو 1268م)، وحاول بيبرس أن يفتح المدينة سلمًا، لكن محاولاته تكسرت أمام رفض الصليبيين التسليم، فشن بيبرس هجومه الضاري على المدينة، وتمكن المسلمون من تسلق الأسوار في (الرابع من رمضان)، وتدفقت قوات بيبرس إلى المدينة دون مقاومة، وفرت حاميتها إلى القلعة، وطلبوا من السلطان الأمان، فأجابهم إلى ذلك، وتسلم المسلمون القلعة في (5 من رمضان 666هـ = 18 من مايو 1268م) وأسروا من فيها.

وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة، بلغ من كثرتها أن قسمت النقود بالطاسات، وبلغ من كثرة الأسرى "أنه لم يبق غلام إلا وله غلام، وبيع الصغير من الصليبيين باثني عشر درهمًا، والجارية بخمسة دراهم".

نتائج الفتح

كان سقوط إنطاكية أعظم فتح حققه المسلمون على الصليبيين بعد استرداد صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس، وفي الوقت نفسه كان كارثة كبرى ألمت بالصليبيين وزلزلت كيانهم، ومن طرائف الفتح أن بوهيمند السادس أمير إنطاكية لم يعلم ما حدث لها؛ إذ كان في إمارته الثانية طرابلس جنوبي إنطاكية، فتكفل بيبرس بإخباره بهذه الكارثة في رسالة ساخرة بعثها إليه من إنشاء الكاتب البليغ "ابن عبد الظاهر"، ومما جاء فيها:

".. وكتابنا هذا يتضمن البشر لك بما وهبك الله من السلامة وطول العمر بكونك لم تكن لك في هذه المدة بإنطاكية إقامة، فلو كنت بها كنت إما قتيلاً وإما أسيرًا، وإما جريحًا وإما كسيرًا...".

وبينما كان بيبرس في إنطاكية وصل إليه رسل الملك هيثوم الأرميني يعرضون عليه اتفاق بمقتضاه يعيدون ما أخذوه من المدن الإسلامية في أثناء الغزو المغولي للشام، مثل بهنسا، ومرزبان، ورعبان، كما ترك الداوية من الصليبيين "حصن بغراس"، وبذلك عاد شمال الشام إلى حوزة المسلمين.

وبهذا النصر الذي فتح الباب لسقوط الإمارات الصليبية الباقية تبوأ بيبرس مكانته التاريخية، باعتباره واحدًا من أبطال الإسلام.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-08-2010, 11:42 AM   #150
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

فتح مكة.. الخطة وعبقرية التنفيذ

(في ذكرى التحرك لفتحها: 10 رمضان سنة 8هـ)


ما تزال السيرة النبوية بحاجة إلى إعادة قراءة، وإعادة فقه لأحداثها من خلال منظور القوة والقيم التي كانت سائدة أثناء وقوع الحدث، ومحاولة ربط دروس السيرة -التي كان يحرص الصحابة على تحفيظ أحداثها لأبنائهم كما يحفظونهم آيات القرآن الكريم- بواقعنا المعاصر من خلال النظر إلى جوهر الأحداث، واستنباط فقهها في كيفية التفاعل بين النص والواقع.. ومن هذا المنطلق يأتي حديثنا عن فتح مكة الذي تم في (العاشر من رمضان سنة 8هـ= 1 من يناير سنة 630م).

ما قبل الفتح

كانت البداية الحقيقية لفتح مكة، بعد "غزوة الخندق" في السنة الخامسة من الهجرة، عندما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عبارته الشهيرة "الآن نغزوهم ولا يغزوننا".

فبعد هذه الغزوة تفكك التحالف الذي قام بين اليهود ومشركي مكة، وكشفت أحداث الخندق استحالة قيام مثل هذا التحالف مرة أخرى؛ وبالتالي أمن المسلمون المقاتلة على جبهتين في وقت واحد.

وكانت الرؤية النبوية ذات بعد إستراتيجي في تحليل الموقف السياسي والعسكري في الجزيرة العربية بعد الخندق؛ إذ أثبتت الأحداث وتطوراتها أن رقعة الإسلام أخذت تزداد مقابل انحسار القوتين الضاربتين: اليهود والمشركين؛ حيث لم يبق لليهود تجمعات إلا في خيبر الحصينة، ولم يبق للمشركين مكان إلا في مكة وبعض القبائل والتجمعات الصغيرة التي يكفيها بعض السرايا الصغيرة لتأديبها والقضاء على خطرها.

