العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة > دواوين الشعر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 18-07-2009, 11:24 AM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي مقتطفات نقدية من كتاب جماليات القصيدة المعاصرة-بتصرف

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إشكالية الشعر المعاصر:

يشهد شعرنا العربي اليوم تداخلات وتعارضات شتى ، حيث نجد شعراء يمثلون مدارس الشعر الحديث كلها :الإحياء والبعث ، والتجديد الرومانسي ، والواقعي المعاصر.وهذا يعكس -بالضرورة- سمات خاصة لبنية المجتمع العربي على المستوى الحضاري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري . نتيجة لذلك لم يكن من الغريب أن يمثل الشعر -فن العربية الأول- صدى واسعًا لكل هذه التناقضات الحادة .
وقد آثر مؤلف هذا الكتاب أن يسمي ذلك الشعر الجديد\ الواقعي (الشعر المعاصر) ، إذ هناك عدة تسميات أو مصطلحات تطلق عليه وهي :
شعر التفعيلة :
يميل الشعر الجديد إلى استخدام تفعيلة أحد الأوزان العروضية الصافية وهي :
الكامل - الرمل - الوافر - الهزج -الرجز-المتقارب- المتدارك ؛نظرًا لأن هذه الأوزان واحدة التفعيلة تتيح للشاعر حرية كبيرة في تشكيل السطر
الشعري -وليس البيت-والتوقف عندما يرى ضرورة فنية لذلك .
الشعر الحر:
أطلق أعداء الشعر الجديد هذه التسمية عليه ،ليشيروا إلى أنه شعر (متحرر) من القواعد العروضية وزنًا وقافية .ومع مضي ّ السنين صارت هذه التسمية من أشيع المصطلحات ، ولم يعد أحد من الباحثين يقصد بها الإساءة من قريب أو بعيد إلى هذا الشعر الجديد(شكلاً ) على تاريخ الشعر العربي .

الشعر الواقعي :
ظهر هذا النسق الجديد من الشعر في ظل المدرسة الواقعية في الأدب ملتزمًا بتصوير قضايا المجتمع الساخنة اجتماعيًا وسياسيًا بعد أن عجزت الرومانسية عن مواكبة الأزمات الحادة التي مر بها المجتمع العربي في منتصف القرن العشرين .. حتى اليوم .(عموديًا كان أم تفعيلة أم نثرًا).
الشعر المعاصر : المعاصرة تاريخيًا تستوعب كل ما ظهر خلال جيل واحد .. والجيل عمره -في المتوسط- ثلث قرن من الزمان تقريبًا ،لكن المعاصرة الأدبية كمصطلح نقدي تعني أن الشاعر أو الأديب يبدع أدبه بأحدث الأساليب الفنية ، التي تتوصل إليها العصر .
والعصر ليس مقصودًا به هنا الواقع المحلي الذي يعيش فيه الأديب فقط ،وإنما عليه أن يواكب سمات التجديد الجمالي ، التي تظهر في الأدب العالمي أيضًا ؛ لأن الأدب العربي اليوم يطمح -جادًا- إلى أن يكون واحدًا من أعضاء جوقة الأدب العالمي .. وأن يعزف في إطار السمفونية العالمية .

قضية الشكل :
من الضروري في هذا الصدد الإشارة إلى أن المعاصرة لاتعني الاستخدام الشكلي لشعر التفعيلة أو الشعر الحر (والذي يراه الكثيرون داخلاً بدرجة أكبر تحت مظلة النثر لا الشعر ) وإنما تعني مواكبة العصر وقضاياه الاجتماعية والسياسية والثقافية ؛فبعض الذين ادّعوا( المعاصرة ) اتسمت أشعارهم بالإلغاز
والتعقيد والتصنع من ناحية أو الرومانسية والذاتية المفرطة ،والبعد عن القضايا الفكرية والقومية من ناحية أخرى .
وفي المقابل كان هناك من شعراء الشعر العمودي من دخلوا وبقوة إلى ميدان الفلسفة الواقعية كالشاعر اليمني الراحل عبد الله البردوني .
إذًا فالقضية ليست قضية شكل بقدر ما هي قضية معالجة فنية وفكرية ... ومن هنا نقف على القاعدة التي من خلالها ننطلق إلى رحاب بعض جوانب النقد الأدبي في عالم الشعر .
تحولات في وعي المتلقي :
أصبح الشاعر المعاصر في موقف تحد شامل حين يبدأ عملية الإبداع ، فهو مطالب في آن واحد بأن يعي شروط الأصالة والمعاصرة ، أي أن يعرف حقيقية الواقع وجوهر التراث ، يعيش داخل وطنه وخارجه ، أن يقرأ ثقافة أمته وثقافة العالم من حوله ، أن يدرك أسرار تشكيل الشعر وصياغة معظم الفنون الأخرى ، أن يمحو التناقض بين الخاص والعام ، وبين الذات والموضوع وبين الماضي والحاضر والمستقبل .
نتيجة لكل هذه المكابدات التي يبذلها الشاعر الجديد سمعنا بعض القراء- وليس النقاد- يتهم القصيدة المعاصرة أحيانًا بالغموض والصعوبة والإغراق في الرمزية ، وفاتهم أن الشعر مثل كثير من الفنون الأخرى لم يعد فنًا جماهيرًا يُنشد في الساحة أو يلقى في الأسواق وإنما صار فنًا متخصصًا يحتاج إلى قارئ -لا مستمع-واع .
ومن هنا فإن فهم القصيدة الحديثة بمعايير البلاغة القديمة وحدها لا يكفي لمعرفة أسرارها وتحليل مكوناتها وفهم إطارها بل يكاد المؤلف القول :إنه قتل متعمد مع سبق الإصرار لروحها الجمالية وطبيعتها الفنية .
لقد أصبحت القصيدة الجديدة -تبعًا لتحولات العصر - بنية حية معقدة ومركبة ، توحد بين الشاعر والعالم من حوله . وتجمع بين الواقع والتراث وتضم الكون في إهاب رحب فسيح يتناغم مع عصر العولمة .
بناء على ذلك كله فقد أصبح للقصيدة المعاصرة جماليات خاصة وسمات جديدة متجددة ولم يعد هناك معيار نقدي جاهز للتطبيق على كل قصيدة.
والنقد الأدبي الحديث ينظر إلى العمل بشكل متكامل ، فهو ينظر إلى العمل ليس في إطاره المجرد وإنما في إطار خصائص العصر الثقافية والفكرية ، والظروف السياسية والاجتماعية ، فبالقدر الذي لايمكن فيه لكاتب أن يعزل شعر الزهد مثلاً عن موجات الزندقة والتحولات الفكرية التي مرت بالمجتمع الإسلامي في العصر العباسي ، لا يمكن لقارئ أن يعزل شعر هذا العصر الحديث عن الظروف الخاصة به .ومعرفة هذه الظروف وظروف حياة ونشأة المبدع نفسه لا تتطلب الغوص في أغوارها والدخول إلى خباياها وإنما يُكتفى بالجانب الواضح الطافي على السطح ، وإلا تحول الأدب إلى مادة موسوعية هي إلى فن التراجم والسيَر أقرب .
غير أن هناك نقاطًا يمكن استخلاصها تتعلق بجوانب شخصية الشاعر قد تكون ظاهرة من خلال بعض النصوص الخاصة به أو من خلال أحاديثه ومقابلاته أو من خلال تفاعلاته الاجتماعية .
فعلى سبيل المثال : يعرف جميعنا ارتباط إبداعات عنترة بن شداد بموقف معين وهو الزواج بعبلة ابنة عمه وما أثار من شجون أدت إلى تفجير طاقة إبداعية عظيمة لدى هذا الشاعر ،والأمر نفسه ينطبق على تأثير العمى على أشعار أبي العلاء المعري.
وهذا الأمر ينطبق على الشعر الحديث ، فقصيدة "لا تصالح"للراحل أمل دنقل أتت إبان اللاحرب واللاسلم كإرهاص(مقدمة) للمعاهدة المشئومة كامب ديفيد ومعرفة ارتباط هذا الموقف بالقصيدة تتيح للناقد الحكم على القصيدة في إطار هذا الظرف الاجتماعي والذي غالبًا ما يكون واضحًا ،أما خبايا وخصوصيات جوانب الحياة الشخصية للمبدع فهي ليست مسئولية الناقد ولا الكاتب ولكن إذا برزت بشكل واضح للجمهور كان الأصح أن يُرجع إليها فيما يتعلق أو يحتمل أن يكون له علاقة بالإبداع الذي أنتجه الشاعر .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-07-2009, 11:32 AM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

وأهمية هذا الجانب من الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية -والذي ربما يكون مناسبًا اختصاره في كلمة الظروف التاريخية- تكمن في الآتي :
*بحكم ارتباط الفن لاسيما الشعر بالمجتمع ، فإن الحكم على العمل الأدبي -لوقت معين- قد يغض الطرف نوعًا ما عن بعض الجوانب الفنية لكنه لا يتسامح في تواضع مستواها ولا يقبل الركاكة ولاالوهن ويكتفي بالدور الأخلاقي للشاعر أو المبدع باعتباره معبرًا عن كيان الأمة المتمثل في الأسلوب الوصفي أو التقريري للحدث .وحتى في هذه الحالة فإن الشاعر يطبع بصمته الشعورية على الموقف.
فثمة أشعار لحافظ إبراهيم وأحمد شوقي كانت مؤرِّخة لمناخ فكري متكامل في المدة التي عاشاها والظروف التي مرت بهم ، هذه الأشعار اكتسبت -بحكم الأحداث التي عاشتها- أهمية كبيرة في وقتها وعُدّت دليلاً على امتزاجهما بواقع المجتمع الذي خرجا منه رغم أنها قد لا تعدو أحيانًا أن تكون قصائد مناسبات أو تقريرية لكنها كانت بمنزلة (وسام وعي الشاعر بالأمة ) فقصيدة حافظ إبراهيم التي يقول فيها :
قصر الدوبارة هل أتاك حديثنا
فالشرق له روع وضج المغرب
أهلاً بساكنك الكريم ومرحبًا
بعد التحية إنني أتعتب

والتي كانت قد قيلت في مناسبة حادثة دنشواي أرّخت لارتباط هذا الشاعر العظيم بالواقع الاجتماعي ووطنيته الصادقة ، و كانت من ضمن القصائد التي أكسبته لقبًا يعتز به وهو (شاعر الحياة الاجتماعية) .
هذه القصيدة رغم أنها لم تعد ُ كونها قصيدة مناسبة لم تتسع لتعبر عن حالة عالمية أو دلالة إنسانية أعم وأشمل ، إلاأنها عبرت عن التحام الشاعر بمجتمعه والتعبير عن كينونته الوجودية.وأكدت بالمقام الأول والأخير على الدور الاجتماعي للشعر.

* من خلال ارتباط الشعر بالواقع الاجتماعي فإن القصيدة تكتسب دورًا تأريخيًا يوضح بعض خصائص العصر من الناحية الثقافية والأخلاقية والمعرفية ، فعلى سبيل المثال نجد شاعرًا وهو حافظ إبراهيم يقول في إحدى قصائده(غادة اليابان) عن مصر :
وهي والاحداث تستهدفها
تعشق الألقاب والرتبا


ونستطيع نحن القراء -من خلال متابعتنا للواقع التاريخي- معرفة ما يدور في هذا المجتمع من قضايا مختلفة متعددة والتي تعطينا صورة أوضح عن طبيعة المجتمع ، كقول الشاعر أحمد محرم ناعيًا انحراف الشباب وتقليدهم الغرب :
ذهب العصر الذي شيبنا
وجاء عصر الشباب الملحدين
مما يجعل الشاعر منهمكًا في ذكر هذه المأساة والإسهاب فيها بعيدًا عن فنيات الشعر بشكل شبه تقريري إلاأن هذا يعد انعكاسًا للواقع ويجب النظر إلى هذا الواقع من خلال ما هو مبثوث بين ثنايا الأسطر واعتبار الشعر معبرًا عنه بشكل سليم .
*علاقة الشعر بالمجتمع توضح النظرة الفنية لكل عصر تجاه الأساليب البلاغية السائدة آنذاك ، فشعر أحمد شوقي وزملائه يعبر بشكل كبير عن الأفكار البلاغية الأولى المتعلقة بالمشبه والمشبه به ، والاستعارة والكناية ....إلخ بينما أشعار صلاح عبد الصبور وأمل دنقل ومحمد إبراهيم أبي سنة تعبر عن فنيات أخرى كالأسطورة والرمز على نحو ما هو شائع عند بدر شاكر السياب وإلياس حاوي ، وغيرهما من الشعراء.

ومن هنا كان من اللازم أن يكون القارئ على اطلاع بالدور الكبير الذي يلعبه الشعر كمحرك للطاقات والمشاعر والعواطف وليس كأشكال من الاستعراض اللغوي والبلاغي ، ولا أستطيع أن أنهي هذه الإطلالة بدون الإشادة إلى مقطوعات من قصيدة شوقي رحمه الله :
تعالوا نشيد مصنعًا رب مصنع
يدر على عمالنا المغنم الوفرا
تعالوا نشيد ملجئًا رب ملجئ
يضم حطام البؤس و الأوجه الصفر
تعالوا نمحو الجهل والعلل التـــي...
أحاطت بنا كالسيل تغمرنا
وعند التعليق على قصيدة ما ينبغي للقارئ النظر إلى طبيعة العصر ، ومشاكله والفكرة المبثوثة في القصيدة ، والأساليب والتقنيات المستخدمة من حيث التركيب للجمل واستخدام الضمائر والأسطورة ، والصور البلاغية ....إلخ .
وبعد ، فهذه مقتطفات من كتاب جماليات القصيدة المعاصرة للدكتور الراحل طه وادي رحمه الله علها تعين القارئ على اكتساب
قدر أكبر من الذوق والخبرة في التعامل مع النص الادبي .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-07-2009, 11:40 AM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

علاقة الموقف الفكري بالبناء الفني
(دراسة في قصيدة البحر والبركان لأحمد عبد المعطي حجازي)

البحر والبركان -أحمد عبد المعطي حجازي

شدوان !

صوت البحر يأتي من بعيد ،

وارتعاشات النجوم علي المياه

يتواثب اللمعان في نغم يشب ويختفي

ويرف طير لا نراه

يتوالد الزبد المفضض في سباق المد
،
ويتم مصباح الفنارة دورة أخري ،

ويبدأ من جديد

وصفير غليون يلوح من بعيد للجزيرة!
شدوان

مدينة طفت علي وجه الزمن
سكنتها وحدي

وهأنا أدفع من دمي الثمن

بيني وبينك كل هذا الليل يا أمي ،
وآماد الظهيرة

وضجيج آلات الرحيل

وتقاطع الطرقات ، لا ندري إلي أين المسيرة
بيني وبينك هذه المدن الكبيرة

وتفرس الأغراب فينا قبل أن يلقوا لنا إذن الدخول
بيني وبينك كل هذا الملح أيتها الحقول

ووجوه أبناء القري الأخري، القتيل

يمشون في آثارنا
متعممين بثوبه الدامي ونظرته الأخيرة

بيني وبينك كل هذا الحب يا أمي.

وكل دم العشيرة

كل الذي من أجله لذنا بستر الخوف أعواما مريرة

كل الذي ينهار في نفسي ،

فأدرك بعد ما طال الزمان

أني استطعت النوم ، أبعد ما أكون عن الأمان !

شدوان !

منفي ، وبندقيتي وطن !

شدوان !

منذ متي نفضت البحر عن صحرائك الغرقي ،

وآويت السفن !

ومن الذي أعطاك هذا الاسم .. ملاح شريد

أم خارج حمل السلاح علي المدن

إني أمد الطرف لا ألقي سواي ،

ولا أشم سوي الرياح

بكر سماء الفجر ، صوت البحر ، أنفاس المياه

والرمل مبتل ، وريح البحر مغسول ،

أضواء الفنارة

بكر ،

كأن الله منذ هنيهة خلق الحياة

بكر أنا !

أمشي علي أرض البكارة

أرض أنا فيها مواطنها السعيد

ومليكها الشاكي السلاح

بكر مواويل الجنود

تنساب من أحلامهم في الفجر ،

تصبح أوجها وقري صغيرة

وأليفة أشياؤهم في الرمل نائمة نثيرة

كانت بنادقهم معلقة علي أكتافهم

وهمو علي الخلجان يصطادون في ألق الصباح

وهمو عراة ، يغسلون ثيابهم

ويطاردون عقارب الشطآن في شمس الظهيرة

بكر صرير الكائنات وشدوها الجياش في الصمت الفريد

تتفتح الأصداف هذا الوقت ،

تلقي نفسها فوق الرمال

ينهل نور البدر أمطارا غزيرة

ويصيح صوت بالرجال

يحمر في فم حارس طرف اللفافة ،

يلمع النصل الحديد

في بندقيته، ويلمع جسم وحش القرش في البقع المنيرة!


شدوان !

هي الوطن !

يأتي المساء محملا بروائح الذكري ونشوتها القريره بوجوهنا الأولي ،

ونحن نغيب في الحلم القديم

ونظل ننشق عطره ، ونغط في أعماقه الخضر الوثيرة !

حتي تعود لنا محبتنا لأنفسنا ، ويضنينا تعطشنا الخطر

يأتي المساء ! فتعتم الآفاق من حول الجزيرة

تتكاثف الظلمات فوق البحر ضاربة علي الأرض الحصار

وكأنما كان النهار وأمنه وهما من الأوهام ، وانقشع النهار

تتوغل الجزر البعيدة في الظلام وترحل السفن الأخر

ونظل نحن ، كأنما جئنا ليكشف كل إنسان مصيره

يأتي المساء ! فيقطع الكلمات فيما بيننا

ويلف أوجهنا ظلام الليل ،

يوقد في السريرة

مصباحها الباكي فنعرق في توحدنا الحميم

يأتي المساء ! فيستحيل البحر وحشا هائجا ،

تتقذف الأمواج فوق وجوهنا ملحا وعشبا ميتا

وتشدنا هوج الرياح ،

وتمعن الأصوات بعدا والنجوم

يأتي المساء محملا بمخاوف الليل العدائي البهيم

نترقب الخطر المداهم من وراء الليل ،

نلمس في الظلام رفيفه المنسل ، فوق جلودنا

يتشبث الدم بالتراب ، وتنشب الأعضاء صورتها

علي صدر الحفر

يتزاوج الدم والوعورة

يتزاوج الدم والخطر !


شدوان !

البحر والبركان

والنجم بالنجم اقترن !

شدوان لاتفضي لأرض غيرها ،

والليل لا يفضي سوي لليل ،

والأعداء للأعداء، والبحر المحيط إلي سواه

فاحفر علي أرض الجزيرة بيت أمك ،

واحتمل ضرب الغزاة

أو لذ بأذيال الفرار فلن تصير إلي قرار

ستظل طول العمر تبحث في النهار عن الظلام ،

وفي الظلام عن النهار

عن مخبأ تخفي به آثار وجهك ،

لا تري إلا وحوش القرش والجثث الغفيرة

وتظل تنكر أنت نفسك خائفا ممن تحب ،

فأي محبوب تلوذ له بأذيال الفرار !

وهل عرفت الحب حقا ؟

ما الذي صنعته أيدينا لنعطي أمهات

وقري يعيث بها الطغاه ؟

لا !

نحن لم نعشق ، ولم نعرف سوي الحب الضرورة

والعيش والموت الضرورة

ننزو بلا شغف

كما تنزو الثعالب في البراري والأرانب في الحظيرة

وننام في أعضائنا المرضي الكسيرة

ونموت ، نسرق غفلة ، دون اختيار

فاثبت علي أرض الجزيرة

أثبت علي الأرض التي منحتك مملكة ، وجرب

لفظة الرفض النبيل

قل «لا» هنا ،

لتقولها في كل مملكة سواها

لتقولها في كل مملكة سواها

لتقولها يوم الحساب ، إذا أتي يوم الحساب

وعادت الأشلاء تسأل من رماها للكلاب

ومن اشتراها وافتداها !

الموت ؟

كنه أنت !

فهو فتي في مثل سنك يرتدي ذات الثياب

اخرج له موتا لموت ،

مَن مِنَ الموتين يغلب ؟ من يذود عن التراب

واذكر هنا موتاك ، واذكر وجه أمك ،

هل تري أحببتها يوما كما أحببتها في ساعة الموت

الوبيل

الموت فوق رؤوسنا ، والموت بين أكفنا ،

والموت يعصف بالرقاب

ونظل نحن نصيح في فرح جنوني به

لا ! لا سبيل إلي الجزيرة

والموت يسحب ظله عنا ، وينكشف الغبار عن الصباح؟

كان الطريق إليك يا أماه أن آتيك مطلول الجراح

كان الطريق إليك أن آتيك حاملا السلاح

كان الطريق إليك أن أغزو لك المدن الكبيرة

وأضمها لك ! للجزيرة !



ياهواي عليك يا محمد


إن كنت سليما حتي الآن

فاضرب !

اضرب ! يا ذا القلب النشوان

والوجه المتعب

انفض عن قلبك دهشته الأولي

وبراءته المستهولة الإنسان الغولا

وخض النيران


« يا هواي عليك يا محمد ( * )

يا هواي عليك ! »

ومحمد أقرب إخوتي لقلبي

وصديقي

ورفيق طريقي

كنا أخوين

فأصبحنا من بعد وفاة أبينا

طفلين وأبوين !

نتلاقي تحت غبار السعي بوجه صارم

فإذا أبنا لمراقدنا




أوحش كلا منا الآخر

حتي يتمني أن يلقاه ،

وقد فارقه من ساعة

وكأن الواحد منا إذ ترك أخاه ،

أضاعه

يستسلم كل منا لبكاء عذب مقهور

يغسلنا من آثام رجولتنا المثقلة بغير أوان

ويعيد لنا عهد صبانا الزاهي المبتور !

ومحمد أذكره طفلا غضبان جميلا

طفلا يلقي عالمه بطهارة قلب متلهب

يسأله أن يصبح بيتا مأهولا

أفقا مغسولا

يسألنا ألا ننساه

ألا نلقاه بوجه متقلب

يسألنا ألا .. نكذب !

في هذا العالم يا ولدي

في السوق المائج بالعجزة والجهلة

بالمقتولين وبالقتلة

نغرق في الكذب وفي التضليل

كي نحفظ مما بقي لنا .. هذا الرمقا

فأرفع يا ولدي أنت سلاح الحق ،

لكي تحمي هذا الخقا

أرنا الصدق المضطهد، وقد سلح نفسه

ومشي مدرعا

ممتطيا فرسه

بين هتافات المظلومين !

ومحمد ! أجمل ما أعطي الحب العاجز

ما بين الرغبة والحرمان

أشهد وجهه

ما بين الذكري والنسيان

أشهد وجهه

بين صباه ، وضياع صباه

أشهد وجهه

في الموسيقي أشهد وجهه

إذ يهرب أعذب ما فيها من ألحان

وتظل تحن تحن له الآذان

أشهد وجهه

في الأسرة، إذ يجتمع لها الشمل المفقود

في صبح العيد

ويشق تعاسة أوجهنا

هذا الفرح الباكي المولود

أشهد وجهه

في الليل الممتد السهران

يشرد فيه حتي يتعب

ويعود لنا

وهنالك شيء في عينيه

في شفتيه .. يتعذب

شيء ! لا أدري كيف تحمل فيه الكتمان

حتي وهو يغني ، ويحب ، ويشرب


فاضرب !

أفصح عن هذا الشيء الآن

استجمع أحزانك واضرب

استنهض قلبك في يدك .. وصوب


اضرب !

بخروجك ذات صباح مبتسما للديان

تسأله يوما مبتسما

وصديقا مبتسما

وفتاة تأخذها في حضن النيل المعشوشب

وتسري عنها الأحزان

فإذا بالغارة والعدوان !


فاضرب !

اضرب بصباك العطشان !

بأخوتنا

بطفولتنا المظلومة !

بأبينا المحتضر الأشيب !

بالدرب الصاعد من منزلنا


حتي الصفصاف الملتف علي وجه الترعة

حيث توضأنا في الظهر وصلينا

وغمسنا في الشمس الملتهبة في الماء

نشوتنا الأولي الخضراء الحمراء !


اضرب !

بتشردنا بين الطرق المسدودة

والأفكار المحمومة

بين الكتب الرائعة المرسومة

أطفالا ، وقلوبا ، وشموسا لا تغرب !


اضرب !

بتغربنا في المدن المتوحشة القذرة

نفقد فيها قريتنا وبراءتنا

حتي نتلاقي ، فنحس بسوأتنا

ونواريها ، بعيون خجلي معتذرة !


اضرب !

بوداعك إيانا . أمي وأنا تحت الشجرة

آخر ما في ذاكرتي عنك

الخوذة ، وثياب الحرب الصفراء

والوجه المستشهد !


« يا هواي عليك يا محمد !

يا هواي عليك يا محمد ! »
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-07-2009, 11:44 AM   #4
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إن الأدب يستمد قيمته من خصوصيته وخلوده من التحامه بمضير جماعته المبدعة المتذوقة له ، وعلى هذا فإن وعي الأديب بالواقع الذي يعيشه وبأدوات التشكيل الجمالي لعمله يهب لفنه الجودة والخلود ، وعلى قدر الالتزام بالقضية الأساسية لعصر ولاوعي بما يمكن أن يحقق بلاغة النوع الأدبي تكون القيمة المعيارية للأدب .
وابتداء ينبغي تقرير أن وظيفة الأدب تحدد ماهيته وهذه الوظيفة لا يمكن أن تحد بشكل جازم أو مجرد وإنما تحدث طبيعة المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع المبدع المتذوق له، طبيعة الأدب لا يمكن أ، تبقى ثابتة رغم تطور المجتمع، ووظيفته في مجتمع رأس مالي تختلف عنها في مجتمع اشتراكي ذلك أن الطبقة المسطرة توجه الفن غالبًا نحو تحقيق أهدافها الاجتماعية ومثلها الأخلاقية وفي مجتمعات العالم الثالث حيث تربض فوق صدور المجتمعات النامية مشاكل الاحتلال والقهر والتسلط فإن مشكلة هذا المجتمع تتضاعف عندما يكون عليه النضال لمجابهتها من جهة ومجابهة نفي الاستغلال والظلم الاجتماعي الداخلي من ناحية أخرى .
وهنا يتحول الأدب وجامليات الشكل إلى أخلاقيات سامية إرى أن يكون وسيلة للإشاردة بتحرير الإنسان من كل ما يكبله ويرهقه وأغنية تشدو بعالم حر جديد وبذلك يغدو الفنان بتنبؤاته وأحلامه عضوًا في المجتمع لا يمكن الاستغناء عنه.
قصيدة البحر والبركان لهذا الشاعر تمثل واحد ة من القصائد التي دافعت عن موقف نبيل رافض للاحتلال كما أنه رافض لوقوف القصيدة بما فيها من أدوات بلاغية عبقرية عند حد وحيد وهو المناسبات .

وأول ما يلاحظ على القصيدة تداخل أو شبه تداخل الأصوات المكونة للنسيج الفني للقصيدة .فأحيانًا ترد في إطار سردي عام ، وأخرى بصوت غناء فردي يتلون حسب التعدد في المواقف ، وأحيانًا بصوت نضالي ملمحمي صلب . هي نسق جديد من القصيدة المركبة يمتزج فيها طابع الغناء بأسلوب الملحمة غير أننا لسنا في عصر الملاحم بل في عصر يلتحم فيه الشاعر بوجدان الأمة ليصنع هذا العصير الإبداعي المعبر عن موقفه الفكري من هذه القضية .

القصيدة تبدأ بوصف شدوان وسط هدير البحر وارتعاشات النجوم عليه . وتوحي وحدة الجزيرة وعزلتها بالوحشة والخوف بين أن صوت الشاعر الفرد رغم فرديته يبرز في طابع ملحمي ليقرر أن:
"شدوان
مدينة طفت على وجه الزمن
سكنتها وحدي
وها أنا أدفع من دميَ الثمن
" .
لكن القصيدة تستحيل رمزًا للوطن الكبير ويصير ما يهددها نفس ما يهدده من أخطار إذ يتوحد فيها الشاعر وهنا نجد للملح رمزيته الذي هو يرمز للعدو الذي يحول دون خصب الحقول ، وتصبح حينئذ شدوان في نسيج القصيدة من المدينة لتصبح ثانية :
شدوان
منفى وبندقيتي وطن
.
فجأة ينقلب الوصف الغنائي إى حركة درامية جياشة في الصمت الفريد إذ يصيح صوت بالرجال "ويلمح وحش القرش في البقع المنيرة"ثالثة ، ويكون هذا رمزًا لاقتراب العدو عندئذ تأخذ شدوان للمرة الرابعة معنى آخر وتصير
"شدوان !
هي الوطن
"
وسط الدم الفائر والخطر الداهم تأخذ شدوان معنى خامسًا لتصير :
"شدوان
البحر والبركان
"
هذا التعبير المجازي الذي يدل على المفارقة بين البحر الزاخر واللهب الهادر يبدو إعجازه في إ:يجازه ويفصح عن إيحاءات فكرة وفنية ثرية ويؤذن ببدء الملحمة .
عندئذ يبرز صوت الشارع النضالي في حماس منتصر عنيد يفجر طاقات غنائية خصبة على المستويين الفكري والفني وهذه الغنائية تتبدى خصوبتها الفنية وبلاغتها الشاعرية في صلابة العزم -بالدرجة الأولى- وقوة الإرادة التي تشع سامية بين أعطافها .
وتنتهي المحلمة بعد أن سحب الموت ظله عن الجزيرة وانكشف الغبار غبار المعركة عن الصباح صباح النصر وتكون الفرحة خاتمة متفائلة لقصيدة تؤكد نفي العيش الضرورة والموت الضرورة وتطهر الحب من الخوف ولكني أي حب تعني :
"وهل عرفت الحب حقًا ؟
ما الذي صنعته أيدينا لنعطي أمهات
وقرى يعيث بها الطغاة؟
لا !
نحن لم نعشق ولم نعرف سوى الحب الضروره
والعيش والموت الضروره
".
كما تشيد روح القصيدة بالإيمان النبيل بانتصار الحق المناضل وإشراقة الحرية الحمراء .
ثانيًا :جماليات القصيدة :
*الثراء الدلالي :
"الموت
كنه أنت
فهو فتى بسنك يرتدي ذات الثياب
أخرج له موتًا لموت
من من الموتين يغلب؟ من يذود عن التراب ؟
واذكر هنا موتاك واذكر وجه أمك
هل ترى أحببتهم يومًا كما أحبتهم في ساعة الموت الوبيل
الموت فوق رؤوسنا والموت بين أكفنا
والموت يعصف بالرقاب
ونظل نحن نصيح يف فرح جنوني به
لا لا سبيل إلى الجزيره
"
في هذا المقطع الثري -بدلالته الفكريه والتصويرية- تتراءى كلمات وجمل مبتورة حادة (الموت ....كنه أنت .. أخرج له موتًا لموت ...لا ..لا سبيل إلى الجزيره)وهذه الكلمات والجمل المبتورة يستطيع القارئ تأويلها وفقًا لمتقضيات السياق.
حيث لم تعد الكلمات مصطلحات ذات مدلول معجمي إستاتيكي جامد بقدر ما أصبحت رموزًا لصور حية ديناميكية تعبر عن سعي الفنان نحو إبداع عالم مناضل بتشكيل عبقري من الكلمة المصورة والجمل المعبرة.
تعدد أساليب الاستفهام :
"الموت ؟ من من الموتين يغلب من يذود عن التراب ؟هل ترى أحببتهم يومًا ؟"
كثرة أساليب الاستفهام وأدواته وتنوعها بين الحقيقي والمجازي تعطي هذا الجزء من القصيدة قوة بلاغية في التصوير حيث إن أساليب الاستفهام يطلب بها التصور أو التصديق كما يرى البلاغيون القدماء وهذا يمنح العبارة حيوية وثراء متجددين.
*شيوع أفعال المضارعة :
شيوع أفعال المضارعة والأمر الدالتين على الحركة والطب مما يهب الفكرة والصورة حياة زاخرة وحركة متدفقة ومن حيث تشكيل الصورة نلمس ذلك التشخصي التمثلي لموت بفتى يرتدي ذات الثياب " وفي نفس الجزء من الصورة قلب للتمثيل وأنسنة للموت فيصير ركنا التمثيل المشبه والمشبه به رغم ما بينهما من تباعد في مستوى متكافئ ليكون هذا تحميًسا للمقاتل الموت ليرى "من من الموتين يغلب من يذود عن التراب ".

*التكرار :
التكرار في هذه الصور :
"كان الطريق إليك أن آتيك مطلول الجراح
كان الطريق إليك أن آتيك حاملاً السلاح
كان الطريق إليك أن أغزو المدن الكبيره
"
قام بوظيفة هامة للغاية وهي الحفاظ على الهندسة اللفظية والعاطفية للعبارة ودل على أن للطريق -الذي هو محور العمل الأدبي ويتخذ دلالة أوسع وهي طريق التحرر-هو الغرض الذي استحق التكرار للتنبيه على قيمته لاسيما في نهاية القصيدة ليدل على وعيه بالعنصر الذي يعد ختام القصيدة به تبريرًا لكل هذه المعاناة التي بذلت .
ومن هنا نجد أن هذه القصيدة أكسبت (شدوان) رغم خصوصية الحالة عمومية تصدق على أوطان ومواقف أخرى لتكون" شدوان" رمزًا لهذه المقاومة محليًا وإقليميًا بالشكل الذي اكتسبت به مدن أخرى عمومية أكثر اتساعًا كغزة والفلوجة وغيرهما ..
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-07-2009, 03:20 AM   #5
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
(دراسة أسلوبية لقصيدة الخيول لأمل دنقل)





الخيول





(1)

الفتوحات فى الأرض – مكتوبة بدماء الخيول

وحدودُ الممالك

رسمتها السنابك

والركابان : ميزان عدل يميل مع السيف

حيث يميل

***

اركضى أو قفى الآن .. أيتها الخيلُ :

لستِ المغيرات صبحا

ولا العاديات – كما قيل – ضبحا

ولاخضرة فى طريقك تُمحى

ولاطفل أضحى

إذا مامررت به ... يتنحَّى

وهاهى كوكبة الحرس الملكى..

تجاهد أن تبعث الروح فى جسد الذكريات

بدقِّ الطبول

اركضى كالسلاحف

نحو زوايا المتاحف..

صيرى تماثيل من حجرٍ فى الميادين

صيرى أراجيح من خشبٍ للصغار – الرياحين

صيرى فوارس حلوى بموسمك النبوى

وللصبية الفقراء حصاناً من الطينِ

صيرى رسوماً ... ووشماً

تجف الخطوط به

مثلما حفَّ – فى رئتيك – الصهيل !

(2)

كانت الخيلُ - فى البدءِ – كالناس

برِّيَّةً تتراكضُ عبر السهول

كانت الخيلُ كالناس فى البدءِ

تمتلكُ الشمس والعشب

والملكوتِ الظليل

ظهرها... لم يوطأ لكى يركب القادة الفاتحون

ولم يلنِ الجسدُ الحُرُّ تحت سياطِ المروِّض

والفمُ لم يمتثل للجام

ولم يكن ... الزاد بالكاد

لم تكن الساق مشكولة

والحوافر لم يك يثقلها السنبك المعدنى الصقيل

كانت الخيلُ برِّيَّة

تتنفس بحرية

مثلما يتنفسها الناس

فى ذلك الزمن الذهبى النبيل

***

اركضى ... أو قفى

زمنٌ يتقاطعُ

واخترتِ أن تذهبى فى الطريق الذى يتراجعُ

تنحدرُ الشمس

ينحدرُ الأمس

تنحدر الطرق الجبلية للهوَّة اللانهائية

الشهب المتفحمة

الذكريات التى أشهرت شوكها كالقنافذِ

والذكريات التى سلخ الخوفُ بشرتها

كل نهر يحاول أن يلمس القاع –

كل الينابيع إن لمست جدولاً من جداولها

تختفى

وهى ... لاتكتفى

فاركضى أو قفى

كل دربٍ يقودك من مستحيل إلى مستحيل !!

(3)

الخيولُ بساط على الريح

سار – على متنه – الناسُ للناسِ عبر المكان

والخيولُ جدارٌ به انقسم

الناس صنفين :

صاروا مشاةً وركبان

والخيول التى انحدرت نحو هوة نسيانها

حملت معها جيل فرسانها

تركت خلفها : دمعة الندى الأبدى

وأشباح خيل

وأشباه فرسان

ومشاةٍ يسيرون- حتى النهاية – تحت ظلال الهوان

أركضى للقرار

واركضى أو قفى فى طريق الفرار

تتساوى محصلة الركض والرفض فى الأرض

ماذا تبقى لكِ الآن ؟ ماذا ؟

سوى عرقٍ يتصببُ من تعبٍ

يستحيل دنانير من ذهبٍ

فى جيوب هواةِ سلالاتك العربية

فى حلبات المراهنةِ الدائرية

فى نزهة المركبات السياحية المشتهاة

وفى المتعة المشتراة

وفى المرأة الأجنبية تعلوكِ فى ظلالِ أبى الهول

( هذا الذى كسرت أنفه *** لعنة الإنتظار الطويل )

إستدارت – إلى الغربِ – مزولة الوقت

صارتِ الخيلُ ناساً تسيرُ إلى هوَّةِ الصمت

بينما الناسُ خيلٌ تسيرُ إلى هوَّةِ الموت !!
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-07-2009, 03:24 AM   #6
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

الزمن الشعري في قصيدة الخيول لأمل دنقل دراسة أسلوبية

يمثل أمل دنقل 1940-1983 علامة مميزة على خريطة الشعر العربي المعاصر وتتسم أعماله بأنها تتمحور حول موقف محدد وهو الدفاع عن قضايا الوطن مصر والأمة (العروبة) فجيل أمل دنقل هو الجيل الثاني في مسيرة الشعر الحر وقد شب ّ مع نكبة فلسطين التي تجسد محنة العرب وتشكل التحدي الحقيقي لإثبات ما إذا كان هناك عربة وعروبة أم لا . وقد بلغ هذا الجيل درجة من الوعي أهلته لأن يكون لسان الأمة الداعي إلى فجر الحرية والوحدة .

***


قصيدة الخيول تعد من آخر ما كتب الشارع أمل دنقل وهي امتداد الموقف الملتزم الذي عاش به ومات من أجله ، وسيتم دراسة هذه القصيدة في ضوء المنهج الأسلوبي لاذي يعنى بدراسة النص باعتباره رسالة لغوية يستعين بها الأديب لتوصيل ما يريد من دلالات فكرية وشعورية ، ومن ثم يأتي الدرس الأسلوبي موظفًا مفاهيم علم اللغة العام لمعرفة أهم الخصائص الجمالية للنص الأدبي .


***



العنوان بين الدلالة والرمز
من أهم السمات الجمالية التي تميز الشعر المعاصر أن الشاعر صار حريصًا على أن يضع عنوانًا لكل قصيدة بل لقد انتقل الأمر أيضًا إلى كل ديوان يصدره ، وصار العنوان عنصرًا عضويًا فاعلاً في القصيدة بعكس ما كان من قبل كالشوقيات والحمدانيات وغيرها مما يعكس تمحور الرؤية وقتها على الأديب لا الفن الذي يقوم بإنتاجه .
ويأتي العنوان دالاً بشكل واضح على ما أراد أن يستثره الشاعر لدى القراء .
وعنوان القصيدة لا يحمل جملة ذات دلالة رحبة وإنما كلمة واحدة وهي الخيول اسم جمع لاسم جنس وهو الخيل وهي كلمة مؤنثة لا واحد من لفظها لها .
والخيل له معان مشتقة منه كالخيلاء والخيالة والخيال والخال ونسأل أنفسنا من ثم ما القضية التي ألحت على مخيلة الشاعر وجعلته يختار هذا العنوان ؟
هناك في مجال الارتباط بين الإنسان والحيوان حيوانات متعددة تدل على الشعوب كالفيل الذي هو رمز للهنود والدب للروس والديك للفرنسيين وهكذا ..
أما بالنسبة للعربي فهناك كلمتان تذكران في هذا السبيل وهما :
الجمل : وقد استخدمته بعض الدول كدلالة على التخلف والتأخر لدى الإنسان العربي وهذه صور تحرص بعض الدول الأجنبية على إظهارها .
الحصان : ويدل على الأصالة والذكاء والقدرة والوفاء . معرف أن الخيل العربية تعد من أعظم وأغلى أنواع الخيول .وكلمة الخيل والخيول ذات تراث تاريخي طويل لأنها كانت من أهم أدوات النصر في الحروب حتى مطلع النهضة الحديثة وفي سورة الأنفال "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " وفي سورة آل عمران "والخيل المسومة والأنعام والحرث " تنجية ما بق أن الشاعر كان على قدر كبير من الوعي بدلالات الكلمة حينما جعلها رمزًا للإنسان . ولكن ما العلاقة بين ا لرمز والمرموز التي ألحت على المخيلة وجعلته يجعل هذه الدلالة على ذلك المدلول ؟


***


الزمن الشعري مفتاح القصيدة

هناك ما يسمى بعبارة المفتاح وهي التي تكون مدخلاً للنص وقد تكون كلمة أو جملة وقد تكون ذات دلالة معنوية أو تركيبة صوتية وقد تصدر عن المؤلف بوعي أو دون وعي .والدارس حين يبدأ بهذه العبارة المفتاح فإنه يعود بها ثانية إلى بنية النص لكل يفسر الكل على ضوء الجزء وهذه الفكرة أشارإليها الكثير من النقاد . والمدخل الأسلوبي لفهم القصيدة هو لغتها وهذاما لا خلاف عليه بين كل النقاد .
من هنا نقول إن بالقصيدة شيئًا لافتًا يذكر بالقصة الحديثة وها ما يسمى بالزمن الشعري مقابل الزمن القصصي . فالزمن في الشعر ليس زمنًا تاريخيًا يسير في خط طولي مستقيم وإنما هوزمن نفسي مستدير متقاطع .
وفي هذه القصيدة نجد أن أهم ما يميز القصيدة هو أننا لا نجد هناك أية عبارة تدل على المستقبل الآتي ويمكن تصور الزمن الشعري في القصيدة على هذا النحور :
المضارع : موجود بكثيرة
الماضي : بشكل أقل
المطلق :بدرجة أقل
المستقبل : منعدم تمامًا
والمقصود بالمستقبل هوالفعل المضارع المسبوق بالأداة سوف أو ســ .. كأن تقول سنسافر سنفوز ....
وأهمية الزمن في القصيدة يعكسها أمران :
الأول معنوي : يرجع إلى أن صورة الزمن في القصيدة تعتمد على التداخل النفسي ،وليس التتابع التاريخي ، من هنا نجد القصيدة تتبع أسلوبًا يشبه طريقة الاسترجاع حيث نجد الشاعر يزاوج بين الخيول في الماضي والحاضر ليحدث نوعًا من التضاد ليصور بوضوح ما يمكن تسميته الحاضر العقيم في تاريخ الخيول (والمقصود بها الشعوب).
الثاني وهو الأهم :أمر لغوي حيث نجد في القصيدة تعبيرات دالة على الزمن هي :الزمن الذهبي -زمن يتقاطع - ينحدر الأمس -جسد الذكريات -استدارت مزولة الوقت .
ولعل أهم هذه التعبيرات هي جملة زمن يتقاطع التي تمثل جملة المفتاح التي تقود إلى فهم عالم القصيدة .
***


الزمن الماضي :
تبدأ صورة الخيول من هذا الجزء :
كانت الخيلُ - فى البدءِ – كالناس
برِّيَّةً تتراكضُ عبر السهول
كانت الخيلُ كالناس فى البدءِ
تمتلكُ الشمس والعشب
والملكوتِ الظليل
ظهرها... لم يوطأ لكى يركب القادة الفاتحون
ولم يلنِ الجسدُ الحُرُّ تحت سياطِ المروِّض
والفمُ لم يمتثل للجام
ولم يكن ... الزاد بالكاد
لم تكن الساق مشكولة
والحوافر لم يك يثقلها السنبك المعدنى الصقيل
كانت الخيلُ برِّيَّة
تتنفس بحرية
مثلما يتنفسها الناس
فى ذلك الزمن الذهبى النبيل

فالشاعر هنا يصور ماضي الخيول حيث كانت تعيش حياة برية تتنفس بحرية تمتلك العشب والملكوت والشمس ، ولم يكن زادها بالكاد وفي نهاية الفقرة يربط الشاعر بين الرمز والمرموز .
ومن الملاحظ في هذا الجزء أن الشاعر يستخدم في أثناء الحديث عن الماضي :الفعل المضارع المنفي ب(لم) وهي حرف نفي وجزم وقلب ، في خمس جمل متتالية ، وهنا نلحظ أن الشاعر يتحدث عن الماضي كثيرًا بصيغة المضارع وقد يكون هذا الفعل المضارع :
-مسبوقًا بالفعل الناقص (كانت- الخيل تمتلك الشمس)
-مسبوقًا بحرف نفي لم يلن الجسد الحر)
مضارعًا حقيقيًا ولكنه يدل على الماضي (ينحدر الأمس)
وهذا يعد من مظاهر إبداع القصيدة إذ أن عنصر المضارع قد جمده بدقة شديدة وعاش الماضي فيه داخله في شكل ذكريات أشهرت شوكها كالقنافذ وسلخ الخوف بشرتها . وهذا يمهد لأن يختم المقطع الخاص بالحديث عن الماضي قائلاً:
"فاركضي أو قفي
كل درب يقودك من مستحيل إلى مستحيل
."
إذًا لقد بلغ اليأس بالشاعر شأوًا كبيرًا عجز معه على التحدث بصيغة المضارع ليأتي مشوهًا كما هو واقعنا المشوه والذي يقتات على أمجاد الماضي .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .