العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات في مقال معلومات قد لا تعرفها عن الموت (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 16-04-2009, 01:17 PM   #31
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

21ـ الجذور الثيموسية للعمل

(( كان هيجل يعتقد أن العمل هو الجوهر الحقيقي للإنسان))
........... كارل ماركس

على ضوء الارتباط القوي بين الديمقراطية والتصنيع المتقدم، تبدو قدرة الدول على النمو الاقتصادي على مدى فترات زمنية طويلة. ورغم أن أنجح الاقتصاديات الحديثة قد تكون هي الرأسمالية، فليست كل الاقتصاديات الرأسمالية ناجحة.

وقد كان من رأي (آدم سميث) أن المصدر الرئيسي للاختلاف بين ثروات الأمم هو حكمة أو غباء السياسات الحكومية، وأن السلوك الاقتصادي الإنساني عندما يتحرر من قيود السياسة الخرقاء، سيكون شائع وعام بين الجميع.

العمل، برأي هيجل، هو جوهر الإنسان، والعبد العامل هو الذي يخلق تاريخ البشرية بفضل تحويله لعالم الطبيعة الى عالم صالح لسكنى الإنسان. وكل البشر يعملون عدا فئة صغيرة من السادة الكسالى. ومع ذلك فإن ثمة اختلافات ضخمة في السلوك والدرجة في عمل الناس. وهي اختلافات طالما نوقشت في إطار ما يسمى بأخلاقيات العمل.

تعليق (مُبكر)

حاول الكاتب بذكاء مناقشة أخلاقيات العمل، حتى يردها في النهاية إلى الإرادة الليبرالية، فهو يرى اختلافات في السلوك العملي لدى القوميات، لكن تلك الخلافات ليست نهائية، وهو يرى أن الرغبة في جمع المال والوصول للرفاهية لدى الفرد عاملا حاسما، ولكنه ليس نهائي، وهو يرى أن العامل الديني والثقافي له أثر كبير ولكنه ليس نهائي، وهو يرى أن حب العمل من أجل العمل هو من يخلق الفوارق بين أداء المجتمعات ولكنه ليس نهائي! لنرى.

(1)

يقول (فوكوياما): إن أي شخص قضى زمنا في السفر أو الإقامة خارج وطنه، لا يسعه إلا أن يلاحظ كيف تؤثر الثقافة القومية تأثيرا حاسما في موقف الشعب من العمل. فمثلا، بالشرق الأوسط نجد أن (الأرمن) يتفوقون على أبناء المجتمعات التي يعيشون فيها، من حيث إبداعهم وجديتهم وإتقانهم لعملهم. كذلك هي الحال عند الصينيين في جنوب شرق آسيا، فهم في ماليزيا أو إندونيسيا يتفوقون على السكان المحليين. واليهود في المجتمعات الغربية يتقنون أعمالا تجارية ومصرفية لا يضاهيهم فيها أبناء تلك الدول.

ويضرب الكاتب مثلا على اختلاف الخصائص الثقافية القومية، وهو أنه عندما تمكن البريطانيون من الاستيلاء على بعض أجهزة الرادار الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وهم (أي البريطانيون) من اخترع الرادار، وجدوا أن تلك الأجهزة مدهشة ومتفوقة على البريطانية، ويرجع المؤلف ذلك الى أسباب تعود للعرق الألماني وطبيعة تثقفه الوطني.

لكنه يعود، في مكان آخر، ليناقش كيف أن سور برلين الذي فصل بين الأشقاء الألمان قد أوجد فوارق واضحة بين تفوق الألمان الغربيين عن أولئك الذين يعيشون في ظل الأجواء الشيوعية!

(2)

في حديثه عن تفوق البعض على الآخرين من نفس صنفهم القومي والمهني، مثال ذلك نجد أن طلبة الحقوق والذين سيتخرج منهم المحامون فيما بعد، أن أجر أحدهم تفوق عشرات المرات أجر زميله وربما أخيه الذي تخرج معه، كذلك الحال مع المهندسين أو الأطباء، رغم مساواتهم في الجنس والعرق والمهنة والعلم الذي تلقوه.

فيرجع ذلك الى الرغبة (الثيموسية) في العمل والإبداع به، وليس لجمع المال، ومن هؤلاء النوعية من المبدعين، قد يؤدي تفانيهم بالعمل الى فقدانهم المتعة بالحياة (بمفهومها المعروف عند الجميع) فلا يوالوا عائلاتهم اهتماما كافيا ولا يوالوا صحتهم اهتماما كافيا، فيعيشون في زهد في الحياة ولكنهم يقدمون لعملهم جل وقتهم. إنه (الثيموس).

(3)

هل للديانة أو الطائفة أثر في صنع ذلك (الثيموس)؟ يجيب (فوكوياما) : نعم إن لذلك الأثر الكبير، فالبروتستانتية تجعل من أتباعها وكأنهم نذروا أنفسهم لخدمة الآخرين وتحقيق إرادة الرب في الأرض. وقد تحدث (ماكس فيبر) في كتاباته (أخلاقيات البروتستانتية وروح الرأسمالية في عامي 1904ـ 1905) مما دفع الكثير من مفكري أمريكا للتحول الى البروتستانتية.

وهذا يتجلى أيضا في الفرقة اليابانية المسماة (الجودو شينشو: أي الأرض الطاهرة) حيث نذرت نفسها للارتقاء باليابان لتقديس العمل الجاد، وتقليل الاستهلاك، والامتناع عن شراء منتجات غير يابانية، وهو يفسر لماذا دائما يميل الميزان التجاري بين اليابان والولايات المتحدة (وهما حليفان ولهما نفس طبيعة النظام الليبرالي) لصالح اليابان.

أما الهند، وهي أكبر ديمقراطية في العالم، فإن الديانة التي فيها تختلف عن كل الديانات فيما يخص عدم المناداة بالمساواة بين الناس، وأن الناس المسحوقين عليهم القبول بوضعهم والتفاني في خدمة من هم أعلى منهم مرتبة، وإنهم إن التزموا بذلك فإنهم سيعودون بعد الموت الى حالة أفضل مما هم عليها في الحياة الدنيا، وإن رفضوا ذلك فسيحرمون من العودة المرضية، وعليهم الاكتفاء بأنهم ينتمون لتلك الطبقات البائسة.

(4)

يعود الكاتب الى موضوع سور برلين، وهو الذي يفصل بين قسمين من شعب واحد يتساوى في كل شيء عدا النظام السياسي، ليرد مرة واحدة على من يقول: إن العلمانية قد أسقطت الفوارق الدينية والفوارق القومية، فيقول أن النظام السياسي الذي يراعي كل بواطن الإبداع ويرعاها بعدم تدخله هو من يضمن السلوك العملي لأبناء البلد.

ولهذا لم تنجح تطبيقات الرأسمالية في أمريكا اللاتينية، رغم ارتباطها السابق بالسياسة الأمريكية، فقد تغلبت العوامل الأخرى على عامل (النقل أو التقليد) وأجهضت نهضة تلك البلدان.

(5)

يرد في مقالة (فوكوياما) التي بين أيدينا، مسألة تتعلق بالشعور بالطمأنينة، وأثرها السيئ على تواصل الإبداع. فيقول: إذا أحس الأستاذ الجامعي أن راتبه يأخذه في نهاية الشهر، فإنه سيتوقف عن الاختراع والتأليف. وهذا الإحساس هو ما جعل الكتلة الشيوعية تنهار لنمطية الحياة عند مستخدميها، فالتطلع للأمام يجب أن يرافقه توترٌ يجعل من الفرد يعمل بجد تخوفا من مصير لا يعلمه.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-05-2009, 12:18 PM   #32
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


22 ـ إمبراطوريات الاستياء، وإمبراطوريات التوقير

قد لا يُكتب النصر للاقتصاد الحديث في كل موقعة، فإن توقف مسار التجانس الاقتصادي، فستواجه عملية الأخذ بالديمقراطية هي أيضا مستقبلا يشوبه الغموض. ومع كثرة الشعوب في عالمنا التي تعتقد على المستوى النظري، أنها تريد الرخاء الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية، فلن يكون من المتاح للجميع تحقيق هذه الأهداف (!)

هناك باستمرار مشهدان يرافقان أداء الديمقراطية الليبرالية بأداءها السياسي والاقتصادي، مشهد المعاداة التي تظهر عندما تكبو الليبرالية الغربية أو تفشل في أدائها، وهذا المشهد يظهر في العالم الإسلامي وغيره من المناطق كالشيوعية مثلا. والمشهد الآخر هو محاكاة الليبرالية الغربية وتقليدها في كل شيء ـ إلا في بعض النواحي ـ كما في اليابان وسنغافورة وبعض الدول الأخرى.

(1)
حركة الإحياء الأصولية الإسلامية التي نلمسها في كل دول العالم تقريبا ذات التعداد الكبير من المسلمين، يمكن اعتبارها رد فعل لفشل المجتمعات الإسلامية بوجه عام في الحفاظ على كرامتها في مواجهة الغرب غير المسلم.

وقد استجاب عدد من الدول الإسلامية في القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين لضغط المنافسة من قبل أوروبا المتفوقة عسكريا، بأن بذلت جهودا من أجل التحديث السريع حتى تتمثل الممارسات الغربية الضرورية في رأيها لبقائها في حلبة المنافسة.

لقد حاولت الكثير من الدول الإسلامية أن تدخل في برامج تحديثها كل المجالات تتبنى فيها (العقلانية!) الغربية، وذلك في ميادين التعليم والجيش والأداء السياسي والاقتصاد وحتى البيروقراطية نفسها.

وكانت المحاولات التركية أول المحاولات في الدول الإسلامية، من وضع (دستور) الى تشكيل مجلس (مبعوثان: البرلمان)، حتى انتهت تلك المحاولات الى (العلمانية) في عهد (كمال أتاتورك).

كما أدخلت القومية العلمانية، الى بعض الأقطار العربية، مثل مصر في عهد عبد الناصر وسوريا والعراق في ظل حكم حزب البعث، وكذلك لبنان.

(2)

إذا كانت اليابان في عهد (ميجي) قد استعانت بالتكنولوجيا الغربية وطرائقها السياسية في إدارة الدولة، لدحر (روسيا) في حربها عام 1905، ولتحدي الولايات المتحدة الأمريكية عام 1941، فإن الدول العربية والإسلامية لم تستورد الطرائق الغربية باقتناع كامل، ولم يكن لها ماضٍ قريب يوحي بأنها مستعدة لذلك النقل.

إذا استثنينا طفرة النفط التي سببت الثراء لبعض الدول العربية والإسلامية، فإننا لا نكاد نرى أي نجاح لتلك الدول في أي مجال، ولم تتشكل أي ذاكرة حديثة منذ عدة قرون تبين تحدي الدول العربية والإسلامية للغرب، ولم تسجل أي انتصار في أي مجال.

بالمقابل، فإن الكثير من المجتمعات الإسلامية ظل تابعا للاستعمار الغربي حتى الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

كما تحطم مشروع الوحدة العربية العلمانية، بعد الهزيمة المخزية التي تلقتها الدول التي رفعت شعارها، (مصر وسوريا والعراق) على يد دولة صغيرة (إسرائيل).

لذلك، سيطل المشروع الأصولي الإسلامي (المعوق ثقافيا) من بين ركام تلك الإخفاقات ليبشر الآخرين بأنه هو المنقذ. ويمكن اعتبار ما حدث في إيران هو من نفس نمط ردات الفعل المتخلفة.

(3)

يعود (فوكوياما)، ليركز على شروط التحول، فيقول: أن اليابانيين ينكرون فضل الغرب عليهم، ويقولون أن التقدم الذي هم فيه، قد جاء بفضل خصائصهم القومية وتاريخهم العريق، وهذا منافٍ للحقيقة(!)

ثم يحاول أن يسخر من كل النماذج التي تدعي أنها تسير على النهج الديمقراطي الليبرالي، بأن ديمقراطيتهم وليبراليتهم لم تكتمل شروطها بعد. فنظام (الأبوة) الموجود في اليابان والصين وسنغافورة وتركيا، غير موجود في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية.

لا يستطيع الابن الياباني أو الصيني أو التركي، أن يناقش والده ويعارضه، ولن تستطيع الفتاة هناك أن تنام خارج منزلها دون موافقة ذويها، ولن يستطيع الشاب أن يختار زوجته دون تدخل أسرته. في حين أن كل ذلك يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، ودول غرب أوروبا، وهذا بفضل الحرية الفردية (!)

إن السياسيين في اليابان هم من أصول عائلات تتمتع بقدر من (التراتب) الاجتماعي، تستطيع فيه أن تستحوذ على (كراسي الحكم) مدى الحياة، وهو ما يفسر بقاء الحزب الحاكم في الحكم أكثر من عشرين عاما، ولن يستطيع أحد من أفراد الشعب أن يتسلل الى مواقع الحكم المقتصرة على تلك العينات من الأسر.

لو قُدِرَ لفوكوياما أن يكتب ما كتبه بعد فوز (باراك أوباما) لأفرد له عشرة مقالات للتدليل عما أراد أن يرسخه في نفس القارئ.

تعليق:

سنعلق على ما أشرنا على علامات التعجب فيه باللون الأحمر:
1ـ صدق فوكوياما، بقوله: أنه لا يمكن تحقيق الرخاء والتقدم لكل شعوب العالم، إذا ما أرادت أن تطبق مناهج السير في طريقها حسب وصفته. فلو تحول كل العالم الى صهاينة وإمبرياليين (فاعلين)، فمن أين للعالم أن يجد (مفعول به أو مفعولين بهم)؟ هذه النقطة حاول بعض المفكرين الليبراليين العرب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الدعوة لها عندما رفعوا شعار: (لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح أمر أعداءها) أمثال (سلامة موسى وبطرس البستاني).

2ـ أي عقلانية؟ فالعقلانية أن تضع الحل بما يلائم المشكلة، لقد أخطأ من حاول نقل التجربة الغربية كخطأ من يتبرع بدم من زمرة معينة لمريض لا يحمل نفس الزمرة.

3ـ لماذا يستكثر (فوكوياما) على اليابانيين أنهم حققوا نهضتهم بجهودهم وخصائصهم القومية، ألم تستفد الحضارة الغربية من جهود علماء المسلمين والعرب والصينيين، هل لنا أن نرد كل الاختراعات التي تحصل في الطب الى الرازي وابن النفيس والتي تحصل في علوم الفضاء للخوارزمي؟

4ـ إذا كان اليابانيون يحكمهم حزب واحد منذ أكثر من عشرين عاما فإن الولايات المتحدة، يحكمها حزبان منذ نشأتها وبلون يكاد يكون متطابقا.

5ـ لو استعمل فوكوياما موضوع (باراك أوباما) للتدليل على الفردية، فإننا سنقول له: هي إرادة الحزب الذي يمثل النظام الأبوي والجماعي والممثل للكارتيلات والترستات الواقفة خلف تسمية المرشحين.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-05-2009, 04:07 AM   #33
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

23ـ ((واقعية)) لا تستند الى واقع

((ذلك أن الآلهة التي نؤمن بها، والناس الذين نعرفهم، تحتم طبيعتهم عليهم أن يحكموا دائما حيثما كانت السلطة لهم. وهذا هو الحال معنا. ذلك أنه حيث إننا لم نسن هذا القانون، ولا كنا أول من طَبقه حين طُبِق، وإنما وجدناه قائما ونتوقع أن نتركه قائماً أبد الدهر، فإننا نستخدمه، مدركين أنكم وغيركم، متى كانت لكم السلطة ـ التي هي الآن لنا ـ فستفعلون الشيء ذاته))
............. من خطبة لأهل أثينا في أهل ميلوس

اختيار (فوكوياما) لتلك الفقرة يسهل للقارئ معرفة معظم أركان فلسفته التي تعتبر امتدادا للذرائعية الأمريكية المتطورة. هو ينفي وجود حكم عقلاني، وينفي انتهاء علاقة السيد بالعبد وهو ينفي على ضوء ذلك علاقة الدولة السيدة على الدول التابعة لها والسائرة في ركبها، ويقر بوجود هواجس الخطر المستمر، ويقر بسباق الدول في التسلح مهما كانت عقائدها ونظم الحكم فيها لدرء خطر ربما لم يكن قائما أثناء الاستعداد لدرئه. وقد تكون (أرض أمريكا المستكشفة قبل خمسة قرون، منبعا أكثر وضوحا لتلك الهواجس).

(1)

يسمي البعض ذلك النمط من التفكير بالواقعية، وأحيانا تسمى السياسة الواقعية سياسة القوة. والواقعية (سواء سُميت عن وعي بهذا الاسم أم لا) هي الإطار الغالب لفهم العلاقات الدولية، وهي التي تُكيف اليوم تفكير كل المتخصصين في السياسة الدولية في كل العالم تقريبا.

لقد كان (مكيافيللي) أول من بشر بالواقعية، إذ كان يؤمن بأن على الناس ألا يقتدوا بما يتخيله الفلاسفة عن السبيل الأمثل للعيش، وإنما بكيفية حياتهم هم في الواقع، وبأنه على (خير) الدول أن تتبنى سياسات (أسوأ) الدول إن هي أرادت البقاء.

وقد تطورت الواقعية حتى أصبحت أكثر وضوحا بعد الحرب العالمية الثانية، ويعتبر (هنري كيسنجر) أفصح المدافعين عنها، وهو الذي قال عندما تولى منصب وزير الخارجية الأمريكية، بأنه سيعلم الجمهور الأمريكي في المدى الطويل كيف يتخلى عن الليبرالية التقليدية للرئيس (ويلسون) وكيف يتبنى فهما أكثر واقعية للسياسة الخارجية.

ونقطة البداية في كل النظريات الواقعية، هي افتراض أن الافتقار الى الإحساس بالأمن هو المظهر الدائم للنظام الدولي بسبب الطابع الفوضوي المستمر لهذا النظام، ففي حين لا يكون ثمة حاكم للعالم، تظل كل دولة عرضة للخطر من قبل كل دولة أخرى، ولن يكون هناك علاج إلا باستخدامها السلاح للدفاع عن نفسها.

(2)

السعي وراء امتلاك القوة، لا يخص نمطا من الدول دون غيرها، فقد تكون الدولة دينية أو فاشية أو ديكتاتورية أو ديمقراطية أو شيوعية. فلم تتغير روسيا التي كانت في عهد القياصرة في نزعتها التوسعية واستعدادها العسكري عن روسيا الشيوعية، ولم تتغير اليابان عندما كان يحكمها ديكتاتورية عسكرية عن اليابان المهيمنة بقوة مالها واقتصادها على معظم آسيا.

استغلال فرص القوة عند أي دولة لا يتوقف عند تاريخ. والثنائيات في العالم على مر التاريخ قد تكون أكثر ضمانا لإحداث استقرار دولي، فمنذ حالة توازن (أثينا واسبرطة) الى حالة توازن (الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي) في الحرب الباردة.

(3)

أكثر صور الواقعية تطرفا، هي تعامل الدول القومية وكأنها كرات البلياردو التي لا يمكن التنبؤ بحركتها على ضوء محتواها الداخلي المختفي وراء قشرتها الكثيفة. فعلم السياسة الدولية لا يشترط معرفة المضمون الداخلي، ولا يحتاج المرء فيه إلا الى فهم القوانين الفيزيائية الميكانيكية التي تتحكم في تأثير كل منها في الآخر: مثل ما ينجم عن ارتطام كرة البلياردو بطرف الطاولة وانحرافها في زاوية، أو ارتطام أكثر من كرة في بعضها.

ويحاول فوكوياما بهذا المثل، أن يعزل عوامل التحريك للكرات، فإن كانت كرة واحدة وعصا واحدة يسهل توجيهها كيفما أراد اللاعب، وإن كانت كرتان احتاجت بعض الاحتراف الإضافي، أما كثرة الكرات لا يضمن توجيها سديدا!

(4)

يدخل فوكوياما بتفصيل وصفة الواقعية بأربع قواعد: (1) الحفاظ على ميزان القوى ضد الأعداء المحتملين. والاعتماد على السلاح، وعدم الركون للقوانين الدولية، فلم تستطع (عصبة الأمم ) منع اليابان من احتلال منشوريا، ولا تستطيع هيئة الأمم المتحدة الحالية تأديب دولة جامحة.

(2) القاعدة الثانية في الواقعية، هي اختيار الحلفاء على أساس قوتهم، لا على أساس أيديولوجيتهم، فالتحالف مع الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي ضد هتلر هو من هذا الباب، والتحالف مع سوريا ضد العراق في حرب الكويت هو من هذا الباب.

(3) على الساسة وهم يقيمون الأخطار الخارجية أن يدرسوا بعناية أكبر القدرات العسكرية لا النوايا. فإن كان هناك دولة تُعد من الأصدقاء، فإن الحال قد يتغير غدا، أما أعداد طائراتها ودباباتها ومدافعها لا يتغير. [ هذا ما يفسر تعطيل الكثير من صفقات الأسلحة مع دول عربية تعتبر صديقة للولايات المتحدة].

(4) القاعدة الأخيرة، هي استبعاد النزعة الأخلاقية من السياسة الخارجية.

يختتم فوكوياما مقالته هذه، بالقول الى أن الواقعيين أكثر الناس ميلا الى حل وسط مع الأعداء الأقوياء.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-06-2009, 02:41 AM   #34
nabilbenka
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
الإقامة: ليس لي بلد
المشاركات: 41
إفتراضي

قرأت الكتاب
و لم يعجبني فصاحبه يطبل لليبرالية و يعنقد أن الشيوعية سقطت و أن الإسلام فاشل و كلامه فيه ثرثرة بدون فائدة ووجع رأس شكرا
....
__________________
لا فائدة من التوقيع...
nabilbenka غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-06-2009, 12:59 PM   #35
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الأخ الفاضل نبيل

نحن لا نقدم تلك المادة مفتتنين بما جاء بها، بل نقدمها مع مجموعة من مثيلاتها (صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة) و ( فلسفة الولاء) وغيرها، للتعرف على الحاضنة التي يستمد صانع القرار الأمريكي فلسفته من خلالها..

ومن المعلوم، لا نحن معزولون عن العالم، ولا أمريكا تاركة شؤننا دون تدخل..

احترامي و تقديري
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-06-2009, 01:03 PM   #36
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

24ـ قوة الضعفاء

الواقعية نظرية تذهب الى أن الافتقار الى الإحساس بالأمن، والعدوان، والحرب، هي احتمالات دائمة في النظام الدولي، وأن هذا الوضع وضع إنساني، أي أنه لا سبيل الى تغييره بظهور أشكال وأنماط معينة من المجتمعات الإنسانية، بالنظر الى امتداد جذوره الى الطبيعة البشرية الثابتة. ويشير الواقعيون في سعيهم لإثبات صحة زعمهم الى انتشار الحروب منذ فجر التاريخ، منذ المواقع الدموية الأولى الوارد ذكرها في الكتاب المقدس الى الحربين العالمتين في قرننا هذا.

(1)

عرج الكاتب (فوكوياما ) على تفسيرين، لطبيعة تحرك البشر: التفسير الأول يشير الى أن الحرب هي ظاهرة طبيعية ليس لها علاقة بالوضع الداخلي للدولة، بل تسعى فيها الدول لتوسيع دائرة الاعتراف بقوتها من خلال العدوان على الدول الأخرى، وهذه الظاهرة منتشرة على مر التاريخ وفي كل الدول. أي أن الطبيعة الأساسية للبشر هي عدوانية.

والتفسير الآخر: تبناه (جان جاك روسو) بأن الطبيعة البشرية تميل للسلام، فالإنسان الأول الذي عاش بمفرده كان خائفا واحتياجاته كانت قليلة يمكن إشباعها دون اللجوء للاقتتال، وهكذا هي الطبيعة البشرية يميل فيها الأفراد الى الانعزال بحثا عن الأمن، وهم يعيشون أشبه بالبقر راضون بأن يعيشوا وأن يدعوا غيرهم يعيشون.

ويعني أن عالم العبيد الساعين الى الحفاظ على وجودهم الطبيعي هو عالم لا يعرف الصراع، وأما من يتصارع ويؤسس للحروب هو عالم السادة (حسب رأي هيجل و هوبز) الذي لا يقبل نظام ثنائية أو تعدد الأقطاب والذي يسعى كل منهم أن يكون السيد الأوحد في العالم. وعالم الأسياد لا يشترط بحروبه الدفاع عن الذات، فهو يحارب حتى لو لم يكن مهدداً.

(2)

يعود الكاتب (فوكوياما) لمحاكمة النظرة الخاصة بالتوسع في السلطة والحروب، سواء كانت من زعماء (أفراد) أو من أنظمة سياسية (دول)، فيقول: ليس هناك ما يثبت تجريبيا أن الصراع على السلطة هو دائما رغبة في زيادة القوة النسبية الى أقصى حد. ويضرب مثالا: الكولونيلات اليونانيين الذين سلموا السلطة للمدنيين عام 1947، كذلك الفئة العسكرية في الأرجنتين التي تخلت عن الحكم عام 1983، مواجهين احتمال تقديمهم للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم أثناء توليهم الحكم.

والتاريخ الحديث يدعم تلك النظرة، فقد تتخلى دولة كبريطانيا العظمى عن مستعمرات استبسلت في نهاية القرن التاسع عشر للحصول عليها، لتتخلى عنها بعد الحرب العالمية الثانية طوعا لتخفيف الأعباء عنها. كذلك يمكن القول عن تركيا التي كانت تحلم بإمبراطورية طورانية تمتد من شرق أوروبا الى القفقاس، قبل الحرب العالمية الأولى، ليتخلى مصطفى كمال أتاتورك عن تلك الفكرة ويحدد مساحة دولته بما هي عليه الآن.

لو تأخر (فوكوياما) بتأليف كتابه هذا، لأدرج الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا في أمثلة التخلي عن مساحات لا تنتمي للمركز انتماء كافياً.

(3)

يتفنن (فوكوياما) بربط (البراجماتية: الذرائعية) مع روح (الليبرالية الجديدة)، فيكيف رغبة الدولة في إظهار القوة والتوسع مع إمكاناتها على الإبقاء على هذا التوسع، فإن كانت كلفة التوسع بواسطة الحروب عالية، وكلفة الحفاظ على هذه المساحات أعلى. فإن الدولة تنحى منحىً آخرا في التعبير عن قوتها.

هذا النمط من التعبير عن القوة، نجده في (اليابان) المدحورة في الحرب العالمية الثانية، في اتجاهها نحو القوة الاقتصادية والمالية والتقنية التي تجعلها من الدول القوية (دون حروب). وهذا ينسحب على أكثر من دولة مثل كوريا الجنوبية، وبعض دول أوروبا كألمانيا وهولندا والسويد وسويسرا الخ.

(4)

لن تشفع القوة العسكرية وحدها في ثبات حالة التوسع للدولة، أو حتى الأحلاف، فقد تآكل حلف (وارسو) دولة بعد أخرى حتى تفكك نهائيا، دون أن تدمر دبابة واحدة من دباباته ودون أن يُقتل جنديٌ واحد من جنوده. ولم يُهرع الاتحاد السوفييتي لوقف هذا التفتت والانحلال .. لماذا؟

ويقرر فوكوياما أن هذا النمط من التفكك حدث في التاريخ بأشكال مختلفة، ويضرب مثل احتلال (الرعاع والهكسوس) لمصر وحكمها من القرن الثامن عشر قبل الميلاد الى القرن السادس عشر قبل الميلاد، واختفائهم بعد ذلك، كما يمر على الإمبراطورية العربية الإسلامية ويجعلها مثالا يشبه الرعاع والهكسوس!

المثالان السابقان، في رأي (فوكوياما) جاءا نتيجة العنف والعنجهية والظلم فكان مصيرهما كما كان.

(5)

هنا، لا بد بعد ذكر تلك الأمثلة، من عودة للنموذج الأفضل (البديل) لتلك النماذج الغاشمة. إنه نموذج الليبرالية الحديثة، حيث يرى (فوكوياما) أن قوتها آتية من (أيديولوجية العبيد) التي تخدم طوعا سادة الليبرالية الحديثة.

ولكي يدلل فوكوياما على نظريته يقول: كان الجنود الفارون من الحرب الأهلية الأمريكية يقتلون فورا (دون محاكمة)، مع أن تجنيدهم كان يتم غصبا وقهرا، وكانت ظاهرة إعدامهم تتم يوميا كمشهد روتيني، أما في الحرب العالمية الثانية فلم يُعدم غير جنديٌ واحد بسبب جريمة التهرب من الحرب، وقد رفعت زوجته قضية على الحكومة الأمريكية.

ولا ينسى فوكوياما ـ طبعا ـ أن يمر على بعض الدول الأوروبية كبريطانيا التي ألغت (الخدمة العسكرية الإجبارية)، ليحل محلها الإقناع بسمو أهداف الدولة (الليبرالية) مع إغداق المال على المجندين.

خلاصة القول:

يريد فوكوياما أن يقول أن السيادة المطلقة على الكرة الأرضية لا تتلائم مع القهر والعنف والإجبار (كما في حالات الهكسوس والمسلمين والشيوعيين)، بل بالاقتناع والدفاع طوعا من (قبل) العبيد عن نظام يقتنعون به، ألا وهو النظام الليبرالي وبالذات الأمريكي!

تعليق:

كم أتمنى أن يمد الله بعمر فوكوياما لأقرأ له كيف يفسر هروب الجنود الأمريكيين من الخدمة في العراق ولجوء الآلاف منهم الى كندا، هذا غير أعداد المنتحرين من الجنود الأمريكيين والتي وصلت أعدادهم ما يقترب من عدد الذين قتلوا في ساحات القتال.. هل يكون هؤلاء الجنود عبيداً قد أفاقوا؟؟


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 19-06-2009, 08:30 PM   #37
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(25)

المصالح القومية

يبدأ فوكوياما ب : القومية ظاهرة حديثة بالنظر الى أنها تحل محل العلاقة بين السيد والعبد، علاقة من الاعتراف المتبادل على أساس المساواة. غير أنها ليست علاقة عقلانية تماما لأنها لا تضفي الاعتراف إلا على الأعضاء في جماعة وطنية أو عرقية معينة. لكنها أكثر شرعية من ناحية ديمقراطية وأكثر مساواة من الملكية الوراثية مثلا، التي تعتبر شعوبا بأكملها جزءا من تركة. من هنا ترتبط الحركات القومية ارتباطا وثيقا بالحركات الديمقراطية منذ الثورة الفرنسية.

غير أن الكرامة التي يسعى القوميون الى نيل الاعتراف بها ليست هي الكرامة الإنسانية العامة بل كرامة جماعتهم وعرقهم، وقد تؤدي المطالبة بمثل هذا النوع من الاعتراف الى صراع مع جماعات أخرى تريد نيل الاعتراف بكرامتها. ولذا فإن القومية بوسعها تماما أن تحل محل الطموح الديني أو طموح الأسر الحاكمة كما حدث في ألمانيا.

(1)

قد تفسد القومية رونق التحضر الليبرالي عندما تطغى عليها النزعة المتعصبة. وهذا ما حدث مع بريطانيا وفرنسا، حيث كان بإمكانهما إقامة إمبراطوريتين شاسعتين من المستعمرات الإفريقية والآسيوية، لكنهما لم تستطيعا المحافظة عليهما (حتى بالعنف والقوة) لغياب الرضا الشعبي، لأنهما ببساطة، اعتبرتا كرامة الهنود والجزائريين والفيتناميين وغيرهم أقل من كرامتهما.

كما أنه وبأعقاب الثورة الفرنسية وظهور القومية، لم يعد باستطاعة ملك أو أمير قيادة جيوش من الفلاحين والعمال المجندين ومن قوميات مختلفة لخوض حرب ضد ملك أو أمير آخر.

كما أن هذه الظاهرة، جعلت إمبراطوريات متعددة القوميات تتجه نحو التفتت، كما حدث مع إمبراطورية (الهابسبورغ) والإمبراطورية (العثمانية).

(2)

ومع التسليم بالقوة الهائلة للقومية على مدى القرنين الماضيين، نرى لزاما أن نضع هذه الظاهرة في منظورها الصحيح. ذلك أنه من الشائع أن ينظر الصحفيون والساسة، بل وحتى العلماء الى القومية وكأنما هي تعكس تعطشا كبيرا وأساسيا في الطبيعة البشرية، وكأن (الأمم ) التي كانت أساسا للقومية هي وحدات اجتماعية خالدة، قدم الدولة أو العائلة.

ويرى عموم الناس أن القومية متى أطلت برأسها صارت تمثل قوة في التاريخ هي من الضخامة بحيث لا يمكن لأية أشكال أخرى من الانتماء، كالدين أو الأيديولوجية، صدها، ومن المقدر لها في النهاية أن تدحر الأعشاب الضعيفة كالشيوعية أو الليبرالية*1

وقد بدا هذا الرأي مؤخرا يظهر في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفييتي السابق. وقد تغلبت النزعات القومية في جمهوريات يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفييتي السابق على العقائد السياسية والمذهبية، فمعظم دول أوروبا الشرقية والتي سادت فيها العقيدة الشيوعية، وينتمون معظمهم الى المذهب الأرثوذكسي، إلا أن المطالب القومية غلبت كل ذلك.

ونحن نضيف، أنه في العراق ورغم أن الغزاة حاولوا إلصاق الصراع الداخلي وكأنه صراع طائفي، فقد تحالفت القيادات الكردية والتي تنتمي الى المذهب السني مع أعداء العراق من مذاهب مختلفة وقوميات مختلفة على هامش الحراك القومي لا أكثر، ولم تُجر القيادات العربية الشيعية في العراق لمثل ذلك الصراع من نفس المنطلق، فاستعاض الأعداء بأشخاص غير عرب يدعون أنهم كذلك لتأجيج الصراع وصبغه بالطائفي.

(3)

يقول (فوكوياما): أنه لا يجب تضخيم دور القومية، رغم أهميتها، ورغم أن البعض قد توقع لها بعد الحرب الباردة أن تحل محل الصراعات الأيديولوجية، فالقومية (بنظره) ليست لها جذور عميقة جدا في النفس لبشرية*2

هنا، يذهب (فوكوياما) الى أن التكتلات القومية تكون قائمة ما دامت مصالحهم قائمة، وقد زادت أهمية التكتلات القومية عندما ربطت باللغة والثقافة والشخصية العامة لأبناء الدولة/الأمة/القومية.

لكن قبل ذلك، كان ارتباط النبيل الروسي بالنبيل الفرنسي أكثر من ارتباط النبيل الروسي بالفلاح الروسي ، وقد كانت الوحدات السياسية لا تعتني بالقومية، فالإمبراطور شارل الخامس من أسرة (الهابسبورغ) كان يحكم أجزاء من ألمانيا وأسبانيا وهولندا، كما حكم سلاطين العثمانيين الترك والعرب والبربر ومسيحيين أوروبيين في نفس الوقت.

إن الكاتب يريد أن يومئ الى مسألة لها علاقة بالعولمة، فيريد القول إن المؤمنين بالليبرالية في عموم العالم ممكن أن تربطهم روابط فيما بينهم أكثر من التي تربطهم مع شعوبهم، هذا إذا فوض أمر الحكم لهم!

(4)

يربط (فوكوياما) النزوع للقومية مع التخلف، فيقول: إن ألمانيا وإيطاليا وهما الدولتان اللتان تأخرتا عن اللحاق بركب الصناعة، هما من فجرتا الصراعات في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأن الصراع في (إقليم الباسك) الإسباني آت من تخلف أسبانيا عن دول أوروبا المتقدمة، التي لا تعني كثيرا بالقوميات.

وأن ما يحدث في أوروبا الشرقية (يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا) ومناطق مختلفة من العالم آت من أنها دول متخلفة ولم يكتمل بها التطور الصناعي، وكان الكاتب يتوقع أن تتفجر صراعات على هامش القومية في مناطق كثيرة في آسيا وإفريقيا، ولكنه يستبعد حدوثها في العالم الراقي.

تعليق

عندما حدثت الحرب بين ألمانيا وفرنسا، في عهد (بسمارك) لم يتخلف الماركسيون الألمان ولا الفرنسيون عن الالتحاق بجيوش دولتيهم. كما فعل بالضبط من هم غير الروس في الحرب العالمية الثانية عندما تعاونوا مع هتلر. ففرنسا المتقدمة كروسيا وألمانيا المتخلفة.

كذلك، فإن مشكلة إقليم (كويبك) الكندي (على افتراض أن كندا مع المجتمع الراقي في نظر فوكوياما) لا زالت قائمة، كما هي قائمة مشكلة (ايرلندا) مع بريطانيا (المتقدمة).

ولا ننسى التصويت من البريطانيين والفرنسيين ضد الاندماج مع أوروبا، وهي مطالب يفترض أنها تتماشى مع نظرية (فوكوياما)!



هوامش (من تهميش المؤلف)
*1ـ الكثير من هذه النقاط أورده (أرنست جلنر) في كتابه Nations and Nationalism (إيثاكا، نيويورك، مطبعة جامعة كورنيل 1983).
*2ـ المصدر السابق صفحة 34

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-07-2009, 08:01 PM   #38
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(26)

نحو اتحادٍ سلميٍ

(1)

يضع (فوكوياما) تصورا، لعالم جديد يكون منقسما الى قسمين: الأول، هو القسم ما بعد التاريخي، الذي يشمل الدول التي انتهجت النهج الليبرالي الديمقراطي الجديد، والقسم الثاني الدول التي لم تزل راكدة في نزوعها للقومية ومعاندتها للمضي في الديمقراطية، وقد أطلق عليها الدول التاريخية.

ويضع المؤلف سيناريوهات للعلاقات بين الدول، فيقول: لو اتجهنا الى الدول الديمقراطية والصناعية في أوروبا مثلا، وتكون ألمانيا متفوقة على كل الدول الأوروبية اقتصاديا وتقنيا، فإنه ليس هناك خوفٌ من الدول الأوروبية من تهديد ألمانيا لها عسكريا، بل سيكون تفوقها محفزا للدول الأوروبية للتسابق في تطوير الإنتاج فيما بينها. وهذا يشيع جوا من التوجه الى التعددية القطبية المتعاونة وليس المتنافرة.

بعكس الدول المتخلفة (التاريخية)، التي لم تلحق بعد بركب الدول الصناعية الليبرالية، فإنها ستتناحر فيما بينها، ثم تتصالح قليلا مع الليبرالية، وستعاني من عملية الاندماج في الجو الليبرالي، ففي الصين مثلا، ستظهر النزعة البرجوازية في إدارة الحكم لتهيئ انفتاحا على اقتصاديات العالم، لكنها ستحن بين فترة وأخرى للمركزية الماوية دون الانخراط في الأجواء الشيوعية القديمة. وكذلك ستفعل جمهوريات الاتحاد السوفييتي القديمة، وسيكون تقدمها نحو الليبرالية مشوبا بالحذر والتردد والنكوص أحياناً.

أما بلدان أمريكا الجنوبية فهي ستنتقل الى عالم ما بعد التاريخ، وستنتشر الديمقراطية في بلدانها، ولا يُستبعد أن تنزلق بعض دولها للوراء لتعادي المنهج الليبرالي.

(2)

في مجال العلاقة بن دول ما بعد التاريخ (المتقدمة) والدول التاريخية (المتخلفة) سيكون التفاعل فيما بينهما ضيقاً، وستكون هناك محاور اصطدام فيما بينهما، وهي النفط والهجرة وأسلحة الدمار الشامل.

فالنفط لا يزال له دور حيوي في تحريك العالم، ومما يزيد فرص الاصطدام بين العالمين (ما بعد التاريخ والتاريخي) هي الهواجس التي أوجدتها تجربة السبعينات عندما استخدم العرب النفط كسلاح.

والمحور الثاني الذي يمكن أن يصطدم به العالمان، هو الهجرة المتزايدة من بلدان متخلفة الى بلدان العالم المتقدم. ففي كل مرة تتعرض فيها أي بلاد لاضطراب تتدفق موجات المهاجرين من تلك البلاد الى أوروبا والدول المتقدمة، وسيكون العالم الحديث المتقدم أمام إشكاليتين:

الأولى: أن التعامل بقسوة مع هؤلاء المهاجرين، يتناقض مع النظرة الإنسانية التي تدعو لها الحضارات المتقدمة، بما فيها الابتعاد عن العنصرية وعن النزعات القومية والدينية، فطرد المهاجرين والتعامل معهم بقسوة يضع الدول التي تتعامل معهم بموضع لا يتناسب مع ما تزعمه من دعايات أيديولوجية.

والإشكالية الثانية: هي حاجة الدول المتقدمة لهؤلاء المهاجرين الذين ليس لديهم مهارات عالية، وبنفس الوقت يرضون برواتب أقل. ويتطلع الخبراء في الدول المتقدمة الى إبقاء تلك العمالة في بلدانها الأصلية ونقل أجزاء من القاعدة أو القواعد الإنتاجية العالمية إلى تلك البلدان، حتى يصل العالم الى حالة مندمجة كليا على المستوى الاقتصادي.

(3)

المحور الثالث الذي يؤثر في علاقة المجموعتين، هو أسلحة الدمار الشامل، ويفسر خبراء الدول المتقدمة سعي الدول النامية لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، بأن وراءه شعور باكتمال السيادة والتقدم نحو اقتصاد واستقلالية مع بقاء تلك الدول خارج المراقبة في تحقيق الديمقراطية!

ومن زاوية أخرى يقول (فوكوياما) أن مفاهيم العلاقات الدولية والشرعية قد تغيرت تغيرا كبيراً، بحيث أن تلك المفاهيم لم يعد باستطاعتها التعامل مع تلك الأنظمة، فهي تريد أن تجبرها الى الانتقال الى الحالة الليبرالية والديمقراطية، ومن هنا فإن عدم تمكينها من الحصول على تقنيات الأسلحة المدمرة، يعتبر أساسا لا تراجع عنه من قبل الدول المتقدمة، حتى لو اقتضى الأمر الى الوقوف عسكريا في وجهها.

(4)

يتطرق فوكوياما الى احتمال يشكل هاجسا قويا للبراجماتيين الليبراليين في الغرب، وهو إن استخدام القوة قد يصلح مع دولة مثل العراق أو صربيا، ولكنه لا يكون محل تنفيذ في حالة الصين أو روسيا!

ثم يذهب الى القول، ماذا لو تحولت روسيا والصين الى دول ديمقراطية؟ وماذا لو عادت ألمانيا الموحدة الليبرالية الديمقراطية الى الشعور بعظمتها؟ وماذا لو ساد شعورٌ في اليابان أنه لم تعد تحتمل موافقتها على نتائج الحرب العالمية الثانية؟

يجيب فوكوياما، إجابة غير واضحة، ولا يمكن نقلها الى إجراء عملي، فيقول عندما يتحقق الرخاء والتقدم في العالم وينتصر العالم (ما بعد التاريخ) على العالم التاريخي، سيكون أمام هذا العالم أن يتلمس نهجا للتعايش السلمي فيما بين أركانه.

لكنه في نهاية تلك المقالة، لم يكن مقتنعاً بإجابته، فيحيلها الى الجزء السادس والأخير من كتابه وهو (خاتم البشر).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 23-07-2009, 01:23 PM   #39
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الجزء الخامس: خاتم البشر

27ـ في ملكوت الحرية

(( التاريخ بمعناه الدقيق، الذي يتحارب فيه الناس (الطبقات) فيما بينهم من أجل نيل الاعتراف، ويحاربون فيه ضد الطبيعة بالعمل، هو عند كارل ماركس [ ملكوت الضرورة Reich der Notwendigkeit] وبعده ملكوت الحرية حيث يعيش الناس (وقد اعترف بعضهم بالبعض دون تحفظات) دون صراع فيما بينهم، مع أقل قدرٍ من العمل))

ألكسندر كوجيف : (مقدمة لقراءة هيجل)

(1)

ابتدأ المؤلف تساؤله في أول الكتاب، عما إذا كانت الغاية من التاريخ وتطوره هي الوصول الى التقدم، وإذا كان هذا التقدم سيتمثل بالديمقراطية الليبرالية، والتي اتضح (من وجهة نظره) أنها كانت أفضل من منافستيها في القرن العشرين وهما الفاشية والشيوعية.

لكن المؤلف يعاود التحذير من أن الاستسلام والركون الى أن الديمقراطية الليبرالية هي الغاية النهائية، لا يخدم فكرة الديمقراطية الليبرالية واستقرارها، فأعدائها من نظم شمولية وقومية متعصبة ودينية (ثيوقراطية) لا يعرفون الرحمة وسيبقون يحاولون إعاقتها، ويفترض الكاتب أن الديمقراطية الليبرالية تستطيع في النهاية قهر هؤلاء الأعداء وجعل آثارهم منحسرة، فهل ستبقى محافظة على نفسها وعلى درجات تقدمها، أم أنها ستنهار كما انهارت الشيوعية والفاشية من داخلها؟

ويشير الكاتب أن الديمقراطية الليبرالية تعاني من مشكلات ليست سهلة كالبطالة والتلوث والمخدرات والجريمة وما شابه ذلك، فهل تكون نهاية الديمقراطية الليبرالية هي إيذانٌ باقتراب نهاية التاريخ؟

(2)

لقد حاول الكاتب بتسلسل كتابه أن يؤكد أن بناء التاريخ سار ويسير من خلال طريقين: الأول، تحكمه العلوم الطبيعية الحديثة ومنطق الرغبة في إشباع حاجات الإنسان، والثاني، يحكمه الصراع من أجل الاعتراف (ما أسماه الكاتب [الثيموس]).

وقد تم انتقاد الخط الليبرالي الديمقراطي من طرف جهتين: اليساريين، الذين لا يروا أن العدالة في إشباع الحاجات الإنسانية أو الاعتراف قد تحققتا في ظل النظام الليبرالي الديمقراطي. والجهة المنتقدة الثانية، هي اليمينيون الذين رأوا في أن العموميات في هذا النظام لم تحقق الاعتراف المتكافئ للبشر بشكل متساو.

رغم أن عدد اليساريين المنتقدين للنظام الليبرالي أكثر بكثير جدا من اليمينيين إلا أن انتقاداتهم أقل أهمية من انتقاد اليمينيين للنظام.

يناقش (فوكوياما) انتقادات اليمينيين بشكل مركز، على مسألة المساواة بين الناس، فيقول: أن تلك المسألة تنبع من عدم وجود قدرات طبيعية متكافئة بين الناس، فلا يمكن أن يكون أي شخص عازف بيانو (مثلا)، كما أنه لا يمكن أن يكون الشباب والفتيات بنفس القدر من الوسامة، مما سيجعل الأشخاص الأكثر وسامة (ذكور أو إناث) أكثر احتمالا للاقتران بأشخاص مهمين، وأكثر احتمالا لتبوء مراكز وظيفية أكثر أهمية، وهذا بالتأكيد سيقود الى تفاوت في جمع الثروات أكثر من غيرهم.

وقد اقترن السعي لدى القوى الرأسمالية بالهجوم المطرد على العلاقات الاجتماعية التقليدية المحضة، التي كانت تسود في المجتمعات الزراعية، لينتقلوا بالمجتمعات الى حالة طبقية أساسها المهارة والتعليم، وهذا بحد ذاته بدا وكأنه متناقض مع فكرة خلق الطبقة (الوسطى) المتشابهة لتتحقق المساواة (!).

(3)

يتكلم فوكوياما عن مظاهر تبدو فيها (عدم المساواة) واضحة، ويرد تلك المظاهر لنتائج الرأسمالية الليبرالية، ولم أجد سببا ـ لحد الآن ـ لزج تلك الأمثلة في هذه المقالة، ومن يتأمل فيها، سيظن أنها تم زجها في الكتاب من طرف يريد نسف فكرة الكتاب كاملة واستحالة ما يصبو إليه الكاتب.

يقول: في أحياء السود الفقيرة بالولايات المتحدة يبدو المستوى المنخفض للمدارس فيها، مما سيؤدي الى إنتاج خريجين أقل كفاءة وأقل حظوظا من غيرهم.

ويقول: بالرغم من قدرة الرأسمالية على خلق قدر هائل من الثروة، فستظل عاجزة عن إشباع الحاجة الإنسانية الى الاعتراف المتكافئ أو ما يسمى ب (الإيسوثيميا). فمع تقسيم العمل تظهر الاختلافات في مكانة كل من الأعمال المختلفة. وسيعامل عمال جمع القمامة والأوتوبيسات دائما باحترام أقل مما يناله جراحو المخ أو نجوم كرة القدم، وستكون معاملة العاطلين عن العمل أقل درجة من عمال جمع القمامة.

(4)

عرج الكاتب على التجارب السوفييتية والصينية والكمبودية (الشيوعيات)، والتي حاولت استئصال التمييز بين الناس، في الريف والمدينة وفي مختلف المهن، فمثلا [وهذه إضافة من عندنا] كانت نقابة موسكو تضم جراح الأعصاب والمهندس المعماري وجامع القمامة، انطلاقا من ضرورة كل مهنة للمجتمع.

لقد غمز الكاتب بتلك التجارب، باعترافه أنها حققت زوال الطبقات لكنها قتلت الإبداع، وهي في نظره تتنافى مع الحرية وحقوق الإنسان.

تعليق: الحرية وحقوق الإنسان، لا تعني إطلاق العنان للرغبات الإنسانية أن تتمدد على حساب الآخرين، كما حدث في الليبرالية الرأسمالية، كما أن معاملة الناس كأرقام (كما في التجربة الشيوعية) سيجعل الأفراد يركنون الى النمطية الساكنة، طالما أن التعليم والصحة والسكن والعمل تؤمن لكل مواطن دون اعتبار كبير للفوارق الإبداعية، وهذا ما جعل سيارة (موسكوفيتش) القوية تؤدي دورها بالنقل دون الاهتمام بمظهرها الفخم ودون تطوير قبضات الأبواب، وهذا ما جعل البضائع السوفييتية أقل رواجا من تلك المصنعة في الدول الرأسمالية.

وللتوفيق بين المنهجين (الاشتراكي والرأسمالي)، كان لا بد من الاستفادة من مبدأ العدالة العامة الذي ينشد حماية المواطن من جشع المستغلين، وبنفس الوقت مكافأة المبدعين وإعطائهم بدل إبداعهم ما يتلاءم مع إنجازاتهم، لا أن يكافأ المبدع في قضاء يومين أو أسبوع في المنتجعات الاشتراكية (عند السوفييت) ولا أن يكافأ المبدع بأن تجعل الأسواق والمستهلكين تحت خدمته ليأكلهم ويوجههم كما يشاء (عند الغرب الليبرالي).

(5)

لقد حاولت الديمقراطية الليبرالية أن تجعل من إطلاق الحريات وكأنها مكافأة للمواطنين الذين يقبلون بالمنهج الليبرالي، فتركت لهم حرية السفر وحرية التملك وحرية الزواج المثلي واللواط والإجهاض، الخ، فنتج عن ذلك تشويه للحريات وحقوق الإنسان، وتُرك المواطن ليسبح في خياله اللامحدود الى أن قاده الى الجريمة والشذوذ وتآكل بنيان الأسرة والمجتمع، واستبدال العلاقات غير الأسرية بالأسرية التي تحفظ المجتمع ك (بلوك) يتفق على قيم العدالة وحقوق الإنسان التي تتوافق مع مصالح المجتمع.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 05-08-2009, 10:15 AM   #40
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

28ـ أناس لا صدور لهم

(( أكثر الظواهر شيوعا في العصر الحديث هي أن الإنسان قد فقد كرامته، في عينه هو، الى درجة لا تكاد تُصدق. لقد ظل زمانا طويلاً محور الوجود بصفة عامة وبطله التراجيدي. وكان وقتها على الأقل مصمما على إثبات صلته الوثيقة بالجانب الحاسم والقيم في جوهره من جوانب الوجود. وذلك شأن الميتافيزيقيين الراغبين في التمسك بكرامة الإنسان. مع إيمانهم بأن القيم الأخلاقية قيم أساسية. وأولئك الذين قد تخلوا عن الله يتمسكون أكثر من غيرهم بالإيمان بالأخلاق))

نيتشه: [إرادة القوة]

يقول فوكوياما في بداية مقالته التي بين يدينا: يستحيل إكمال مناقشتنا دون الإشارة الى المخلوق الذي يقال إنه سيظهر عند نهاية التاريخ، وهو خاتم البشر.

يشير فوكوياما الى الصور النهائية التي تنبأ بها كبار الفلاسفة (هيجل، ماركس، نيتشه) التي سيؤول إليها مسار تطور التاريخ، وهو يميز بين هيجل وماركس من ناحية وبين نيتشه من ناحية أخرى، فالأخير لم يكن له أتباع ومدارس واسعة كالفلاسفة الذين تبنوا الفكرة الشيوعية والماركسية.

هيجل وماركس، كانا يريدان أن يتحقق الاعتراف العام بأهمية وكرامة كل أبناء البشرية، وهي التي أشار إليها (ماركس) بنهايات الصراع الطبقي الذي يلغي العبودية والتراتب بين الناس. كانا يريدان تعايشا بين السيد والعبد، فهم لم يريدا إلا أن يُعترف بالعبد كإنسان حر، ويكون واعيا بقدر ذاته.

في حين كان نيتشه يسفه من ذلك الاعتراف، فيقول ما قيمة الاعتراف بشكله العمومي؟ إنه شيء تافه لا قيمة له، وكان نيتشه يريد انتصارا ظافرا للعبيد على الأسياد.

(1)

يدخل (فوكوياما) في تقليب الاحتمالات القادمة، فيقول: بعد أن تحقق لشعوب الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية إزالة نظمهم الشمولية، ووضعوا أقدامهم على أول مواقع الطريق نحو الديمقراطية الليبرالية، هل هذا سينهي كل شيء؟

يذكر فوكوياما نكتة (جروشو ماركس) التي تقول: (إنه لن يوافق أبدا على الانضمام الى النادي الذي يوافق على انضمامه إليه!). وهي إشارة طبيعية الى إمكانية أن يتحول المنتصرون الى صورة شبيهة بمن انتصروا عليهم، رافضين الوفاء بالوعود التي قاموا من أجلها بنضالهم!

ومن جانب آخر، فهل سيسكت من انتزعت منهم مواقع السلطة والسيادة؟ وهم الذين يستذكرون نضالهم القديم ومجد آبائهم وأجدادهم وما خاطروا به بحياتهم من أجل أن تكون البلاد بما آلت إليه؟

(2)

أي احترام واعتراف ينشده الفرد؟ تساؤل مهم ..
إن عالم الفيزياء، يرضى بامتداح زملاءه (علماء الفيزياء) أكثر من تمتدحه مجلة أو جريدة واسعة الانتشار ك (التايم)، كذلك إن ذيوع صيت رجل مهم في مجتمع متقدم ديمقراطي، هي أكثر أهمية من ذيوع صيت رجل قدم نفس الخدمات أو قام ببعض البطولات في مجتمع زراعي ضيق.

من هنا، فيرى البعض أنه لا حياة نبيلة ولا عظمة إلا في المجتمعات الأرستقراطية، وبعبارة أخرى فإن الحرية أو القدرة على الخلق لا يمكن أن تنبثق إلا عن (الميجالوثيميا: أي الرغبة في نيل الاعتراف بالتفوق على الآخرين). ولو أن الناس ولدوا متساوين لما بذلوا جهدا في شيء، إذا كانت الغاية الأساسية من رغبتهم هي التشبه بالآخرين! فهم ـ في تلك الحالة ـ متشابهون فلماذا يتنافسون؟

ولكن الرغبة في التفوق على الآخرين، هي ما تسبب الحروب، والاختراعات والصراعات فيما بين أبناء المجتمع الواحد. وأحيانا توضع أسس لتلك الصراعات وكأنها لعبة كرة قدم، وأحيانا يتم التغاضي عن تلك الأسس، إذا ما شعر أحد الأطراف بتفوقه المطلق ولو الى حين.

والهدوء والطمأنينة والرضا عن النفس والصحة الطيبة تعتبر معوقات للانطلاق نحو احتلال المراتب المتقدمة، (( ينبغي أن تعرف النفس الفوضى داخلها حتى تلد نجما راقصا)).

(3)

إن من يقودوا الناس الى احتلال مركز الصدارة والتفوق يجب أن يكونوا أفرادا متميزين يتمتعون بقدر غير عادي من الصلابة وبُعد النظر والقسوة والذكاء، ومن يرجع للتاريخ القديم أو الحديث سيتعرف على أمثال هؤلاء القادة، فهم لا يؤمنون بالمساواة ولا بالتسامح (هانيبال، هولاكو، هتلر، ستالين، ماو).

أما انتشار الفضيلة والتراحم والتسامح وشيوع المساواة، فهي من سمات المجتمعات الديمقراطية الليبرالية!

(4)

فيما يتعلق بخاتم البشر، يشير (فرانسيس فوكوياما) الى ما قاله نيتشه: الى أن خاتم البشر ((قد خلف وراءه البقاع التي تصعب الحياة فيها، وذلك بالنظر الى حاجته الى الدفء))

ويضيف نيتشه (( إننا لا نزال نعمل. ذلك لأن العمل نوع من التسلية. غير أننا حريصون على ألا تكون التسلية شاقة أكثر مما ينبغي .. لم يعد فينا فقير أو غني. فكل من الفقر والغنى يتطلب بذل الجهد.. من لا تزال لديه الرغبة في أن يَحكم؟ أو في أن يُطيع؟ الأمران يتطلبان فوق ما نطيق من الجهد))..

(( قطيع واحد ولا رعاة! الكل يريد نفس الأشياء. وكل امرئ مشابه لغيره. ومن لا يشعر منا بأنه مختلف يدخل طواعية مستشفى المجاذيب))

لقد قدم فوكوياما في هذا المقام، فلسفة نيتشه في تصور خاتم البشر، لينتهي للقول: إننا نعيش في المجتمع الأمريكي الصورة التي نشدها (نيتشه) فالاهتمام بالصحة والتمارين الرياضية وذم عادة التدخين السيئة والمضرة بالصحة، كلها أمور مسموح بها، لكن أن نعترض على قيام الآخرين في مزاولة طقوسهم الدينية من أرثوذكس أو بوذيين أو مسلمين، فهو أمر يتناقض مع ذلك النهج!

تعليق: من الذي لم يوقع على اتفاقيات البيئة العالمية؟ ومن الذي يذكر لفظ (الحروب الصليبية) في خطاباته؟ ومن الذي يسمح بتلويث أرض العراق وغزة ببقايا اليورانيوم؟ أليسوا هم أتباع هذه المدرسة المتشدقة بالتبشير بهذا النهج؟

(5)

ينتهي الكاتب في هذه المقالة، الى أن من يقبل بعالم خالٍ من الحروب، ومنصرف الى إشاعة الفضيلة (كما هي الحال في الولايات المتحدة) فإنه هو الإنسان الذي يستحق اسم خاتم البشر.

أما من يرفض تلك الصورة المشرقة، فهم الناس الذين (لا صدور لهم) أي أن قلوبهم قاسية وخالية من الرحمة!



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .