العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة القصـة والقصيـدة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات في مقال معلومات قد لا تعرفها عن الموت (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 16-08-2008, 12:24 AM   #1
القوس
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,839
إفتراضي هواجس عمياء

هواجس عمياء

عدنان حسين أحمد

رمقني والدي بنظرةٍ مزدرية تحمل قدراً كبيراً من التحامل عندما رفضتُ فكرة الذهاب لزيارة ضريح الإمام ( الوهمي) الذي يشفي العيون كما يعتقد أغلب الناس في مدينتنا، أو في المدن المجاورة للضريح. وكنت موقناً في قرارة نفسي أن الذاكرة الشعبية البريئة هي التي أحاطت هذا الإمام بقدرة سحرية خارقة لمعالجة مختلف أمراض العيون كالعمى الكلي والحَوَل والتراخوما والماء الأبيض والأسود وما إلى ذلك، على الرغم من أن الزائرين جميعهم لم يتماثلوا للشفاء حتى من الأمراض البسيطة. وربما كان الإمام نفسه مصاباً بأحد هذه الأمراض!
قال جارنا الحاج صابر متسائلاً:
- لماذا ترفض يا ولدي زيارة ضريح الإمام، في حين أن أغلب الناس ينتظرون هذه الزيارة بفارغ الصبر؟ ألم تشاهد بنفسك هذه الجموع الغفيرة التي تذهب في نهاية كل أسبوع طالبة مرادها من الإمام؟ ألم تسمع بمعجزات الإمام التي بلغ صيتها خارج الحدود؟
فأجبته بهدوء خوفاً من أن يتهمني بالكفر والإلحاد:
- يا أبا أحمد، أنا لم أرفض هذه الزيارة، لكن والدي أصرّ على تنفيذ نذره الغريب الذي يحتّم عليّ الذهاب إلى حضرة الإمام مهرولاً، حافي القدمين في هذه الأيام الحارة من شهر تموز! وأنت تعرف أن المسافة تستغرق ثلاث ساعات بالقطار، وهذا يعني أنني أحتاج إلى ثلاثة أيام في الأقل كي أصل إلى مرقده!
طوال الطريق إلى المحطة كان والدي يتمتم بكلمات مبهمة، لكنني موقن تماماً أنه كان يتوسل الإمام أن يقبل نذره على الرغم من أنني لم أنفّذ أهم شرطين من شروطه، وهما الهرولة والذهاب حافي القدمين. بين آونة وأخرى كنت أختلس النظر إلى والدي فاكتشفت أن مؤشر غيظه ما زال مستقراً عند ذروته. كنت أتمنى على الحاج صابر أن يجاذبه أطراف حديث ما، لكنه كان منشغلاً بزوجته العمياء التي ذهبتْ إلى الإمام أكثر من عشرين مرة من دون أن يطرأ أي تحسّن على عينيها الكفيفتين ومع ذلك فإن قناعتها بالإمام لم تتزعزع حتى الآن!
في المحطة انتظرنا ساعة كاملة حتى جاء القطار القديم الذي يذهب مرة واحدة كل يوم إلى مدينة كركوك. تطلعتُ إلى الوجوه المنتظرة فاكتشفت أن أغلبهم عميان وحولان ومن ذوي العيون المحتقنة، أو الشديدة الاحمرار. أناس يكفكفون دموعهم الهاطلة بمناديل مهملة، وقذرة إلى حد ما، ومع ذلك فلم يخلو هذا الحشد الكبير من بعض الفتيات الحسناوات اللواتي يصطحبن أمهاتهن أو آبائهن أو أزواجهن لزيارة الضريح. جلسنا متقابلين، وشرع الحاج صابر بالضحك بعد أن تناهت إلى سمعه نكتة فاضحة كان يرويها أحد العميان بصوت عالٍ لصديقه الأعمى من دون أي إحساس بالحرج من وجود امرأة، أو الخشية من وجود رجل دين متعصب قد يثور في أية لحظة، مما حفّز الحاج صابر لأن يروي عدداً كبيراً من النكات التي أجبرتْ والدي المتجهم على الضحك والاسترخاء شيئاً فشيئاً حتى عاد إلى وضعه الطبيعي. تفصد وجهي عرقاً فاحمرّت عيني اليسرى المصابة بشظية صغيرة أفقدتني البصر ولم تنفع معها كل التداخلات الجراحية التي أجراها الأطباء المتخصصون في مستشفى ( ابن الهيثم ). وضعتُ نظارة شمسية سوداء لمدة من الزمن، لكنني مللتُ منها بعد حين. بين آونة وأخرى كانت هناك امرأة تبدو في الثلاثين من عمرها تتطلع إليّ بنظرات غريبة، مراوغة، لكنها تنطوي على دعوة استفزازية غامضة. كانت تجلس إلى جوار رجل بدين أعمى يوحي بأنه قد قارب الخمسين من عمره، ويبدو عليه من خلال تصرفاته وكأنه زوجها. حاولتُ أن أتناسى هذه النظرات الفاضحة التي كانت تهيّج في أعماقي أشياء كثيرة، لكنها بين آونة وأخرى كانت تعاود إغواءها لي بطريقة حانية شفافة اختصرتْ لي محنة الطريق الطويل. توقف القطار عند مرقد الإمام فأنشأ العميان يهللون ويكبّرون ويتضرعون إلى الله أن يعيد لهم أبصارهم. كنت أسمع وقع أقدامهم وهي تخبط الأرض خبطاً عشوائياً يولد إيقاعات متداخلة غير منتظمة. كانوا مسرعين جداً يتزاحمون في الدخول إلى حضرة الإمام وكأنهم يتسابقون في الحصول على كنز ثمين يعرفون مكانه سلفاً. كان بعضهم يبكي، وبعضهم يتلو آيات قرآنية، وبعضهم يدور حول الضريح بملامح ماكرة تشي بالسخرية. وقد شاهدتُ بأم عيني أحد العميان يلتصق بامرأة من الخلف من دون أن تبدي أي اعتراض أو تذمر، بل سمعتها تهمس في أذن صاحبتها: ( إنه أعمى ويعرف الطريق إلى النساء، ترى ماذا كان يفعل لو كان سالم العينين؟ ) . كان يزداد التصاقاً بها بينما كان يصرخ في الوقت ذاته: ( أين شباك الإمام ؟ ) فيرد عليه بعض الممازحين: ( أنه أَمامك! ). طفتُ حول الضريح أكثر من مرة إرضاءً لمشاعر والدي، واحتراماً لرغبة الحاج صابر الذي كان يجد صعوبة في الطواف حول الضريح وسط هذا الحشد الكبير من العميان ومرضى العيون. قلتُ في سرّي: أي معتوه نسب إليك هذه المعجزة الكاذبة، وأنت برئ منها؟ وأي واهم منحك هذا الاختصاص الذي لم تكن تسعى إليه أو تفكر به، ليقضّوا مضجعك ليل نهار؟ إنني أرثيك، وأشفق عليك، لأنك ستظل محاصراً بنداءات العميان وشبقهم إلى يوم القيامة. تطلعتُ إلى الريازة الجميلة التي تزين القبة من الداخل فشعرتُ بنوع من الارتياح البصري وأنا أشاهد هذه التحفة الفنية التي يتداخل فيها الخط بالتشكيل. كان الحر شديداً بحيث لم تنفع معه المراوح السقفية المعلقة في القبة الخضراء. خرجنا من الضريح تلبية لنداء ( القيّم ) الذي طلب السماح لدفعة أخرى من العميان والمرضى بزيارة الضريح قبل أن يهبط الليل. خرجتُ إلى الباحة الكبيرة فوجدتها مكتظة بعوائل عربية وكردية وتركمانية، فاليقين واحد، وبالضرورة أن تكون المحنة واحدة. كانت ألوان الملابس الكردية الزاهية هي الأكثر إثارة وإغراءً وهيمنة، رغم أن بعض الفتيات المتصابيات كن يرتدين ملابس أوربية معاصرة تتقاطع مع الجو الديني لمرقد الإمام، ومع ذلك فإن هذا التنوع والتصادم بين الملابس الخليعة والمحتشمة كان يخلق جواً احتفالياً بهيجاً، لكنه لا يستطيع أن يغطي على الفوارق الطبقية التي يمكن ملاحظتها من خلال الملامح والملابس وإكسسوارات الزينة والعطور الفرنسية. بعض الشباب استثمروا هذه الزيارة ونزلوا إلى عيون الماء التي تنبع من أسفل الضريح المنتصب فوق جبل متوسط الارتفاع لم يتذمر من علوه أحد. بعض العشاق كانوا يسترقون القبلات خلف الأشجار الوارفة الظلال غير مبالين باللعنات التي يتفوه بها المتدينون الذين يعتقدون أن القيامة سوف تقوم بسبب هذه القبل العابرة التي تطفئ في داخلهم نيران الشهوة المتأججة التي لا تعير بالاً للمحاذير الاجتماعية والدينية. بعد منتصف الليل احتشدتْ باحة الضريح بالعديد من العميان والمرضى الذين انهمكوا في ترديد الأدعية والآيات القرآنية إلى أن هدّهم التعب فناموا متجاورين لا تفصل بعضهم عن بعض إلا مسافات ضئيلة. فمن يجرؤ أن يرتكب إثماً أو رذيلة في حضرة الإمام؟ أُطفئت المصابيح الكهربائية التي تتوهج في باطن القبة الخضراء، فشعرتُ براحة نفسية وخدر لذيذ بدأ يتسرب إلى أطرافي. غط الجميع بالنوم، فهم متعبون جراء السفر وترديد الأدعية التي تمزق نياط القلب. وربما لم ينم البعض منهم، فأنا كنت أسمع بين آونة وأخرى شخصاً يسعل، وآخر يبتلع ريقه وقد سمعتُ ذات مرة من صديقي فالح حسن يقول ( أن النائم لا يبلع ريقه ) . وعندما حاورته في هذا الأمر سرد لي قصة مثيرة. أتذكر أنه اعتدل في جلسته مثل طاووس وقال:
- ذهبتُ مصادفة إلى بيت خالتي بزيارة عابرة رغم أنني لم أزرها إلاّ في أوقات متباعدة. عند المساء أطلتْ علينا امرأة أربعينية لكنها تطفح أنوثة وشباباً ورغبة. عرّفتني خالتي بها، وقالت أنها جارتنا نجلاء، ثم دخلت خالتي إلى المطبخ.
فقلتُ له ممازحاً:
- أكيد أنك قبّلتها في غياب خالتك الذكية التي وفرّت لك فرصة ذهبية لا تتكرر إلا في حالات نادرة.
أجاب مسرعاً:
- دعني أُكمل،إنني لم أقبّلها أولاً ثم أن خالتي لم تستقر في المطبخ دقيقة واحدة، إذ كانت تباغتنا في الدخول إلى غرفة الجلوس لتجلب لنا شايا أو قهوة أو كوكا كولا.
- ألم تقدّم لكما بيرة أو عرقاً أو نبيذاً أحمر كسائر خالاتك؟
ردّ عليّ بجدية واضحة:
- أرجوك لا تسفّه الموضوع، وإلاّ فسوف أكون مضطراً للتوقف عن سرد هذه الحكاية الشيقة.
__________________
مأساتي معاك تزيد

واتم بعيد .. وتتم بعيد
وأتم مثل الحزن ..

أنطر سحابة عيد
أجي ملهوف ..
عطش تحت المطر ملهوف
وقتي يطوف .. لوني ضايع ومخطوف

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 16-08-2008 الساعة 11:41 AM.
القوس غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-08-2008, 12:24 AM   #2
القوس
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,839
إفتراضي

وعدته بأنني لن أقاطعه، فمضى إلى القول:
- لقد تحدثتْ طويلاً عن حياتها الخاصة، وعن زوجها الذي لا يكف عن مطاردة النساء. وهي تعرف أنه يخونها بشكل مستمر مع موظفة حسناء تعمل في دائرة البريد. وقد قبلتْ الحياة معه على مضض، لكنها تشكو كثيراً من مأمورياته التي ازدادت هذه الأيام، فلربما يكون قد تزوج سراً أو علانية من امرأة أخرى، فلقد تغيب عن المنزل أكثر من عشرة أيام طوال هذا الشهر بحجة المسؤوليات التي تكلفه بها الدائرة، أو الواجبات الحزبية التي تُناط به في المدن التي تشكل شريطاً حدودياً مع كردستان. وقبل أن تغادر طلبتْ من خالتي أن أذهب إليها بعد العشاء وأنام هناك لأنها تخاف أن تنام وحدها بعد أن تكاثر اللصوص والقتلة بسبب الحرب التي لن تنتهي على ما يبدو. ترددتُ أول الأمر مصطنعاً عفة زائفة، لكن خالتي طمأنتني قائلة أن حسام، ولدها الكبير، كان ينام ،في بيتها على سطح المنزل وعلى سرير منفصل في أثناء غياب زوجها، ولأن إجازته الدورية قد انتهت قبل يومين وعاد إلى الجبهة، فقد طلبت منك أن تنام في منزلها هذه الليلة فقط، وربما يأتي زوجها غداً. كانت ملامحي تشي بفرح لا يصدّق، وكنت أتمنى أن أذهب الآن وليس بعد العشاء الذي أظن أن خالتي قد تأخرتْ في إعداده. عندما دلفتُ منزلها أظنها قد لمحتْ الفرح الطاغي الذي يشع من عيني، لكنني أُصبتُ بالإحباط حينما وقعت عيناي على سرير آخر أعدّته خصيصاً لي، ليس بعيداً عن سريرها الواسع الذي تحيطه ناموسية بيضاء. قالت لي: ( بإمكانك أن تتغطى بهذا الشرشف إذا دهمك برد الصباح. لم أستطع النوم، وإنما ظللتُ أتقلب في فراشي الذي كان يحدثُ أصواتاً مسموعة. أزاحتْ فتحة الناموسية، وقالت بصوت خفيض:
- إذا كنت تشعر بالبرد فتعال ونم معي على هذا السرير.
فأسرعتُ إلى القول.
- الجو ليس بارداً، وإنما هذا البرغوث اللعين هو الذي يضايقني ويلسع جسدي من كل الجهات.
دخلتُ إلى السرير غير مصدق. كانت ترتدي فستاناً أزرق خفيفاً يكشف عن كل ملامح جسدها البض الممتلئ. كلانا كان يحدق إلى سطح الناموسية التي تشف عنها النجوم البعيدة المتلألئة. فجأة انقلبت نجلاء على جنبها الأيسر تاركة لي فرصة التمعن في منعرجات جسدها الممدد على هذا الفراش الوثير الذي تستخدمه على ما يبدو في غياب زوجها فقط. حاولتُ أن أنام، فلم أتمكن. ومن يستطيع النوم في هذا الظرف شديد الحساسية؟ أدرتُ لها ظهري، ولكن أنفاسي كانت تخونني. كنت أسترق السمع لأنفاسها المتهدجة، فهي لم تستطع أن تنام أيضاً. فجأة سمعتها تبلع ريقها، فأيقنت أنها لم تنم. شعرتُ بفرح كبير. حاولتُ أن أتكلم معها، لكن شجاعتي خانتني أكثر من مرة. فليس من المعقول ألاّ نفعل شيئاً ! هل أترك الدقائق والساعات تمر بهذه البساطة من دون أن أمارس معها الحب. لم أصدق أذني عندما سمعتها تقول:لماذا لم تنم حتى الآن؟
فرددتُ بفرح لا أستطيع أن أكتمه:
- كيف لي أن أنام قرب هذا الثراء الجسدي الباذخ الذي يوقظ في داخلي دوامات من الرغبة العاتية.
قالت بصوت يقطر دلعاً ونعومة وأنوثة.
- تعال إذا كي نطفئ معاً هذه النار التي تلتهمني وتلتهمك. تعال وافعل بي ما تشاء!
تلاشتْ صورة فلاح ونجلاء من ذاكرتي، لكنني سمعتْ في الحال صوت إنسان يبلع ريقه، وهذا يعني أنه ليس نائماً إذا صدقتْ طروحات فالح وحكاياته الفنتازية مع النساء. انقلبت على جنبي الأيمن فأوشكت أن أصطدم بالحاجز المعدني الذي يطوق قبر الإمام. انزحتُ قليلاً إلى جهة اليسار. ورويداً رويداً كان النوم يسرقني من هواجسي وظنوني. وكنت أتمنى في قرارة نفسي أن ينبلج الصباح سريعاً لكي يطمئن والدي أن ما دمرته الشظية الصغيرة لا يستطيع أن يرممه الإمام. بعد مدة لم أستطع تحديدها انقلبت إلى جهة اليسار، فاصطدمت قدمي اليسرى بجسدٍ بدا لي لدناً وبضاً وسط هذه العتمة المقدسة. شعرت أن هذا الجسد البض بدأ يتحرك بحذر شديد وكأنه يريد أن يستقر في حضني، غير أن أخشى ما أخشاه هو أن يكون هذا الجسد جسد لوطي أو أعمى مأبون! تصاعدت أنفاسي، وازداد وجيب قلبي، واضطربت أعصابي حينما مسّتْ وسطي يد غير مرتبكة، تبدو وكأنها تعرف ماذا تريد؟ مددتُ يدي وجلاً فاصطدمتْ بكف ناعمة. تحسستها جيداً فاكتشفت أن بنصرها مطوّق بحلقة ذهبية. تطلعتُ بحركة دائرية متفحصاً الأجساد الهامدة فلم أرَ شيئاً، ولم أسمع سوى شخير بعض العميان والمرضى الذين يطوقون ضريح الإمام. دفعتْ مؤخرتها حتى استقرتْ في حضني تماماً، فخالطني شئ من الخوف، أو الندم، أو الانكسار، لكن نار الشهوة كانت تتقد في شراييني كلما أحس أن ثوبها كان ينحسر شيئاً فشيئاً كاشفاً عن ساقين بضين، وفخذين ممتلئين، ومؤخرة مستديرة يخيل لي أنها كانت تلمع تحت الغطاء الناعم الشفاف، احتضنتها، ثم بدأت ألهثُ لهاثاً مكتوماً حتى سقطتُ في غيبوبة اللذة. وعندما انتهيت اكتشفتُ أنها تزحف في العتمة منسلة بهدوء إلى جوار أحد النائمين قرب قدميّ. تمسكتُ بشباك الإمام، وخاطبته هامساً:
- طلبتُ منك البارحة أن تشفي عيني اليسرى التي أتلفتها الحرب،وها أنا اليوم أطلب منك أن تعمي عيني اليمنى كي تكون معجزة جديدة ربما تضيفها الذاكرة الجمعية إلى سجل المعجزات الوهمية التي بات يصدقها الناس من كثرة تردادها.
أفقتُ صباحاً فاكتشفت أن عيني اليسرى لم تُشفَ مثلما كان يحلم أبي، وأن عيني اليمنى لم تُصبْ بأذى مثلما يخشى أي إنسان عادي من سطوة الإمام. حين هممنا أن نغادر الضريح لمحتُ امرأة حسناء في الثلاثين من عمرها تقود رجلاً بديناً أعمى وتتطلع نحوي بنظرات فرحة منتشية. حاولت أن أتابعها بنظراتي لكنها توارت بين الجموع في لمح البصر.
__________________
مأساتي معاك تزيد

واتم بعيد .. وتتم بعيد
وأتم مثل الحزن ..

أنطر سحابة عيد
أجي ملهوف ..
عطش تحت المطر ملهوف
وقتي يطوف .. لوني ضايع ومخطوف

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 16-08-2008 الساعة 11:44 AM.
القوس غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-08-2008, 11:46 AM   #3
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

أخي القوس مررت من هنا .
تحياتي وتقديري
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لكم مجهود طيب .
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-08-2008, 05:43 PM   #4
عبداللطيف أحمد فؤاد
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: May 2008
الإقامة: مصر
المشاركات: 849
إفتراضي

أخى القوس المحترم
الخرافات التى ضايقتك موجودة فى العالم العربى اجمع وتحتاج الى مجهود المتعلمين للقضاء عليها ودعمهم فى المواجهة الصعبة مع المؤمنين بها
تحياتى على مجهودك الوفير
عبداللطيف أحمد فؤاد غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .