الابتداع هل يدخل في الأمور العادية , أم يختص بالأمور العبادية ؟!

[خوشناو]

الابتداع هل يدخل في الأمور العادية , أم يختص بالأمور العبادية ؟

قيل ان الابتداع لايختص بالعبادات ، ومن أمثلة البدع في العاديات تقديم الجهال على العلماء في الولايات العلمية ، وتولية المناصب الشريفة من ليس لها بأهل بطريق الوراثة، واقامة هيآت الأئمة و ولاة الأمور والقضاة واحوالهم في أزيائهم ومجالسهم ومطاعمهم، ولبس الطيالس وتوسيع الأكمام، وأشباه ذلك من الامور التي لم يكن في زمن السلف الصالح، وإليك التحقيق في فصل على حدة :
فصل
أفعال المكلفين- بحسب النظر الشرعي فيها- على ضربين:
1- التعبديات 2- العاديات
فأما الأول فلا نظر فيه هنا، وأما الثاني فظاهر النقل عن السلف أن المسألة مختلف فيها : فمنهم من يجعلها كالتعبديات في عدم جواز الإحداث فيها والأكثرون على خلاف هذا، وعليه نبني الكلام فنقول :
قد ثبت في الأصول الشرعية أنه لابد في كل عادي من شائبة التعبد، فإن ما لايعقل معناه على التفصيل هو المراد بالتعبدي،وما يعرف ما يتعلق به من المصلحة أو المفسدة هو المراد بالعادي، ولكن العاديات مقيدة بأمور شرعية لاخيرة للمكلف فيها – اقتضاء كان الخطاب المتعلق بها أو تخييرا – واذا كان كذلك فإنها تكون تعبديات من جهة – كما انها عاديات من جهة اخرى – ومن تلك الجهة يدخل فيها الابتداع – كما يدخل في التعبديات – فجعل الجاهل في موضع العالم حتى يصير مفتيا في الدين – مثلا – محرم في الدين، وكون ذلك يتخذ ديدنا حتى يصير الابن مستحقا لرتبة الأب بطريق الوراثة أو غيره – وإن لم يكن قد بلغ رتبة الأب – بدعة بلا اشكال، وإقامة هيآت الأئمة والقضاة و ولاة الأمر على خلاف ماكان عليه السلف – مثل – أمر لابأس به، ولكن إن تكلف احد في ذلك بأن اعتقد أنه مما يطلب به الأئمة على الخصوص تشريعا خارجا عن قبيل المصالح المرسلة بحيث يعد من الدين الذي يدين به هؤلاء المطلوبون، أو يكون ذلك مما يعد خاصا بالأئمة دون غيرهم فقد ارتكب بدعة، ويشبه هذا زخرفة المساجد، إذ كثير من الناس يعتقد أنها من قبيل ترفيع بيوت الله .
والحاصل أن العاديات من حيث هي عادية لابدعة فيها، وإنما تدخلها البدعة من حيث انها يتعبد بها أو توضع وضع التعبد، وبهذا حصل اتفاق القولين واتحاد المذهبين .
- فصل -
المنكرات التي تظهر وتفشو، ويجري العمل بها بين الناس على وجه لايقع لها إنكار من خاص ولاعام لها جهتان :
1- جهة وقوعها، وهي من هذه الجهة مخالفات لابدع.
2- جهة اقتران أمور من خارجها بها فقد تقترن بها القرائن فتكون سببا في مفسدة حالية ومفسدة مالية ، وكلتاهما راجعتان إلى معنى البدعة .
أما الحالية فبأمرين : احدهما أن يعمل بها الخواص عموما والعلماء خصوصا، فيستسهلها العوام ويستجيزوها . والثاني أن يعمل بها العوام وتشيع فيهم وتظهر ولاينكرها الخواص ولايرفعوا لها رؤوسهم وهم قادرون، فيعتقد العوام مشروعيتها. وفي كلتا الصورتين يجتمع على العوام العمل مع اعتقاد الجواز بشبهة دليل وذلك عين البدعة.
وأما المآلية فهي أن يعتقد من ينشأ على رؤيتها معمولا بها ظاهرة شائعة، ومن يدخل في الإسلام وهو يراها كذلك مشروعيتها.
وإذ تقرر هذا تبيين أن البدعة تنشأ عن أربعة أوجه:
احدها: - وهو أظهرها – أن يخترعها المبدع، وهي أولاها باسم البدعة.
الثاني : أن يعمل بها العالم على وجه المخالفة، فيظنها الجاهل أمرا مشروعا، ورتبتها بعد الأولى.
الثالث : أن يعمل بها الجاهل مع سكوت العالم عن الإنكار وهو قادر عليه، فيظن الجاهل انها ليست مخالفة، ورتبتها بعد الثانية.
الرابع : أن يكون العمل في أصله معروفا، إلا أنه يتبدل الاعتقاد فيه مع طول العهد بالذكرى، وهذا من باب الذرائع، فهو – إذن – لم يبلغ أن يكون في الحال بدعة، فلا يدخل بهذا النظر تحت حقيقة البدعة .

زبدة من كتاب الاعتصام