العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 29-10-2008, 12:22 AM   #11
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
إفتراضي



***

قالت أرمانوسة: وما بعد ذلك دليلْ على أنكِ تتهيئين أن تكوني مسلمة يا مارية!

فاستَضحَكَتَا معاَ وقالت مارية: إنما ألقيتِ كلاماَ جاريتُكِ فيه بحَسَبِه، فأنا وأنت فكرتان لا مسلمتان



قال الراوي: وانهزم الرومُ عن بُلبيس، وارتدُّوا إلى المقوقس في (مَتف)، وكان وحيُ أرمانوسةَ في ماريةَ مدةَ الحِصار-

وهي نحو الشهر- كأنه فكر سكَنَ فكراَ وتمدد فيه; فقد مر ذلك الكلامُ بما في عقلها من حقائق النظر في الأدب والفلسفة، فصنع

ما يصنعُ الموّلفُ بكتاب ينقحه، وأنشاً لها أخْيِلَةً تُجادلها وتدفعها إلى التسليم بالصحيح لأنه صحيح، والموّكد لأنه موّكَّد.

ومن طبيعة الكلام إذا أثر في النفس، أن ينتظم في مثل الحقائق الصغيرة التي تُلقَى للحفظ; فكان كلامُ أرمانوسة في عقل مارية

هكذا: المسيحُ بدء وللبدء تَكمِلة، ما من ذلك بد. لا تكون خدمةُ الإنسانية إلا بذات عالية لا تبالي غيرَ سموّها. الأمةُ التي تبذل

كل شيء وتستمسكُ بالحياة جُبْناً وحرصاً لا تأخذ شياً، والتي تبذل أرواحَها فقط تأخذ كل شيء.

وجعلتْ هذه الحقائقُ الإسلاميةُ وأمثالُها تُعزب هذا العقلَ اليوناني; فلما أراد عمرو بن العاص توجيهَ أرمانوسةَ إلى أبيها،

وانتهى ذلك إلى ماريةَ قالت لها: لا يَجمُلُ بمن كانت مثلَكِ في شرفها وعقلها أن تكون كالأخِيذة، تَتَوَجًهُ حيث يُسارُ بها;

والرأي أن تبدئي هذا القائدَ قبل أن يبدأكِ; فأرسلي إليه فأعلميه أنك راجعة إلى أبيك، واسأليه أن يُصْحِبَك بعضَ رجاله;

فتكوني الآمرةَ حتى في الأسر، وتصنعي صُنْعَ بناتِ الملوك!.

قالت أرمانوسة: فلا أجد لذلك خيراً منكِ في لسانكِ ودَهائك; فاذهبي إليه من قِبَلي، وسيَصحبُك الراهبُ (شطَا)، وخُذي معك

كوكبة من فرساننا



قالت ماريةُ وهي تقصُ على سيدتها: لقد أديتُ إليه رسالَتَكِ فقال: كيف ظنها بنا؟

قلت: ظنُّها بفعلِ رجل كريم يأمره اثنان: كرمُه، ودينُه. فقال: أبلغيها أن نبينا ص قال: اسْتَوْصُوا بالقبطِ خيراَ فإن لهم فيكم

صِهْراَ وذِمة. وأعلميها أننا لسنا على غارة نُغيِرُها، بل على نفوس نُغيِّرُها. قالت: فَصِفيهِ لي يا مارية.

قالت: كان آتياً في جماعة من فرسانِه على خيولهم العِراب، كأنها شياطينُ تحمل شياطينَ من جنس آخر; فلما صار بحيث

أتبيَّنُه أوّماً إليه الترجُمَانُ- وهو (وَردانُ) مولاه- فنظرتُ، فإذ هو على فرَس كُمَيْت أحَمَّ (أحمر ضارب للسواد) لم يخلُص

للأسْوَدِ ولا للأحمر، طويلِ العنق مُشْرِف له ذُوّابة أعلى ناصيته كطُرَّةِ المرأة، ذيَّال يتبختر بفارسه ويُحَمْحِمُ كأنه يريد أن

يتكلم، مُطهَّم...

فقطت أرمانوسة عليها وقالت: ما ساْلتكِ صفةَ جوادهِ...

قالت مارية: أما سلاحُه...

قالت: ولا سِلاحه، صِفيه كيف رأيتهِ (هو)!

قالت: رأيتُه قصيرَ القامةِ علامةَ قوة وصلابة، وافرَ الهامةِ علامةَ عقل وإرادة، أدعجَ العينين...



فضحكتْ أرمانوسة وقالت: علامة ماذا؟...

... أبلجَ يُشْرِقُ وجهُه كأن فيه لألاء الذهب على الضوء، أيِّداً اجتمعتْ فيه القوّةُ حتى لتكاد عيناه تأمران بنظرهما أمرأ...

داهيةً كتِبَ دَهاوّه على جبهته العريضة يجعل فيها معنىً يأخذ من يراه; وكلما حاولتُ أن أتفرَسَ في وجهِه رأيتُ وجهَه لا

يُفسّرُه إلا تكررُ النظر إليه..

وتضرَجتْ وجنتاها، فكان ذلك حديثاَ بينها وبين عينَيْ أرمانوسة. !.

وقالت هذه: كذلك كل لذة لا يفسرها للنفس إلا تكرارُها...

فغضت ماريةُ من طَرفِها وقالت: هو واللّه ما وَصَفْت، وإني ما ملأتُ عيني منه، وقد كدتُ أنكر أنه إنسان لما اعتراني من

هيبته...

قالت أرمانوسة: من هَيبته أم عَينيه الدعجاوين...؟



ورجعتْ بنتُ المقوقس إلى أبيها في صحبة (قَيس)، فلما كانوا في الطريق وَجَبَت الظُّهر، فنزل قيس يُصَلي بمن معه والفتاتان

تنظران; فلما صاحوا: الله أكبر...! ارتعش قلبُ مارية، وسألت الراهبَ (شطا): ماذا يقولون; قال: إن هذه كلمة يدخلون

بها صلاتَهم، كأنما يخاطِبون بها الزمنَ أنهم الساعةَ في وقت ليس منه ولا من دنياهم، وكأنهم يعلنون أنهم بين يدي من هو أكبر

من الوجود; فإذ أعلنوا انصرافَهم عن الوقت ونزاع الوقت وشَهَواتِ الوقت، فذلك هو دخولُهم في الصلاة; كأنهم يَمْحُون

الدنيا من النفس ساعةً أو بعضَ ساعة; ومَحْوُها من أنفسهم هو أرتفاعُهم بأنفسهم عليها; انظري، ألا تَرَيْنَ هذه الكلمة قد

سَحَرَتهم سِحْراَ فهم لا يلتفتون في صلاتهم إلى شيء; وقد شملتهم السكينة، ورَجَعوا غَير مَن كانوا، وخشَعوا خشوع أعظم

الفلاسفةِ في تأمُلِهم؟.

قالت مارية: ما أجملَ هذه الفطرةَ الفلسفية! لقد تَعِبَت الكتبُ لتجعلَ أهلَ الدنيا يستقرّون ساعةَ في سكينةِ اللّه عليهم فما أفلحتْ،

وجاءت الكنيسة فهَوّلت على المُصلين بالزخارف والبخوَر والتماثيل والألوان، لتُوحِيَ إلى نفوسهم ضرباَ من الشعور بسكينة

الجمال وتقديسِ المعنى الدّيني، وهي بذلك تحتال في نقلهم من جوّهم إلى جوّها; فكانت كساقي الخمر; إن لم يُعطك الخمرَ

عَجَزَ عن إعطائك النشْوة. ومن ذا الذي يستطيع أن يحملَ معه كنيسة على جواد أو حمار؟



قالت أرمانوسة: نعم إن الكنيسةَ كالحديقة; هي حديقة في مكانها، وقلما تُوحي شياَ إلا في موضعها; فالكنيسةُ هي الجدرانُ

الأربعة، أما هوّلاء فمعبدهم بين جهات الأرض الأربع.

قال الراهب شطا: ولكن هوّلاء المسلمين متى فُتِحَتْ عليهم الدنيا وافتتنوا بها وانغمسوا فيها - فستكون هذه الصلاةُ بعينها ليس

فيها صلاة يومئذ.

قالت مارية: وهل تُفتَح عليهم الدنيا، وهل لهم قُوّاد كثيرون كعَمْرو..؟

قال: كيف لا تُفتح الدنيا على قوم لا يُحاربون الأمم بل يحاربون ما فيها من الظلم والكفر والرذيلة، وهم خارجون من

الصحراء بطبيعة قوية كطبيعة الموْج في المد المرتفع; ليس في دَاخلها إلا أنفُس مندفعةٌ إلى الخارج عنها; ثم يقاتلون بهذه

الطبيعة أمماَ ليس في الداخل منها إلا النفوسُ المستعدّةُ أن تهربَ إلى الداخل...!

قالت مارية: واللّه لكأننا ثلاثَتَنا على دِين عَمرو....

وانفتل قيس من الصلاة، وأقبل يترحَل، فلما حاذَى ماريةَ كان عندها كأنما سافر ورجع; وكانت ما تزال في أحلام قلبها;

وكانت من الحُلم في عالَم أخَذَ يتلاشى إلا من عَمرو وما يتصل بعمرو. وفي هذه الحياةِ أحوال! ثلاث يغيب فيها الكونُ

بحقائقه: فيغيبُ عن السكران، والمخبول، والنائم; وفيها حالةٌ رابعة يتلاشى فيها الكون إلا من حقيقة واحدة تتمثل في إنسان

محبوب.

وقالت مارية للراهب شطا: سَلْهُ: ما أرَبُهم من هذه الحرب، وهل في سياستهم أن يكونَ القائدُ الذي يفتح بلداً حاكماَ على هذا

البلد...؟

قال قيس: حَسْبُكِ أن تعلمي أن انرجل المسلم ليس إلا رجلاً عاملاً في تحقيهت كلمةِ اللّه،أما حظ نفسهِ فهو في غير هذه الدنيا.

وترجَمَ الراهبُ كلامَه هكذا: أما الفاتحُ فهو في الأكثر الحاكم المقيم، الحربُ فهي عندنا الفكرةُ وأما المُصلِحَةُ تريد أن تَضربَ

في الأرض وتعمل، وليس حظّ النفس شياً يكون من الدنيا; وبهذا تكون النفسُ أكبر من غرائزها، وتنقلب معها الدنيا برُعونتها

وحماقاتها وشَهَواتها كالطفل بين يديْ رجل، فيهما قوةُ ضبطِه وتصريفِه. ولو كان في عقيدتنا أن ثوابَ أعمالنا في الدنيا،

لانعكس الأمر.

قالت مارية: فسَلْهُ: كيف يصنعُ (عمرو) بهذه القِلة التي معة والرومُ لا يُحصَى عَدَدُهم; فإذا أخفقَ (عمرو) فمَن عسى أن

يستبدلوه منه; وهل هو أكبرُ قُوّادِهم، أو فيهم أكبرُ منه؟

قال الراوي: ولكن فَرَسَ قيس تمَطَر وأسرع في لِحَاقِ الخيل على المقذَمة كأنه يقول: لَسْنا في هذا...



وفُتحتْ مصرُ صُلْحاً بين عمرو والقِبط، وولى الرومُ مُصْعِدين إلى الإسكندرية، وكانت ماريةُ في ذلك تستقرىء أخبارَ الفاتح

تطوفُ منها على أطلال من شخص بعيد; وكان عمرو من نفسها كالمملكة الحصينة من فاتح لا يملكُ إلا حُبهُ أن يأخذَها;

وجعلت تذوي وشَحَبَ لونُها وبدأت تنظر النظرةَ التائهة: وبان عليها أثر الروح الظمْأى; وحاطها اليأسُ بجوّه الذي يُحرق

الدم; وَبَدَت مجروحةَ المعاني; إذ كان يتقاتلُ في نفسها الشعوران العَدُوّان: شعورُ أنها عاشقة، وشعورُ أنها يائسة!

ورقَّتْ لها أرمانوسة، وكانت هي أيضاَ تتعلق فتًى رومانيّاَ، فسَهِرَتا ليلةَ تُديران الرأي في رسالة تحملها ماريةُ من قبلها إلى

عمرو كي تصلَ إليه، فإذا وصلتْ بلَّغت بعينيها رسالةَ نفسها... واستقرّ الأمرُ أن تكون المسألةُ عن ماريةَ القبطية وخبرها

ونسلها وما يتعلَقُ بها مما يطول الإخبارُ به إذا كان السوّالُ من امرأة عن امرأة. فلما أصبَحَتا وقعَ إليها أن عمراً قد سار إلى

الإسكندرية لقتال الروم، وشاع الخبر أنه لما أمر بفُسْطاطه أن يُقَوّضَ أصابوا يمامةً قد باضت في أعلاه، فأخبروه فتال: قد

تَحَرَّمَتْ في جوارنا، أقِرواً الفسطاطَ حتى تطيرَ فِرَاخُها. فأقَرّوه!



ولم يمضِ غيرُ طويل حتى قضت ماريةُ نحبها، وحَفِظت عنها أرمانوسةُ هذا الشعر الذي أسمته: نشيد اليمامة.

على فُسطاطِ الأمير يمامة جاثمة تَحْضن بَيْضَها.

تركها الأميرُ تَصنعُ الحياة، وذهب هو يَصنعُ الموت!

هي كأسعد امرأة; تَرَى وتلمسُ أحلامَها.

إن سعادةَ المرأة أولُها وآخِرُها بعضُ حقائق صغيرة كهذا البيض.

على فسطاط الأمير يمامةْ جاثمةٌ تحضن بيضَها.

لو سُئِلَتْ عن هذا البيض لقالت: هذا كَنزي.

هي كأهنأ امرأة، مَلَكَت مِلكها من الحياةِ ولم تفتقِر.

هل أُكلف الوجودَ شياً كثيراَ إذا كلفتُهُ رجُلاً واحداً أحبه!



على فسطاط الأمير يمامة جاثمة تحضن بيضَها.

الشمسُ والقمرُ والنجوم، كلُها أصغرُ في عينها من هذا البيضِ.

هي كأرق امرأة; عرفت الرقَّةَ مرتين: في الحب، والولادة.

هل أُكلف الوجود شياً كثيراً إذا أردتُ أن أكون كهذه اليمامة!


على فسطاط الأمير يمامة جاثمة تحضن بيضَها

تقول اليمامة: إن الوجودَ يحب أن يُرى بلونين في عين الأنثى

مرةً حبيباً كبيراً في رَجُلها، ومرة حبيباً صغيراَ في أولادها

كلُّ شيء خاضغ لقانونه; والأنثى لا تريد أن تخضع إلا لقانونها



أيتُها اليمامة، لم تعرفي الأميرَ وتركَ لكِ فسطاطَه

هكذا الحظ: عدل مضاعفٌ في ناحية، وظلم مضاعف في ناحية أخرى
.
احمدي اللهَ أيتُها اليمامة، أنْ ليس عندكم لغات وأديان، عندكم فقط: الحب والطبيعةُ و الحياة

على فسطاط الآمير يمامة جاثمة تحضن بيضاً

, يمامة سعيدة , ستكون في التاريخ كهدهد سليمان

نـُـسب الهدهدُ الى سليمان , وستنسب اليمامة لعمرو ... واها لك ياعمرو !!

ما ضر لو عرفت اليمامة الأخرى ..!!


__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-10-2008, 07:25 AM   #12
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
وكان (عصمت) يسمعُ ونفسُه تعتز بإحساسِها، كالورقةِ الخضراءِ عليها طَل الندى، وأخذَ قلبُه يتفتح في شعاعِ الكلامِ كالزهرةِ

في الشمس، وسَكِرَ بما يسكَرُ بهِ الأطفالُ حين تُقدمُ لهمُ الطبيعةُ مكانَ اللهوِ مُعَدا مهيَّا، كالحانةِ ليسَ فيها إلا أسبابُ السكرِ

والنَّشوة، وتمامُ لذتها أن الزمنَ فيها منسي، وأن العقلَ فيها مُهمَل..ْ.

وأحس ابنُ المديرِ أنَّ هذه الطبيعةَ حين ينطلقُ فيها جماعة الأطفالِ على سَجيّتهِم وسجيَّتِها - إنما هي المدرسةُ التي لا جُدرانَ

لها، وهي تربيةُ الوجودِ للطفلِ تربيةً تتناوَلُهُ من أدق أعصابهِ فتُبَددُ قواهُ ثم تجمعُها له أقوى ما كانت، وتُفْرِغُهُ منها ثم تملؤُهُ بما

هو أتمّ وأَزيدُ وبذلكَ تكسِبهُ نموَ نشاطِه، وتُعلّمُهُ كيف ينبعِثُ لتحقيقِ هذا النشاط، فتَهديهِ إلى أن يُبدعَ بنفسِه ولا ينتظرَ مَنْ يُبدعُ

له، وتجعلُ خُطاه دائماَ وراءَ أشياءَ جديدة، فتُسددُهُ من هذا كلهِ إلى سر الإبداع والابتكار، وتُلقيه العِلمَ الأعظمَ في هذه الحياة،

عِلمَ نَضْرةِ نفِسهِ وسرورِها ومرَحِها، وتطبعُه على المزاجِ المتطَلقِ المتهلّلِ المتفائل، وتَتدَفقُ به على دنياه كالفَيَضَانِ في النهر،

تفورُ الحياةُ فيهِ وتفورُ به، لا كأطفالِ المدارسِ الخامدينَ، تعرفُ للواحدِ منهم شكلَ الطفل وليسَ له وجودُهُ ولا عالَمُه، فيكونُ

المسكينُ في الحياةِ ولا يجدُها، ثم تراهُ طفلأَ صغيراً، وقد جمعوا له همومَ رجلِ كامل!
إقتباس:
قالت مارية: ما أجملَ هذه الفطرةَ الفلسفية! لقد تَعِبَت الكتبُ لتجعلَ أهلَ الدنيا يستقرّون ساعةَ في سكينةِ اللّه عليهم فما أفلحتْ،

وجاءت الكنيسة فهَوّلت على المُصلين بالزخارف والبخوَر والتماثيل والألوان، لتُوحِيَ إلى نفوسهم ضرباَ من الشعور بسكينة

الجمال وتقديسِ المعنى الدّيني، وهي بذلك تحتال في نقلهم من جوّهم إلى جوّها; فكانت كساقي الخمر; إن لم يُعطك الخمرَ

عَجَزَ عن إعطائك النشْوة. ومن ذا الذي يستطيع أن يحملَ معه كنيسة على جواد أو حمار؟



قالت أرمانوسة: نعم إن الكنيسةَ كالحديقة; هي حديقة في مكانها، وقلما تُوحي شياَ إلا في موضعها; فالكنيسةُ هي الجدرانُ

الأربعة، أما هوّلاء فمعبدهم بين جهات الأرض الأربع
.

ومضات رائعة لكاتب هو من أكثر الكتاب قوة فى الأسلوب وقدرة على الوصف بدقة مذهلة فكأن الوصف يتجاوز الحروف والكلمات إلى الحركات والصور ..

مصطفى صادق الرافعى صرح عملاق فى فضاء الأدب المصرى المعاصر ..

فهو يحمل إلى جانب قوة الأسلوب فكرا متأملا هى أشبه بروح مصرية فى مشاعرها وتصوراتها وافكارها ..

ففى قصة عصمت ابن الباشا يصف بمنتهى الروعة أفكار وأحلام البسطاء من الصغار فى اللهو وينتقل بنا بين حاضرهم الطفولى ومستقبلهم فى هذا الكون الواسع .. فلسفة متعمقة جدا وهى وحدها مدرسة من التجارب ووصف لبيئة أكاد أحسها واراها فى كل حرف من أحرفه ..

أما حديث مارية ، فهو إبحار فى فضاء الزمان والمكان ..

مارية المصرية رمزا تحمل بشكل عجيب مشاعر كل قبطى (مصرى) تجاه هذا القادم الجديد ..

كل مصرى بشكل خاص يحمل مشاعرا خاصة لعمرو بن العاص .. هى فى حيرتها ما بين متأمل ومحاذر ، مقبل بروحه على هذا المغامر وهذا الدين بلا سبب واضح ، أو لكل ما رسمه من مشاعر ترقى عن الوصف ، حتى تكبيرة الصلاة وفلسفة الجهاد فى الإسلام ، تمكن من وصفها ببراعة لا توصف ..

ومضات ومقتطفات أكثر من رائعة .. صدقا ما استطعت المرور بإيجاز إلا ووجدتنى أتنقل من سطر لآخر إلى آخر قطرة فيها وإن كنت تمنيت لو كان ثمة مزيد فما زلت ظامىء الروح ..

رائعة يا ياسمين هذه القطوف كروعة ذائقتك وكل إختياراتك ..

تقديرى
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 19-11-2008, 09:42 PM   #13
محمود راجي
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2008
الإقامة: أكناف بيت المقدس
المشاركات: 542
إفتراضي

لم أكملها جميعها لكنها رائعة أنا عندي الجزء الأول من الكتاب
__________________
**********
كن كالنخيل عن الاحقاد مرتفعا ::: يلقى بصخر فيلقى اطيب الثمر


محمود راجي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 21-11-2008, 05:37 PM   #14
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

عربة اللقطاء
جلست ُ على ساحل الشاطبي في الإسكندرية أتأمل البحر وقد ارتفع الضحى ، ولكن النهار لدن ٌ ناعم ٌ رطيب ٌ كأن الفجر ممتد فيه إ لى الظهر .
وجاءت عربة اللقطاء فأشرفت على الساحل ، وكأنها في منظرها غمامة تتحرك، إذ تعلوها ظـُلةٌ كبيرة في لون الغيم . وهي كعربات النقل ، غير أنها مُــســَوَّرة بألواح من الخشب كجوانب النعش تــُمسـِك ُ مــَن ْ فيها من الصغار أن يتدحرجوا منها إذ هي تدرُج وتتقلقل .
ووقفت ْ في الشارع لتــُنزِل َ ركبها إلى شاطئ البحر ، أولئك ثلاثون صغيرًا من كل سفيج لقيط ومنبوذ ، وقد انكمشوا وتضاغطوا إذ لا يمكن أن تــُمــَط ّ العربة فتسعهم ، ولكن يمكن أن يــُكبـــَسوا ويتداخلوا حتى يشغل الثلاثة أو الأربعة منهم حيّز اثنين . ومن منهم إذا تألم سيذهب فيشكو لأبيه ...؟

وترى هؤلاء المساكين خليطًا ملتبِسًا يــُشعــِرُك اجتماعهم أنهم صيد في شبكة لا أطفال في عربة ، ويدلك منظرهم البائس الذليل أنهم ليسوا أولاد أمهات وآباء ، ولكنهم كانوا وساوس آباء وأمهات ...
***
هذه العربة يجرها جوادان أحدهما أدهم (الأسْــوَد) والآخر كُمــَيت (الأحمر) . فلما وقفت لوى الأدهم عنقه والتفت ينظر : أيفرغون العربة أم يزيدون عليها ...؟ أما الكميت فحرك رأسه وعَلَك َ لجامه كأنه يقول لصاحبه : إن الفكر في تخفيف العبء الذي تجعله يجعله أثقل عليك مما هو ، إذ يضيف إليه الهم ّ ، والهم ّ أثقل ما حملت ْ نفس ٌ ، فما دمت في العمل فلا تتوهمنّ الراحة ، فإن هذا يـُوهـــــِن القوة ويــَخذُلُ النشاط ويجلب السأم ؛ وإنما روح العمل في الصبر وإنما روح الصبر العزم .
ورآهم الأدهم ينزلون اللقطاء ، فاستخفه الطرب ، وحرك رأسه كأنما يسخر بالكميت وفلسفته ، وكأنما يقول له : إنما هو النزوع إلى الحرية ، فإن لم تكن لك في ذاتها ، فلتكن لك في ذاتك ، وإذا تعذّرت اللذة عليك ، فاحتفظ بخيالها ، فإنه وُصــْلــَتـُك بها إلى أن تمكن وتتسهل ؛ ولا تجعلن ّ كل طباعك طباعًا عاملة كادحة ، وإلا فأنت أداة ليس فيها إلا الحياة كما تريدك ، وليكن لك طابع شاعر مع هذه الطباع العاملة ، فتكون لك الحياة كما تريدك و كما تريدها.
إن الدنيا شيء واحد في الواقع ؛ ولكن هذا الشيء الواحد هو في كل خيال دنيا وحدها .
***
وفي العربة امرأتان تقومان على اللقطاء ؛ وكلتاهما تزوير للأم على هؤلاء الأطفال ِ المساكين ؛ فلما سكنت العربة انحدرتْ منهما واحدة وقامت الأخرى تــُناولــُهــَا الصغار قائلة ً : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة .....إلى أن تم العدد وخلا قفص الدجاج من الدجاج ....!
ومشى الأطفال بوجوه يتيمة ويقرأ من يقرأ فيها أنها مستسلمة مستكينة معترِفة أن لا حق لها في شيء من هذا العالم إلا هذا الإحسان البخس القليل .
جاءوا بهم ينظرون الطبيعة والبحر والشمس ، فغفل الصغار عن ذلك كله وصرفوا أعينهم إلى الأطفال الذين لهم آباء وأمهات ...
***
واكبدي أضنى الأسى كبدي ؛ فقد ضاق صدري بعد انفساحه ، ونالني وجع الفكر في هؤلاء التعساء ، وعـَرًتني منهم علة كدَس الحمّى في الدم . وانقلبت إلى مثواي والعربة وأهلها ومكانها وزمانها في رأسي .
فلما طاف بي النوم طتف كل ذلك بي ، فرأيتني في موضعي ذاك ، وأبصرت العربة قد وقفت ، وتحاور الأدهم والكميت فلما أفرغوها وشعر الجوادان بخــفــَتها التفتا معًا ، ثم جمعا رأسيهما يتحدثان !
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة محمد الحبشي ، 21-11-2008 الساعة 10:49 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-11-2008, 11:35 PM   #15
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

هذه القصة من أجمل ما كتب الشاعر مصطفى صادق الرافعي رحمه الله إذ هو قصيدة شعر أهديت لنا ولكن في شكل نثري ، ما أراني ذاهبًا في القول عنه أكثر مما ذهبت تكتب كلماته عنه حتى كأنه روح الكلمة لا ذاتها ، وما أراني كاتبًا ما كتبت إلا ارتجالاً ، وإني إذ أذهب لتقييم بعض ما جاء في هذا العمل الرائع فأنا لا أدعي لنفسي حظًا وافيًا وقسطًا كاملاً من العلم إلا بما أنعم الله عليّ وهو قول بشر يحتمل الصواب والخطأ .
وما أوردت هذا القول إلا لأن عملاً كذلك قد يعمّي على القارئ فينظر إليه نظرة من قال الشمس صفراء اللون شديدة الضوء بدلاً من نظرة ذي لب بصير ضارب العمق في معنى كل ما يرى يقول إن الشمس هي بسمة الجمال وإطلالته على الأرض . وإذ أذهب لتقييم هذا العمل فلا أدعي لنفسي هذه البصيرة النافذة ولا الرؤية الثاقبة وإنما هي بعض ما أفاء الله به علينا من قول قلت أنشره حتى لا يفهم القارئ قول هذا الكاتب الشاعري الروح فهمًا سطحيًا .
الرؤية الأولى : في الرمز والدلالة .
مخطئ قاصر الفهم من ظن أن كاتبنا قد قصد عربة اللقطاء في ذاتها وإنما طعّمها بمرامي الواقع الذي عاشه غير أنها أسهم امتدت إلى أبعد مما رمى فجاء تأويلها لكل عصر وعلى واقع الفرد والجماعات .
عربة اللقطاء .. لعلك أخي القارئ لاحظت ما يشير به إلى واقع السياسة وحقوق الإنسان آنئذ في قوله :
وتضاغطوا إذ لا يمكن أن تــُمــَط ّ العربة فتسعهم ، ولكن يمكن أن يــُكبـــَسوا ويتداخلوا حتى يشغل الثلاثة أو الأربعة منهم حيّز اثنين . ومن منهم إذا تألم سيذهب فيشكو لأبيه ...؟

تلك العربة ما أحسبها إلا الوطن مصر ، هو وطن قد انزوى الناس فيه وصاروا مكبوسين ولا أحد إن تألم سيشكو لأبيه .
إنه الوطن تلكم العربة التي ما حملت إلا لقطاء هي ذلك الوطن الذي ما أخرج إلى الدنيا إلا مشردين قل هم مشردو الفكر مشردو الانتماء مشردو الأخلاق لكنهم في آخر الأمر مشردون . ومـــشــرِّ دون من بعدهم .
وانظر باركك الله لما تعنيه عربة من دلالة البطء ، فما قال حافلة وإنما هو معنى للبطء ابتغي به حال الوطن .
وما اكتفى صاحبنا بالرمزين (العربة للوطن واللقطاء للشعب ) بل امتد بالرموز إلى أبعد من ذلك ؛ فها هي تطل الأم والتي هي تزوير على الأم ما أراه قصد بها إلا وزراء الدولة ورجالاتها ممن أوكل إليهم أمر الإصلاح فكانوا تزويرًا عليه تلك الأم التي تعد الأطفال كما يُعـَد ُّ الدجاج ، تلك الأم التي لا تريد من عملها إلا أن يكون همّـــًا قد انزاح ولو اقتضى ذلك إتمامه على غير تمام ما أريد منه . إنهم الوزراء أو رجالات الحكم .


وفي العربة امرأتان تقومان على اللقطاء ؛ وكلتاهما تزوير للأم على هؤلاء الأطفال ِ المساكين ؛ فلما سكنت العربة انحدرتْ منهما واحدة وقامت الأخرى تــُناولــُهــَا الصغار قائلة ً : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة .....إلى أن تم العدد وخلا قفص الدجاج من الدجاج ....!

بعد ذلك انظر إلى تمام الصورة واكتمال المشهد ، فما أراه أتقن شيئًا -حتى وإن لم يقصده - كما أتقن هذا العمل والتصوير إذ قال الكميت والأدهم . الخيلان هذان ما أراه قد قصد بهما إلا الموظفين من أبناء الدولة فـــهُم مضغوط عليهم من ساداتهم الدلة ممثلة في الملك والوراء(ا لعربة والأمّان المزورتان ) غير أنهم هم أنفسهم لهم مأرب في تفريغ العربة (المواطن) هؤلاء الموظفون(وكان للموظفين في ذلك العصر كلمة مسموعة ) ما كرهوا الشعب إلا لأنه عبء وضع على أكتافهم ممن هم أكبر منهم فصارت مصلحة الدولة-أقصد الحكومة- (العربة ) والحاكمين (الأمّان المزورتان) والموظفين (الخيل) كأنهم اتحدوا عليهم .. واعجبى من هذين الحصانين وقد خلقهما الله لكي يــُركبا وهما يتنفسان الصعداء أنْ أراحهما الله من هذا العبء .

وانظر إليه وقد أحسن القول والغمز قاصدًا الغزو الفكري :
جاءوا بهم ينظرون الطبيعة والبحر والشمس ، فغفل الصغار عن ذلك كله وصرفوا أعينهم إلى الأطفال الذين لهم آباء وأمهات ...

المواطنون من أبناء دولتنا يأتون إلى الغرب فلا ينظروا إلى منجزات العلم والتقدم ولكن إلى حكام الغرب ومبادئهم فقط .. كأن الآباء قد قصد بهم آباء الفكر من علماء ومفكرين . فقد صارت مصر دولة مقفرة من وحكامها الصالحين حتى صار العربي أو المصري إذا نزل بأرض الغرب عميَ عما بها من علم وذهب إلى حكامهم ومبادئ الحكم فيهم .
الغرب صاروا أطفالاً لهم آباء وأمهات ونحن العرب لقطاء بين الأمم ما حكامنا ولا رجال الدولة فينا إلا تزاوير الحكم وتزاوير الأمر والنهي .

فلما طاف بي النوم طاف كل ذلك بي ، فرأيتني في موضعي ذاك ، وأبصرت العربة قد وقفت ، وتحاور الأدهم والكميت فلما أفرغوها وشعر الجوادان بخــفــَتها التفتا معًا ، ثم جمعا رأسيهما يتحدثان !
الحصانان يتكلمان .. الموظفون والعاملون ممن هم في طبقة أدنى من الوزراء ما إن خف العبء عنهما راحا يتكلمان .. انظر إلى دهائه رحمه الله فقد ترك الكلام دون تحديد لتتساءل أنت ما تراهما قائلــَين ؟
أغلب الظن أنهما يقولان لعن الله العربة وأهلها ومن عليها . إنها فئة الموظفين (وكانوا إذ ذاك غير ما هم عليه الآن ) يلس الطربوش َ أحدهما ويلبس البزة (البدلة) متفاخرًا بها أمام الناس وهو في حقيقة الأمر خادم كالخيل مربوط بالعربة وبأهواء من يركبون عليه (الأمان المزورتان) .انظر إلى الخيل وجماله وعنفوانه وهو أساس حركة العربة ، لكنه في النهاية مربوط كذلك العلماء والمثقفون والموظفون في المناصب المتوسطة.

هذان الخادمان في حقيقة الأمر ماذا يقولان ؟ لقد تحدث عن أحزان وهموم بعض الخدم للسلطة انظر الفكر يختبئ ويختلس النظر إلى الحاضر انظر إلى الذهنية المنبثة من قوله هذا فكأنه يقول : لو كان هذا حال الخيل فما بالك باللقطاء ؟!!
كأنه يقول بشكل غير مباشر : يا لسوء الأمر ويا لعجبى من شدة تسخير الحصانين فكيف بالأطفال اللقطاء .
وانظر إلى تسخيره الألوان حتى يطلي بها المعنى : الأدهم ذو اللون الأسود رمز للسخرة أما الأحمر فهو رمز للتحرر فكأنه يقول إن الحصانين يختلفان إن المثفين والعاملين بالدولة يختلفون عن بعضهم البعض لكنهم في نهاية الأمر مسخرون للحكومة ويعملون رغمًا عنهم بأهواء أهلها .

ثم انظر إلى حديثه على لسانيهما ، هذين يمثلان الإنسان المصري الموظف\ المثقف \ المصري
انظر :
العربة يجرها جوادان أحدهما أدهم (الأسْــوَد) والآخر كُمــَيت (الأحمر) . فلما وقفت لوى الأدهم عنقه والتفت ينظر : أيفرغون العربة أم يزيدون عليها ...؟ أما الكميت فحرك رأسه وعَلَك َ لجامه كأنه يقول لصاحبه : إن الفكر في تخفيف العبء الذي تجعله يجعله أثقل عليك مما هو ، إذ يضيف إليه الهم ّ ، والهم ّ أثقل ما حملت ْ نفس ٌ ، فما دمت في العمل فلا تتوهمنّ الراحة ، فإن هذا يـُوهـــــِن القوة ويــَخذُلُ النشاط ويجلب السأم ؛ وإنما روح العمل في الصبر وإنما روح الصبر العزم .

لقد تحدث على لسان الحصانين ولم يتحدث على لسان اللقطاء كأنه يقول إن اللقطاء ( الشعب ) ليس في مشهد القصة كما هو كذلك في واقع الحياة . كأنه يقول : انظر إليّ أنا الرافعي أين أكون من هذين الحصانين .كأنه يقول إن المثقف -في مثل حال مصر آنذاك - لابد أن يأخذ بعضًا من اللهو حتى إذا طاف به طائف الكدح حتى كاد يصرعه وجد فيما ادخره لنفسه حرزًا بإذن الله من الإنهاك )

ورآهم الأدهم ينزلون اللقطاء ، فاستخفه الطرب ، وحرك رأسه كأنما يسخر بالكميت وفلسفته ، وكأنما يقول له : إنما هو النزوع إلى الحرية ، فإن لم تكن لك في ذاتها ، فلتكن لك في ذاتك ، وإذا تعذّرت اللذة عليك ، فاحتفظ بخيالها ، فإنه وُصــْلــَتـُك بها إلى أن تمكن وتتسهل ؛ ولا تجعلن ّ كل طباعك طباعًا عاملة كادحة ، وإلا فأنت أداة ليس فيها إلا الحياة كما تريدك ، وليكن لك طابع شاعر مع هذه الطباع العاملة ، فتكون لك الحياة كما تريدك و كما تريدها.

وتراه رحمه الله كأنما قد رجح كفة الكميت فكأنه يقول ليست الحياة كلها كدحًا ، بل إن عليك أن تنزع إلى الحرية وكأنه يئس من الشعب فلم يجعل له نصيبًا من الأمر . انظر كيف ذكرها(الحرية) صريحة يريد بها شيئًا غير أبعد مما جاء في سياق العمل الأدبي !


هكذا اكتسب العمل براعة غير عادية فهو يرمز في هذا الوقت للوطن من خلال العربة والمواطنين من خلال اللقطاء والموظفين من خلال الجوادين (ولعله بذكاء وعن قصد لم يقل الحمارين!)والحكام الخونة( الأمّان المزيفتان ) والغزو الفكري (الأبناء الذين لهم آباء وأمهات )
انظر إليه وقد جعل آخر ما يتحدث عنه كالواو في كلمة عمرو هؤلاء اللقطاء جعل لهم في نهاية المطاف سطرًا كأنه سطر في الاحتفالات واكبدي .. استتباب العجز عن مد الأيادي إليهم فــــهُم في عمله كذلك لهم آخر الأسطر وليست أسطره إلا بعبارات التوجع والألم وهذا أقصى ما يمكن أن يُعطى إليهم .
وانظر إليه رحمه الله فكأنما قرأ أفكاري وأنا أنقد ما كتب :
إن الدنيا شيء واحد في الواقع ؛ ولكن هذا الشيء الواحد هو في كل خيال دنيا وحدها

حقًا إنه العمل الواحد لكنه ثلاثي الأبعاد إن أنت كررت الطل فيه .
ختامًا رحم الله ابن طنطا (المحافظة التي ولد فيها رحمه الله )ولا أجد ما أقوله عنك وعن عملك إلا ما آثرت أن تأتي َ به من قول الشيخ محمد عبده رحمه الله : " لله ما أثمر أدبك ولله ما ضَـِمن َ لي قلبك ! لا أقارضك ثناء بثناء ،وأسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفًا للباطل وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان في الأوائل والسلام .
لهذا العمل رؤية ثانية وثالثة بإذن الله بعد حين وأكتفي بك قارئي وقد أثقلت عليك بما تطيق وبما لا تطيق لا أرجو أن أكون تزويرًا على النقد ولا أن تكون مكبوسًا في عربة أفكاري النقدية التي تقبل الصواب والخطأ فإن أخطأت ُ فما إلا الخير أردت وتلك طبيعة الإنسان وإن أصبت فمن عند الله وحده وشاكر لك تحملي ما ينوء ظهرك بحمله .. ولي عودة أخرى غير أني آثرت أن أعلق على كلامه بمثل طريقته حتى لا أكون تزويرًا على جمال ما جاء به فأكون كمن وضع وردة اصطناعية بجوار وردة أصلية .. لي عودة أخرى بإذن الله وحتى هذا الحين أتركك في أمان الله وحفظه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 27-11-2008 الساعة 05:09 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 23-11-2008, 12:52 PM   #16
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

رؤية ثانية

ليس يكفي أن تقول العمل جميل هكذا ثم تنصرف فإن لكل شيء سببه . وهذا العمل قد جعل يرسم الصور الجميلة أمامي والتعبيرات الشائقة حتى وجدتني مسحوبًا كما يسبح البحر قاربًا صغيرًا إلى نهايته .. وجدتني مسحوبًا لأفضي بكل خبايا نفسي عن هذا العمل .
الرؤية الثانية
الكاتب والمجتمع
كنا نقول إن العمل الأدبي إذا لم يكن لسان حال المجتمع ووقف عند البكاء على فراق الأحبة وذكر الديار فهو بذلك تزوير على الأدب أو قل تزوير على شخص الأديب وإذا كنا لا نفصل العمل الأدبي عن صاحبه ، فهذا العمل بمفهوم الحداثة عمل له مزيته الأولى ألا وهي أنه ليس محدودًا بمكان ولا زمان . فهذا أمر يطّــرد حدوثه في كافة المجتمعات وبأشكال ووسائل مختلفة ثم هو إلى ذلك لم يفــصّـــل ويسرد في أسماء أحياء ولا أماكن .
إذًا هذا العمل له طابعه المميز من الحنكة فربما يقول كاتب مثله ما قاله عن واقع في بلده اللاتيني أو الأسيوي أو أي دولة من الدول .
لقد كانت قضية الكاتب في هذا العمل فقط الإنسان لذات الإنسان وقد آلم القارئ بعبارته تلك :
وقد انكمشوا وتضاغطوا إذ لا يمكن أن تــُمــَط ّ العربة فتسعهم ، ولكن يمكن أن يــُكبـــَسوا ويتداخلوا حتى يشغل الثلاثة أو الأربعة منهم حيّز اثنين . ومن منهم إذا تألم سيذهب فيشكو لأبيه ...؟

إنه الإنسان من حيث هو الإنسان لا دينه ولا جنسه ولا عرقيته وهذا الإبداع في قصيدته يــُكســـِب ُ عمله هذا صفة الديمومة والعالمية ، فلو أن مترجمًا راح يبحث عما ينقله إلى العالم لوجد في ذلك العمل مرتعًا خصبًا له .
لاحـِظ أن الكاتب رحمه الله لم يتحدث عن ثياب الأمين المزورتين كما فعل من قبل في أعملا أخر وصف بها أزياء لابسيها لغرض ما في نفسه . لاحظ أنه لم يذكر اسم حاكم ولا اسم طفل ولا شكله لتكون العبارة المؤلمة موجهة إلى الإنسان تربت على أحزانه وتطبع قبلات الشفقة الأسية الحائرة على جبينه الذي لربما نالته (ضربة الشمس ) فوق هذا البحر .
وانظر إلى حديثه على لسان الحصانين فلا تجد ذكرًا لوظيفة معينة وإنما هو الهم من حيث هو هم ٌ لا هم الوظيفة ولا هم المأكل والمشرب ولا همّ المال وإنما الهم لابد للإنسان أن يصرف نفسه عنه أينما أخذ شبرًا من الراحةالذي قررته له شرائع السماء ثم الأرض .

ورآهم الأدهم ينزلون اللقطاء ، فاستخفه الطرب ، وحرك رأسه كأنما يسخر بالكميت وفلسفته ، وكأنما يقول له : إنما هو النزوع إلى الحرية ، فإن لم تكن لك في ذاتها ، فلتكن لك في ذاتك ، وإذا تعذّرت اللذة عليك ، فاحتفظ بخيالها ، فإنه وُصــْلــَتـُك بها إلى أن تمكن وتتسهل ؛ ولا تجعلن ّ كل طباعك طباعًا عاملة كادحة ، وإلا فأنت أداة ليس فيها إلا الحياة كما تريدك ، وليكن لك طابع شاعر مع هذه الطباع العاملة ، فتكون لك الحياة كما تريدك و كما تريدها.
تكون لك الحياة كما تريدها وكما تريدك ... قمة التوغل في الفلسلفة الإنسانية الإنسان من حيث هو كائن له حق الاختيار ولغيره نفس الحق ... إنه امتد بعمله ذلك من فكرة الرأي الواحد إلى تعدد الآراء واحترام كل ٍّ ،فلم يعــِب على الكميت ولا الأدهم وإنما توسط بينهما وترك لك أيها القارئ اختيار من تحب نموذجًا . أو قـُل إن كل واحد هو نموذج لك في ساعة معينة من اليوم .
أخيرًا : تراه يدلل على ما يريده من أهمية التحاور واحترام الغير في هذا السطر الرائع البديع :
إن الدنيا شيء واحد في الواقع ؛ ولكن هذا الشيء الواحد هو في كل خيال دنيا وحدها .

"كل واحد هو في كل خيال دنيا وحدها " فليتخذ كل واحد من خياله ما يشفي به غليل نفسه من صدأ الواقع ومرارته . ولينظر كل واحد بالمرآة التي يحبها لكن الكل أكبر من مجموع أجز ائه . كلٌّ يرى الدنيا جدًا أو مزاحًا أو غير ذلك والدنيا ليست س ، ولا ص ، ولا ع وإنما هي س،ص،ع مجمتمعون .
إنها فكرة العالمية عالمية المشاعر والأحاسيس والإنسانية .. كانت كذلك مختمرة هذه الفكرة في ذهنه قبل أن تظهر فكرة .. الكونية أو العولمة .
رحمك الله ابن طنطا ، رحلت كشعاع ظل لفطة الهزء بمن بعده أنْ قصَّروا عن أن يكونوا مثله .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 27-11-2008 الساعة 05:11 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 23-11-2008, 11:48 PM   #17
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

الرؤية الثالثة

القصة .. فنيات ورؤى
العمل الذي بين يدي ّ متضار َبٌ في الحكم عليه بين من يراه قصة ومن يراه خاطرة ومن يراه مقالاً أدبيًا ، وإن كنت أميل إلى الأول ؛ فقد اكتملت فيه عناصر العمل من حيث الرؤية ، الحبكة ، السرد ، الحدث ...وإن غاب عنه الحوار غيابًا تامًا ولعل غياب الحوار كان له ما يبرره إذ محور حديثه اللقطاء وهـُـم مهــمَلون في حياتهم فآثر أن يزيد قتامة صورتهم بأن يجعلهم من القصة كذلك مهــمــــَلين .

الحدث عادي للغاية لكن تناول كاتبنا الراحل له لم يكن كذلك أبدًا ، فقد جعل يفلسف كل شيء فلسفة الحزن والبؤس ويــُلبسها لبسة البشر حتى كأنه يقول إن الحزن قد انقطع عن جميع خلق الله حتى صار حكرًا على الإنسان فإن استحيا غير الإنسان البوح به تظاهر بالحديث عن نفسه تعريضًا بالإنسان .

ولنبدأ جولتنا مع عربة اللقطاء :
1- التشبيهات والأساليب البلاغية
*غير أنها مُــســَوَّرة بألواح من الخشب كجوانب النعش تــُمسـِك ُ مــَن ْ فيها من الصغار أن يتدحرجوا منها
التشبيه كان في محله الصحيح ، فالنعش للاموات وهؤلاء أحياء لكنهم في قلوبهم ومشاعرهم وقلوب ومشاعر الناس أموات.

ولو كانوا صغاراً لكان عزاؤهم أن لسان الأيام ممتد إليهم غير بعيد فيصيروا في عداد الأموات ، إلا أنهم واأسفاه صغار خطوا درجات البؤس سلمًا سلمًا فلا تسأل أيها القارئ عن أمد انقضاء ما هم فيه .

*صيد في شبكة لا أطفال في عربة
تشبيه ثان يناسب الحالة .

2 الرؤية :
ويــُقصد بها فلسفة الشاعر في العمل أو الزاوية التي يرى القضية منها .
*الفكر في تخفيف العبء الذي تجعله يجعله أثقل عليك مما هو ، إذ يضيف إليه الهم ّ ، والهم ّ أثقل ما حملت ْ نفس ٌ ، فما دمت في العمل فلا تتوهمنّ الراحة ، فإن هذا يـُوهـــــِن القوة ويــَخذُلُ النشاط ويجلب السأم ؛ وإنما روح العمل في الصبر وإنما روح الصبر العزم .
هي رؤية واعية بمعنى الجد والهزل . إنه كاتب ما كتب الشعر إلا استنكافًا أن يقيــَّده الشاعر ، فنزل كبرياء الشعر يرجوه أن يجود بروحه عليه . الفكرة أن التفكير في الهم ّ هو نفسه همّ فكرة سليمة وقد أحسن البرهنة عليها . وهذه البرهنة تتمثل في موقف الحصانين في آخر العمل :
فلما أفرغوها وشعر الجوادان بخــفــَتها التفتا معًا ، ثم جمعا رأسيهما يتحدثان !
*إنما هو النزوع إلى الحرية ، فإن لم تكن لك في ذاتها ، فلتكن لك في ذاتك ، وإذا تعذّرت اللذة عليك ، فاحتفظ بخيالها ، رؤية أبرزت فدرته على التحدث على لسان حالين مختلفين . وهنا تبدو حياديته في النص جزءًا هامًا في تماسك العمل .
*إن الدنيا شيء واحد في الواقع ؛ ولكن هذا الشيء الواحد هو في كل خيال دنيا وحدها
رؤية أظهرت كم هو رجل متأمل لما حوله كأنما الإنسانية قد فشلت في أن تجد من تودَع فيها فأودعت نفسها بداخله ودخائله.
*جاءوا بهم ينظرون الطبيعة والبحر والشمس ، فغفل الصغار عن ذلك كله وصرفوا أعينهم إلى الأطفال الذين لهم آباء وأمهات ...
رؤية ثاقبة مفادها أن الإنسان لا ينظر إلى الأجمل وإنما إلى سبب الجمال المباشر . إنه يقول صراحة إنهم ما عانوا فقر مال بقدر ما عانوا جدب الأحاسيس وإن هؤلاء الأمهات التزاوير لو كنّ حقييقيات لما اشتاقوا إلى بحر إذ هم حينئذ يرون البحر أمهاتهم !

3- النهاية :
يبدو أن عملاً كذلك شوّق القارئ لما سوف تكون نهايته أترى هل يجد جادّ ٌ فيشفق الناس عليهم ؟ أم هل تراهم يتمردون ويفلحون أم ترى يهب سارق يسرق الحصانين ؟
إنما كان عنصر المفاجأة ذكيًا وحاضرًا أيما حضور وذلك عندما جعل النهاية كذلك :
فلما طاف بي النوم طتف كل ذلك بي ، فرأيتني في موضعي ذاك ، وأبصرت العربة قد وقفت ، وتحاور الأدهم والكميت فلما أفرغوها وشعر الجوادان بخــفــَتها التفتا معًا ، ثم جمعا رأسيهما يتحدثان !
وكأنهما يهزءان بالأطفال أو كأنهما لا يصدقان أن تـــُرِكــَت لهم فرصة للحديث ولاحظ أنه لم يذكر ما تحدثا فيه .السخرية المبثوثة في العمل ....الأطفال صارا حديث من لايجد ما يتحدث فيه دلالة على سوء ما وصل حالهم إليه .
4- الأسلوب : بين الجد والسخرية يتربع كاتبنا الراحل ليقول إنه ما وجدت السخرية والجد إلا لتكونا علامة عليه وجناحين له فقط لا يجتمعان إلا فيه وإن اجتمعا في غيره هويا به إلى الأرض .

*ومن منهم إذا تألم سيذهب فيشكو لأبيه ...؟

* صيد في شبكة لا أطفال في عربة
*كانوا وساوس آباء وأمهات ...

*وكلتاهما تزوير للأم على

*واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة .....إلى أن تم العدد وخلا قفص الدجاج من الدجاج ....!

هذه نماذج من السخرية أشد وقعًا من ألف سوط ملتهبة وترى السخرية فعلت ما لا يفعله الجد .

*ومشى الأطفال بوجوه يتيمة ويقرأ من يقرأ فيها أنها مستسلمة مستكينة معترِفة أن لا حق لها في شيء من هذا العالم إلا هذا الإحسان البخس القليل .

*جاءوا بهم ينظرون الطبيعة والبحر والشمس ، فغفل الصغار عن ذلك كله وصرفوا أعينهم إلى الأطفال الذين لهم آباء وأمهات
4- حجم العمل
جاء العمل لا ترى فيه افتعالاً ولا تكلفًا وإنما هي سجيته تتحدث أمامك والعمل لم يكن فيه ترهل ولا تداع ٍ أي أنه كان صغيرًا مختصرًا فلم يكمل الصفحة والنصف في الكتاب .. ولعل ذلك أقصر ما كتب في حياته كلها وأراه أقصر وأجمل ما كتب.


***
وإنك لتلاحظ أخي القارئ أن عدة أسطر قد اشتركت في أكثر من صفة ، فسطر واحد فيه الدلالة الرمزية جنبًا إلى جنب مع التماسك النصي والاستفهام الإنكاري وتجد سطرًا آخر أحسن فيه الكاتب التشبيه وشوّقك في الحدث . وتجد غيرهما سطرًا فيه
عالمية المعنى وعمومية الرؤية وكل هذا ليس تكلفًا قط وإنما هو تأكيد على ثراء العمل واتساع الدلالة وحسن توظيف الحقول الدلالية .. وهذا أمر لا يتفق لكل كاتب ولو اتفق لكلهم لقلت أجمل من اتفق في عمله ذلك هو مصطفى صادق الرافعي .
لا ينفي ذلك مآخذ وقع فيها تتمثل في هذا السطر :جلست ُ على ساحل الشاطبي في الإسكندرية أتأمل البحر وقد ارتفع الضحى ، ولكن النهار لدن ٌ ناعم ٌ رطيب ٌ كأن الفجر ممتد فيه إ لى الظهر .
وجاءت عربة اللقطاء فأشرفت على الساحل ، وكأنها في منظرها غمامة تتحرك، إذ تعلوها ظـُلةٌ كبيرة في لون الغيم . وهي كعربات النقل . فما وجه الشبه بين عربة اللقطاء بشكله المثير للأسى والاشمئزز وبين الغمامة وما تفعله -بإذن الله - في النفس من جو شاعري جميل ؟!! وما بال نعومة الصبح ورطابته بهذا الواقع السئ . لعل البعد الشكلي خانه في غمرة اندفاعه فيما ذهب إليه وهكذا هو العمل من جماله يوقعك في الأخطاء .ونعم الخطأ ما كان جسرًا لألف درة مكنونة .


ولا أجد ختامًا ما أقوله إلا ما كررته من قبل وإني لواجد ٌ فيه أنسًا لي وعذرًا لك إن أطلت عليك عزيزي القارئ :
ختامًا رحم الله ابن طنطا (المحافظة التي ولد فيها رحمه الله )ولا أجد ما أقوله عنك وعن عملك إلا ما آثرت أن تأتي َ به من قول الشيخ محمد عبده رحمه الله : " لله ما أثمر أدبك ولله ما ضَـِمن َ لي قلبك ! لا أقارضك ثناء بثناء ،وأسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفًا للباطل وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان في الأوائل والسلام .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 02-05-2009 الساعة 07:57 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-01-2009, 08:38 AM   #18
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة jasmine-36 مشاهدة مشاركة
أخي المشرقي الإسلامي

أشكر تعقيبك على الموضوع، وأعلم أنك تملك قلما عندما قرأت إحدى تدخلاتك وبما أنك متأثر بالرافعي فجد علينا بشء من

كتاباتك في باب الأدب لكي نستمتع بأسلوبك ونلامس أفكارك عن كثب.

تحياتي وتقديري إليك

***
ها هو ما تريدين وعذرًا إن وقع تقصير مني
في مقال لي بعنوان في مرسى الصفاء كتبت الآتي :
العدْو هو ذلك الصديق الحميم الذي أهرع إليه هربًا من هموم الدنيا ومشاغلها ملقيها وراء ظهري ،
وهو الصديق الذي يحتضنني ويذهب عني كآبات ما أشعر به في نفسي .
والعدو بُعيد الفجر له ألقه ولذته ولا أجمل منهما حينما أستشعر راحة الذهن بعدما يهدأ من جريانه الجامح في النفس ويجد الهواء العليل في كل شهيق وزفير .. ذلك الزفير الذي لا يخرج من شي ء إلا الهموم التي لم أستطع النطق بها .
وما أرى إنسانا قد ملك الدنيا يختال فيها زهوًا كالذي يعدو .. يختال بما دلت عليه الرياضة من تفتح النفس وسلامتها من التعقيد .
***
والرياضة مأخوذة من الروض وأجمل الروض أعذبه ريحًا وأكثره جمالاً وورودًا ، وكذا الرياضة أجملها أكثرها بساطة وأبهجها نفسًا .
***

والرياضة -قالوا- أداة محبة بين الشعوب . وهي قبل ذلك أداة محبة بين الإنسان ونفسه .
***
وإذا لم تغير الرياضة شيئاً مما بنفسك أو تشع فيها لذة فاذهب إلى طبيب نفسي، فما تفعله هو تزاوير رياضة في مضمار النفس !!
***
من الرياضيين من هو بحاجة إلى زيادة لياقته البدنية ومنهم ومن غيرهم من هو بحاجة إلى رفع لياقته النفسية !
******
أجد الهواء العليل في ممارسة الرياضة وكأنه يقول "جئت إليك لأن نفسك مرواحة .. تسحتقني"
***
وما أرى إنسانًا تحسده الدنيا على ما هو فيه كالذي يعدو صباحًا ، فما أعاقته أودية النفس ولا مهامهها عن المضيّ ، وفيما الكل مشغول بأمره وحاجته من حاجات الحياة ومشاغلها الكئيبة إذ به يصك الباب في وجهها ويقول لها "كلا ..ليس وقتك الآن !"
***
وأجمل ما في الرياضة حينما تعدو يعدو قلبك معها ، حينئذ تستشعر طفولتك نغسك المفقودة .
***
والرياضة.. عندما تستهويك لا سيما العدو فإنها لست حكرًا على غني أو كبير أو قوي ، وإنما هي حكر على الروح البسيطة الهادئة والنفس المتفاعلة مع الحياة .
***
وعين ما في الرياضة من جمال أنها كعمل الخير لا يُبتغى منه أجر ولا شهرة .
***

أرجو أن تكون هذه الكمية مشبعة لنَهَمِك الإبداعي ودمت بكل خير .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-06-2009, 01:59 PM   #19
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


عروس تزف إلى قبرها


كان عمرُها طاقةَ أزهارٍ تُسمى أيامًا.
كان عمرُها طاقةَ أزهارٍ يَنْتَسِق فيه اليومُ بعدَ اليوم، كما تَنْبُتُ الورقةُ الناعمة في الزهرة إلى ورقة ناعمة مِثلِها.
أيام الصِّبا المرحة حتى في أحزانها وهمومها؛ إذ كان مجيئها من الزمن الذي خُصّ بشباب القلب، تبدو الأشياء في مجاري أحكامها كالمسحورة؛ فإن كانت مفرحة جاءت حاملة فَرَحَيْن، وإن كانت محزنة جاءت بنصف الحزن.
تلك الأيام التي تعمل فيها الطبيعة لشباب الجسم بقوى مختلفة: منها الشمس والهواء والحركة، ومنها الفرح والنسيان والأحلام!
وشبت العذراء وأفرغت في قالب الأنوثة الشمسي القمري، واكتسى وجهها ديباجة من الزهر الغض، وأودعتها الطبيعة سرها النسائي الذي يجعل العذراء فن جمالها لأنها فن حياة، وجعلتها تمثالاً للظرف: وما أعجب سحر الطبيعة عندما تجمل العذراء بظرف كظرف الأطفال الذين ستلدهم من بعد! وأسبغت عليها معاني الرقة والحنان وجمال النفس، وما أكرم يدَ الطبيعة عندما تَمْهُر العذراء من هذه الصفات مهرها الإنساني!
وخُطبت العذراء لزوجها، وعُقد له عليها في اليوم الثالث من شهر مارس في الساعة الخامسة بعد الظهر.
وماتت عذراء بعد ثلاث سنين، أُنزلت إلى قبرها في اليوم الثالث من شهر مارس في الساعة الخامسة بعد الظهر!
وكانت السنوات الثلاث عمر قلب يقطعه المرض، ينتظرون به العرس، وينتظر بنفسه الرَّمْس(1).
يا عجائب القدر! أذاك لحن موسيقي لأنين استمر ثلاث سنوات، فجاء آخره موزونًا بأوله في ضبط ودقة؟
أكانت تلك العذراء تحمل سرًّا عظيمًا سيغير الدنيا، فردت الدنيا عليها يوم التهنئة والابتسام والزينة، فإذا هو يوم الولولة والدموع والكفن؟
واهًا لك أيها الزمن! من الذي يفهمك وأنت مدة أقدار؟
واليوم الواحد على الدنيا هو أيام مختلفة بعدد أهل الدنيا جميعًا، وبهذا يعود لكل مخلوق سر يومه، كما أن لكل مخلوق سر روحه، وليس إليه لا هذا ولا هذا.
وفي اليوم الزمني الواحد أربعمائة مليون يوم إنساني على الأرض! ومع ذلك يُحْصِيه عقلُ الإنسان أربعًا وعشرين ساعة؛ يا لَلْغباوة..!
وكل إنسان لا يتعلق من الحياة إلا بالشعاع يُضيء المكان المظلم في قلبه، والشمس بما طلعت عليه لا تستطيع أن تنير القلب الذي لا يُضيئه إلا وجهُ محبوب.
وفي الحياة أشياء مكذوبة تُكَبِّر الدنيا وتُصَغِّر النفسَ، وفي الحياة أشياءُ حقيقية تُعَظِّم بالنفس وتصغر بالدنيا؛ وذَهَبُ الأرض كله فقر مُدْقَع حين تكون المعاملة مع القلب.
أيتها الدنيا؛ هذا تحقيرك الإلهي إذا أكبرك الإنسان!
ويا عجبًا لأهل السوء المُغْتَرِّين بحياة لا بد أن تنتهي! فماذا يرتقبون إلا أن تنتهي؟ حياة عجيبة غامضة؛ وهل أَعْجَبُ وأَغْمَضُ من أن يكون انتهاء الإنسان إلى آخرها هو أول فكرة في حقيقتها؟
فعندما تحين الدقائقُ المعدودة التي لا تَرْقُبُها الساعةُ ولكن يَرْقُبُها صدرُ المُحْتَضَر.. عند ما يكون مُلْك الملوك جميعًا كالتراب لا يَشتري شيئًا ألبتة..
ماذا يكون أيها المجرم بعدما تقترف الجناية، ويقوم عليك الدليل، وترى حولك الجند والقضاة، وتقف أمامك الشريعة والعدل؟
أعمالنا في الحياة هي وحدها الحياة، لا أعمارنا، ولا حظوظنا. ولا قيمة للمال، أو الجاه، أو العافية، أو هي معًا– إذا سُلب صاحبها الأمن والقرار! والآمِن في الدنيا مَن لم تكن وراءَه جريمةٌ لا تزال تجري وراءَه. والسعيدُ في الآخرة من لم تكن له جريمةٌ تطارده وهو في السماوات.
كيف يمكن أن تخدع الآلة صاحبَها وفيها (العَدَّاد) : ما تتحرك من حركة إلا أشعرته فَعَدَّها؟ وكيف يمكن أن يكذب الإنسانُ ربَّه وفيه القلب: ما يعمل من عمل إلا أشعره فعدَّه؟

* * *
ورأيت العروس قبل موتها بأيام
أفرأيتَ أنت الغِنى عندما يُدبر عن إنسان ليتركَ له الحسرة والذكرى الأليمة؟ أرأيت الحقائق الجميلة تذهب عن أهلها فلا تترك لهم إلا الأحلام بها؟ ما أتعبَ الإنسانَ حين تتحول الحياة عن جسمه إلى الإقامة في فكره!
وما هي الهموم والأمراض؟ هي القبر يستبطئ صاحبه أحيانًا؛ فينفض في بعض أيامه شيئًا من ترابه…!
رأيتُ العروس قبل موتها بأيام، فَيَالَلَّهِ من أسرار الموت ورهبته! فرغ جسمها كما فرغت عندها الأشياء من معانيها! وتخلى هذا الجسم عن مكانه للروح تظهر لأهلها وتقف بينهم وقِفة الوداع!
وتحول الزمن إلى فكر المريضة؛ فلم تعد تعيش في نهار وليل، بل في فكر مضيء أو فكر مظلم!
يا إلهي! ما هذا الجسم المتهدم المقبل على الآخرة؛ أهو تمثال بطل تعبيره أم تمثال بدأ تعبيره؟
لقد وثقت أنه الموت، فكان فكرها الإلهي هو الذي يتكلم؛ وكان وجهها كوجه العابد: عليه طيف الصلاة ونورها. والروح الإنسانية متى عبرت لا تعبر إلا بالوجه.
ولها ابتسامة غريبة الجمال؛ إذ هي ابتسامة آلام أيقنت أنها موشكة أن تنتهي! ابتسامة روح لها مثل فرح السجين قد رأى سَجَّانه واقفًا في يده الساعة يرقب الدقيقة والثانية ليقول له: انطلق!

* * *
ودخلتُ أعُودُها فرأت كأنني آتٍ من الدنيا…! وتنسمت مني هواء الحياة. كأنني حديقة لا شخص!
ومَن غير المريض الْمُدْنَف، يعرف أن الدنيا كلمة ليس لها معنى أبدًا إلا العافية؟ مَن غير المريض المُشفي على الموت، يعيش بقلوب الناس الذين حوله لا بقلبه؟
تلك حالة لا تنفع فيها الشمس ولا الهواء ولا الطبيعة الجميلة، ويقوم مقام جميعها للمريض أهلها وأحباؤه!
وكان ذووها من رهبة القدر الداني كأنهم أسرى حرب أُجلسوا تحت جدار يريد أن ينقض! وكانت قلوبهم من فزعها تنبض نبضًا مثل ضربات المعاول.
وباقتراب الحبيب المحتضر من المجهول، يصبح من يحبه في مجهول آخر، فتختلط عليه الحياة بالموت، ويعود في مثل حيرة المجنون حين يمسك بيده الظل المتحرك ليمنعه أن يذهب! وتعروه في ساعة واحدة كآبة عمر كامل، تهيئ له جلال الحس الذي يشهد به جلال الموت!

* * *
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-06-2009, 02:00 PM   #20
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

وحانت ساعة ما لا يفهم، ساعة كل شيء، وهي ساعة اللاشيء في العقل الإنساني! فالتفتت العروس لأبيها تقول: "لا تحزن يا أبي…" ولأمها تقول: "لا تحزني يا أمي…!"
وتبسمتللدموع كأنما تحاول أن تكلمها هي أيضًا؛ تقول لها: "لا تبكي…!" وأشفقت على أحيائها وهي تموت، فاستجمعت روحها ليبقى وجهها حيًّا من أجلهم بضع دقائق! وقالت: "سأغادركم مبتسمة فعيشوا مبتسمين، سأترك تذكارًا بينكم تذكار عروس!…".
ثم ذكرت الله وذكرتهم به، وقالت: "أشهد أن لا إله إلا الله" وكررتها عشرًا! وتملأت روحها بالكلمة التي فيها نور السماوات والأرض، ونطقت من حقيقة قلبها بالاسم الأعظم الذي يجعل النفس منيرة تتلألأ حتى وهي في أحزانها.
ثم استقبلت خالق الرحمة في الآباء والأمهات! وفي مثل إشارة وداع من مسافر انبعث به القطار، ألقت إليهم تحية من ابتسامتها وأسلمت الروح!
يالَعجائب القدر! مَشينًا في جنازة العروس التي تُزف إلى قبرها طاهرة كالطفلة ولم يبارك لها أحد! فما جاوزنا الدار إلا قليلاً حتى أبصرت على حائط في الطريق إعلانًا قديمًا بالخط الكبير الذي يصيح للأعين؛ إعلانًا قديمًا عن (رواية) هذا هو اسمها: "مبروك…!".
واخترقنا المدينة وأنا أنظر وأتقصى، فلم أرَ هذا الإعلان مرة أخرى! واخترقنا المدينةكلها، فلما انقطع العمران وأشرفنا على المقبرة، إذا آخر حائط عليه الإعلان: "مبروك…!".

***
http://www.aljazeeratalk.net/forum/s...d.php?t=166972
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .