العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الضفائر والغدائر والعقائص والذوائب وتغيير خلق الله (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 21-11-2008, 06:33 AM   #21
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ما بعد أُحد




حدث جدال خطير وجرت مناقشات حادة فى معسكر قريش بعد معركة أحد ، كان راى البعض - وعلى رأسهم عكرمة – ملاحقة المسلمين والقضاء عليهم تماما خاصة وهم فى هذه الحالة السيئة بعد أحد . والرأى الآخر – وعلى راسهم صفوان بن امية – يقترح العودة فورا إلى مكة حيث أن الجيش القرشى قد لاقى هو الآخر نصيبا من الجراحات إلى جانب أن هناك 300 من جيش المسلمين لم يشاركوا هذا اليوم (المنافقين) وخشى أن يندم هؤلاء ويعودوا إلى صفوف المسلمين .

لم يحسم هذا النقاش سوى - القبض على وإعدام- 2 من كشافة المسلمين مما أكد شكوك صفوان وعصابته وحسم أمر العودة إلى مكة .

لقد أمر النبىّ صباح هذا اليوم بلال بأن يؤذن فى المسلمين ويدعوهم إلى المعركة رغم ما هم فيه من جراح وآلام لكنهم على الفور لبوا داعى الجهاد على أن يشارك فقط من المدينة كل من شارك بالأمس فقط ، وبلغ هؤلاء قرابة 500 مقاتل .

كانت "أُحد" أولى غزوات خالد ، وأول قيادة لأبى سفيان ، وكانت مخالفة الرماة أوامر النبى المشددة سببا رئيسيا فى الهزيمة حين عادوا إلى طبيعتهم الجاهلية فى السلب والنهب .

لقد عبر كثير من الكتّاب عن رأيهم بأن عرب هذه الفترة من التاريخ كانوا يجهلون الحرب النظامية ، وأنهم لم يكونوا من وجهة نظر عسكرية بحتة سوى غزاة ومغيرين لا يعرفون شيئا عن الحرب النظامية .

لكن قولهم هذا غير صحيح بالمرة ، فلو تأملنا تراتيب القتال التى اتخذها النبى وكذلك الأسباب العسكرية السليمة الكامنة وراء نشره قواته ، فالملاحظ أن النبى فى اختياره ميدان المعركة قد ترك المدينة مفتوحة لهجوم القرشيين ، والمدينة قاعدة المسلمين والطريق الذى يؤدى إليها مفتوحا تماما . فلو أن أبا سفيان قرر التحرك إلى المدينة فإن المسلمين لن يكونوا فى طريق تقدمه واعتراضه !!

الحق أن أبا سفيان لم يكن ليجرؤ على مثل هذا القرار وهذا ما توقعه النبى تماما !
لأنه لو فعل ذلك لعرض مجنبته ومؤخرته للهجوم من المسلمين وهذا ما حدث فعلا حيث اضطر أبو سفيان إلى مواجهة المسلمين .

كان هذا نموذجا عسكريا تكرر كثيرا فى التاريخ ، لقوة تدافع عن قاعدتها ليس بالتمركز فيها وخوض معركة جبهية بل بتهديد أى تحرك معادى لها من الجنب . وبينما كان ابو سفيان مضطرا لخوض معركة تحت ظروف غير مواتية له ، فقد كان ترتيب قواته سليما . فقد قسم الجيش إلى قوة رئيسية من المشاة فى الوسط وأجنحة متحركة للمناورة ضد مجنبات العدوّ ومؤخرته .
وبالنظر لخطة كلا الجيشين ، فإن أى قائد رومانى أو فارسى يخوض هذه المعركة فمن المؤكد أنه سيتبع نفس موقفى الجيشين .

هناك نقطة أخرى ، هى فكر خالد ، فعندما هربت القوة الرئيسية من قريش بقى الجناحان ثابتان وبشكل عام فعندما تنهار القوة الرئيسية لأى جيش تسقط الفروع والفرق الصغيرة معه ، لكننا هنا نلحظ سيطرة خالد التامة على سريته التى ظلت ثابتة لم تتحرك من مكانها ، ورفضه لقبول الهزيمة حتى لمح بعينه الثاقبة ثغرة الرماة ، هنا قرر المجازفة بخطة تحتاج شجاعة فائقة وغير اعتيادية .

إنه هنا ، لاحظ ,, فكر ،، قرر

وكل هذا فى ثوان معدودة . أثبت خالد فى موقفه هذا إمتلاكه لجرأة الشباب وحماستهم ، وفكر وأناة وحلم الكهول ، وكل هذه مقومات قائد عسكرى بارع وسوف تظهر كل صفاته هذه فى معارك لاحقة أكثر شراسة وأعظم خطرا .

كانت "أُحد" أولى المعارك التى نفذت فيها مناورات بارعة ، بعدها اخذت المناورات الحربية تبرز بشكل واضح ، وقد لمعت أسماء اكتسبت شهرة عسكرية خلال العقدين التاليين لأحد :

خالد ، عمرو بن العاص ، أبو عبيدة ، سعد بن أبى وقاص .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-11-2008, 02:13 AM   #22
الوافـــــي
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 30,397
إرسال رسالة عبر MSN إلى الوافـــــي
إفتراضي

رضي الله عنه وأرضاه
وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء
وجزاك الله خيرا أخي الحبيب / قوس المطر
على إدراجك لسيرة هذا البطل العظيم هنا

تحياتي

__________________



للتواصل ( alwafi248@hotmail.com )
{ موضوعات أدرجها الوافـــــي}


الوافـــــي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 07-02-2009, 02:15 PM   #23
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة الوافـــــي مشاهدة مشاركة
رضي الله عنه وأرضاه
وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء
وجزاك الله خيرا أخي الحبيب / قوس المطر
على إدراجك لسيرة هذا البطل العظيم هنا

تحياتي

ومن منا أيها الحبيب غير مفتون بسيرة هذا البطل الاسطورة ..

إنه - وبأقل إنصاف منا - قد تخطى حاجز كل رقم قياسىّ معروف فى قاموس اليوم ..

لنقاء روحك باقات زهر
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 07-02-2009, 02:17 PM   #24
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

غزوة الخندق



إحتلت غزوة أحد تفكير خالد عدة ايام بعد عودته إلى مكة . فكر فى مناورته السريعة على جناح المسلمين بدقة والتى ستصبح فيما بعد إحدى أهم إستراتيجياته العسكرية . لم بكن هذا فقط ما يشغل باله ، فقد كانت هنالك حقيقة هامة لم يجد لها تفسيرا .. شجاعة وصلابة المسلمين .. إن الأمر غير طبيعى أن تصمد قوة صغيرة أمام قوة تفوقها مرات فى العدد .. وأمام هجمات من كل الإتجاهات .. كالصخرة فى تصميمها وإستعدادها للقتال دفاعا عن قائدها ودينها .. خاصة أن الفريقين من عرب قريش وكلاهما من بيئة واحدة فكيف صلابة هؤلاء عن هؤلاء .. لا شك أن للدين الجديد ولشخصية النبى عاملا فى كل هذا .. لم يعرف خالد فى حياته الكره والحقد .. وما كان قتاله للإسلام كقتال زعماء قريش من الحاقدين الموتورين على هذا الدين .. لم يكن الأمر سوى معركة كالتى تشهدها ساحات الرياضة ومباراة يرمى فيها كل خصم بفنونه سعيا للفوز .

فى السنتين التاليتين لم يحدث أى صدام عسكرى مباشر بين المسلمين والقرشيين .. ولكن جرت حادثة تعرف باسم "يوم الرجيع" وهى حادثة وحشية ومريعة أساءت إلى العلاقات بين مكة والمدينة .

كانت هذه الحادثة مكيدة مدبرة من قبيلتى عضل والقارة ، حيث اقدم وفد منهما إلى الرسول لإعتناق الإسلام وطلبوا منه أن يرسل معهم من يعلمهم الإسلام فأرسل النبى معهم ستة من صحابته .. وعندما وصلوا إلى مكان يسمى "الرجيع" ظهر كمين مؤلف من مائة مقاتل من هاتين القبيلتين . وقد قتل من الصحابة أربعة واقتيد أسيرين إلى مكة هم "خبيب بن عدىّ" و "زيد بن الدثنّة" وبيعا فى مكة بثمن باهظ لأقارب بعض المشركين الذين قتلوا على يد هؤلاء الأسيرين فى السابق ، وبعد رحلة من العذاب المضنى طلب من خبيب وزيد إعتناق الاصنام فأبيا سوى الموت .

قُتل زيد أولا وكان موته سهلا وسريعا ، ولكن إستشهاد خبيب كان إستعراضيا تجمعت كل مكة لمشاهدته . إنطلق 40 ولدا من فتيان مكة بإشارة من عكرمة بن أبى جهل وأخذ كل منهم بوخز خبيب بالرماح مسببا له جراحا غير مميتة وسرعان ما تغطى جسده بالدماء من جرّاء مئات من الجروح السطحية ، وبعد أن استمر هذا المشهد لفترة تقدم عكرمة وبيده حربة بإتجاه خُبيب وفرق الأولاد ، ربما لأنهم قد تعبوا وربما لأن المتفرجين قد سئموا اللعبة ثم رفع حربته وغرزها فى قلب خبيب وهكذا وضع حدا لآلامه .

لقد نظم هذا العرض من قبل عكرمة الذى جمع الأولاد ولقنهم ما يفعلون ، لم يعلم عكرمة أنه من الممكن أن يُسامح وأن يُعفى عنه لمعارضته الشديدة للإسلام وللدم المهراق الذى سفكه فى بدر وأحد .. لكن فعلته هذه لن تُغفر له ..

ففى هذا اليوم اصبح عكرمة "مجرم حرب" ..

من الجدير بالذكر أن أبا سفيان قد تحدى النبىّ قبل مغادرته ميدان المعركة فى أُحد لمقابلة المسلمين فى بدر بعد سنة كاملة وأن النبىّ قد قبل هذا التحدى . وهذا يعنى ان اللقاء بين المسلمين والقرشيين سيتم خلال شهر آذار عام 626 م لكن وعندما اقترب الموعد شعر ابو سفيان بعد الرغبة فى لقاء المسلمين ، كانت أمطار الشتاء قليلة وعندما انتهى الشتاء ارتفعت درجة الحرارة فجاة .. كان الطقس حارا وجافا ومبشرا بالسوء فى الموسم القادم .

لكن النبى حافظ على موعده وفى أواخر آذار تحرك من المدينة 1500 مقاتلا منهم 50 فارسا ووصلوا إلى بدر لكنهم لم يجدوا أثرا لجيش قريش .

وعندما وصلت أنباء مسيرة المسلمين وتحركهم من المدينة جمع أبو سفيان القرشيين وسار من مكة بجيش قوامه 2000 مقاتل و100 من الفرسان . وبعد سلسلة من المشاورات قرر ابو سفيان العودة لمكة متجنبا القتال فى هذا العام المجدب ومن ثم عادت قوات المسلمين إلى المدينة دون قتال .

وفى هذه الأوقات من الهدوء والسلام برزت قوة جديدة إلى مسرح الأحداث ..

إنها اليهود مجتمعة مع المنافقين فى المدينة ..

لم يكن للمسلمين من خطر على اليهود فى مجتمع المدينة من ذى قبل حيث كانت قوة المسلمين صغيرة وإلى جانب هذا كانت آيات القرآن وتعاليمه تعالج بشكل رئيسى الجوانب الروحية والدينية وعلاقة الإنسان بخالقه والبعث والحساب .

وعندما هاجر النبى إلى المدينة اتخذ الإسلام دورا أكثر فعالية فى حياة المسلمين وتطرق إلى مجالات المجتمع والسياسة والإقتصاد وبناء مجتمع مدينة فاضلة لم تشهد حضارة البشر مثلها من قبل ولن تشهد بعدها مثيلا لها . وهنا بدأ الصراع مع الديانات القديمة حيث أن الإسلام دين العالمين وفى الآيات المدنية التى تعامل اليهود حافز لهؤلاء أن يدركوا خطر الإسلام إذ أنه بدأ يشملهم بدعوته ويضمهم تحت لوائه .

وبعد إنتصار المسلمين فى بدر بات خطر المسلمين أكثر تهديدا ، بعدها نقضت قبيلة بنو قينقاع عهدها مع الرسول ودخلت فى مواجهة سافرة ضد المسلمين فحاصر النبى هذه القبيلة وأجبرها على التسليم وهاجروا بعدها إلى سورية .

أما القبيلة الثانية التى نقضت المعاهدة فهى بنو النضير وحدث ذلك بعد غزوة أحد مباشرة وكان أن عوقبت نفس العقاب فهاجر قسم منها إلى سورية والقسم الآخر إلى خيبر شمال المدينة .

واستمرت القبيلة الثالثة بنو قريظة فى سلامها مع المسلمين لكن يهود بنى النضير المطرودين إلى خيبر لم يهنأوا بسلام المسلمين مع يهود أو قريش على حد سواء وهنا كان القرار بتأليب الفريقين ضد أحدهما الآخر .

ذهب وفد من يهود خيبر - وعلى رأسهم حيىّ بن أخطب - إلى قريش للتفاوض مع أبى سفيان وكلاهما متفق على خطر المسلمين المنتشر فى الجزيرة العربية وضرورة مواجهة هذا الخطر ، والجانب الآخر إقتصادى ففى حال وصول الإسلام إلى اليمامة تنقطع طرق التجارة إلى العراق والبحرين . وطالما أن المسلمين محتفظين بقوتهم فى المدينة فقد اصبح طريق التجارة إلى سوريا مغلقا تماما وقد تم تعويض هذا النقص بالتجارة مع العراق والبحرين واليمن وهو بدوره أصبح فى خطر .

بعد ذلك ذهب الوفد إلى غطفان وبنى أسد وانضمت كلاهما للحملة . وبدأ رجال القبائل فى الإستعداد والتجمع فى شباط 627 م ..

كان تعداد هذه القوات بما فيها القبائل الصغيرة يبلغ 10 آلاف مقاتل تقلد أبو سفيان قيادتها ..
شاركت قريش بأربعة آلاف ، تليها غطفان بألفى مقاتل يليها عيينة بن حصن ، وبنو سلمة بسبعمائة محارب .

تحركت قوة "الأحزاب" وعسكرت فى نفس موقعها فى غزوة أحد إلى الغرب منه وبعد أن اكتمل تجمع قوى الأحزاب زحفت كلها على المدينة .

عندما بدأت تحشد الأحزاب وصلت التقارير إلى المدينة وتلقى النبى معلومات تفيد أن القوة المقدرة للأحزاب قرابة عشرة آلاف مقاتل وكان خبرا مفزعا لكل المدينة فقد كان المسلمون ، طبعا ودائما ، أقل عددا ..

وعندما إقتحمت طلائع الأحزاب المدينة كانت المفاجأة الكبرى ، لقد حفر المسلمون خندقا كبيرا حول المدينة يستحيل معه عبور هذه القوة الهائلة التى بات وجودها بلا معنى .

لقد أشار سلمان الفارسى على النبىّ بحفر هذا الخندق وأوضح أن جيش الفرس عندما كان يخوض معركة دفاعية ضد أعداء متفوقين يلجأ إلى حفر خندق عريض وعميق فى طريق العدو بحيث يصعب إجتيازه .



وعندما انتهى حفر الخندق أقام المسلمون معسكرهم فى "تل سلع" بقوة تبلغ 3000 مقاتل . كانت الخطة الرئيسية للنبى تقضى بألا تزج بالقوة الرئيسية للمسلمين فى القتال وذلك لكى تضرب فى أية بقعة يستطيع العدو أن يحصل على موطىء قدم عبر الخندق ، ولحراسة الخندق ضد أى مفاجأة فقد خصص 200 رجل من جيش المسلمين لهذا الغرض ووضعوا كالأوتاد على التلال المسيطرة على الخندق , واستخدمت قوة متحركة مؤلفة من 500 مقاتل للقيام بأعمال دورية ضد أى متسللين قد يعبروا الخندق دون أن يراهم أحد وكذلك لتأمين الحماية ضد المناطق غير المحمية بالخندق .

عندما رأى المشركون الخندق انفجر أبو سفيان غاضبا حانقا :

"والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها"

استمر الحصار عشرة ايام وكان كلا الطرفين يواجه صعوبات ما .. بدأ المسلمون يشعرون بوطأة الجوع ولم يكن فى المدينة مخازن كبيرة للطعام وأصبح المسلمون يعيشون على نصف تعيين يومى (حصة الجندى من الطعام) . وبدأ الموقف يسوء تدريجيا فى صفوف الأحزاب أيضا وبدأ التذمر يظهر بينهم فالعرب لم يكونوا معتادين على الحصار الطويل والطقس سىء وبدأ الطعام بالنقصان لأن أبا سفيان لم يتخذ تدبيرات لحصار طويل لم يكن فى الحسبان .

فى هذه الاثناء تسلل حيّى بن أخطب إلى بنى قريظة وهى على عهدها مع رسول الله ، فأغلق كعب بن أسد صاحب بنى قريظة باب الحصن دونه فناداه حيّى :"ويحك يا كعب افتح لى" فقال كعب :"إنك امرؤ مشئوم وإنى قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بينى وبينه ولم أر منه إلا وفاءا وصدقا" وفى النهاية دخل حيّى وأقنع كعب بالإنضمام لحلف قريش ونقض عهد الرسول .

كانت حصون بنى قريظة على بعد ميلين جنوب شرق المدينة وهم سوف يهاجمون من هذا الإتجاه ويطردون بعض المسلمين من الخندق بينما تهاجم الأحزاب جبهيا . وهكذا نقض اليهود عهدهم مع النبى ولم يدركوا أنهم سيدفعون ثمن هذا غاليا .

إزدادت الأمور صعوبة وأصبح الموقف الآن أكثر توترا وانخفضت التعيينات اليومية للمسلمين من نصف تعيين إلى ربع تعيين ومع ذلك فقد ظل المسلمون صامدين والجوع قد يجبرهم على الخضوع ولم تكن هناك حلول عسكرية مباشرة للمشكلة .

أدرك النبى أن الحل الوحيد للمشكلة يكمن فى كسر الحصار بمناورة دبلوماسية ولم تكن هذه المناورة سوى "نعيم بن مسعود" وقصته معروفة لدينا كانت من نتائجها زعزعة الثقة بين قريش ويهود وهكذا تم حل أزمة الثغرة من وراء ظهور المسلمين ولم تبق سوى قوة الأحزاب الرئيسية حول الخندق .

مَلّ خالد وعكرمة من الحصار وقررا العمل بشكل منفرد على إيجاد ثغرة بطول الخندق ، فتقدما للأمام بسريتيهما وفى إحدى مواقع الخندق بالقرب من "ضباب" والمواجه لمعسكر المسلمين كانت الثغرة ..

تقدمت سرية عكرمة أولا وقفزت مجموعة صغيرة الخندق وكان بين المهاجمين عكرمة ورجل ضخم ، هذا الرجل يدعى "عمرو بن عبد ود" وفى صوت جهورى أعلن عمرو هذا عن إسمه وتحديه طلبا للمبارزة ، وساد صمت طويل فى معسكر المسلمين فعمرو هذا لم يخسر مبارزة قط فى حياته بل نسجت حوله الاساطير فهو يحمل حصانه بكلتا يديه وهو بمثابة 500 فارسا وهو باستطاعته أن يحمل عجلا بيده اليسرى ويستخدمه كترس فى القتال وأنه يستطيع كذا وكذا ....

فى هذه الأثناء تقدم شاب من الصفوف الأولى إلى النبى طالبا الإذن بالمبارزة لكن النبى رفض عرضه فعاد إلى موقعه . ثم تقدم ثانيا وثالثا إلى أن أذن له النبى بالمواجهة حين رأى فى عينيه نظرة يعرفها جيدا ، نظرة لا يمكن كبح جماحه معها ، ولم يكن هذا الشاب سوى "علىّ بن أبى طالب" ، وأمده النبى بعمامته وسيفه ، وقد أصبح هذا السيف من وقتها أحد أشهر السيوف فى الإسلام فقد كان بعدها على موعد مع قتل الكثير من أبطال الحرب فى مبارزات متكافئة ، وكان اسمه "ذو الفقار" .



__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 07-02-2009, 02:18 PM   #25
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ضرب عمرو عليا عدة ضربات لكن عليا لم يُصب باذى إذ تصدى لكل ضربة منها بسيفه أو بترسه وأخيرا بدأ عمرو فى التراجع أمام ضربات علىّ السريعة والخاطفة التى اشتهر بها .. وفى خطفة البرق ألقى علىّ بسيفه وترسه وانقض مطبقا يديه على رقبة عمرو وبضربة بارعة أخلت بتوازنه سقط أرضا ، كل هذا حدث فى ثوان ، ظل علىّ جاثما فوق صدر عمرو وحبس الجميع أنفاسهم .. هنا تحول الإرتباك البادى على وجه عمرو إلى غضب شديد ، فهو مستلق على الأرض وفوق صدره هذا الشاب الصغير الذى يبلغ حجمه نصف حجم عمرو .. لكنه على وشك أن يطيح بهذا الفتى فى الهواء كورقة تعبث بها الرياح ..

إنتفخت أوداجه وتقلصت كل عضلاته وضغط بقوة على قبضة على ليبعدها عن عنقه ، لكنه لم يستطع زحزحتها قيد أنملة ..

لم يكد يملك عمرو نفسه من الغضب فى موقف الخضوع هذا سوى أن بصق على وجه علىّ المتأهب لقتله ..

كان رد الفعل لمقاتل فى موقف علىّ أن يرفع خنجره ويطعن به صدر عمرو ، وكان عمرو مرحبا بموت كهذا وهو من عاش بالسيف ويموت أيضا بذات السيف .. لقد إرتسمت علامات الدهشة على وجه عمرو وعلىّ يقوم من فوقه مبتعدا قائلا له كلمات اشد ألما من طعنات السيف :

"إعلم يا عمرو أنى أقتلك فى سبيل الله ، أما وقد بصقت فى وجهى فلن أقتلك إنتقاما لنفسى فاذهب وعد إلى قومك"

لكن عمرو لم يعرف طعم الهزيمة ولا يرضى بسوى النصر ، فالتقط سيفه وهوى على علىّ بضربة قاصمة حطمت درع علىّ وأحدثت جرحا غير عميقا فى صدغ علىّ .. وقبل أن يهوى بسيفه مرة أخرى تلألأ ذو الفقار فى ضوء الشمس وبسرعة خاطفة وضعت حدا لهذه المبارزة الغير متكافئة ..

لم تهتز الأرض عند إصطدام هذا الجسد الضخم بها ، فالأرض ثابتة جدا ..

لكن تل سلع إهتز بأكمله من صيحة "الله أكبر" تدوى فى كل الوادى .. وبعد هذا حدثت مناوشات خفيفة مع القوة القرشية المتبقية كان على إثرها إنسحاب الأخيرة من حيث أتت ، والطريف أن حربة عكرمة قد سقطت أثناء انسحابه وعبوره الخندق عائدا ، وقد نظم حسان بن ثابت فى هذه الحادثة شعرا طريفا ..

وفى ظهر اليوم التالى ، تحرك خالد بسريته على أمل أن ينجح حيث فشل عكرمة ولكن انتبه له الحراس المسلمون الواقفون على نقطة العبور وأغرقوا سرية خالد بالنبال فما كان منه سوى الإنسحاب ، وهنا أوهم خالد قوة المسلمين بالإنسحاب ثم أقفل عائدا بعد أن اطمئن المسلمون لانسحابه وبالفعل استطاع احتلال رأس الجسر إلا أن قوة المسلمين المنظمة إستطاعت الدفع به إلى الوراء ورأى خالد أن الموقف ميئوسا منه فأمر قواته بالإنسحاب وكان هذا آخر عمل عسكرى فى غزوة الأحزاب .

وفى مساء الثلاثاء الثامن عشر من آذار هبت على منطقة المدينة عاصفة هوجاء ، وبدأت الرياح الباردة تعصف بمعسكر الأحزاب ، وانخفضت درجات الحرارة .. لم يستطع أبو سفيان التحمل أكثر فأمر قواته بالإنسحاب وكان خالد وعمرو بن العاص يسيران بسريتيهما فى مؤخرة جيش قريش لتأمينه من مطاردة جيش المسلمين .

كانت هذه هى المحاولة الأخيرة من قريش لفعل هجومى ضد قوة المسلمين فى المدينة ، بعدها تغير وضعهم إلى الوضع الدفاعى ، وانتهت غزوة الخندق وخسر كل طرف 4 من مقاتليه وتحقق هدف المسلمين بنسبة 100% حيث تمت حماية المدينة تماما وبأقل خسائر ممكنة ودون إشتباك حقيقى مع هذه القوة الضخمة .

كانت هذه الغزوة أول مثال فى التاريخ الإسلامى على إستخدام الدبلوماسية جنبا بجنب مع فنون الحرب .. خاصة حين تفشل الأخيرة فى تحقيق أهدافها .. وظلت كلمات النبى تتردد فى أسماع تلاميذه من العسكريين فى الفتوحات الإسلامية من بعده ..



الحرب خدعة ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 23-02-2009, 05:35 PM   #26
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إسلام خالد




"ما من ليلةٍ يُهدى إلى فيها عروسٌ أنا لها مُحب ، أو أُبشّر بغلام ، أحبُ إلىّ من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد فى سريّة أصبّح بها العدوّ"

إلى هذا الحد يبلغ عشق خالد للجهاد ؟ّ

التاريخ يحكى لنا عن عظماء وُلدوا لتحقيق غاية بعينها كأنهم لم يولدوا سوى لهذا الهدف تحديدا .. كما كان لخالد مقدرا أن يحمل راية الحرب ضد المسلمين فقد آن له الأوان أن يحملها دفاعا عن الإسلام ، إن التاريخ الآن على مقربة من حدث خطير ولا نبالغ إذ نقول أن هذا الحدث على وشك تغيير مجرى التاريخ ومن أوسع ابوابه .. إسلام خالد ..


وُقّعت معاهدة الحديبية فى أوائل نيسان عام 628 م ولم يكن فى حسبان النبىّ توقيع هذه المعاهدة حين توجه من المدينة إلى مكة لقضاء العمرة ومعه من المسلمين 1400 وعد كبير من المواشى للتضحية ..

على أية حال خشى القرشيون أن يكون المسلمون قادمين لقتالهم فى عقر دارهم خاصة وقد اصبح زمام المبادرة الآن فى أيدى المسلمين .. ونتيجة لذلك خرج القرشيون من مكة وتحشدوا فى معسكر قريب وأُرسل خالد إلى الأمام على رأس 300 فارس وسار على الطريق المؤدية إلى المدينة لاعتراض جيش المسلمين ، ووصل إلى "كراع الغميم" ووضع قوته فى ممر لإغلاق الطريق أمام المسلمين فى هذه المنطقة الجبلية .



وعندما وصل المسلمون إلى عسفان ، كانت تتقدمهم مفرزة من 20 فارسا لمهمة الإستطلاع ، واصطدمت هذه المفرزة بقوة خالد فى كراع الغميم وأعلمت النبى الموجود فى عسفان عن موقع خالد وقوته .

قرر النبىّ ألا يضيع وقتا فى القتال وكان حريصا على تجنب سفك الدماء وأداء العمرة فحسب .. أمر النبى فرقة الإستطلاع الصغيرة بالبقاء على تماس مع خالد وجذب إنتباهه لها فى حين حرّك جيشه من اليمين سالكا دروب ضيقة فى منطقة جبلية ليست بعيدة عن الساحل وكان المسير شاقا لكنه تحقق بنجاح وأمكن تفادى موقع خالد .. وعندما شاهد خالد غبار رتل المسلمين من مسافة بعيدة أدرك ما حدث وأسرع بالإنسحاب إلى مكة وتابع المسلمون مسيرهم حتى وصلوا إلى الحديبية وأقاموا معسكرهم هناك .

وبعد أن تيقن القرشيون أن المسلمين لم يأتوا لقتال تم توقيع معاهدة الحديبية ونتيجة للبند الخامس فيها إنضمت خزاعة لحلف النبى فى حين انضمت بنو بكر لقريش وكانت هاتان القبيلتان فى عداء مستمر ونزاع مستحكم منذ الجاهلية .

بعد مضى بعض الوقت ، حدث تغير فى فكر خالد .. ففى البدء كان يفكر بشكل رئيسى فى الأمور العسكرية ولما كان يعرف مقدار إمكانياته وتفوقه العسكرى ، كان النصر يفلت منه دائما بشكل أو بآخر .. ففى غزوة أحد إستطاع المسلمون أن يتجنبوا هزيمة كبيرة على الرغم من مناورته البارعة وقد أعجبه تراتيب القتال التى نظمها النبىّ وبالطريقة التى قاد فيها المعركة ضد القرشيين رغم تفوقهم عليه عدديا .. كذلك ابتعد النصر عنه فى الخندق رغم القوة الهائلة التى جمعها القرشيون وأخيرا فى الحديبية حين تفوق النبىّ على خالد فى خداعه بقوة إستطلاع المسلمين التى شغلته عن القوة الرئيسية ، كان خالد يفكر فى هذا الرجل ولم يستطع أن يخفى إعجابه بالصفات التى يتحلى بها ..

الحرب فى عقيدة خالد مغامرة لها طعم خاص ، تماما كعشاق الخطر والأدرينالين فهم يشعرون فيه بالحياة .. بات واضحا أنه يشتاق إلى هذا الدين الجديد خاصة أن الأخبار تتوارد إليه عن حملات المسلمين الناجحة والفرق الصغيرة المنتشرة هنا وهناك تحقق نجاحا تلو الآخر ..

وبين غزوة أحد والحديبية قام المسلمون بثمانية وعشرين حملة كلها ناجحة واشهرها خيبر ..

لم يكن خالد يكره الإسلام كراهية عتاة الكفر فى قريش له .. فقد وجد نفسه ملزما بالدفاع عن قريش وعقيدتها وهو حامل لواء بنى مخزوم ومخزوم كما قلنا نواة جيش قريش ..

والأهم ، بات واضحا من وجهة نظره العسكرية أن قضية قريش خاسرة .. فالمسلمون فى إزدياد وصلابة يوما بعد يوم .. وقريش اكثر ضعفا بمرور الوقت .. ومن أهم سمات القائد الناجح ألا يحارب معركة هو موقن بخسارتها ولهذا الأسلوب تحديدا نجاح وبراعة فى تكتيك خالد العسكرى .. فقرار الإنسحاب قد يكون أكثر خطورة وجرأة من قرار الحرب ..

وكان القرار الخطير .. إسلام خالد ..

كان أول المعترضين وبشدة هو صديق الطفولة عكرمة بن أبى جهل .. ولكن عقل خالد يختلف تماما عن عقول قريش ، فقد كان لخالد "فكر متفتح" .. تتصارع الافكار فى عقله بحثا عن الحقيقة لكنه لا يوأدها كلها إنتصارا لفكرة واحدة كما فعل سادة قريش ..

يقول العقاد فى كتابه "عبقرية خالد" :

كان إسلام خالد ضربا من التسليم ..

كان ضربا من التسليم بمعناه العسكرى المصطلح عليه فى عرف القادة ورجال الحرب ..

لأنه أسلم أو سلم تسليم القائد البصير بحركة القتال بين المد والجزر والنصر والهزيمة ، الخبير بموضع الاقدام وموضع الإحجام ، المقاتل والقتال شجاعة ، المسالم والسلم ضرورة لا محيص عنها ..

ولم يكن تسليمه تسليم العاجز ولا المتخاذل بل لعله بلغ من نفسه غاية الثقة حين اسلم ، كأنه آمن بالله لأنه علم من ذات نفسه أنه لن يغلبه إلا الله وكأنه قال فى قرارة نفسه :

أيهزمنى أحد وليس له مدد من النبوة ؟ أيعلو سيف على سيفى وليس له سر من السماء ؟

فبلغ نهاية الإيمان بنفسه يوم بلغ بداية الإيمان بالله ..


لم يكن إسلام خالد وليد اللحظة بل قرار أثرت فيه الأحداث من حوله ليجد نفسه أخيرا فى معسكر الإسلام .. وكأن هذا القرار كان فى مخيلته ومحل تفكيره منذ أيام الإسلام الأولى ..

حين انقسم بيت المغيرة بين معسكر الجاهلية ومعسكر الإسلام وأصبح فى معسكر الإسلام أخوان حبيبان إلى خالد هما الوليد وهشام ..


وحين أصغى ابوه إلى القرآن فحدث آل بيته عنه ذلك الحديث الذى أرابهم وأشجاهم .. فأوشك أن ينطق برسالة السماء إلا أن تراجع عنه واصفا دعوة محمد بالسحر الذى يفرق بين الرجل وزوجه وبنيه وبين السيد ومولاه ..

وحين شهد خالد سكينة المسلمين فى الحديبية وهم قائمون للصلاة .. وهجس فى خاطره أن يغير عليهم فصدته عنهم رهبة الصلاة ونخوة الفارس المحجم عن الغدر والغيلة وسرى فى روعه أن لمحمد لسرا وأن الرجل ممنوع ..

مات الشيوخ الذين كانوا يخيمون بوقارهم وعقولهم على العقول وتهيأ الجو للسؤال :

فيم هذا العداء والنضال ؟ أمن أجل الكعبة ومحمد يرعاها ويحترم جوارها ويحج إليها ؟ أم من اجل العصبية والقومية وشرف محمد شرف العرب أجمعين ؟ أم من أجل الكرامة ومحمد يصون للعزيز كرامته ويعرف للحسيب قدره ؟

ومن اين لمحمد ذلك النصر المبين بعد النصر المبين ؟

ومن اين له ذلك العون الذى يدركه وقد احاطت به الهزيمة من كل فج فإذا هو ناصل منها وإذا هو الطارد الظافر وقد خيل إليهم أنه الطريد المخذول ؟

ومن أين للمسلمين ذلك الأدب وذلك الخشوع .. ومن اين للنبى بينهم ذلك السلطان الصادع والصوت المسموع ؟


حانت الساعة لوزن الأمور إذا .. وإذا بذات التفكير يشغل عقل رجلين هما عبقريا قريش ..

خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ..

وتلك رسالة له من أخيه الوليد يقول فيها :

"... أما بعد .. فإنى لم ار أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام ، وعقلك عقلك ، ومثل الإسلام ما يجهله احد ؟ ..."

ثم مضى يقول :"سألنى رسول الله عنك فقال : أين خالد ؟ فقلت : يأتى به الله .. فقال : ما مثل خالد يجهل الإسلام ، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له ولقدمناه على غيره"


تلك كانت الدعوة التى جاءت فى أوانها ..

وكان إسلام خالد هو الجواب ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-04-2009, 09:01 AM   #27
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

غزوة مؤتة


أحاط بالنبى نخبة من كبار الرجال مختلفون فى الأعمار والأقدار .. مختلفون فى البيئات والأحساب .. مختلفون فى ملكات العقول وضروب الكفايات .. مختلفون فى فهم الدين وبواعث الإسلام .. فكان إختلافهم هذا آية من أصدق الآيات على رحابة الأفق وتعدد الجوانب فى نفس ذلك الإنسان العظيم ..

وما من عظيم من هؤلاء العظماء إلا كان تقدير النبى إياه بقدره الصحيح آية على عرفانه الشامل بخصائص النفوس وسبره العميق لأغوار الطبائع والأفكار .. ولكن تقديره لخالد بن الوليد على التخصيص كان آية الآيات فى هذا الباب .. لأنه لم يكبره إكبار السياسى الذى يستجمع القوة حواليه وينزل كل زعيم منزلة قومه .. وإنما أكبره لأنه عرف أقصى مستطاعه قبل أن يظهر من مستطاعه كثير .. وسماه "سيف الله" وبينه وبين الوقائع التى استحق بها ذلك اللقب الجليل بضع سنوات .. بل سماه سيف الله وهو قافل من معركة يتلقى المسلمون من عادوا منها بالنكير والتشهير .. ويحثون فى وجوههم التراب ويصيحون بهم أينما وجدوهم .. يا فرار .. يا فرار .. فررتم فى سبيل الله ..

لم يكبر النبى خالدا كما أكبر ابا سفيان تألفا له ورعيا لمكانته فى قومه ولكنه أكبره للصفة التى سيوصف بها فى تاريخ الإسلام بعد إهتدائه إليه ببضع سنوات ..

أكبره لأنه "سيف من سيوف الله" والناس لا يرون إلا الهزيمة والإرتداد .. ولم يكن النبى موليه القيادة فى المعركة التى ارتد منها بجيش المسلمين فيقول قائل انه ينصر المسئول عن إختياره ..

كثير من رؤساء الأمم يعرفون موضع الإكليل من رؤوس القادة وهم منتصرون ظافرون .. ولكنه موضع يخفى جد الخفاء عن أنظار هؤلاء الكثيرين إذا لم يدلهم عليه ضياء النصر والظفر .. ويبقى للعين الملهمة وحدها أن تراه فى ظلام المحنة والبلاء ..

وقد يعجب المؤرخون كيف سُمى "سيف الله" بعد مؤتة وفيم إستحق هذا اللقب الذى لا يعلوه لقب فى الإسلام .. والنبى توفاه الله فى السنة الهجرية العاشرة .. لكنه عرف أنه حقيق بذلك اللقب وسماه به قبل أن يهزم المرتدين وقبل أن يهزم الفرس والروم وقبل أن يصون للإسلام جزيرة العرب ويضم إليها العراق والشام .. وهى الأعمال التى استحق لأجلها كلها ..

سيف الله المسلول ..

كان خالد الذى بلغ الآن الثالثة والاربعين مسرورا فى المدينة حيث أصدقاءه القدامى ، ووجد أنه موضع حفاوة وتكريم من الجميع .. وتم نسيان النزاعات القديمة وسادت المدينة روح جديدة .. وعكف خالد على زيارة النبى باستمرار ليتعلم الإسلام ..

بعد وصول خالد إلى المدينة بثلاثة اشهر ، سنحت له الفرصة ليظهر ما يستطيع أن يفعله كجندى وكقائد للدين الذى اعتنقه ..

بعث رسول الله مبعوثا إلى أمير بصرى الغسّانى .. وحمّله رسالة تدعو هذا الزعيم لاعتناق الإسلام .. وعند وصول المبعوث إلى مؤتة اعترضه شرحبيل بن عمرو الغسّانى .. وقتله .. واعتبرت هذه الجريمة عملا شائنا بين العرب وغيرهم على حد سواء .. لأن المبعوثين الدبلوماسيين كانوا يتمتعون بحصانة ضد أى إعتداء بالرغم من عداوة الجانب الذى يمثلونه ..

وأُعدت حملة فى الحال لتأديب قبيلة غسّان .. وعيّن النبى زيد بن حارثة قائدا للحملة فتجهز الناس للخروج وعدتهم 3000 مقاتل من بينهم خالد جنديا ضمن صفوف المسلمين ، كانت المهمة تتلخص فى البحث عن الرجل المسؤول عن جريمة قتل المبعوث المسلم وقتله ثم الطلب إلى أهل مؤتة أن يدخلوا فى الإسلام ..

عندما انطلقت قوات المسلمين ، لم تكن تعرف مقدار العدو الذى ستقاتله .. وأوصاهم النبى :

"ألا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا ولا فانيا ولا معتزلا بصومعة ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء"

وأين منها تعاليم الحرب فى حضارة غير حضارة الإسلام ..

وما إن نزل المسلمون "معان" من أرض الشام .. حتى علموا بأن هرقلا قد عسكر بمآب فى مائة ألف من الروم ومائة الف من قبائل لخم وجذام .. وقد يقع فى الخاطر أن الروم علموا بمسير جيش المسلمين فأعدوا هذه الجحافل الجرارة ثم سيروها إلى تخوم الدولة فى مدى الأيام التى مضت من خروج جيش المسلمين إلى بلوغهم أرض معان .. وهو خاطر بعيد جد البعد لما هو معلوم من صعوبة جمع الجيوش وتسييرها فى مثل هذه السرعة ..

والأرجح أن هرقل إنما كان هنالك فى جموعه فى زيارة الشكر التى نذر لله أن يؤديها إذا هو ظفر بالفرس ورد منهم صليب الكنيسة الكبرى الذى حملوه معهم يوم فتحوا بيت المقدس ، وربما كان هرقل قد بارح بيت المقدس فى ذلك الحين وتخلفت جيوش ركابه لأداء الفريضة ..

كما رأى المسلمون أن الحرب بين عسكرين على هذا التفاوت عمل غير مجد .. ولم يكن منظورا ولا مقصودا عند مسير الجيش من المدينة .. فترددوا مليا يفكرون فى الأمر .. هنا غلبت حماسة الشاعر وحمية الشهيد على عبدالله بن رواحة فاتنتهر المترددين والمثبطين قائلا لهم :

"يا قوم ، إن التى تكرهون للتى خرجتم تطلبون .. الشهادة .. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة" .

إقترب العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها "مؤتة" ، نظم زيد قواته بالاسلوب التقليدى ، قلب وميمنة وميسرة ، وكان هو وخالد فى القلب ..

شكّل الغساسنة الذين كانوا بقيادة مالك بن زافلة ، قواتهم على شكل كتلة عميقة لمواجهة المسلمين . وبدأت المعركة .. قاتل زيد بن حارثة براية رسول الله حتى قتل .. ثم أخذ الراية جعفر بن ابى طالب فقاتل بها القوم حتى قُتل .. وهنا بدأت الفوضى تدب فى صفوف المسلمين ، لكن عبدالله بن رواحة أخذ الراية بسرعة ثم تقدم بها على فرسه ليستعيد النظام ، ثم قاتل حتى قُتل ايضا .

الآن بدأت الفوضى تدب فى صفوف المسلمين أكثر من ذى قبل حيث كان القتال عشوائيا وبشكل غير منظم فى مجموعات صغيرة تتالف من شخصين أو ثلاثة ، ولحسن حظ المسلمين فإن العدو لم يستغل هذه الفرصة ولو فعل لتمكن من إبادة جيش المسلمين الذين كانوا بدون قائد . وربما يرجع سبب ذلك للبسالة والشجاعة التى أظهرها قادة المسلمون ، وكذلك الجرأة التى قاتل بها المسلمون مما جعل العدو يتخلى عن القيام بأعمال حاسمة وجريئة ضدهم متوخيا الحذر .

عندما سقط عبدالله بن رواحة أخذ الراية ثابت بن ارقم ، فقال : "يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم" قالوا : أنت ، قال : ما انا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد" فأخذ الراية خالد وتولى القيادة .

أصبح الموقف الآن خطيرا ، لقد أظهر القادة الذين تولوا القيادة قبل خالد شجاعة أكثر مما أظهروا من فنون القتال . هنا إستعاد خالد السيطرة على جيشه الصغير ووضعه بترتيب قتال منسق ، وكان عليه ان يختار أحد الحلول الثلاثة التالية :

الأول ، أن ينسحب وينقذ المسلمين من الإبادة ولكن هذا الحل سيلام عليه خالد والمسلمون ..

والثانى ، أن يتحول إلى الدفاع ويستمر فى القتال وفى هذه الحالة فإن التفوق العددى الرهيب فى جيش العدو سيؤدى ولا شك إلى حسم المعركة ..

أما الثالث ، فهو أن يهاجم ويقلب توازن العدو وبذلك يكسب خالد مزيدا من الوقت لدراسة الموقف ووضع خطة أفضل للعمل .

كان الحل الثالث هو أقرب الحلول لطبيعة خالد ، فهاجم المسلمون بعنف على طول الجبهة وفى مقدمتهم خالد . تراجع الغساسنة قليلا تحت ضغط المسلمين على أمل أن يكتسبوا الوقت لإعادة تنظيم صفوفهم خاصة بعد أن نجح قائد ميمنة المسلمين "قطبة" من قتل القائد الغسانى "مالك" فى مبارزة ..

فى هذه اللحظة كان خالد يتناول السيف العاشر حيث كسر قبل ذلك تسعة من السيوف فى مبارزات عنيفة ، وأبلى خالد فى هذه المعركة ما لم يبله قط فى غزواته الكبرى على كثرتها .

عندما تراجع المسلمون ، جمع خالد قواته وقطع التماس مع العدو وانسحب الجيشان فى مواجهة بعضهما إلى الوارء بعيدا عن مرمى النبال ، وكان كلاهما يلتمس الراحة وإعادة التنظيم .. وانتهت هذه الجولة من المعركة لصالح المسلمين وفقد المسلمون حتى الآن 12 رجلا فقط .. أما العدو فلا توجد معلومات عن مقدار خسارته لكن لا شك أنها كانت جسيمة لأن كل قائد من قادة المسلمين كان مقاتلا بارعا كما أننا قد نتساءل أين كسرت هذه السيوف التسعة بيد خالد !

وعلى كل الأحوال ، فإن الموقف لم يظهر أى أمل فى نجاح آخر للمسلمين .. لقد أبعد خالد الهزيمة عن المسلمين وانقذهم من العار لكنه لا يستطيع فعل أكثر .. وفى المساء انسحب خالد بجيشه من مؤتة متجها إلى المدينة .

كان المسلمون العائدون من مؤتة فى حالة نفسية سيئة ، لأنه لم يسبق لهم منذ غزوة "أحد" أن يقطعوا التماس مع العدو ويتركوه يسيطر على ميدان المعركة .

يصف بعض المؤرخين مؤتة بأنها نصر للمسلمين ويصفها البعض بالهزيمة لكنها لم تكن ايا منهما .. كذلك لم تكن مؤتة معركة كبيرة أو حتى هامة لكنها منحت خالد هذا اللقب .. أعظم لقب عسكرى عرفته حضارة الإسلام .. سيف الله ..

وهنا تلميح يخفى على كثيرين .. هذا اللقب المذهل .. إن له معنى واحد فقط .. سيف الله .. إنها نبوءة النبىّ لهذا البطل ..

أنت يا خالد سيف من سيوف الله ..

فمن يستطيع كسر هذا السيف ! إنه سيف لن يكسره خصم ما كانت فيه حياة ..


وقد سمعنا فى عصورنا هذه بالالقاب الكبار تضفى على القادة لأنهم نجحوا فى خطة إرتداد لا محيص عنها .. فتلك هى السنة النبوية تسبق النظم العصرية إلى تقدير القائد البارع بقيمة النجاح فى ارتداده كما تقدره بقيمة النجاح فى تقدمه وانتصاره .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .