العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السيـاسية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 19-01-2010, 03:10 PM   #1
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي لمـا كـان زمـن السقـوط - فهمي هويدي

لمـا كـان زمـن السقـوط


فهمي هويدي

عمت البلوى، ولم يعد «المصريون الجدد» وباء حل بمصر فقط، لكنه انتشر في ربوع الأمة، التي صار في كل منها نماذج لأولئك الجدد، الذين لا يكرهون انتماءنا فحسب، بل يبغضون أحلامنا أيضا.
ـ1ـ
يروي عالم الاجتماع العراقي الراحل الدكتور علي الوردي في مذكراته أن الإنكليز بعدما احتلوا بغداد في 11 آذار مارس عام 1917 أطلق الناس على تلك المرحلة «عهد السقوط»، وصاروا يطلقون على الذين ولدوا في ذلك العهد «أولاد السقوط». تذكرت كلام الدكتور الوردي حين تلقيت تعليقات عدة من أنحاء الوطن العربي على مقالي، الذي نشر تحت عنوان «المصريون الجدد» في الخامس من شهر كانون الثاني/ يناير الحالي، وكان أكثر ما أثار انتباهي فيها إشارة أصحابها إلى أن نماذج أولئك الجدد موجودون في بعض الأقطار العربية أيضا، حيث برزت على السطح ذات القشرة، التي تحدثت عنها في مصر، التي أوغلت في القطرية وضاقت بالعروبة ونفرت من الإسلام، وباتت تستهجن المقاومة، وتتأفف من الحديث عن فلسطين، ولم تعد تعرف من هو عدو الأمة، ومن الذي يهدد حقا أمنها القومي، بل إن مفهوم الأمة ذاته وحلمها في الوحدة بدا غائما وملتبسا، ومن ثم محلا للتندر والسخرية.
حين تلاحقت الرسائل محملة بهذه المعاني قفز إلى ذهني على الفور مصطلح عهد السقوط وعنوان أولاد السقوط. وقُلت إن هذه النماذج نتاج زمن الانكسار والانفراط وثقافة التراجع والانبطاح.
في الأسبوع الماضي وقعنا على عدة لقطات لها دلالتها في هذا السياق. إذ حين هزم فريق الجزائر في أولى مباريات كأس الأمم الأفريقية عبر بعض الإعلاميين في مصر عن شماتتهم وارتياحهم لما حدث، وحين فازت مصر على نيجيريا 3/1 قال أحد المعلقين الرياضيين المصريين إن النتيجة جلبت انتصارا أشاع الفرحة في العالم العربي، فاعترض على ذلك معلق تونسي قائلا إن ذلك الشعور ينسحب على الشعب المصري فقط، لأن شعوب المغرب العربي كانت تشجع الفريق النيجيري وتتمنى له الفوز على المنتخب المصري، لا أعرف مدى دقة هذه الشهادة، لكنها إذا صحت فإنها تسلط الضوء على أحد أوجه الانفراط والتشرذم الحاصلة في «زمن السقوط».
ـ2ـ
رياح التباغض هذه نجحت في تسميم الأجواء العربية، ليس فقط على مستوى الشعوب، بل على مستوى القيادات والرموز أيضا، الذين أصبح بعضهم يرحب بلقاء قيادات العدو الإسرائيلي في حين يرفض الاجتماع مع «الأشقاء» العرب، وهو ما يعيد إلى الأذهان تجربة ملوك الطوائف في الأندلس (400 ـ 484 هـ ـ 1009 ـ 1091م). ذلك أنه بعد سقوط الخلافة والدولة الأموية انفرط عقد الأندلس، التي تحولت إلى دويلات متنازعة، فاستقل كل أمير بناحية ونصّب نفسه ملكا عليها، وتطلع كل واحد منهم لأن يبسط سلطانه على الأندلس، وبسبب التنافس بينهم فإن منهم من تعارك مع جاره المسلم، ومنهم من استعان بملك النصارى ألفونسو السادس، الذي كان يحكم شمال البلاد، وتسانده فرنسا والبابوية في روما. ومن سخريات الأقدار، أنه فيما انقسم العرب في زماننا في التعامل مع العدو الإسرائيلي المؤيد بالأميركيين إلى ثلاثة معسكرات «معتدلين ومتطرفين وبين بين»، فإن المراجع التاريخية تتحدث أيضا عن تعدد ملوك الطوائف وانخراطهم في ثلاثة معسكرات. واحد ضم ممالك أهل الأندلس، الذين استقروا في البلاد منذ قديم الزمان وانفصلوا عن أصلهم العربي. والثاني ضم البربر والمغاربة، الذين كانوا حديثي العهد بالأندلس، والثالث معسكر كبار الصقالبة، الذين استقلوا بشرقي الأندلس. جميعهم تنافسوا وتصارعوا في ما بينهم، حتى قال عنهم المؤرخ ابن عذارى المراكشي إن «أمرهم صار في غاية الأخلوقة «الأضحوكة» والفضيحة. أربعة كلهم يتسمى بأمير المؤمنين في رقعة من الأرض مقدارها ثلاثون فرسخا في مثلها».
النتيجة يعرفها الجميع، إذ ظل الملك ألفونسو يضرب ملوك الطوائف بعضهم ببعض، ويتقدم على الأرض مسقطا «الممالك» والثغور واحدة تلو الأخرى حتى أخضع الجميع وأذلهم. ولم تقم لدولة الإسلام في الأندلس قائمة بعد ذلك إلا حين زحف إليها المرابطون من المغرب بقيادة يوسف بن تاشفين، الذي أسس دولة المرابطين التي استمرت حتى منتصف القرن الثاني عشر.
لدينا في العصر الحديث تجربة أخرى فرضت فيها الشرذمة بعد انهيار الدولة العثمانية. ذلك أنه في الفترة ما بين عامي 1830 (تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر) وعام 1920 (حين أحكم الفرنسيون والبريطانيون سيطرتهم على بقية أنحاء العالم العربي) استطاع الغرب أن يصفي ـ تدريجيا ولأول مرة في التاريخ ـ الكيان العربي الإسلامي الموحد بصفة نهائية، وأن يحكم أغلبية أقطاره بصورة مباشرة. وكانت اتفاقية سايكس بيكو التي عقدت بين بريطانيا وفرنسا عام 1917. بعد الحرب العالمية الأولى تجسيدا صريحا لسياسة تفتيت العالم العربي وتمزيقه. وكان من بين نتائجها المباشرة إجهاض حركة المد العربي، التي تشكلت في مواجهة التتريك، الذي فرضته السلطة العثمانية، وإحباط حملة توحيد المملكة العربية بزعامة الشريف حسين. وهذا الإصرار الذي وصل إلى حد التآمر لضمان استمرار تفتيت الأمة العربية كشفه في وقت لاحق عدد من الباحثين العرب، الذين أتيح لهم الاطلاع على الوثائق الغربية ذات الصلة. وقد أصدر مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت أكثر من كتاب حول هذا الموضوع، كان أحدها عن التجزئة العربية وكيف تحققت تاريخيا، لمؤلفه الأستاذ أحمد طربين، وقد استعرض محاولات عن الهيمنة الغربية في هذا الصدد، ثم خلص إلى أن بعض الدول العربية، التي حصلت على استقلالها بموجب معاهدات الصداقة والتحالف التي أبرمتها مع الأجنبي، فإن ذلك الأجنبي بذل قصارى جهده لكي يحمل الاستقلال معنى عكسيا، بحيث لا يكون استقلالا حقيقيا عن الأجنبي، بل استقلالا عن «الإخوة» أساسا، بمعنى أن يكون لكل وطن عربي مستقل ذاتية وخصوصية، تميزانه عن الأوطان العربية الأخرى.
ـ3ـ
ربما لاحظت أن الانفراط الذي حدث في النموذجين السابقين ثم في مرحلتين للسقوط، إحداهما في أعقاب انهيار الخلافة الأموية في الأندلس، والثانية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، في الأولى تنازع ملوك الطوائف في ما بينهم فانهزموا أمام العدو المشترك، وفي الثانية تكالبت قوى الهيمنة الغربية على جسد الأمة فمزقته وبسطت سلطانها على أطرافه، وكان الضعف المؤدي إلى الانكسار قاسما مشتركا في الحالتين.
أزعم أننا في العالم العربي دخلنا في طور ثالث لحالة الضعف والانكسار منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد في عام 1979. ذلك أن المد القومي الذي عاشته مصر والأمة العربية في المرحلة الناصرية ظل مصدر قلق دائماً للولايات المتحدة وإسرائيل، والأخيرة اعتبرت ذلك المد تهديدا وجوديا لها. وكان الإنجاز الذي حققته مصر بعبور قواتها إلى سيناء في حرب 1973 من دواعي تعزيز ذلك القلق، من حيث إنه جاء دالا على ما يمكن أن تفعله مصر إذا استردت بعض عافيتها، ولذلك أتصور أن العقل الاستراتيجي المشترك بين الأميركيين والإسرائيليين، وقد تابع سلوك الإدارة المصرية بعد طرد الخبراء السوفيات وتوقيع اتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل، طرح السؤال التالي: كيف يمكن اصطياد مصر والإيقاع بها، بعدما غاب عنها عبد الناصر، وفي ظل انتشاء السادات بما حققه في حرب أكتوبر؟
ليس هذا السؤال افتراضيا، ولا هو من وحي الخيال، لأن ما حدث بعد ذلك في اتفاقية كامب ديفيد لم يكن سوى إجابة وافية عليه ـ كيف ولماذا؟
ردي أنه إذا كان بعض المحللين الإسرائيليين، يعتبرون اتفاقية كامب ديفيد أهم إنجاز حققته إسرائيل في تاريخها بعد تأسيس الدولة، فإن ذلك يسوغ لنا أن نعتبرها أكبر هزيمة سياسية لحقت بمصر في تاريخها الحديث، لا تنافسها في ذلك إلا معاهدة لندن، التي عقدت في سنة 1840. وهي التي أخرجت محمد علي باشا من الشام وحصرت سلطاته داخل حدود مصر، فيما أبقت مصر والشام تحت الهيمنة الأوروبية، التي انتهت باحتلال الإنكليز لمصر في عام 1882.
صحيح أن مصر استعادت سيناء بشروط معينة بمقتضى اتفاقية كامب ديفيد، إلا أن الثمن الذي دفعته لقاء ذلك كان فادحا وباهظا للغاية. لأنها تصالحت بصورة منفردة مع العدو، الذي يمثل وجوده التهديد الحقيقي لأمن مصر والأمة العربية، فيما لا يزال ذلك العدو مصراً على الاستمرار في الاحتلال والاستيطان والتهويد. ليس ذلك فحسب، بل وقعت مصر في هذه الاتفاقية على الاستقالة من دورها الريادي في العالم العربي، ذلك أن المادة السادسة من الاتفاقية المذكورة تنص في إحدى فقراتها على أنه إذا حدث تعارض بين التزامات الطرفين الواردة في المعاهدة وبين أي التزامات لهما قررتها اتفاقات أخرى، تقدم التزامات الطرفين على ما عداها، وهو نص يكاد يكون تطبيقا للشعار «مصر وإسرائيل أولا»، وعند الحد الأدنى فإنه يعني مباشرة خروج مصر من اتفاقية الدفاع العربي المشترك. الأمر الذي جعلها تقف متفرجة على غزو لبنان وإزاء أي مغامرات أخرى تقدم عليها إسرائيل في العالم العربي.
ـ4ـ
في مناسبات مختلفة قلت إن مصر في العالم العربي بمثابة العمود الأساسي، الذي تعتمد عليه الخيمة العربية، فإذا انكسر ذلك العمود وقعت الخيمة كلها على الأرض، وهذا ما حدث خلال السنوات الثلاثين الأخيرة التي أعقبت توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ما أدى إلى مقاطعة مصر لمدة عشر سنوات وكما أدى إلى نقل مقر الجامعة العربية منها إلى تونس، مباشرة بعد توقيع الاتفاقية. إذ خلال تلك السنوات ظل مقعد القيادة في العالم العربي شاغرا، وتقلص الدور المصري حينا بعد حين، واستمر النظام العربي في الانهيار، وتغيرت خرائط العالم العربي السياسية والثقافية، حتى وصلنا إلى حالة الانقسام، التي نعيش في ظلها الآن، بحيث أصبحت أبواب مصر مفتوحة أمام نتنياهو ومغلقة في وجه بشار الأسد، وحتى أصبح أبو مازن مواظباً على اجتماعاته مع أولمرت وتسيبي ليفني، ورافضا مصافحة خالد مشعل، وحقق التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل شوطا بعيدا في التصدي للمقاومة التي أصبحت «عدواً مشتركاً» للاثنين!
لا يتسع المجال لرصد مظاهر التردي الذي وصلنا إليه بسبب غياب مصر وتراجع دورها، الأمر الذي أفقدها هيبتها واحترامها. ذلك أن تجليات ذلك التردي لم تترك مجالا في حياتنا السياسية أو الثقافية إلا وضربته، كما لم تترك قيمة نبيلة تعلقنا بها، ولا ركيزة من ركائز العزة والعافية عولنا عليها، إلا وتنكرت لها. إذ اختلط الحابل بالنابل، وصار العدو الاستراتيجي حليفا استراتيجيا، كما ذكر الأستاذ طارق البشري مندهشا. وأصبحت المقاومة إرهابا، والفلسطينيون في غزة تهديدا للأمن القومي. وقال بعض «الخبراء» إن خطر الفلسطينيين والإيرانيين على مصر أشد من الخطر الإسرائيلي. واستنكف بعض المثقفين في مصر على الانتماء العربي، قائلين إنهم أرفع من ذلك شأنا، فهم مصريون من سلالة الفراعنة «الذين هم أرقى سلالات الدنيا ومن أرفع أعراق الأرض».. إلخ.
من رحم هذه البيئة الشائهة خرج «المصريون الجدد»، وانتقلت العدوى إلى خارج الحدود على النحو الذي وسع من دائرة أبناء السقوط.
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .