تقنية نقب الرأس

[صفاء العشري]

أقدم شكل من الجراحة عرفتها البشرية هي أيضا واحدة من الأكثر بشاعة. منذ ما يقرب 7000 سنة تشاركت الحضارات في مختلف أنحاء العالم تقنية نقب الرأس أي إحداث ثقوب في الجمجمة كوسيلة لعلاج الأمراض. لا يسع الباحثين إلا التكهن فقط حول كيف أو لماذا ظهر هذا الشكل المروع من العمليات الجراحية في الدماغ. النظرية الشائعة تقول أنه قد يكون شكلا من أشكال الطقوس القبلية أو طريقة للإفراج عن الأرواح الشريرة التي كان يعتقد أنها تتملك المرضى والمصابين بأمراض عقلية. ويجادل آخرون أن هذه العملية الجراحية التقليدية استخدمت لعلاج الصرع، والصداع، وخراجات جلطات الدم. . الفكرة تبدو لمعظم الناس الآن بغيضة ووحشية، ولكنها لا تزال تستخدم في بعض الأحيان في ظل ظروف خاصة.
اكتشاف هياكل عظمية في بريطانيا والهند وما أظهرته التنقيبات في البيرو وما ظهر في الجماجم من ثقوب متماثلة برهن عن ممارسة هذا النوع من الجراحة في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية وقبل أن تكون هناك اتصالات بين الحضارات المتنوعة تلك. بل وأن حالة الجماجم المكتشفة أظهرت أن المرضى الذين تعرضوا للثقب لم يموتوا نتيجة لهذا الإجراء بل عاشوا مدة كافية لكي تلتئم الجروح ويستمر نمو العظام.
أول من بدأ يبشر بأهمية نقب الرأس كان عالم هولندي يدعى بارت دكتور هيوغز الذي اكتشف عام 1962 أن درجة الوعي لدى الإنسان تتعلق بكمية الدم في الدماغ. لن أدخل في كل تفاصيل نظريته التي وجدت العديد من المتحمسين والتلاميذ يدافعون عنها بقوة. ولكن باختصار يرى هذا العالم أن أفضل حالة عند المرء هي الطفولة أي عندما تكون الجمجمة لا تزال مفتوحة والتي لا تغلق بشكل كامل إلا مع البلوغ. نتيجة لذلك، يفقد الكبار الأحلام والخيال والتصورات المكثفة للطفل ويمتلئون بالأنانية والعصاب. لعلاج هذه المشاكل، بدأ أولا بنفسه ثم توجه للعالم كله، عمد إلى حفر جزء من جمجمته بالمثقاب الكهربائي لإعادة الجمجمة إلى ما يشبه حالة من الطفولة. وقد قال أنه شعر بآثار مفيدة فورية من هذه العملية، وبدأ بعدها يدعو الناس لتبني مذهب ثقب الجمجمة للتمتع بالحياة بشكل طبيعي ودون الحاجة للأدوية والمسكنات. وكان رد فعل السلطات الطبية والقانونية حالة من الرعب وكافأته بمدة قصيرة في مستشفى المجانين.
اليوم هناك مجموعة من المؤمنين بأهمية هذا الإجراء منهم من يعتقد أنه يشفي الصرع ومنهم من يؤمن أنه يجدد الدماغ ويضفي السعادة على الإنسان. بل هناك من أجرى ثقبا في رأسه بنفسه ودون أن يكون جراحا أو طبيبا. إلى جانب هؤلاء هناك أطباء جراحون يقولون اليوم بأن ما كان القدماء يمارسونه دون معرفة أسبابه وتفسيراته العلمية يمكن أن يساعد جديا في شفاء أنواع مختلفة من الأمراض. وخير مثال هو حالة الفتى هيوستن برادلي، الذي، بعد تعرضه لحادث كان على الأطباء قص بقعة من جمجمته عن طريق النقب لتخفيف تورم في الدماغ وتوفير مساحة له كي يتوسع وإلا كان يمكن أن يؤدي الورم إلى تلف في الدماغ. طبعا الإجراء الحديث لا يمكن مقارنته بكيفية التعاطي مع المريض قديما، ولكن الفكرة الأصلية هي نفسها على الأرجح.
ومؤخرا توصل فريق طبي بريطاني إلى إيجاد طريقة لعلاج الصداع المزمن المعروف بـ "صداع الشقيقة"، وذلك عبر تقنية تقوم على إحداث ثقب في جمجمة المرضى وتحفيز أدمغتهم لتخليصهم من الألم.
لا يزال العديد من الهيئات الطبية يرفض مجرد اعتبار هذه العملية ممكن أن تحمل ولو بعض الإفادة، وربما سوف يكون علينا الانتظار طويلا قبل أن يحسم الأمر لصالح أو ضد التربنة( trepanation).