العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى مقال فن التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مونوتشوا رعب في سماء لوكناو الهندية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: A visitor from the sky (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة فى مقال مستقبل قريب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال ماذا يوجد عند حافة الكون؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: أهل الكتاب فى عهد النبى (ص)فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: المنافقون فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: النهار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في لغز اختفاء النياندرتال (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الشكر فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 02-01-2009, 08:25 PM   #1
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي مصر .. فى موكب الزمان

مصر .. فى موكب الزمان



لم يأتى هذا الموضوع من كونى مصريا مسلما .. بل كان له أن يكون لألف سبب ، ليس لأنه على أرضها قامت أقدم حضارات الأرض وأشهرها فى كل العالم القديم ، ولا لأنها نزلت مكانة خاصة فى قلب رسول الله وقلب صحابته بل لقد خصها الله عز وجلّ بإفرادها من بين كل أمم الأرض حين ذكرها فى كتابه وكان شرفا لم تحظ به سواها ، ولا لأن ترابها الطاهر وطأه كثير من أنبياء الله . ليس لكل هذه الاسباب وحسب ، فتاريخ مصر ينصهر تماما مع تاريخ هذه الأمة المسلمة ، وسنرى كل هذا تباعا . والأهم ، أن يقرأ هذا التاريخ كل مصرىّ ليعرف أن من هنا كان الطريق ، هكذا كان أجدادنا فأين نحن منهم ؟
.. كان لهذه الاسباب وغيرها أن نستعرض تاريخ مصر عبر موكب التاريخ ونلقى الضوء على كبار الحادثات فى وادى النيل .

إن طبيعة هذا الشعب ذات طبيعة خاصة تختلف تماما مع طبائع الشعوب الأخرى ، فهو شعب مبدع ، منتج ، مؤثر .. تحت أى حضارة ومسمّى بل لولا طبيعته هذه ما قدر له البقاء والنجاة إلى يومنا هذا مع العلم أنه عبر هذا التاريخ السحيق ومنذ إنتهاء فترة الفراعنة بكل ما فيها من حسن وسىء ، لم يحكم مصر من ساعتها حاكم من أهلها وإلى عام 1952م .. أى أنها بحكم التعريفات الحديثة "مستعمرة" ،، لكن طبيعة هذا الشعب تتحمل فوق حد التحمّل وبشكل مذهل ، بل إنها لا تزال تبهر الكون وتعدّ له المفاجأة تلو الأخرى عبر كل فترة وأخرى . فمن حضارة الفراعنة وأعجوبة الهرم ، إلى حكم البطالسة وكليوباترا ومكتبة الإسكندرية أعجوبة الفكر ومنارة العلم فى كل العالم القديم ، وهى مركز الخلافة المسلمة العسكرىّ والإقتصادىّ فى كل إفريقيا وشمال أوربا ، وهى حضارة المماليك والفاطميين والعثمانيين إلى سائر الحكومات والممالك التى مرت عليها وتركت بها وليس لها أثرا بين صفحات التاريخ .

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-01-2009, 08:39 PM   #2
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

فتح مصر




يبدأ تاريخ مصر بهذا الفتح وإن عدنا بالزمن إلى الوراء لأكثر من 4000 عام قبل الميلاد وحتى أزمان الفراعنة فسوف يظل هذا التاريخ تحديدا هو لحظة نشوء وميلاد هذه الدولة العريقة .. 640 - 642م \\ فمنذ هذا التاريخ ومصر عربية مسلمة بخلاف كل مستعمر نهش من خيراتها عبر تاريخها السحيق ومرّ فى موكب التاريخ كأن لم يكن ، أطلق المصريون من لحظتها وإلى يومنا هذا على هذا الحدث العظيم "فتح مصر" .

مضى حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ، وأترك سيدنا حاطب رضي الله عنه يتحدث عن نفسه إذ يقول :

"ثم توجهت أريد مصر ولم أزل إلى أن أتيتها، فلما وصلت إلى باب الملك، قالوا: من أين جئت؟ قلت: أنا رسول إلى ملككم ، فقالوا: من عند من؟ قلت: من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعوا بذلك أحاطوا بي وأوقفوني على باب الملك فأمرهم بإحضاري بين يديه ، فعقلت راحلتي وسرت معهم عند المقوقس، وإذا هو في قبة كثُرَ الجوهر في حافتها، ولمع الياقوت من أركانها، والحجَّاب بين يديه، فأومأت بتحية الإسلام، فقال حاجبه: يا أخا العرب، أين رسالتك؟ قال: فأخرجت الكتاب، فأخذه الملك من يدي بيده. قال: فقبله ووضعه على عينيه، وقال: مرحبا بكتاب النبي العربي، ثم قرأه وزيره ، فقال له: اقرأه جهراً؛ فإنه من عند رجل كريم، فقرأه الوزير إلى أن أتى إلى آخره، وهذا نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فَأَسْلِمْ تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل عمران: 64 فقال الملك لخادمه الكبير: هات السفط الذي عندك؛ فأتى به ففتحه واستخرج نمطا ففتح ذلك النمط ، وإذا فيه صفة آدم وجميع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وفي آخره صفة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لي: صِفْ صاحبك حتى كأني أراه.

قال حاطب: ومن يقدر أن يصف عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لابد من ذلك، قال: فوقفت بعدما كنت جالسا، وقلت: إن صاحبي وسيم قسيم، معتدل القامة، بعيد الهامة، بين كتفيه شامة، وله علامة كالقمر إذا برز صاحب خشوع وديانة، وعفة وصيانة، صادق اللهجة، واضح البهجة، أشم العرنين، واضح الجبين، سهل الخدين، رقيق الشفتين راق الثنايا، بعينيه دعج ، وبحاجبيه زجج، وصدره يترجرج، وبطنه كطي الثوب المدبج، له لسان فصيح، ونسب صحيح، وخُلُقٌ مليح.

قال: والملك ينظر في النمط، فلما فرغت قال: صدقت يا عربي هكذا صفته، فبينما هو يخاطبني إذ نُصِبت الموائد، وأحضروا الطعام؛ فأمرني أن أتقدم فامتنعت، فتَبَسَّمَ وقال: وقد علمتُ ما أُحِلَّ لكم وحُرِّمَ عليكم، ولم أقدم لك إلا لحم الطير، فقلت: إني لا آكل في هذه الصحاف الذهب والفضة؛ فإن الله قد وعدنا بها في الجنة، قال: فبدلوا طعامي في صحاف فخار فأكلت، فقال: أي طعام أحب إلى صاحبك؟ قلت: الدباء (يعني: القرع)، فإذا كان عندنا منه شيء آثرناه على غيره. فقال: ففي أي شيء يشرب الماء؟ فقلت: في قعب من خشب. قال: أيحب الهدية؟ قلت: نعم؛ فإنه قال صلى الله عليه وسلم: "لو دُعِيتُ إلى كراع لأجبت، ولو أُهديَ إليَّ ذراع لقبلت". قال: أيأكل الصدقة؟ قلت: لا، بل يقبل الهدية ويأبى الصدقة، قد رأيته إذا أُتِيَ بهدية لا يأكل منها حتى يأكل صاحبها. فقال الملك: أيكتحل؟ قلت: نعم، في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين، وقال: "من شاء اكتحل أكثر من ذلك أو أقل" وكحله الإثمد، وينظر في المرآة، ويرجل شعره، ويستاك.
فقال المقوقس: إذا ركب ما الذي يحمل على رأسه؟ فقلت: راية سوداء ولواء أبيض، وعلى اللواء مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله. فقال: أله كرسي يجلس عليه أو قبة. قلت: نعم، له قبة حمراء تسع نحو الأربعين. قال: فما الذي يحب من الخيل؟ قلت: الأشقر الأرتم الأغر المحجل في الساق، وقد تركت عنده فرسا يقال لها: المرعد.

قال: فلما سمع كلامي انتخب من خيله فرسا أفخر خيول مصر الموصوفة، وأمر به فأسرج وألجم، فأعده هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فرسه المأمون، وأرسل معه حمارا يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: دلدل، وجارية اسمها: بريرة وكانت سوداء، جارية بيضاء من أجمل بنات القبط اسمها: مارية، وغلام اسمه: محبوب، وطيب وعود وندّ ومسك وعمائم وقباطي، وأمر وزيره أن يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يقول فيه: "باسمك اللهم، من المقوقس إلى محمد، أما بعد؛ فقد وصل كتابك وفهمته، أنت تقول: إن الله أرسلك رسولا وفضلك تفضيلا وأنزل عليك قرآنا مبينا، فكشفنا - يا محمد - خبرك، فوجدناك أقرب داع إلى الله وأصدق من تكلم بالصدق، ولولا أنني ملكت مُلكا عظيما لكنت أول من آمن لعلمي أنك خاتم النبيين وإمام المرسلين، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته مني إلى يوم الدين.
قال: وسلم الكتاب والهدية إلي و قبلني بين عيني، وقال: بالله عليك قَبِّلْ بين عيني محمد عني هكذا، ثم بعث معي من يوصلني إلى بلاد العرب وإلى مأمني .

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 03:44 PM   #3
ريّا
عضوة شرف
 
الصورة الرمزية لـ ريّا
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2008
الإقامة: amman
المشاركات: 4,238
إفتراضي

لك الحق سيدي أن تفخر بمصرك ......موضوع رائع يستحق وقفة .......ولي عودة
دمت وسلمت ......تقبل مروري المتواضع ........كن بخير ........ريا
__________________
ريّا غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:15 PM   #4
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة rayaa مشاهدة مشاركة
لك الحق سيدي أن تفخر بمصرك ......موضوع رائع يستحق وقفة .......ولي عودة
دمت وسلمت ......تقبل مروري المتواضع ........كن بخير ........ريا

وأفخر بعراقى ويمنى وحجازى ومغربى ..

كلها مصرى ووطنى .. إنما كان موضوعى هذا وقفة لكل مصرى ..

كى يعرف الفرع إلى أى الجذور ينتمى ..

ومن هنا .. كان الطريق

ريا ..

لروحك النقاء
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:16 PM   #5
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

القدس بين سقوطين




إن أحداث غزة التى نشهدها اليوم ، ورغم تعاطف كل الشعوب العربية والغربية على حد سواء .. لا أكاد الوم فيها كلها سوى قطر واحد .. بلد واحد .. طالما كانت هذه البلاد تحت حمايته عبر هذا التاريخ وهو وحده منوط بها أكثر من غيرها .. مصر ..

ولماذا مصر ؟
فلسطين أرض رباط وثغر من ثغور الإسلام رغم ما يحيط بها من بلدان مسلمة لكنها مطمع لشعارات شتى أكانت صليبا أم نجمة زرقاء .. لذا كان على كل المسلمين واجبا مقدسا للجهاد والذود عنها وعلى مصر خاصة بحكم موقعها الجغرافى أن تحمل أكبر هذا الشرف وهذا العبء .. فلا أمان مطلقا لمن يملك فلسطين طالما لم يأمن مصر وسنجد هذا واضحا جليا منذ نشأة الحرب وفنونها .. أضف إلى كل هذه الأسباب أسبابا أخرى منها إرتباط شعب مصر بهذه الأرض إرتباطا روحيا وثيقا حتى تكاد القلوب فى هذه الأمة أن تخفق وتحلق مع النسائم شرقا كلما ذكر القدس أو استرجع الدهر أحداثه فيها .

لقد كانت الحملتين الصليبية والصهيونية متشابهتان إلى حد كبير ..
ومن أهم أوجه الشبه، أن الدين قد اتخذ ستارا وشعارا في الحملتين، ففي الأولى كان الصليب هو الشعار، وفي الثانية كان الشعار هو نجمة داود … وكان الهدف الظاهر في الأولى "إنقاذ القبر المقدس"، وفي الثانية كان الهدف "إعادة بناء هيكل سليمان".

ولكن الواقع الذي لا مراء فيه أن الحملة الصليبية كانت مجرد غزوة استعمارية استيطانية، كالغزوة الصهيونية المعاصرة سواء بسواء…والدلائل على ذلك سهلة المنال.

فهذا المستشرق المعروف لامونت يقول عن الصليبيين أنهم "لم يحاولوا الاستيلاء على البلاد الإسلامية لكونها بلادا إسلامية….بل خرجوا ليستولوا على البلاد وليؤسسوا فيها إمارات لهم…."وأن أمراء الإفرنج "كانوا يستهدفون غايات دنيوية محضة " …وأن الواحد منهم "لم يجد أي بأس في أخذ البلاد من أيدي المسلمين واليونان والأرمن أو من أيدي أبناء جنسه من الإفرنج".

وهذا مؤرخ غربي آخر هو "غروسيه" يقول في عبارة جازمة عن "الحاج" الذي ذهب لزيارة الأماكن المقدسة في بيت المقدس بأنه "أصبح رجل فتح يذهب لإنشاء ممالك تحت شمس الشرق، كما اتجه بارونات الأرض المقدسة إلى تطبيق سياسية استعمارية".

بل إن مؤرخا غربيا منصفا قد أدان الحملة الصليبية بأنها "أول تجربة في الاستعمار الغربي قامت بها الأمم الأوروبية خارج حدود بلادها لتحقيق مكاسب اقتصادية واسعة النطاق.

والواقع أن أهل الصليب أنفسهم لم ينجوا من الحملات الصليبية. فقد ارتكب الصليبيون مع أخوانهم في الدين في بلغاريا والمجر فظائع رهيبة، وهم في طريقهم إلى بيت المقدس. وحين وصولهم إلى القسطنطينية خربوا الكنائس ونهبوا نفائسها، واقتحموا كنيسة القديس أيا صوفيا وهم سكارى، وعبثوا بما فيها من ستائر وأدوات وكتب مقدسة فحرقوها وداسوها بأقدامهم، ونهبوا ذخائرها، وما حوته من آلات ورخام، وحملوه معهم إلى الديار المصرية والشام، وبيع في الأسواق، ووصل منه إلى دمشق رخام كثير.
ومثل هذا قد فعلته الحملة الصهيونية في فلسطين، فقد هدمت المساجد والكنائس والمقابر، وأحرقت جانبا من المسجد الأقصى، ونهبت النفائس الدينية من كنيسة القيامة.

وأوجه الشبه أكثر من أن تحصى بين الحملة الصليبية والحملة الصهيونية، والدين الحق براء من الحملتين.

لقد إقتربت الحملة الصليبية الأولى الآن على مشارف القسطنطينية وتوغلت في آسيا الصغرى، واخترقت جبال طوروس، وها نحن نجدهم في تشرين الأول سنة 1098 معسكرين حول أسوار أنطاكية، وسيوفهم مشرعة نحو ديار الشام، وبيت المقدس هوالغاية والنهاية.

ودارت معركة رهيبة من أجل أنطاكية والإفرنج يستميتون للاستيلاء عليها، فهي باب المشرق العربي….والعرب يستبسلون في الدفاع عنها، دفاعا عن الوطن العربي بأسره.
ولكن العرب الذين نعنيهم هنا، هم القوات العربية في أنطاكية وما حولها. أما حكام العرب في بغداد ودمشق والقاهرة، فلم يكن الأمر يعنيهم من بعيد أو قريب .

وكانت حلب ودمشق أقرب الحواضر العربية إلى أنطاكية، وهما أولى بالنجدة من غيرهما.... ولكن الذي جرى أن الصراع كان على أشده بين الأخويين – العدوَّين الألدَّين: رضوان ملك حلب، ودقاق ملك دمشق .
وبسبب هذا الصراع على دمشق….وقف الملكان، دقاق ورضوان، يشاهدان أنطاكية وهي تقاتل الإفرنج وحدها….دون أن يدريا أن القدر والإفرنج يخبئان لهما معا أوخم العواقب والنوائب…

وما أشبه اليوم بالبارحة ..


وقد لعبت الخيانة دورها في معركة أنطاكية ..


وسقطت إنطاكية ...


وكان سقوط أنطاكية في اليوم الثالث من حزيران عام 1098. وكانت هزيمة مروعة، لا تقل ضراوة عن هزيمتنا المعاصرة في حزيران المشؤوم…
ويشهد مؤرخ أجنبي أن الإفرنج قد ذبحوا في أنطاكية ما لا يقل عن عشرة آلاف من أهلها، واضطرالجند إلى المسارعة في دفن الجثث قبل أن ينتشر الوباء في المدينة .

وفي أوائل الشتاء (11 ديسمبر 1098) حين كانت الرياح الباردة تتناوح السهول السورية، اهتزت رفات أبي العلاء المعري فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة وهي تضج في قبره…ذلك أن الإفرنج قد اقتحموا بلدته التاريخية "فقتلوا أكثر من عشرين ألف رجل وامرأة وصبي" في رواية اين العديم، "وما يزيد على مئة ألف" في رواية ابن الأثير. أما أحد المؤرخين الغربيين فقد ذكر أن الإفرنج قد أحرقوا المعرة أولا عن آخر.

ولكن ديار الشام كانت مهيأة للهزيمة أمام الإفرنج، فقد كانت البلاد مجموعة ممالك وأمارات.

فهذه إمارة في أنطاكية يحكمها أحد الأمراء، واسمه سيَّان.
وهذه مملكة في حلب على رأسها الملك رضوان.
وهذه مملكة في دمشق على رأسها المملك دقاق.
وهذه إمارة في حمص يحكمها شمس الدولة جناح بن ملاعب.
وهذه إمارة في الموصل يحكمها أحد أمراء التركمان واسمه كربوغا.
وهذه إمارة في حماة يحكمها سلمان، أمير آخر من أمراء التركمان.
وهذه إمارة في حصن عزاز، شمالي حلب، وعلى رأسها الوالي عمر.

كانت هذه هي الحال في ديار الشام، أما الحال في مصر والعراق فكانت أشد تمزقا….خلافة فاطمية شيعية في القاهرة، وخلافة عباسية سنية في بغداد، وأوصال مفككة، تسودها الشحناء والبغضاء…والشعوب هي الضحية، والوطن هو الثمن.

لقد كانت القدس تحت إمرة الخلافة الفاطمية ومقرها مصر .. شأن فلسطين عبر أكثر أوقات هذا التاريخ .. والأشد ألما أن سقوطها الأول والثانى كانت فيهما تحت حماية مصرية ..
إذا تصفحت أقرب خارطة لهذه المنطقة فسوف ترى بعينيك حقيقة هامة .. إن مصر إمتداد فلسطين وفلسطين إمتداد مصر .. ليس فحسب إمتدادا جغرافيا .. برا وبحرا ستجد أن فلسطين فى أحضان مصر .. أضف إلى هذا كثافة العدد والقدرات البشرية الكثيرة والخبرة العسكرية ووفرة المال ، كل هذه العوامل جعلت من شعب مصر جيشا من الفلاحين والتجار الذى يسهل تشكيله فى وقت جدّ قصير وهنا مكمن خطورتها .. لذلك لا تجد حملة صليبية على بغداد أو دمشق رغم تساوى الخطر فى هاتين العاصمتين .. لكن لا أمان أبدا لمن يملك فلسطين سوى بتشكيل عمق دفاعى له فى مصر .. وقد برزت هذه الحقيقة عند كل جنرالات وقادة الحرب منذ هذا الوقت السحيق .. بدءا من بلدوين وحتى عمورى ملك مملكة القدس الذى لم يهدأ إلى أن يضم مصر إلى سلطانه .. ولم يترك له صلاح الدين هذه الفرصة أبدا بل جاهده على كل بقعة فيها واستمات فى الدفاع عنها بشراسة عجيبة سنأتى عليها فى وقتها .. لم يكن كل هذا سوى لإدراكه بأهمية مصر الإستراتيجية فى خطة تحرير بيت المقدس ..

ظلت فلسطين وبالأخص القسم الجنوبى منها تحت رعاية وحماية مصرية وحتى العام 1967 حين إجتاحت الآلة النازية الصهيونية هذا القطاع وعجزت مصر فى الدفاع عنه ولا عن أرضها والأكثر ألما حين تخلى عنها جنرالات الحرب فى حرب العاشر من رمضان لتظل تحت الأسر والقيد إلى يومنا هذا ..


إستغاثت فلسطين ببغداد ولكن لا حياة لمن تنادى .. وكانت ذروة المآسي وقمة المخازي قد رست على رأس الخلافة الفاطمية في القاهرة، فلم يكتف الفاطميون بالقعود عن الجهاد والتخاذل في معركة العروبة والإسلام، بل راحوا يعملون على إقامة تحالف مع الإفرنج نكاية بالسلاجقة المسلين في سورية ، وبالخلافة العباسية في بغداد، ويا لخزي الزمان وعار الأبد!

وكان صاحب الأمر والنهي في القاهرة في تلك الأيام الحالكة السوداء، الخليفة الفاطمي المستعلي، والوزير الأفضل بن بدر الجمال، أثبتت الأيام أن نكبة الإسلام كانت على يد هذا "المستعلي" وذاك "الأفضل".

وموجز النكبة التي تستعصي على الإيجاز أنه حين كانت المعارك الطاحنة دائرة بين العرب والإفرنج حول أسوار أنطاكية، بعث الوزير الأفضل بسفرائه إلى معسكر الإفرنج لإقامة تحالف بين الفريقين، بحيث تكون أنطاكية للإفرنج، وبيت المقدس للفاطميين!!

وقد اهتز التاريخ العربي غداة أن سقطت أنطاكية ، وراح يصيح مستنكرا ومنددا بموقف الوزيرالأفضل .
بل إن التاريخ قد ذهب إلى أبعد من ذلك, واتهم الخلافة الفاطمية بمصر بأنها هي التي دعت الإفرنج لاحتلال ديار الشام نكاية بالسلاجقة المسلمين الذين كانوا ينافسونهم في المشرق العربي. وقال التاريخ بأفصح كلام "أن أصحاب مصر (الفاطميين) ,وقد رأوا قوة الدولة السلجوقية واستيلاءها على بلاد الشام….خافوا، فأرسلوا إلى الإفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوها ويكونوا بينهم وبين المسلمين ولو أن الفاطميين، قد ذهبوا إلى أنطاكية محاربين مجاهدين، لا مفاوضين لا خائنين….لو أنهم شدوا أزر القوات العربية التي كانت تتصدى للإفرنج، لأرتدت الحملة الصليبية الأولى على أعقابها، وما استطاعت أن تجتاح في ما بعد ديار الشام، وفلسطين، وسيناء، والقاهرة نفسها مقر الدولة الفاطمية ويغرق العالم العربي في النهاية في خضم المصائب والويلات عبر مئتي عام ويزيد..

ولم يكن الإفرنج بالقوة الخارقة التي لا تقهر، فإن حرب أنطاكية قد أرهقتهم إلى حد بعيد، وتخلى كثيرمنهم عن المعركة وعادوا إلى بلادهم وقد بلغ من الضائقة التي حلت بهم أنهم على حد تعبيرا بن الأثير، "ليس لهم ما يأكلون، وتقوَّت الأقوياء بدوابهم، والضعفاء بالميتة وورق الشجر .

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:18 PM   #6
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ودار الفلك دورته..وجاء حزيران آخر ….ليشهد انتصارنا، بعد أن شهد انكسارنا.

ففي 20 حزيران من عام 1268 تبدل الحال في الوطن العربي. فلم يكن على مسرح الأحداث ملك دمشق، وملك حلب، وأمير الموصل، وأمير حماة، وأمير أنطاكية، ولا الخليفة في بغداد ، ولا الخليفة في القاهرة…..لم يبق هؤلاء، وإنما جاء رجل واحد، هو الظاهر بيبرس، وقاد الأمة العربية من جديد.
وسجل التاريخ في ذلك اليوم أن أنطاكية قد سقطت على يد العرب فقتل من أهلها وحاميتها ستة عشر ألفا، وسبي ما يبلغ ماية ألف، بيع بعضهم في أسواق مصر، "وغنم العرب أموالا طائلة، وأحرقت أنطاكية وقلعتها، ولم تنهض المدينة بعد ذلك".
ومن العبارات الحلوة التي تركها لنا التاريخ عن سقوط أنطاكية بيد الظاهر بيبرس أنه بلغ من كثرة الغنائم والأسرى "أن قسمت النقود بالطاسات، وأنه لم يبق غلام إلا وله غلام .

وفي الثلاثين من شهر تموز، عاد البطل بيبرس إلى القاهرة، بعد هذا النصر المؤزر، عودة وادعة متواضعة من غير أن تعج بأقواس النصر أو تضج بالمواكب والهتافات، ليقول التاريخ إن الظاهر بيبرس "قد حمل عن الناس كلفة الزينة".

الوضع الآن كالتالى :
خلافة عباسية في بغداد، وخلافة فاطمية في القاهرة، وإمارات عربية شتي في ديار الشام، ومعهم السلاجقة الأتراك المسلمون، وهؤلاء بدورهم انقسموا على أنفسهم، وأصبحوا يعرفون بسلاجقة الروم وسلاجقة فارس .
وفي تلك الحقبة التعيسة، كان الإفرنج، قد احتلوا أنطاكية. وما أن فرغوا من قتل أهلها، وتدمير قلاعها، ونهب ذخائرها وأموالها، حتى شب الخلاف بين أمراء الإفرنج، لمن تكون أنطاكية من يحكمها، ومن يكون أميرها….هل يكون بوهيموند، أم ريموند ؟

واشتد الخلاف بين أمراء الإفرنج الطامعين…ووصلت أصواتهم إلى الخليفتين في بغداد والقاهرة، والى الملوك والأمراء في حلب ودمشق والموصل وغيرها من ديار الشام والعراق، ولكنهم "تقاعدوا عن الجهاد"، كما قال مؤرخو العرب، كما سيقولون بعد جيل أو جيلين، عن حكام العرب في القرن الواحد والعشرين ..

وبدأ زحف الإفرنج، في تلك الأيام الماطرة العاصفة، يستهدف بيت المقدس، وكان عليه أن يجتاز بقية أرض الشام أولا، قبل أن يصل إلى فلسطين، خاتمة الزحف والمطاف.
والمواطن العربي يعرف هذه الأجزاء من الوطن العربي، مدينة مدينة، وقرية قرية، سواء كان مقيما فيها أو زائرا إليها، أو دارسا عنها، ولا بد أن يثيره العجب والغضب كيف سار زحف الإفرنج خلال البلاد (لبنان وفلسطين) في يسر وسهولة، كأن الأمر نزهة سياحية أكثر منها غزوة استعمارية!!

وفي 23 أيار تجاوز الإفرنج صرفند وصور، وهما آخر المدن اللبنانية جنوبا، إلى أن وصلوا إلى عكا، القلعة التاريخية الشهيرة، فاستسلمت لهم من غير قتال.
وفي 26 أيار واصل الإفرنج زحفهم واحتلوا حيفا وارسوف ثم قيسارية.
وفي أول حزيران، احتل الإفرنج الرملة واللد- وهنا اجتمع أمراء الإفرنج في مجلس حربي ليتشاوروا في أمر الزحف على بيت المقدس…الهدف الذي تطلعت إليه أوروبا منذ خطب البابا أربانوس، في كلرمنت بفرنسا داعيا إلى غزو الديار المقدسة.

والى هنا فقد انتهت النزهة السياحية التي بدأت من اللاذقية في سوريا، إلى الرملة في أواسط فلسطين، رحلة استغرقت خمسة أشهر, ولم تتجاوز أصابع اليد، كما يقول عامة الناس الذين لا يجمعون ولا يطرحون!

وقد يعجب المواطن العربي كيف استطاع الإفرنج أن يحققوا تلك الانتصارات في مدة وجيزة، ومن غير مقاومة تذكر، وكأنما خلت البلاد من أهلها وحُماتها، أو كأنما الأمة العربية التي وصلت إلى إسبانيا وفرنسا، قبل قرنين، قد اندثرت أو حجبت، وأصبحت أثراً بعد عين!

ولكن التاريخ، أبو العظات والعبر، يؤكد ولا يمل أن يؤكد، أن عوامل التجزئة والانقسام والخيانة كانت السبب الأول والأخير في سقوط الوطن العربي بهذه السرعة، مدينة بعد مدينة، وقلعة بعد قلعة.
ونحن لو شئنا التحديد، لقلنا والتاريخ معنا يقول، أن الخلفاء والملوك والأمراء هم الذين ألحقوا بالأمة العربية تلك الهزيمة النكراء، وما جلبت على الوطن العربي من خراب ودمار، وذل وعار.

غير أنه من واجب الإنصاف للأمة العربية الماجدة، على صعيد جماهيرها وشعوبها، أن نستذكر بكل إباء وشمم، أن المقاومة العربية للإفرنج كانت ضارية وباسلة حيث كانت تتيسر لها أسباب المقاومة…. ذلك أن الإنسان العربي مقاتل من الطراز الأول حينما يجد السلاح بين يديه، وحين تتهيأ له الفرصة المواتية….
والتاريخ يشهد، وهو خير شاهد، أن وقعات كثيرة شجاعة نشبت بين الشعب العربي والإفرنج، من أنطاكية في شمال الشام إلى الرملة في قلب فلسطين، وتكبد الإفرنج خلالها خسائر فادحة في الرجال والعتاد والأموال. وكان من نتيجة ذلك أن عاد كثير من الإفرنج إلى ديارهم، وفقد كثيرون آخرون عزمهم وحماسهم.
ومن هذه الوقعات الشهيرة أن أهل "عرقة" ، وهي مدينة صغيرة تقع شمال طرابلس قد صمدت أمام هجمات الإفرنج صمودا رائعا، فقد استبسل أهلها في الدفاع عنها وصمدوا أمام جموع الإفرنج، على غير تكافؤ في العَدد والعِدد، رغم ما حصل عليه الإفرنج من الخيرات الوفيرة في إقليم طرابلس ، وما وصل إليهم من التموين عن طريق البحر. ولم يسع الإفرنج إلا أن يفكوا الحصار عنها، وأن يستأنفوا زحفهم إلى أواسط فلسطين، وبقيت عرقة ثابتة صامدة .

ومن المواقف الرائعة، أن أهل حلب قد استماتوا في الدفاع عن مدينتهم العريقة .. و تلك الوقفة الرائعة التي وقفتها معرة النعمان حين أحاط الإفرنج بها من كل جانب، وهب أهلها للدفاع عنها بكل ما ملكت أيديهم، ولم يستطيع الإفرنج اقتحامها إلا على جثث الآلاف من المقاتلين البواسل .. وليس لنا أن ننسى وقعة جريئة أخرى قام بها أهل صيدا، فقد تعرضوا لقوات الإفرنج وهي في طريقها إلى فلسطين، وأنزلوا بها خسائر فادحة، كما تحمل أهل صيدا أضراراًَ كبيرة في مزارعهم وبساتينهم.

وكان البيت الفاطمي ذروه الخيانه العربيه الاسلامية في تلك الحقبة من الزمان…..فالخليفة الفاطمي الذي ينتسب إلى الرسول العظيم، وهو صاحب الدعوة الرفيعة إلى الجهاد، كان "متقاعدا عن الجهاد" حسب تعبير جميع المؤرخين المسلمين الذين تركوا لنا هذا التعبير الشاجب الغاضب .

هذا مع أن قوات الإفرنج التي كانت تتصدى للمدن العربية في بعض الغزوات، لم تكن تتجاوز في تقدير المؤرخين الغربيين، ألف فارس وخمسة آلاف من المشاة ويا لخزي الخلفاء والأمراء والملوك والرؤساء.
لقد انتصر الإفرنج في نزهة سياحية من اللاذقية إلى الرملة، في بضعة أشهر، في عهد ملوك متخاذلين، وأمراء متقاعدين، وخلفاء متقاعسين. وانتصرت إسرائيل، في ما يشبه النزهة السياحية، وفي أيام معدودات، في أعوام 1948، 1956، 1967 ,وفي عهد ملوك متقاعدين ورؤساء متقاعسين، وبهذا يبدو جليا أن الأسباب هي الأسباب، مع اختلاف في الأسماء والألقاب…

وما أشبه الليلة بالبارحة..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:20 PM   #7
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

دار الزمان دورته ، وانتكس نكسته ، فخرج الإفرنج من أوطانهم القاصية يقصدون بيت المقدس ، فاجتازوا ديار الشام في غفلة من الخلفاء والأمراء ,حتى وصلوا إلى فلسطين ، فاحتلوا عكا ، وحيفا ، وقيسارية، واللد ثم الرملة ، حيث أقاموا فيها بضعة أيام . ويقول المؤرخ الإسلامي المعروف ,أبو المحاسن ,إن الإفرنج "جاؤوا إلى الرملة وأخذوها وقت إدراك الغلة وما أبدع فلسطين وأروعها في أيام الحصاد والغلال ، ذلك أن فلسطين كلها في أيام الربيع باقة أزهار وسلة ثمار ، وجنة أطيار ..

ولكن فلسطين ، ويا ويح فلسطين ، لم تشهد ربيعاً عام 1099 ، كما لم تشهد ربيعاً منذ عام 1948 ، وما تلاه من أعوام عجاف ، فإن فلسطين اليوم ذبلت فيها الأزهار ، وتهاوت الثمار ، وتشردت الأطيار .

ومدينة الرملة بالذات ، مدينة النسمات الرقراقة ، والقسمات الحلوة المشرقة، الزاهية بالسهول اليانعة ، والمروج الخضراء ، وما أن نزل فيها الإفرنج حتى استحالت إلى قفر يباب وبلد خراب ، فنزح أهلوها وأصبحوا مهاجرين لاجئين ، ونزحت معهم أمجادهم وذكرياتهم ,الطارف ، والتليد .
ولقد أُعجب المتنبي بالرملة ، وكان قد عرّج عليها قبل أن عرج عليها الإفرنج بخمسين عاماً ، فامتدح أميرها أبا محمد الحسن بقصيدة رائعه كان يحفظها أهل الرملة ، ومنها قوله وكأن المتنبي تنبأ بما سيحل بالرملة :

ومن عرف الأيام معرفتي بها * وبالناس رَوّى رمحه غير راحم

في مدينة الرملة هذه ، وكل رملة فيها جنة ، عقد أمراء الإفرنج مجلسهم الحربي ، والعمارات من حولهم تعج بذكريات الأمويين الذين كانوا يخلدون إليها أيام الراحة والدعة ، وبدأ الحوار الساخن بينهم ، وماذا بعد الرملة؟ هل نمضي إلى مصر ونقضي على دولة الفاطميين في عقر دارهم ، أم نزحف على بيت المقدس ، ونرى بعد ذلك ما يكون ؟

وانقسم الأمراء في ما بينهم ، فرأى فريق أنه "لا بد من الزحف على مصر والاستيلاء على الدلتا ، فإن مصر هي مفتاح بيت المقدس ، ولا قرار ولا استقرار في بيت المقدس إلا بالاستيلاء على مصر" .. ورأى فريق آخر" أن الزحف الطويل من اواسط أوروبا قد استنفد الكثير من قواتهم ، وليكن الإستيلاء على بيت المقدس أولاً ، ثم يتّم الاستعداد للزحف على مصر".

وتساءل أهل فلسطين يومذاك .. كما تساءلوا في غزوات إسرائيل .. أين الخلفاء والامراء ، أين الملوك والرؤساء ، أين الخليفة الفاطمي الناعم في قصوره في القاهرة ، أين الخليفة العباس الساجي في طيلسانه في بغداد ، وأين أمراء الشام ,شمس الدولة ، وفخر الدولة ، وقوام الدولة .. وسائر الألقاب ، وهي لا تتصل "بالدولة " من قريب أو بعيد .

ومرة أخرى أطلّ حزيران على صفحات التاريخ ... وكان اليوم السابع من حزيران ، وحزيران ما أشقاه بنا ، وما أشقانا فيه ..
في ذلك اليوم وصلت جموع الإفرنج إلى بيت المقدس ، وعسكروا حول أسوارها ، ومن سخرية القدر أنه هو اليوم نفسه الذي سقط فيه بيت المقدس على يد القوات الاسرائيلية .. في السابع من حزيران من عام 1967.

ووصلت أنباء الزحف إلى بيت المقدس ، وكانت يومئذ تابعة للدولة الفاطمية في القاهرة ، واسم واليها افتخار الدولة ، حاكم آخر من الذين تشرفوا باسم "الدولة " ولم تتشرف بهم ..
ولكن الشعب ، افتخار الشعب ، هب عن بكرة أبيه للدفاع عن مدينته المقدسة الغالية ، التي بناها جدنا الأعلى يبوس العربي ، وإليه ينسب اليبوسيون العرب، الذين استوطنوا بيت المقدس قبل اليهودية والمسيحية والإسلام بأجيال وأجيأل .

وراح الشعب يحمل المعاول بيديه ، والحجارة على كتفيه ليقوي الأسوار والأبراج ، ويسد المنافذ والمعابر ، وانطلق المتطوعون بالعشرات يسممون الآبار خارج المدينة ، ويجمعون المواشي من الحقول ، حتى لا تقع في يد العدو .

ولم يكن في بيت المقدس إلاّ حامية من العرب والسودان لا يتجاوز عددها ألف مقاتل ، يقابلهم من الفرنجة عشرون ألف محارب ولكن أهل بيت المقدس ، تعاهدوا في ما بينهم ، على ان يدافعوا عن مدينتهم المقدسة ، إلى أن يفنى الرجال والنساء والأطفال .. أليست مدينتهم مسرى الرسول ومعراجه .. ألم يقل القصصي الشعبي " وتُزف الجنة يوم القيامة زفا مثل العروس إلى بيت المقدس .." وإليها يُزف الحجر الاسود ، وتزف مكة بحاجها.

وشدد الإفرنج الحصار ، وراحوا يهاجمون الأسوار ، يحاولون اقتحام أبواب المدينة الغالية ، ولا تزال أبوابها قائمة بأسمائها التي يعرفها أطفالنا إلى يومنا هذا ، باب العمود ، باب الساهرة ، باب الخليل ، إلى آخر الأسماء التي ازدادت بها صفحات التاريخ ..

وازدادت لهفة الإفرنج إلى اقتحام المدينة المقدسة ، بعد أن أيقنوا أن القوات العربية والاسلامية في الوطن العربي متقاعدة ومتقاعسة ، وبدأوا يضربون الأسوار بالمجانيق ، ويصعدون إلى الأسوار على السلالم ، التي صنعوها من الغابات والأحراش التي اقتطعوها من المناطق المجاورة وامتد الحصار نيفا وأربعين يوماً ، والقتال دائر بين الفريقين ، إلى أن قام الإفرنج بهجومهم الكبير في اليوم الرابع عشر من شهر تموز عام 1099 ، وكان يوماً من أيام التاريخ الحزين ..

وانسحب افتخار الدولة وجنوده إلى محراب داود ، في القسم الجنوبي من المدينة ، واعتصموا به وقاتلوا ثلاثة أيام ،" ثم لم يلبثوا أن ألقوا السلاح بعد أن بذل لهم الإفرنج الأمان ، وسمح الإفرنج لافتخار الدولة وجنوده أن ينسحبوا من القدس وذهبوا إلى عسقلان .. في ذل وامان ".

وبدأت المذبحة الرهيبة ، وأصبح بيت المقدس كله مسرحاً كاملاً للدماء والدمار ، في البيوت والشوارع والمعابد ، وعلى الأسطحة ، وفي المسجد الأقصى .. من بابه إلى محرابه !!
ولقد سجل المؤرخون ، المسلمون والمسيحيون على السواء ، وأناملهم راجفة واجفة ، الوقائع الهمجية لتلك المذبحة الرهيبة التي حلّت بالمدينة المقدسة ..

يقول ابن الأثير أن الإفرنج قد ذبحوا ما يقرب من سبعين الفاً ، بينهم جماعة من أئمة المسلمين وعلمائهم.
ويقول ابن القلانسي أن الإفرنج قد "جمعوا اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم "ويقول أبو المحاسن "وهرب الناس إلى الصخرة والأقصى واجتمعوا بهما فهجموا عليهم ، وقتلوا في الحرم ماية ألف ، وسبوا مثلهم ، وقتلوا الشيوخ والعجائر ، وسبوا النساء ، وأخذوا من الصخرة والأقصى سبعين قنديلا ، منها عشرون ذهباً ، وخمسون من فضة ... وتنّورا من فضة زنته أربعون رطلاً بالشامي ، وأخذوا من الأموال ما لا يحصى ".

أما المؤرخون المسيحيون ، وبعضهم كان يقاتل في صفوف الإفرنج، فقد تركوا لنا وقائع رهيبة أشد هولاً مما أشار اليه المؤرخون المسلمون . فهذا المؤرخ المسيحي ابن العبري الملطي يقول "ولبث الإفرنج في البلد أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين ، وقُتل بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً.
أما المؤرخ المسيحي الآخر متى الرهاوي فقد أنقص العدد بمقدار خمسة آلاف ، وقال "إن عدد من قتلهم الإفرنج من المسلمين زاد على خمسة وستين ألفاً ".

وكان مؤرخ آخر من الذين قاتلوا في صفوف الإفرنج ، ذهب لزيارة الحرم الشريف بعد المذبحة الرهيبة, ولم يجد بدأً من الاعتراف بانه لم يستطع أن يشق طريقة "وسط أشلاء المسلمين إلا بصعوبة بالغة ، وأن دماء القتلى بلغت ركبته" .

ويشاء القدر أن يحفظ لنا مذكرات وافية كتبها أحد الذين قاتلوا في تلك المعركة ، وترجمت أخيراً إلى اللغة العربية . وقد ورد في مذكرات ذلك المؤرخ المقاتل وقائع تقشعر لها الأبدان ، منها قوله " إن الإفرنج جدّوا في قتل الأهلين ومطاردتهم حتى قبة عسر ، حيث تجمعوا واستسلموا لرجالنا الذين أعملوا فيهم أفظع القتل طيلة اليوم باكمله ، حتى فاض المعبد كله بدمائهم .. وانطلق رجالنا في جميع أنحاء المدينة يستولون على الذهب والفضة والجياد والبغال ، كما أخذوا في نهب البيوت الممتلئة بالثروات .. وفي صباح اليوم التالي تسلق رجالنا على أسطح "المعبد " وهجموا على الأهلين رجالاً ونساء ، واستلموا سيوفهم وراحوا يعملون فيهم القتل ، ورمى بعضهم بنفسه من أعلى المعبد ، وصدر الأمر بطرح الموتى كافة خارج البلدة لشدة النتن المتصاعد من جثثهم ، ولأن المدينة كادت أن تكون باجمعها مملوءة بجثثهم ... وتعالت أكوامهم حتى جاوزت البيوت ارتفاعاً "ويمضي التاريخ بعد ذلك يروي كيف استتب الأمر للإفرنج ، وحكموا بيت المقدس ، وأقاموا فيها مملكة دامت ثمانية وثمانين عاماً ..

فحق ضائع وحمى مباح
وسيف قاطع ودم صبيب
وكم من مسلم أمسى سليباً
ومسلمة لهـا حرم سـليب
أمور لو تأملـهنّ طفـل
لطفّل في عوارضه المشـيب
أتسبى المسلمات بكل ثغر
وعيش المسـلمين إذاً يطيب
أما لله والإسـلام حـق
يدافـع عنه شـبان وشـيب
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-02-2009, 02:56 PM   #8
آمال البرعى
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2008
الإقامة: مصر
المشاركات: 384
إرسال رسالة عبر MSN إلى آمال البرعى إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى آمال البرعى
إفتراضي

لم يأتى هذا الموضوع من كونى مصريا مسلما ..

أخى الكريم
وما العيب إن كان كذلك فكلنا يفخر بإنتماءاته وجذوره
الإنتماء قيمة رائعة سيدى
رائعة تلك الدراسة اللراقية
ورائع الموضوعية فى الطرح هنا
بارك الله لك
__________________
لست مضطراً لــ حبى
ولكنك مجبراً على إحترامى



آمال[/color]
آمال البرعى غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-02-2009, 06:31 PM   #9
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة آمال البرعى مشاهدة مشاركة
لم يأتى هذا الموضوع من كونى مصريا مسلما ..

أخى الكريم
وما العيب إن كان كذلك فكلنا يفخر بإنتماءاته وجذوره
الإنتماء قيمة رائعة سيدى
رائعة تلك الدراسة اللراقية
ورائع الموضوعية فى الطرح هنا
بارك الله لك
ومن لا يحب الإنتماء إلى بلد أحبها الله وأحبها رسوله ..

قصدى أنى سواء كنت مصريا أم لا ، كان لهذا الموضوع أن يكون لألف سبب ..

إن الأمم والحضارات لا تقوم بين يوم وليلة .. ومصر الإسلامية تاريخ ضارب باصوله فى كل تاريخ الإسلام .. أحبها خالقها وآثرها بالذكر وحدها دون سائر البلاد فياله من حب .. وأحبها رسول الله ودعا لها ولأهلها وأوصى علينا صحابته ، ووصيته الرائعة بأن منا خير أجناد الأرض ليست مدحا ولا إطراء .. بل فيها تلميح رائع لمن يخلفه بضرورة فتح هذه البلاد فهى إسلامية الروح من قبل أن يدخلها الإسلام .. فكان حرص الفاروق عليها وكانت وشوشاته لنيلها ورسالته له من أجمل رسائل الحب فى التاريخ .. ومصر بوابة الإسلام التى عبر منها إلى إفريقية والأندلس .. وهى الدرع والحرس الخاص للأقصى ونحن من ضيعناه ونحن من سيعيده إلى حظيرة الإسلام ..

ولا زال المؤرخين الغربيين يكيلون المدح والشكر لمصر .. مصر الفرعونية التى كانت فجر العلوم .. ومصر الإسلامية التى أنقذت العالم بأسره من خطر المغول ..


المبدعة آمال ..

باقة ورد لحضورك

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-04-2009, 09:00 AM   #10
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

واقتربت ساعة الصفر



كانت ليلة عصيبة قضاها السلطان ساهرا قلقا .. لم يكن يشغل تفكيره سوى أمر واحد .. فمعركة الغد لن تحدد مصير أمة واحدة فحسب ، بل هى معركة لا تعنى الهزيمة فيها سوى شىء واحد .. نهاية الإسلام .. ترى كيف كانت أحاسيسه فى هذه الليلة ..

تأمل .. تحفز .. ترقب .. قلق .. ثقة ..

فى الصباح .. تقدمت جحافل العدو الضخمة لتجد الميدان شبه خالى .. من بين صفوف العدو أمير مسلم تم أسره وإجباره على التعاون وإلا فالموت ينتظره .. وها هو الآن على يمين قائد جيش العدو مترقبا أوامر الطاغية ولا يفتأ يرمقه بنظرة حاقدة تخفيها ملامح وجهه المخادعة ..

لم يكن الميدان خاليا كما يبدو .. فلم تكن هذه الصفوف القليلة سوى طليعة جيش المسلمين فحسب .. وقد أعطى السلطان إشارة البدء لهذه الطليعة بالتحرك ..

وبدأت القوات الإسلامية تنساب من فوق التل إلى داخل السهل .. لم تنزل صفوف الجيش دفعة واحدة، إنما نزلت على مراحل، وفي صورة عجيبة.. عندها .. بدت ملامح القلق والترقب على وجه طاغية الحرب وقائد جيش العدو .. وهنا إستدعى الأمير المسلم يشرح له تفصيلا ما يدور .. ونترك الحديث لهذا الأمير المسلم .. يقول ..

فلما طلعت الشمس ظهرت عساكر الإسلام، وكان أول سنجق أحمر وأبيض، وكانوا لابسين العدد المليحة ..

موقف في غاية الروعة ..

لقد نزلت الكتيبة الإسلامية الأولى وهي تلبس ملابس أنيقة أحمر في أبيض .. للفرقة كلها زي واحد، وكانوا يلبسون العدد المليحة، بمعنى أن الدروع والسيوف والرماح والخيول كانت في هيئة مليحة جميلة.. لقد نزلوا بخطوات ثابتة، وبنظام بديع ..

الجنود الإسلاميون ينزلون إلى ساحة المعركة في غاية الأناقة والبهاء .. وكأنهم في عرض عسكري.. لهم هيبة.. وعليهم جلال.. ويوقعون في قلب من يراهم الرهبة..

وهذه هي الكتيبة الأولى..

هنا يقول هذا الأمير المسلم "فبهت الطاغية وبهت كل من معه من الجنرالات والقادة" ..

هذه أول مرة يرى فيها جيش المسلمين على هذه الصورة، لقد كان معتاداً أن يراهم وراء الحصون والقلاع يرتجفون ويرتعبون، أو يراهم وهم يتسارعون إلى الهروب فزعاً من جيشه ، أو يراهم وهم يسلمون رقابهم للذبح الذليل !!.. كان معتادا على رؤية المسلمين في إحدى هذه الصور المهينة، أما أن يراهم في هذه الهيئة المهيبة العزيزة فهذا ما لم يحسب له حساباً أبداً ..

فسأل الطاغية هذا الأمير المسلم والفزع يبدو على ملامحه : رُنك من هذا !

"ورنك" كلمة فارسية تعني "لون"، وهو يقصد كتيبة من هذه؟ إنها كتيبة مرعبة ..

وكانت فرق المسلمين فى هذا الجيش تتميز عن بعضها البعض بلون خاص.. فهذه الفرقة مثلاً لونها الأحمر في الأبيض، فكانت تلبس الأحمر والأبيض، ولها رايات بنفس اللون، وتضع على خيولها وجمالها وأسلحتها نفس الألوان، وتضع على خيامها نفس الألوان، وكذلك على بيوتها فى مصر، وعلى مخازنها وغير ذلك.. فكانت هذه بمثابة الشارة التي تميز هذه الفرقة أو الكتيبة..

وكثيرون لا يعلمون أن الجيوش القديمة كانت تميزها عن بعضها شارات على الذراع أو هيئة ملابس متقاربة ولم يكن الزى الموحد معروفا فى هذه العصور الأولى ..

سأل الطاغية في فزع: رنك من هذا؟

فقال الأمير : رنك "فلان" أحد أمراء المسلمين..

ومهما كانت عظمة الكتيبة المسلمة وبهاؤها فإننا لا نستطيع أن نفهم رعب القائد السفاح المهول من هذه الكتيبة الصغيرة جداً بالقياس إلى جيشه الضخم إ

نعود إلى السفاح وهو يراقب نزول الكتائب الإسلامية من فوق التلال ..
فبعد نزول الكتيبة الأولى نزلت كتيبة أخرى تلبس الملابس الصفراء عليها من البهاء والجمال ما لا يوصف ..

تزلزل الطاغية وقال للأمير : هذا رنك من؟

قال الأمير : هذا رنك "فلان"أحد أمراء جيش المسلمين ..

ثم تتابعت الكتائب الإسلامية بألوانها الرائعة المختلفة، وكلما نزلت كتيبة سأل السفاح: رنك من هذا؟

فيقول الأمير المسلم : فصرت أي شيء يطلع على لساني قلته.. يعني بدأ يقول أسماء مخترعة لا أصل لها، لأنه لا يعرف هذه الكتائب، ولكنه يريد أن يرعب هذا السفاح بكثرة الفرق الإسلامية ..

وكل هذه الفرق هي مقدمة جيش المسلمين فقط، وهي أقل بكثير من جيش السفاح المرعب الرهيب؛ فقد احتفظ السلطان بقواته الرئيسية خلف التلال، وقد قرر ألا تشترك في المعركة إلا بعد أن تُنهَك قوات العدو ..

وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين بدأت فرقة الموسيقى العسكرية الإسلامية تظهر على الساحة .. وانطلقت في قوة تدق طبولها وتنفخ في أبواقها وتضرب صنوجها النحاسية.. لقد كانت الكتائب تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات التي لا يعرفها الأعداء.. فكانت هناك ضربات معينة للميمنة وضربات معينة للميسرة وضربات معينة للقلب .. وكانت هناك ضربات للتقدم وضربات للانسحاب، وكانت هناك ضربات خاصة لكل خطة عسكرية .. وبذلك يستطيع السلطان أن يقود المعركة عن بعد، وعلى مساحة شاسعة من الأرض من خلال دقات هذه الآلات الضخمة .. هذا فوق الرهبة التي كانت تقع في قلوب الأعداء من جراء سماع هذه الأصوات المزلزلة ، بينما كانت هذه الدقات تثبت المسلمين، وتشعرهم بمعية القائد لهم في كل تحرك من تحركاتهم ..


واقتربت جداً ساعة الصفر ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .