ظلمت الثقافة الشرقية المرأة العربية ظلما كبيرا، و وضعتها داخل أقفاص حديدية ملونة، وجعلت منها طائرا مغردا أحيانا و نائحا أحيانا أخرى. و لأنها أنثى فقد دفعت فاتورة هذه التصورات الخاطئة من حياتها طيلة مئات السنين و لا زالت تدفع من عرقها و دمائها و مائها .. !؟!
فالصبية ما إن تولد تنعت بالبنت - النثى - الولية ... و كأن صفة الأنثى الكريمة اصبحت لعنة لصيقة بها، فتعامل في كثير من البيوت على أنها أقل حظوظا من الذكر، ثم تكبر و يكبرمعها حلمها و حِلمها و بلوغها و دورتها و هرموناتها و لكن لا تكبر في المقابل نظرة المجتمع لها بإعتبارها أنثى وديعة تنتظر من يزفها في نهاية الأمر !!!
و حين تنتصب فارعة و قد بزغت شمس شبابها و استقام عودها و تكورت تضاريسها، تهب رحلة خارجية للبحث عن فتى الأحلام الذي كثيرا ما يتأخر أو يتأخر استعدادها لإستقباله، و إن تقدمت عقرب ساعتها تنعت و هي في عز شبابها بالعانس، و تصبح الحياة لديها أضيق من فتحة الباب بعد أن حصرتها الأسرة و المجتمع بفكرة الإرتباط و القطار الذي فات !!
و تبدأ المسكينة في مقاومة تيارات داخلية و خارجية بين ضرورات المجتمع و رغبات الذات ؟!
و إن ظفرت برجل الأحلام أو الأوهام و تزوجته، يصبح هاجس الأسرة و المجتمع إنتظار ولي العهد، و تصبح نظرة الناس إلى بطن المرأة أكثر من نظرتهم إلى وجهها !! و تبدأ المسكينة في تحاشي الأسئلة المحرجة و النظرات المربكة، و قد يجبرونها على زيارة الأطباء و تشخيص الحكماء، و في آخر الأمر دورة أخرى مع العرافين و الدجالين و آخر الكذابين من سفهاء بيع الأحلام و تصدير الأوهام
و إن لم تنجب تنعت المسكينة بالعقيم و العاقر و ناقصة الأنوثة و المريضة و العاجزة و و ..
و إن أنجبت تضع حياتها بجانبها في إنتظار التنفيذ مع سابق الإصرار و الترصد و تبدأ رحلة أخرى مع الحمل و الرضاعة و الإنجاب و التربية و التنشئة
تستفيق المسكينة على وقع سنوات الأربعين و هي تهرول نحوها بسرعة قياسية فتمتد أصابع الأسرة و عيون المجتمع لتنعت هذا العمر الجميل بسن اليأس، فيسحبون بساط الحياة منها، و يغلفون حياتها برداء الشيخوخة المبكرة و جُبة اليأس المدمرة
مسكينة هذه المرأى التي تعيش لترضي المجتمع فقط. و مسكين عمرها القصير الذي يمتد من ضفة الحلم إلى ضفة الوهم، فقد رسم لها الوعي القطيعي دورة حياتها و خطط لها مماتها و سطر لها سن يأسها .. عمر المرأة قصير جدا قي مجتمعاتنا العربية، فقد عقدوها و هي في العشرين و عنسوها و هي في الثلاثين و دفنوها و هي في الأربعين !!!!!
فأي عمر هذا الذي ولى يا ترى؟؟ و أية حياة هذه التي تمضي بها راكضة معها ؟؟
و لعل ما يعوض كل هذه الأعمار الفائتة، هو عمر المرأة الذي يختزن مقدار إحساسها و مدى تمثلها لإيقاع حواسها و وجدانها و تناغمها مع ذاتها
و إن شئنا أن نقسم عمر المرأة في هذه الرحلة القصيرة، فيمكن تقسيمه إلى ثلاثة أعمار، عمر مدني يوجد في بطاقة ولادتها، و عمر خارجي تظهر به، و عمر عاطفي تحس به. و لعل قوة المرأة في إحساسها، لأن في إحساسها فقط تتولد طاقة عجيبة على الحياة، على الحب و على الإبداع ..
أخيرا، المرأة كائن جميل في اي عمر يكون، المهم أن لا ننسى أنوثتها و أن لا نتناسى حيويتها. فخزان طاقتها الوجودية هو وجدانها و مقودها هو قلبها و فراملها هي العقل و المنطق و الإيمان
إن الحياة جميلة يا صاحبي و يا صاحبتي كما يقول ناظم حكمت : فلا تدفنوا عمر المرأة فيها قبل أن يولد !!!
بقلم شكري العياري، من جريدة الصريح 23/12/2007