كانت تحركات المسلمين في السنوات الثلاث الفاصلة بين الخندق وفتح مكة مدروسة بعناية فائقة، وتنطلق من رؤى إستراتيجية، وتهدف إلى تحقيق أمرين:

أولهما القضاء النهائي على قوة اليهود في الجزيرة العربية؛ لأن هؤلاء يرفضون الإسلام رغم يقينهم أنه الحق، واستمرار وجودهم وعدم تصفيته نهائيا يعني استمرار الخطر الدائم والمتفاقم على الإسلام بما يدبرونه ويكيدونه، ولذلك هدفت ضربات النبي لليهود إلى اقتلاع جذور وجودهم بين العرب، وحدث ذلك مع يهود "بني قينقاع"، ويهود "بني قريظة"، ويهود "بني النضير"، ثم كانت المعركة الفاصلة الحاسمة مع يهود "خيبر" في السنة السابعة من الهجرة، والتي أضاف انتصارها قوة إلى قوة المسلمين حتى قال قائلهم: "ما شبعنا إلا بعد فتح خيبر". وكانت السنة السابعة من الهجرة هي آخر سطر كتبه المسلمون في نهاية اليهود في الجزيرة.

وثاني الأمرين هو: حصار المشركين وسحب البساط تدريجيا من تحت أقدامهم بعد تنظيفه من الكفر والشرك، مع إعطاء مساحة لهؤلاء للدخول في الإسلام؛ لأن دواخل أنفسهم -رغم كفرهم- ليست في صدام مع الإسلام، على خلاف اليهود، ولكنهم يحتاجون إلى فترة من الجهد والجهاد لكسر عناد الكفر في نفوسهم؛ لأنهم مواد خام نقية وجيدة يمكن للإسلام صبها في قوالبه الصحيحة، ولذلك كانت الخطة الإستراتيجية النبوية للتعامل معهم هي المزاوجة بين الأساليب الدعوية والسياسية والعسكرية والنفسية لتحطيم الحواجز بينهم وبين الإسلام، مع عدم اللجوء إلى القتال إلا في حالات الضرورة القصوى، وبالقدر الذي يحقق هيبة المسلمين، وليس تحطيم الخصم نهائيا، لذلك كانت سياسة العفو النبوي عنوانا بارزا في تلك السنوات، فكان هذا العفو يأسر القلوب، ويجعل القبائل تدخل في دين الله أفواجا.

وقد أنتجت هذه السياسة النبوية وضعا فريدا في الجزيرة العربية هو أن رقعة الكفر كادت تنحصر في مكة فقط، وقضى على اليهود نهائيا، واتسعت رقعة الإسلام. وكانت روعة النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدأ في جذب قادة مكة إلى الإسلام بحكمته، ومما يروى في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى خالد بن الوليد بطريق غير مباشر رسالة يدعوه فيه إلى الإسلام عن طريق أخيه "الوليد" الذي بعث إليه برسالة جاء فيها: "وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك، وقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي به الله، فقال: مثله يجهل الإسلام؟! ولو جعل نكايته وجدّه مع المسلمين كان خيرا له، ولقدّمناه على غيره"؛ ففتحت هذه الكلمات قلب "خالد" الذي حارب الإسلام عشرين سنة فجاء مسلما في بداية السنة الثامنة هو و"عمرو بن العاص" و"عثمان بن طلحة" رضي الله عنهم، وكان معنى ذلك أن معسكر الكفر في مكة بدأ يتخلخل من داخله ويفقد قادته الأفذاذ، وصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها".

الفتح بين السبب والفرصة

كان صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة ينظم العلاقة بين المسلمين والمشركين لمدة عشر سنوات، وكان من بنوده المهمة أنه "من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخله، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخله" فدخلت قبيلة "خزاعة" في تحالف مع المسلمين، ودخلت قبيلة "بكر" في تحالف مع قريش.

وأدت التطورات والأحداث التي أعقبت صلح الحديبية إلى تغير في ميزان القوى بين المسلمين وقريش لصالح المسلمين.. وكما يؤكد خبراء السياسة فإن المعاهدات التي تعقد في ظل اختلال موازين القوى لا بد أن تتغير عندما تتغير هذه الموازين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم -تقديرا منه لعهده وميثاقه- حافظ على ما ورد في صلح الحديبية، عالما ومدركا أنه لا بد من وقوع حادثة من جانب قريش تعصف بالصلح، وتجعل المسلمين في حل من التزاماته.

وصدقت الرؤية النبوية، حيث أغارت قبيلة بكر على خزاعة، وأمدت قريش حليفتها "بكر" بالمال والسلاح، وقتلوا أكثر من عشرين من خزاعة حليفة المسلمين، واعتدوا عليهم رغم لجوئهم إلى الحرم. وأمام هذا النقض الصريح للعهد ركب "عمرو بن سالم الخزاعي" في أربعين من قومه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه النصرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نُصرت يا عمرو بن سالم"، وأمر المسلمين بالخروج لمناصرة خزاعة.


وقد حققت مساعدة النبي لخزاعة ووعده لها بالنصرة عدة أهداف، منها أنها فرقت بين أن يحترم المسلمون العهود والمواثيق التي وقعوا عليها، وبين أن يعيشوا في غفلة عما يدبره المهادنون لهم؛ لأن وقائع التاريخ تؤكد أن غالبية العهود ما هي إلا فترات لالتقاط الأنفاس في الصراع، كما أنها كشفت عن احترام المسلمين لتحالفاتهم حتى لو كانت مع خزاعة التي لم تكن قد أسلمت بعد، وأثبتت أن المسلمين جادون في تنفيذ بنود تحالفهم حتى لو كلفهم ذلك دخول حرب، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام القبائل العربية للتحالف مع المسلمين وليس مع قريش (الغادرة)، مع خلق رأي عام في الجزيرة العربية يذيب بعض الحواجز بين هذه القبائل والإسلام، ويجعلهم يستمعون إلى القرآن الكريم دون تحيز مسبق؛ وبالتالي يكسر الحدود الوهمية بينهم وبين الإيمان.

أدركت قريش أنها ارتكبت خطأ إستراتيجيا كبيرا بما أقدمت عليه من تقديم المال والسلاح لقبيلة بكر، وحاولت أن تعالج هذا الخطأ؛ حيث انطلق زعيمها وأكبر ساستها "أبو سفيان بن حرب" إلى المدينة المنورة طلبا في العفو عن هذا الخطأ الفادح، وتجديدا للهدنة، واستشفع بكبار المسلمين مثل أبي بكر وعمر وعلي وفاطمة، لكن علي بن أبي طالب لخص الموقف بقوله لأبي سفيان: "ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه"؛ فعاد أبو سفيان صفر اليدين إلى قريش واتهم بأن المسلمين لعبوا به.

السرية والمفاجأة

كان فشل سفارة أبي سفيان لا يعني إلا شيئا واحدا وهو الحرب، وجهز المسلمون جيشا ضخما بلغ قوامه عشرة آلاف مقاتل، وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم السرية الشديدة حتى يحقق عنصر المفاجأة لكفار مكة، فكتم وجهة الجيش في التحرك عن الجميع، بما فيهم أبو بكر، حتى إنه دخل على ابنته فسألها عن وجهة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله ما أدري، وعندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها".

واستكمالا لعملية التوكل التي تجمع بين دعاء الرب والأخذ بالأسباب، قام النبي صلى الله عليه وسلم بعملية خداع رائعة، اقترنت بعملية تأمين للمعلومات وسرية تحرك الجيش، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية من ثمانية رجال بقيادة "أبي قتادة بن ربعي" إلى مكان يسمى "بطن إضم"، وكان هدفها الحقيقي غير المعلن هو تضليل المشركين، كذلك كانت هناك وحدات صغيرة بقيادة عمر بن الخطاب، قوي الشكيمة، تحقق في الداخلين والخارجين من المدينة المنورة، وتتحفظ على من سلك طريق المدينة- مكة، وبذلك حال دون حصول قريش على أي معلومات عن تجهيزات المسلمين.

وأحبطت محاولة كبيرة لتسريب معلومات إلى قريش حول استعدادات المسلمين، قام بها أحد الصحابة البدريين وهو "حاطب بن أبي بلتعة"؛ وتم القبض على المرأة والرسالة التي تحملها من قبله قبل أن تصل إلى قريش.

وما ارتكبه حاطب خيانة عظمى عقوبتها معلومة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن الضعف الإنساني قد يصيب بعض المسلمين رغم إيمانهم العميق، لذلك رفض رغبة عمر في قطع رقبة حاطب، وقال له: "وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر يوم بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، وأيد القرآن الكريم موقف النبي صلى الله عليه وسلم في "سورة الممتحنة" واصفا حاطبا بالإيمان رغم ما ارتكبه.

.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .