العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة بـــوح الخــاطـــر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نقد تنبيه الأنام على مسألة القيام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الزراعة المثالية ولعنــة الأدويــة الكيماويــة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: New death (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال البروباغاندا الهدوءُ والفتك (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى كتاب إرشاد الأخيار إلى منهجية تلقي الأخبار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الميسر والقمار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: المعية الإلهية فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد رسالة في جواب شريف بن الطاهر عن عصمة المعصوم (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 05-06-2010, 10:29 AM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(50)

حضر سالم سائق سيارة (الكمر) بسيارته، وأوقفها أمام دار أبي صابر، ودخل ليتباحث مع أبي صابر عن بدء عمله، وكان لأبي صابر أربعة حقول اثنان منها مزروعان بالقمح وواحد بالعدس، في حين كان الرابع مرتاحاً (بلا زراعة)، حسب الدورة الزراعية المتبعة في المنطقة.

استغل عكرمة غياب سالم في داخل الدار، فصعد مع صديقه إعْوَيِد، وجلس في مكان السائق، في حين جلس صاحبه في الطرف الثاني للمقعد، أمسك عكرمة مِقود السيارة، وأخذ يضغط على شفتيه ليخرج زفير الهواء ليقلد بذلك صوت محرك السيارة، ويتمايل يمينا وشمالاً وينهض قليلاً ثم يعود ليسند ظهره الى ظهر المقعد.

لفت انتباه إعْوَيِد ، تلك النتوءات البارزة بكثرة (مفاتيح التشغيل)، فأخذ يسأل عكرمة عنها، وعكرمة لا يتوانى في الإجابة ـ الخاطئة طبعاً ـ عن كل سؤال..
لماذا هذا المفتاح ؟
هذا للتشغيل
ـ وهذا؟
ـ هذا لتنبيه من في الطريق..
ـ وهذا؟
ـ لزيادة السرعة..
ـ وهذا؟
ـ هذا لمسح الزجاج الأمامي.
بقي العديد من المفاتيح، في حين لم يبق لدى عكرمة ما يمكن الإجابة به..
ـ وهذا؟
ـ هذا لقلب السيارة، أي لجعلها تتدهور!

خرج سالم من الدار وأمر الأطفال بالنزول من قمرة القيادة. وفي هذه الأثناء، وصل ثلاثة من الفتيان الناضجين الذين بعمر أقل من مرحلة القدرة على الحصاد بقليل، ليقوموا بعملية نقل القش المحصود من الحقل الى (البيدر).

صعد العمال الفتيان الى صندوق السيارة الخلفي، والمشغول من الخشب المحلي، والمصمم تصميماً عربياً، بنقشاته وألوانه وهيئته، في حين صعد عكرمة وصاحبه إعويد على البروز الملحق بصندوق السيارة والذي يعتلي قمرة القيادة. أخرج سالم أداة تشبه حرف z وأدخل طرفها في مقدمة محرك السيارة ولفها بسرعة فائقة، ثم أخرجها من مكانها في نفس الوقت، فانطلق صوت محرك السيارة، وانبعثت رائحة البنزين النفاثة، لتضفي طقساً مستحدثاً على المشهد.

ما أن أخذ السائق مكانه، حتى صعد أبو صابر الى جانبه، منطلقين نحو الحقل، وعكرمة وصاحبه يصيحان بصوتيهما على أترابهما الذين يمرون عليهم في الطرقات متباهين في حظوتهما.

(51)

وصلت السيارة الى الحقل، وأبقى سالم محرك السيارة في حالة شغل، في حين استدار خلف السيارة ليسحب قطعة خشب (لاط) بطول أربعة أذرع وبعرض قدم، وبسماكة تزيد عن سماكة اليد مرتين، ثبت بها قطع خشب عرضية بواسطة المسامير، وتبعد كل قطعة عن الأخرى بقدر نصف ذراع، حتى يستخدمها العمال كسلم كان الناس ولا زالوا يسمونها (سقالة).

فتح سالم الباب الخلفي للسيارة، وثبته بشكل أفقي بواسطة جنزير وشنكل، ووضع السقالة على طرفه، في حين ثبت طرفها الآخر قليلاً بتراب الحقل، وأشار الى العمال أن يبدءوا بتحميل السيارة بالقش.

في هذه الأثناء، تمشى أبو صابر نحو الحصادين في طرف الحقل الذي لم يُنجز حصيده بعد، حاملاً بيده (صرة) بها بعض الحلوى إكراما لجهد الحصادين، وحياهم تحية الفلاحين: صح ابدانهم .. الله يعطيهم العافية.. ردوا التحية.

كان الحصادون يتحايلون على حرارة الطقس وخشونة العمل بأصوات أهازيج (عبثية) لا معنى لها سوى تشجيع أنفسهم، حتى لا يدب فيهم التعب والملل.. وكانت صوت قطع سيقان القمح بحد المناجل يشكل إيقاعاً لأهازيجهم.

(شيخنا .. جاها) ويعيدون هذا المقطع وكل مقطع عشرات المرات، فالنهار طويل.
(بالبير دلاها) (حية حمرا) (مثل الجمرة)
(شيخنا .. صالح) (جاي امبارح) (يزحف زحفة) (باربع رغفة).

كان سالم يحرك سيارته بين (الحلل) و(الحلة) عبارة عن قش محصود، تتواجه سنابله الى الداخل وجذوره الى الخارج، كانت كل حلة بطول ثلاثة أذرع، وارتفاع حوالي ذراع، وعرضها هو مجموع طول الساقين المتقابلين للقمح المحصود. كان على العامل أن يحمل كل حلة على سبع الى عشر دفعات.

وبعد أن امتلأت السيارة بقش الحصيد، صنع العمال حوالي عشر شباك، كل شبكة تأخذ حلة كاملة، ليضعوا تلك الشباك، فوق ظهر السيارة واثنتان منها تقفان على الباب الخلفي المثبت بجنزير، ثم يربط العمال الحبال ليمنعوا القش من السقوط أثناء العودة.

(52)

لم تستأذن (ذيبة: أرملة ياسين) من أبي صابر في حركتها، فبعد أن أكمل صابر والفتيان الذين معه تنزيل السيارة، أخذت مكانها بجانب كوم القش، لتأخذ حزماً من القش وتفرك سنابله لتستخرج بعض القمح لتسلقه لأولادها.

بادر أبو صابر، بدفع قش القمح نحوها بواسطة أداة التقليب (الشاعوب) وأمر عكرمة أن يساعدها في فرط سنابل القمح.
ـ (الله يخلف عليك ولا يخلف على أبي مناور، اللي نهرني ومنعني من الاقتراب من بيدره).
ـ توكلي على الله، خذي ما تحتاجين، فالله أمرنا أن نطعم منه وقت حصاده.

توالى سالم بنقل القش، حتى أصبحت أكوام القش، كأنها تلال قرية صغيرة، يراقبها رسام من بعد. لم يكن الرسام إلا عكرمة، الذي كان يصر عينه ويفتحها، ويتخيل كيف عليه أن يمر على كل سنبلة من هذه السنابل الكثيرة عدة مرات حتى يستخرج القمح منها!


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-06-2010, 12:22 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


(53)

انتشرت النسوة بمجموعات حول أكوام القش، لتخزن احتياجاتها من عيدان القمح، حيث تقطع السيقان من جهة السنبلة الى أول عقدة تليها على الساق، لتحصل على عيدان بطول أكثر من نصف ذراع. كانت النسوة تبلل تلك الأعواد ثم تصبغها بألوان مختلفة، لتقوم فيما بعد بربطها مع بعض بتقنية قديمة، لتصنع منها الأواني لحفظ الخبز والبيض وليكون قسماً منها كأعمال زينة تُعلق في صدر الغرف بنقشاتها الجميلة، كما كان بعضها يفرش تحت الموائد ليقدم الطعام من عليها.

كانت النسوة لا يشعرن بالملل، وهن يقمن بعملهن، وربما يكون لتبادلهن الحديث فيما بينهن الأثر الأكبر في عدم الإحساس بمرور الوقت. فكانت أحاديثهن تتناول طرق صنع الطعام وطباع الأزواج والكنات والأولاد والبنات، وطرق صناعة الأنسجة وغيرها من المهارات.

لقد تحدث صابر مع معلم التاريخ حول تلك الظاهرة، فقال إن هناك ما يشبهها في العلوم الطبيعية، ففي صناعة الألبان في الدول المتقدمة، تجري عملية يقال لها (التجنيس) حيث يتم فيها تفتيت حُبيبات الدهن العالقة في الحليب، ليجري بعدها (بَسْتَرَتِه) بتعريضه لدرجة حرارة عالية ثم تعريضه لدرجة حرارة منخفضة فيبقى الحليب محافظاً على قوامه وجودته لمدة طويلة.

ضحك أستاذ التاريخ، وقال: صدقت، فمجتمع بلدتنا هذه مُجَنَس ومُبَسْتَر، فلا خثرات فيه ولا طبقية ولا عُقد.

(54)

تعالت أصوات الفتية الذين يعتلون ألواح (الدِراس) التي تجرها البغال والخيل، لسحق القش تمهيداً لتذريته واستخراج القمح منه، كانوا في غنائهم الذي يشبه العويل المقدم بشكل فرِح، فلا هو حزين ولا هو سعيد، إنما كان الغرض منه التغلب على حرارة الشمس التي تضرب في بشرات ما انكشف من أجسامهم، ورؤوسهم، وليواسوا أنفسهم حتى يجتازوا هذا الصيف القاسي.

كما أن العبثية كانت تتمثل في حدي وأهازيج الحصادين فإنها كذلك عند الفتية الذين يقومون بقيادة حيوانات الدرس

يأتي صوت من بعيد:
يا ياسين يا عذاب الدراسين
وأنا عذابي معهم
قام القوم يطالعهم
يطالعهم ويباريهم
ويكسر قراميهم
وأنا أكسر لي قرمية
من قرامي السردية
سردية بنت السلطان
حاجبها يفرط رمان
يفرط مُد وربعية
من صاع الخليلية
من صاعك يا ابو موسى
يا طباخ الجاموسة

يا عزام العرايس
على لحم الفطايس

وصوت آخر يأتي من مكان آخر

بالعَلا .. يا طير ياللي بالعلا
يا ساكن الجوبة
يا محملات الحطب
حطبكن كله رِطب
رطب .. رطب تينِ
واشبع وأملي بطيني
وأملي معي محرمة
وأطعم حسن وحسينِ
وأطعم معهم كلبينِ

وآخر يعلو صوته
هيه .. طابت الطرحة هيه
هيه .. قوموا يا شواعبيه
والشواعبيه ثلاث
واحد روح على الدار
وواحد قَيَل بالفيه
وواحد قرصته حية
قرصته حية ومات
ابكن عليه يا بنات
يا بنات النشميات
ابحشن له وغمقن له
بعد عيونه مبحلقات

لم يسأل أحدٌ من أين جاءت تلك الأغاني وما معناها، فقد تناقلها الناس من جيل لجيل، حتى يُعتقد أنها كانت تقال بنفس الكلمات منذ أيام عُبادة الثالث حاكم الأنباط الذي كان يتوجه لحوران صيفاً لجني الحقول وصناعة النبيذ في مدينة (درعا).

( 55)

لم تفارق صورة جثمان (عكرمة) مخيلة صديقه (إعويد)، الذي بقي عند قبره حتى بعد انتهى أهل البلدة من دفنه.. فقد كان يستعيد المشهد: كيف أن عكرمة لدغته تلك العقرب المنحوسة، وكيف أنهم وجدوه فوق القش يخرج من فمه زبدٌ أبيض، وكيف وهم يحملوه على أكتافهم كان نعشه يجبرهم على الركض ماراً من بين أكوام القش حتى وصلوا به مسرعين الى المقبرة.

كان إعويد يبكي بحرقة شديدة، في حين لم تسكت أصوات الفتية المنبعثة من بيادر القمح والعدس، أي مصير وأي سعادة وأي شقاء، وأي حياة ستحلو بعد أن فقد صديقه الوحيد!

انتهى
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .