هل هناك مؤامرات غربية على الشرق ... بقلم : أحمد الببيلي
مقالات واراء
<DIV style="PADDING-RIGHT: 5px" align=right>
يزعم بعض أصحاب المساهمات على موقع سيريانيوز الناجح، أننا نتهم الغرب ظلماً بالتآمر علينا، ونتجنى عليه وأن الغرب لا يتآمر على الشرق ولا يطمع بثرواته ولا يريد به الشر كما نتصور..
فيقولون: (وبات يعتقد الكثيرون في بلادنا أن هناك مؤامرة غربية وعلى الأغلب (عالمية) هدفها تدمير مجتمعاتنا الشرقية, و القضاء على ..سلامة وصحة.. وتماسك وقوة.. وروعة وجمال.. وابدااااع مجتمعاتنا الشرقية الخلاقة.. !!)
نعم.. هكذا تقول أماني بعض الشرقيين البسطاء: أن المؤامرة مجرد وهم، ومحض خيال.. ولكن الشواهد التاريخية تقول غير ذلك.. الغرب ليس ذاك الملاك الطاهر أو الحمل الوديع.. بل هو دول لها استراتيجيات ومشاريع، توسعية واستعماريّة، عسكرية واقتصادية وثقافية.. تقتضي بعض هذه المشاريع والاستراتيجيات التآمر على دول أخرى إما لاستعمارها أو لنهب خيراتها وثرواتها الطبيعية بالمجان أو بأسعار رمزية، أو لتحويلها إلى أسواق استهلاكية للمنتجات الغربية، أو للقضاء على إمكانية تطورها وتحولها إلى منافس قوي.. لذا فإن إنكار وجود مؤامرة، هو بذاته أكبر مؤامرة.
لعل المثال الصارخ على مدى هذا التآمر الذي قد يفعله الغرب، هو (حرب الأفيون)
[1] فقد كانت بريطانيا في القرن التاسع عشر قد استعمرت الصين وجعلتها سوقاً لتصريف بضائعها مع الإبقاء على حكومة صينية ضعيفة .. ولكي تمنع الشعب الصيني من الثورة على المستغل البريطاني، قامت بريطانيا بتوزيع الأفيون على الشعب الصيني وتشجيعه على الإدمان عليه!! بل صارت توفر الأفيون الغالي بأسعار رخيصة لكل الشعب الصيني، ليبقى هذا الشعب مخدراً طيلة الوقت وغافلاً عن قضاياه المصيرية، وحين أحس الصينيون بمدى الضرر الحاصل من الإدمان على الأفيون وعدد الوفيات الكبير الناتج عن ذلك، اتخذت الحكومة الصينية عام 1839 قراراً شجاعاً بمنع دخول الأفيون إلى الصين، وقامت بإتلاف مخزون الأفيون الذي كان البريطانيون يحتفظون به في مدينة كانتون، فهددتها بريطانيا إن لم تقبل بدخول الأفيون إلى الصين بالحرب!! ثم شنّت بريطانيا العظمى حرباً دامية على الصين استمرت من عام 1839 حتى عام 1842 سماها البريطانيون - قبل غيرهم - (حرب الأفيون) فهزمتها وأجبرت الصين على توقيع معاهدة تانكين سنة 1842 والتي تنص على السماح بدخول الأفيون إلى الصين، وتمنح جزيرة هونج كونج لبريطانيا مقابل الأفيون الذي تم إحراقه ومقابل الأضرار التي أصابت البريطانيين!!!!!! وشنت بريطانيا وفرنسا حرب الأفيون الثانية سنة 1856 وانتهت الحرب في 1858 بمعاهدة جديدة أشد إجحافاً من سابقتها.
[2] فتحت كل المدن الصينية أمام تدفق المخدرات.
ونفس هذا السيناريو حاولت بريطانيا تطبيقه في مصر أثناء الاحتلال البريطاني لمصر، لكنه فشل بسبب فتاوى تحريم الأفيون.
المثال الصارخ الآخر على التآمر الغربي هو اتفاقية سايكس بيكو، ففي الوقت الذي كانت بريطانيا وفرنسا تغدقان الوعود على العرب وعلى الشريف حسين بإعطاء العرب استقلالهم وحريتهم في دولة مستقلة واحدة ذات سيادة، في مقابل الثورة على الأتراك، كانت وزارتا الخارجية البريطانية والفرنسية تلتقيان للاتفاق على استعمار بلاد العرب وتقسيمها بين بريطانيا وفرنسا، مع تخصيص وطن قومي لليهود فيها!! وهو الشيء الذي ما زلنا نعاني من آثاره أشد المعاناة حتى اليوم..
وعملية الانتداب والاستعمار كانت عملية نهب منظم للدول الواقعة تحت الانتداب. ففي 2 آب 1920 فرضت سلطة الانتداب على سورية الداخلية ما أسموه غرامة حربية مقدارها 200 ألف ليرة ذهبية وأصدر رئيس الوزراء الدروبي قرارا بتوزيع مبلغ الغرامة على كل المناطق، وكل مواطن يتخلف عن المشاركة في دفع الغرامة يساق إلى الحجز العرفي وتصادر ممتلكاته!!
[3]
وبعد حادثة مقتل الدروبي في محطة قطار (خربة غزالة) في 18 آب 1920، فرضت فرنسا غرامة أخرى مقدارها 100 ألف ليرة ذهبية كغرامة حربية + 10000 ليرة ذهب عن كل وزير قتل و7000 ليرة ذهب عن كل ضابط إفرنسي و500 ليرة ذهب عن كل جندي مقتول!! وكل هذا المال دفعه الشعب السوري من تعبه وعرقه وذهب إلى الخزينة الفرنسية!!هذا غير أحكام الإعدام التي نفذت..
[4]وبعد محاولة اغتيال الجنرال غورو في 23 حزيران 1921 فرضت على كل مواطن من سكان الجولان دفع غرامة مقدارها 100 ليرة ذهب وطبعاً عجز معظمهم عن الدفع فصادرت الحكومة الفرنسية ممتلكاتهم وباعتها بالمزاد العلني.
[5]
ثم في شهر آب 1922 وبعد وضع النقود التي أصدرها الملك فيصل لدولة سورية في المتحف الوطني!! عقدت الحكومة الفرنسية (اتفاقية المصرف السوري) مع السيد صبحي بركات (المسمى رئيساً للاتحاد السوري!) جعلت هذه الاتفاقية بنك سورية المركزي، يدار من قبل شركة مساهمة فرنسية مقرها باريس، وجعلته خاضعاً لكل الضرائب التي تطبق على البنوك الفرنسية!!! وكلفت الشركة الفرنسية ممثلة بالسيد موريس بيدار والسيد رينيه فورتيه بإصدار العملة السورية، ونصت المعاهدة على أن الأرباح الناجمة عن ضياع وإتلاف أوراق النقد السوري تعود كلها إلى فرنسا!!
[6] ولم يوفر الفرنسيون فرصة لنهب مال الشعب السوري لم يستغلوها، فقد ذهب الجنرال كاربيه في زيارة إلى قرية في جبل العرب، ولأن السكان كلهم لم يتركوا أعمالهم ويستقبلوه على خيولهم، فرض غرامة باهظة على السكان ثم أخذها ووضعها في جيبه، وكرر ذلك الفعل في قرية أم رمان، أما الملازم موريل فقد ادعى أن قطته الأليفة خرجت وضاعت في مدينة السويداء، ففرض غرامة على كل مواطن في السويداء مقدارها عشرة ليرات ذهب!! ثم وجد مصباحاً مكسوراً في أحد الطرق هناك ففرض عليهم غرامة عشرة ليرات ذهب أخرى عن كل مواطن!!
[7] وعندما ثار السوريون لم تتورع فرنسا عن تدمير ثلث مدينة دمشق على الأقل بالمدافع والطيران
[8] وقد قتلت في الثورة السورية الكبرى، وأثناء التدمير الذي تعرضت له قرى جبل العرب، نسبة من السكان مقدارها: ثلث الذكور في هذا الجبل!!
قد يقول قائل إنّ كل هذه المؤامرات والفجائع حصلت في التاريخ الماضي ولكن الغرب تطوّر الآن وصار حضاريّاً وإنسانيّاً بكل معنى الكلمة، وينسى هذا القائل كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية التي جوّع الغرب العراقيين بسببها في حصار دام لمدة عشر سنوات، ثم قادت الكذبة ذاتها إلى احتلال العراق وتدميره بالكامل، وإعادته إلى العصر الحجري، حيث قتل في السنوات الماضية ما يزيد على نصف مليون عراقي. وياليت الأمر كان يقتصر على العراق، فقد كانت هناك خطة استراتيجية أمريكيّة اسمها (Clean Break<SPAN lang=AR-SA ) تقتضي باحتلال ست دول عربية وإقليمية بعد ذلك وتقسيم إحدى الدول العربية الكبيرة، من أجل السيطرة التامة على منابع النفط* وطريق نقله< span>
[9]. ولكن الفشل الغربي في العراق كبح هذه الخطة وأعادها إلى الأدراج
وأما إثارة الفتن الطائفية والمذهبية في الشرق، فحدث ولا حرج، فالبعثات التبشيرية التي جاءت باسم التبشير، كان المسيحيون العرب والشرقيون هم عدوها الأول وضحيتها الأكبر، فكل الفتن الطائفية التي حصلت في لبنان وسوريا وحصدت الكثير من الأرواح، كان للدول الغربية وبعثاتها التبشيرية يد فيها، بل شارك في القتال في هذه الفتن مبشرون غربيون مسلحون كالراهب اليسوعي (فرديناندو بونا شيتا) الذي قتل في اضطرابات بلدة زحلة سنة 1860 بعد أن قتل سبعة من المواطنين اللبنانيين
[10].. وكان دور هذه البعثات من السوء بحيث قال الشاعر اللبناني المسيحي الياس فرحات مطالباً الغرب بسحب بعثاته
[11]:
بعثْت لنا الوفود فمزقتنا = كما علمتها شطراً فشطرا
خذوا بعثاتكم عنا فأنتم = بها من كل أهل الأرض أحرى
ولا تدعوا إلى الإيمان شعباً = يرى الإكراه في الإيمان كفراا
ولا تتلوا لنا الإنجيل إنا = كتبناه لكم سطراً فسطرا
بعثنا الدين في الدنيا صلاحا = فلما صار فيكم صار وِزرا
وحسبنا أن المصادر الغربية ذاتها تعترف أن كل هذا الثراء والرخاء الذي تعيشه دول غربية كهولندة وبريطانيا، ناتج عن نهبها لثروات الدول التي استعمرتها لقرون طويلة،
[12][12]
هل هناك مؤامرات غربية على الشرق ... بقلم : أحمد الببيلي
النمط الخطي
