العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 25-02-2008, 01:57 AM   #1
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي أســطــــــــورة الـحــــــــرب

أســطــــــــورة الـحــــــــرب

قليلون هم من أحنى لهم التاريخ جبهته إعظاما وإجلالا وحواهم بين صفحاته ..
بارعون تألقوا فى كل ميدان وتجلت فيهم ملامح العبقرية والنبوغ .. يعنينا هنا ميدان الحرب ..
إن التاريخ عندما يعرض عليك أحداثه فهو لا يعنيه الخير والشر ، قدر ما يعنيه الإنجازات والنتائج ..

برز البارعون فى فن الحرب منذ فجر التاريخ .. فسمعنا عن معركة قادش بين الفراعنة وقوات الحيثيين وخطة عسكرية رائعة من الجيشين وفن الحرب مازال طفلا يحبو حبنذاك .. وبعبقرية مذهلة تمكن الإسكندر الأكبر من سحق مملكة فارس بفضل التنظيم المذهل والبراعة فى التخطيط ..
مرورا بالقائد الدموى جنكيزخان والذى أخضع له كل آسيا ونصف أوربا الشرقى .. ونابليون بونابرت وانتصاراته الشهيرة فى أوربا .. وحتى تاريخنا المعاصر واجتياح هتلر كل أوربا فى أشرس حروب التاريخ وأكثرها دموية .. كل هؤلاء قد امتلكوا البراعة العسكرية والمهارة فى التخطيط .

وكل منهم مدرسة حافلة بشتى فنون الحرب إلا أننا هنا بصدد فن آخر .. عبقرية عسكرية هى الأشد دهاءا والأكثر انجازا والأروع من بين كل هؤلاء .. هى ولا شك تحتل المرتبة الأولى بين كل مدارس الحرب بشهادة كل الخبراء العسكريين ..إنها أسطورة وحدها فى فن الحرب ..

" خالد بن الوليد "

لا أشك أن كل من انتمى للضاد قد تعرف مسبقا على هذا الإسم وحتى الأطفال الصغار يعرفون جيدا هذا الإسم .. على أننا قد لا نعرف كثيرا عن سبب شهرته ولا عن عبقريته ..
نعرف انتصاراته الشهيرة ونعرف سيرته .. لكننا لا نعرف شيئا عن خططه الحربيه ولا عن فنونه العسكرية التى يقدرها جيدا كل العسكريين ممن مروا على سيرته .. إذا فهنا عرض شيق لحياته العسكرية .. فقط نأخذ جانب الحرب فى حياته ولن نهتم كثيرا بسيرته التى يعرفها كل منا .. هذا البطل الذى حاز أعظم لقب حربى فى التاريخ .. سيف الله المسلول

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-02-2008, 11:55 AM   #2
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

" نبوغ مبكر "

لنتعرف على جانب من حياة خالد تعالوا نتأمل هذا المشهد من طفولته :

حملق خالد والفتى الطويل القامة كل منهما فى الآخر وبدآ بالدوران ببطء وكل منهما يبحث عن ثغرة يهاجم بها الخصم ، لم يكن فى عينيهما عداوة بل مجرد منافسة وتصميم ثابت على الفوز . لقد وجد خالد أن من الضرورى أن يكون حريصا ، لأن الغلام الطويل القامة كان أعسرا قوى البنية وكان بحق أقوى فتيان قريش .
كانت المصارعة تسلية شائعة بين الفتيان فى شبه الجزيرة العربية ، لم يكن يوجد حقد فى هذه المبارزات ، مجرد رياضة . كان هذين الفتيين أقوى من الجميع كما كانا زعيمين للفتيان الذين فى سنهم ، كانا متقاربين فى العمر وكلاهما فى سن المراهقة . كان الفتى الطويل القامة أطول من خالد ببوصة واحدة وكان وجهيهما متشابهين بحيث يصعب التمييز بينها ، قذف خالد الفتى الطويل لكن هذه السقطة لم تكن عادية إذ عندما سقط سمع صوت قرقعة عالية وبعد دقيقة تبين من شكل ساقه الغريب أنها قد كسرت فقد استلقى الفتى المضروب على الأرض بدون حراك وحدق خالد بفزع إلى ساق صديقه المكسوره .
علينا هنا أن نتذكر هذا الفتى الطويل لأنه سيغير وجه التاريخ فيما بعد .
لم تكن لتؤثر هذه الحادثة طبعا على فتانا المهزوم فقد عرف عنه القوة والصلابة وهو ما سيثبته التاريخ فيما بعد ولم تؤثر على صداقتهما معا بل ظلا قريبين يتمتعان بمكانتهما فى قريش ومكانة أبيهما الوليد بن المغيرة سيد بنى مخزوم والخطاب سيد بنى عدى ..
نعم هو هو عمر بن الخطاب . وكان حريا بمن يتغلب عليه وهو من هو أن ينال المجد ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه .

قسمت قريش المفاخر والمراسم على بطونها وانتهى الشرف إلى عشرة بطون هم :

( هاشم وأمية ونوفل وعبد الدار وأسد وتيم ومخزوم وعدى وجمح وسهم )

، فكانت لهاشم سقاية الحاج وكانت لأمية راية الحرب وكانت لنوفل الرفادة وهى إعانة الحجاج المنقطعين بالمال وكانت لعبد الدار السدانة والحجابة واللواء وكانت لبنى اسد المشورة وكانت لبنى تيم الديات والمغارم وكانت لبنى مخزوم القبة وهى مجتمع الجيش والأعنة وهى قيادة الفرسان وكانت لبنى عدى السفارة ولبنى جمح الأيسار والأزلام ولبنى سهم الحكومة والأموال المحجرة وظلوا هكذا يتولونها جيلا بعد جيل حتى ظهور الإسلام .
وكانت السلطة الفعلية مقسمة إلى ثلاث : " السلطة الروحية لهاشم وعبد الدار والسلطة السياسية لأمية والسلطة العسكرية لمخزوم " .

كان بطلنا من أشراف بنى مخزوم وكانوا فى ثروتهم وعدتهم وبأسهم أقوى البطون القرشية حين ينفرد كل بطن منها عن سائر البطون .

والوليد بن المغيرة سيد بنى مخزوم رأس الرؤوس فى قريش ، نشأ خالد فى كنفه واكتسب منه بعضا من خلقه وعقله ، كان الوليد أغنى أغنياء زمانه حتى لقبوه بريحانة قريش . وهو الذى قال فيه القرآن الكريم :" ذرنى ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا "
ويروى سفيان الثورى أنه كان يملك ألف ألف دينار ، وكان ينهى أن توقد غير ناره فى منى لإطعام الحجيج ، وكان يأنف لنفسه فى الجاهلية أن يرى سكران على إباحة الخمر وشيوعها فانتهى عنها بغير ناه ،وقد كان من أصحاب الحيلة والإقدام وله ضرباته فى مواقف اللبس والتردد منها حين تداعت الكعبة وأوجس المشركون أن يهدموها ليعيدوا بناءها لحرمتها فتناول المعول وضرب الضربة الأولى بيديه وهو يقول اللهم لم ترع ، اللهم لا نريد إلا الخير ، وكان من أفقه الناس لمعانى الكلام ومن أحفظهم للشعر .

وكانت ولا شك لمكانته العظيمة فى قريش أثرا عظيما فى نفسه حتى نجده فى موقف جد عجيب حينما استمع لقراءة النبى وأتى قومه يقول :" والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو وما يعلى " وإذا به حائرا مشدوها تتنازع فى داخله قوى الخير والعقل وقوى أعظم هى قوى السلطة والمكانة .. حتى إذا حان القرار وجد لنفسه مخرجا يرضاه ضميره بأن نفى عن محمد الجنون والكهانة والشعر والكذب وارتضى أقل هؤلاء فقال :" ما هو إلا سحر يؤثر"

وكان يزعم أنه هو أحق الناس بالنبوة والقرآن ويقول :" أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها " فقال فيه القرآن :" وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم "

وفى حمى بنى مخزوم تعلم خالد كل فنون الفروسية ، وتعود شظف العيش وراض نفسه على الخشونة عمدا ليصبر على مضانك الحرب وشدائد الجوع والظمأ فى البادية ، جاء فى بعض الأحاديث أنه كان يأكل الضب ويشتهيه كما يأكله الأعراب وهو أغنى فتيان مكة .

وكان يركب الخيل المدربة وغير المدربة ، وتعلم إستخدام كل الأسلحة : المزراق والرمح والقوس والنشاب والسيف . وتعلم القتال على ظهر الحصان ومترجلا ، وكان متفوقا فى إستخدام الرمح وهو على صهوة جواده .

وكان على علم بالبادية العربية وكان كثير السفر والترحال قبل الإسلام فى كل أنحاء الجزيرة ولعله عرف فى تلك الأسفار دروبها العصية التى كان يطرقها من العراق إلى الحجاز ومن الحجاز إلى اليمن ومن نجد إلى الشام وبعضها كان يسلكه بغير أدلاء .

من كل هذا نشأ بطل عبقرى مدخر للقيادة والرئاسة بميراث حسبه وطبعه وملكات نفسه وجسده ، جاءته البطولة وهو ينتظرها ولا شك ، بل ويكاد الصدق والإشاعة معا يتوافيان إلى دلالة واحدة فى تربية هذا البطل المنذور للبطولة والعبقرية من قبل ميلاده .

وقد لعب أصدقاءه دورا هاما فى حياته ومن هؤلاء : عمرو بن العاص وأبو الحكم بن هشام وسنعرفه لاحقا بأبى جهل وهو ابن عم خالد وعكرمة بن أبى جهل صديق خالد الحميم .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-02-2008, 01:45 PM   #3
على رسلك
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
الإقامة: في كنف ذاتي
المشاركات: 9,019
إفتراضي




رضي الله عنه وارضاه


سيف من سيوف الله وبطلا عربيا مسلما



متابعون مع هذه الأسطورة الحقيقة



يا أرروع الأقواس
__________________






شكرا أيها الـ...غـيـث
على رسلك غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 11-03-2008, 11:58 AM   #4
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة على رسلك



رضي الله عنه وارضاه


سيف من سيوف الله وبطلا عربيا مسلما



متابعون مع هذه الأسطورة الحقيقة



يا أرروع الأقواس
مرت البشرية بفترات من الجاهلية ساد فيها التخبط والفساد والظلم

وشاع فيها قول التوراة فى وصف الإنسان ، يده على كل إنسان ويد كل إنسان عليه

وأرانا الآن، فى إحدى هذه الفترات الجاهلية المظلمة وقد عاد القول الشائع وقد إنكسرت شوكتنا وتكالبت علينا أمم الأرض

لعلى هنا أجد راحتى فى إنتصارات هى أروع إنتصارات المسلمين العسكرية عبر التاريخ وقد إنكسرت أمامنا أعتى قوى الأرض

نعم كان هذا فى الماضى ، وسيتكرر إن توافرت السواعد والقلوب
وأمام هزيمتنا النفسية والعسكرية فى كل أصقاع الأرض
لى عودة دائما ومنهل من ذكرى أسطورة حار فيها المؤرخون والمستشرقون

إنه حبيبى خالد ، سيف سله الله على أعداءه

على رسلك ، كونى فى الجوار


__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 13-04-2008, 10:27 AM   #5
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

الدين الجديد


أطبق الظلام على شوارع مكة وخلت الطرقات من كل صوت إلا وقع أقدام هادئة ، بدا على وجه صاحبها الشرود والتأمل والتفكير العميق . كان هذا الرجل ينتمى إلى قبيلة هاشم الشريفة وكان جميل المحيا ، مربوع القامة ، ذا منكبين عريضين ، وكان شعره يتدلى بضفائر حتى أسفل أذنيه ، وكانت عيناه السوداوان الواسعتان ذات الأهداب الطويلة تبدوان حزينتين من عناء التأمل والتفكير .

كان هنالك الكثير من أساليب الحياة عند العرب التى سببت لهذا الرجل الألم . وحيثما نظر حوله كان يجد امارات الفساد ، فى الظلم الذى يرزح تحته الفقراء والبائسون ، وفى إراقة الدماء التى لا مبرر لها ، وفى معاملة النساء اللواتى يعتبرن كالبهائم ، وكان يشعر بألم عميق كلما سمع بوأد الأطفال الإناث وكانت بعض القبائل قد تناقلت هذه العادة السيئة ،
وكان هنالك أصنام الكعبة . كان يوجد داخل الكعبة وحولها 360 صنما وكانت الأصنام التى تعبد أكثر من غيرها : اللات والعزى وهُبل . وكان هُبل فخر الآلهة عند العرب وهو أكبرها وكان منحوتا من العقيق والطريف أنه عندما استورد أهل مكة هذا الصنم من سورية كان ينقصه اليد اليمنى وكأنهم تحرجوا أن يعبدوا إلههم وهو على هذه الحالة لذلك فقد صنعوا له يدا جديدة من الذهب ولصقوها فى ذراعه . كانت ديانة العرب مزيج غريب من الشرك والإيمان بالله بل كانوا يعبدوها كما زعموا لتقربهم إلى خالق الكون والإله الحقيقى . وكانت هناك عادات الثأر والنزاعات الدموية .

كان هذا العربى الذى ذكرناه آنفا فى طريقه إلى كهف ليس بعيدا عن مكة يعتكف فيه شهرا واحدا كل سنة . يتأمل ويفكر وينتظر وهو لا يعرف ماذا كان ينتظر .

إنها رسالة السماء ووحى النبوة .

ظل النبى يدعوا سرا ثلاث سنوات حتى جمع عشيرته يوما ما ودعاهم إلى الدين الجديد فاستهزأ به الحضور وسبه عمه أبو لهب فى حين نهض شاب دون العشرين وكان نحيلا ضامر الجسم هزيل الساقين ليعلن نصره وتأييده للدعوة الجديدة والدين الجديد ، كان هذا الشاب أحد أروع الشخصيات فى جيل فريد .. إنه ابن عم النبى على بن أبى طالب وسينبأنا التاريخ عنه فيما بعد .

بدأت الدعوة فى الإنتشار تدريجيا وبدأت المعارضة تزداد حدة وقسوة وقد تزعم هذه المعارضة بشكل رئيسى أربعة رجال :
" أبو سفيان (صخر بن حرب زعيم بنى أمية) والوليد بن المغيرة (والد خالد) وأبو لهب(عم النبى) وأبو الحكم (أبو جهل) وسنسمع الكثير عن الأول والرابع .

كان أبو سفيان والوليد عزيزى النفس وموضع الإحترام . وعندما قادوا المعارضة ضد النبى لم يسيئا التصرف ولم يستخدما الشتم والذم . كان رد فعل الوليد هى الكرامة المجروحة حيث رأى نفسه أحق بالرسالة لكونه زعيم قريش وسيدها وأعرف أهلها نسبا والحق أن عائلة النبى أعرق منه نسبا فعائلة محمد تتصل بأجيال عائلته الست وهاشم هى أشرف قبائل قريش وكان عبدالمطلب جد النبى هو زعيم قريش .

أما أبو الحكم فكان أكثر هؤلاء الزعماء حقدا وتعطشا للدماء وهو ابن عم خالد وصديقه . وبسبب معارضته الشديدة للإسلام فقد لقبه المسلمون بأبى جهل ولازمه هذا الإسم حتى آخر أيامه . كان أبو جهل رجلا صغير الجسم قوى البنية خشنا وقد وصفه أحد معاصريه (كان ذا وجه كالحديد ونظرة كالحديد ولسان كالحديد) دفعته الغيرة والحقد إلى إنكار الدعوة والتى بدأت منذ فجر الطفولة فلا ينسى فى صباه أن محمدا قد رماه أرضا عندما تصارع معه فى مباراة عنيفة وسببت له جرحا فى ركبته بقيت آثاره حتى مماته .

كانت كل الوسائل محط إهتمام هؤلاء فى سبيل قتل الدعوة ووأدها قبل أن يستفحل خطرها وكان التعذيب أول هذه البدائل ويوما بعد يوم أدرك هؤلاء أن التعذيب لا يجدى نفعا أمام إصرار المسلمين وتمسكهم بعقيدتهم ، أطلقوا ضد النبى سفهاء ومتشردى مكة وألقوا فى طريقه الأشواك ، والأقذار أمام منزله وشارك فى هذه الأفعال أبو جهل وأبو لهب .

حول المشركون شتى الطرق لإهانة النبى وتعذيب أصحابه . كان للنبى عم لم يؤمن اسمه راكان بن عبد يزيد وكان بطلا فى المصارعة يفتخر بقوته ومهارته ولم يستطع أحد من أهالى مكة إلقاءه على الأرض قط وفى محاولة منه إهانة النبى طلب تحديه فى مباراة مصارعة وقال له :" يا ابن أخى أعتقد أنك رجل وأنك كذاب فتعال فصارعنى فإذا ألقيتنى أرضا اعترفت بك نبيا حقيقيا " ، لقد قبل النبى التحدى وفى مبارة المصارعة هذه ألقى النبى الرجل على الأرض ثلاث مرات ولكن هذا الوغد حنث فى وعده .

كان من أشهر الذين عذبوا بلال الحبشى ، وبلال هذا يعرفه 7 أطفال مسلمين من اصل كل عشرة حول العالم . كان سيده أمية بن خلف يمدده على الرمال المحرقة وقت الظهيرة وأثناء الحر الشديد ويضع صخرة كبيرة على صدره لكن إيمان بلال كان قويا ونقل عنه التاريخ كلمات ناصعة . لم يدر بخلد أمية وهو يعذب بلال بأنه هو وابنه سوف يقابلان بلال الذى كان يوما ما عبده فى غزوة بدر وأن بلال سيكون منفذ حكم الإعدام به وبابنه .

كان النبى نفسه فى مأمن من الأذى الجسدى وذلك بسبب حماية عشيرته له ولأنه يستطيع أن ينزل الأذى بخصمه أثناء المبارزات لكن معظم المسلمين كانوا فى موقف ضعيف وأغلبهم من الرقيق . كانت توجد فتاة ضربها عمر عندما أسلمت وظل يضربها حتى كلّ ساعده ولم يستطع الإستمرار فى الضرب ومن المعروف أن عمر كان رجلا شديد البأس .

بالرغم من كل هذا الأذى والإضطهاد بقى النبى لطيفا رحيما بأعدائه وكان دائم الدعاء لعمر وأبى الحكم حتى استجاب الله دعاءه وأعز دينه بعمربن الخطاب وكان المسلم رقم 40 أما أبو جهل فقد مات على كفره .

كان أبو طالب عم النبى أحد هذه العقبات فجاءته الوفود بشتى العروض كما سنرى ، إنما ظل أبو طالب على إصراره بنصرة النبى والدين الجديد ، وللحق فإن موقفه هذا من أعجب المواقف لكنه وإن دل على شىء فإنه يعبر ولا شك عن شريحة عريضة من الزعماء كالوليد وأبى سفيان وهى كراهيتهم للتغيير ، ظهر الإسلام وهم فى أواخر العمر وبعضهم قارب الثمانين ورغم إعراضه عن الدخول فى دين ابن أخيه فقد تحمل عمه كل شىء ليدفع عنه الأذى وذات يوم وبعد أن أنصرف وفد قريش خائبا جدد النبى دعوته لعمه وفى عيونه ينطق الأسى والحب لتعلقه بعمه وحبه له ، فأطرق عمه هنيهة ثم قال :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ** حتى أُوسد فى التراب دفينا
ولقد علمت بأن دين محمدٍ ** من خير أديان البرية دينا

لقد بقى النبى فى مكة يتحمل ما لا يُطاق . ثم قابل رجالا من يثرب كانوا قد اعتنقوا الإسلام فدعوه إلى مدينتهم وعرضوا عليه أنفسهم وأموالهم فى سبيل دعوة الله . وفى هذه الأثناء وفى إحدى أمسيات دار الندوة الحامية النقاش برز أبو جهل بفكرة شيطانية وقيل أن إبليس برز فى زى أعرابى ليعرض فكرته بنفسه . وفى كلا الحالتين فالفكرة شيطانية وتحل مشكلة بنى هاشم العويصة وهى أن يضعوها فى أمر واقع ومواجهة مع كل القبائل فيضيع دم النبى بين كل القبائل وترضى هاشم بالدية .
إلا أن جبريل كان قد أطلع محمدا مسبقا على كامل الخطة ليقرر النبى مغادرة مكة بصحبة أبى بكر الصديق حتى وصل يثرب ، وبدأ إسم هذه المدينة فى الظهور تدريجيا وأصبحت المدينة المنورة ، مدينة رسول الله ، عاصمة الدولة الإسلامية الناشئة ومركز الدين الجديد .



__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 13-04-2008, 07:22 PM   #6
الوافـــــي
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 30,397
إرسال رسالة عبر MSN إلى الوافـــــي
إفتراضي

خالد بن الوليد
عندما يذكر هذا الإسم لوحده تشعر بأنك في ساحات الوغى نصرة للدين
لقد عجزت النساء أن يلدن مثل هذا البطل الكبير
فهو من الذين تركوا في تاريخ الأمة الإسلامية أثرا لا يمكن أن ينساه أحد
تحدث عنه الكثيرون ، وكتب فيه المؤرخون
ولكنني أراهم جميعا قد قصروا عن اللحاق بذلك الفارس الهمام ، والخبير العسكري الفذ
ويكفيه فخرا ما قاله عنه سيد الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
"خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلطه الله على المشركين"
رواه الحاكم و صححه الالباني

جزاك الله خيرا أخي / رينبو
ولازلنا معك متابعين

__________________



للتواصل ( alwafi248@hotmail.com )
{ موضوعات أدرجها الوافـــــي}


الوافـــــي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-04-2008, 10:33 AM   #7
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة الوافـــــي
خالد بن الوليد
عندما يذكر هذا الإسم لوحده تشعر بأنك في ساحات الوغى نصرة للدين
لقد عجزت النساء أن يلدن مثل هذا البطل الكبير
فهو من الذين تركوا في تاريخ الأمة الإسلامية أثرا لا يمكن أن ينساه أحد
تحدث عنه الكثيرون ، وكتب فيه المؤرخون
ولكنني أراهم جميعا قد قصروا عن اللحاق بذلك الفارس الهمام ، والخبير العسكري الفذ
ويكفيه فخرا ما قاله عنه سيد الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
"خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلطه الله على المشركين"
رواه الحاكم و صححه الالباني

جزاك الله خيرا أخي / رينبو
ولازلنا معك متابعين

لقد تابعت سيرته من كتب جنرالات الحرب والمؤرخين والمتأملين كالعقاد ..

وكلما توغلت أكثر زدت شوقا إلى الغوص أكثر ..
وكلما سحرتنى صفة إلا وجدت أجمل منها ..

وأجدنى مبهورا أشد الإبهار بكل ما قرأت وأنا أقرأ عن أسطورة لا حقيقة ..

مشاركة بليغة وأكثر من وافية معبرة أخى الوافى ..

كن على موعد ولقاء ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-06-2008, 06:39 AM   #8
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

بنو مخزوم




كانت مخزوم كما أسلفنا من من أعرق قبائل قريش وأعلاها نسبا واشرفها وأغناها ، كان جد خالد المغيرة بن عبدالله الذى كان الرجل من مخزوم يؤثر أن ينسب إليه فيسمى المغيرة تشرفا بالإنتساب إلى الفرع الذى أناف على الأصول .

وكان أبوه الوليد بن المغيرة الملقب بالعدل والوحيد لأنه كان يكسو الكعبة وحده سنة وتكسوها قريش كلها كسوة مثلها سنة أخرى .

وكان عمه هشام قائد بنى مخزوم فى حرب الفجار وبوفاته أرخت قريش كما تؤرخ بالأحداث العظام ولم تقم سوقا بمكة ثلاثا لحزنها عليه .

وكان عمه الفاكه بن المغيرة من أكرم العرب فى زمانه ، له بيت للضيافة يأوى إليه من شاء بغير إستئذان .

وكان عمه أبو حنيفة أحد الأربعة الذين أخذوا بأطراف الرداء وحملوا فيه الحجر الأسود إلى موضعه من الكعبة كما أشار النبى عليه السلام قبل الدعوة الإسلامية ، أما الذى فض النزاع بين القبائل على هذا الشرف حين أذن التنافس بينها بالشر المستطير فهو عم آخر من أعمامه وهو أبو أمية بن المغيرة الملقب بزاد الراكب . فقد أشار عليهم أن يكلوا الحكم إلى أول داخل من باب المسجد ليختار من بينهم من يرفع الحجر إلى مكانه فارتضوا مشورته وتم الصواب والمشورة بتوفيق البشارة النبوية قبل إهلالها على العالم بسنين . ولقب أبو أمية بزاد الراكب لأنه كان يكفى اصحابه فى السفر مئونتهم فلا يتزودون بزاد .

كانت بنو مخزوم فى الثروة العدة والبأس أقوى البطون القرشية لكنهم لم يستأثرون بالزعامة لمنافستهم بنى هاشم وبنى أمية وبنى عبدالدار .

وقد تبينت رجاحتهم ايضا عندما إضطلعوا وحدهم ببناء ربع الكعبة بين الركنين الأسود واليمانى واشتركت قريش كلها فى بناء بقية الأركان .

لا جرم بعد كل هذا أن تأخذهم الأنفة والخنزوانة بينهم وبين عبد مناف حين تظهر النبوة فى هؤلاء ولا تظهر فيهم .

وقد أخذوها هذا المأخذ من الجد حين قال أبو جهل :" تنازعنا نحن وبنو عبد مناف ، أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تحازينا على الركب وكنا كفرسى رهان قالوا : منا نبى يأتيه الوحى من السماء .. فمتى ندرك هذه ؟ "

وكان الوليد يزعم أنه أحق الناس بالنبوة وكانت هذه الخنزوانة المخزومية عقبة فى طريق الدخول للدين الجديد وحذت بهم إلى تحدى الدعوة بشتى الطرق . ونزلت فيهم الكثير من الآيات وصفت ما كان من عنادهم وعتادهم ، فلم ينزل فى رؤساء قبيلة مثل ما نزل فى رؤساء هذه القبيلة ولم تتمثل منعة قوم كما تمثلت منعتهم فى ردود القرآن على أقوالهم ، وهى أقوى ردود عرفت فى السور المكية الأولى ومنها ما جاء فى سورة "ن" وسورة المدثروسورة الكافرون عدا إشارات أخرى فى سورة الحجر وعبس وتولى .

وكان أولئك فحواه شىء واحد وهو أن بنى مخزوم باءوا بأسباب المحافظة على القديم جميعا حين تصدى الإسلام لتبديل ذلك القديم فهم أول من يصاب بهذه الدعوة الجديدة وآخر من يلبيها .

بذل الوليد فى سبيل هذا كل ما فى وسعه وتكفى إشارة واحدة نرى فيها عمق القضية و تاريخ العداء الذى يتسم بالبقاء أو لا بقاء . لقد هان علي الوليد فى هذا السبيل كل شىء وبذل العزيزين : الولد والمال .

ذهبت الوفود وعلى رأسها الوليد لتشاطر النبى أموالها ، بل ذهب الوليد ليقدم تضحية هى الأغلى حينما عرض على أبى طالب ابنه عمارة مقابل محمد وكان عمارة شابا وسيما طويل القامة وقد وصفوه بأنه أنهد الفتيان وأشعرهم وأجملهم فى قريش .تضحية وإن دلت فإنما تشير إلى العداء الشديد المدفوع بشرف قبيلة وبأسها ونفوذها وسطوتها وهو كله عرضة للزوال إن نجحت الدعوة الناشئة .
وطبعا فقد قوبل عرضه بالرفض من عم النبى وقال لهم :" إنكم تريدون إعطائى ابنكم أطعمه وأربيه بينما أنتم تريدون محمدا لتقتلوه "



__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-06-2008, 06:40 AM   #9
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

خالد ومخزوم





ظهرت على خالد مخايل الفروسية منذ صباه الباكر إذ رشحه أبوه لقيادة الخيل ولم يكن أكبر أبنائه وقد أسلفنا أن بنى مخزوم كان لهم فى الجاهلية أمر القبة والأعنة فالقبة هى خيمة عظيمة يضربونها ليجمعوا فيها عدة القتال والأعنة هى الخيل وفرسانها .

كان خالدا طويلا بائن الطول وكان عظيم الجسد والهامة مهيب الطلعة ويميل إلى البياض .
وفى إشارتنا إلى قصة مصارعته لعمر فى الطفولة صغيرة تنبىء عن إدراكه المبكر بفنون الصراع والكفاح وعن قوته وشدته .

راض خالد نفسه على الخشونة فى البادية والصبر والتعود على الشظف ومع وفرة الأطعمة الحضرية فقد راض نفسه على أكل الضب وتعلم أن يشتهيه ويستسيغه كما تشتهيه الأعراب كما فى حديث ابن عباس عندما دخل خالد مع الرسول على خالته ميمونة بنت الحارث فقدمت إلى رسول الله لحم ضب جاءها مع قريبة لها من نجد وكان الرسول لا يأكل شيئا حتى يعلم ما هو فاتفق النسوة ألا يخبرنه حتى يرين كيف يتذوقه ويعرف إن ذاقه ، فلما سأل عنه وعلم به تركه وعافه فسأل خالد أحرام هو ؟ قال : لا ولكنه طعام ليس فى قومى فأجدنى أعافه " فأكل منه خالد .

ومثل هذه التربية لقائد من قواد الحرب نموذج يحتذى به فى المدارس العسكرية وحتى يومنا هذا ، وعلى سنتها كتب نابليون تقريره وهو طالب فى المدرسة الحربية يعيب على النظام يومها أنه يسمح لأبناء الأعيان بمعيشة الترف واستصحاب الخدم بين جدران المدرسة وهم أحرى بخدمة أنفسهم فى مدرسة يتعلمون فيها الصبر على شدائد الحروب .

أما عن أسرة خالد فقد تخللت فيها عوارض العبقرية تمثلت ذروتها فى خالد ، ولم تعفه العبقرية من ضريبتها التى لا مناص لها وآية ذلك أنه مات على فراشه فى نحو الخامسة والخمسين وليست هى بالسن الغالبة حينها فيمن يموتون بداء الشيخوخة من غير علة أخرى .

وذكر أن الوليد بن الوليد كان يروع فى منامه كما كان خالد نفسه يعانى الشىء نفسه عندما شكا إلى رسوال الله فقال له :" إن عفريتا من الجن يكيدك "

وبذلت هذه الأسرة الممتازة ضحيتها الكبرى فى شخص عمارة بن الوليد وعمارة هذا هو صاحب عمرو بن العاص فى رحلة الحبشة وكانا رسولين إلى النجاشى لتسليم المسلمين الهاربين إلى قريش . والقصة طويلة لا تعنينا إنما كان هو ضحية افتتانه بالمرأة ، وفى المقابل نرى خالدا لا تفتنه المرأة كما فتنت أخاه ولم تصرفه قط عن عبء من أعباء البطولة على أنه لامه أبو بكر وعمر فى موضعين والسبب إمرأة ، وسنأتى على ذكرهما فى مكانهما .

وقيل أنه فقد أربعين ولدا فى طاعون الشام ولما يجاوز الخمسين بكثير .

وظهرت هذه العوارض فى لون من ألوانها على أخيه الوليد ، فقد كان مع المشركين فى بدر وأسره المسلمون وعرضوا عليه الإسلام فأبى ولما ذهب خالد وافتداه وعاد به إلى أهله أعلن إسلامه فعجبوا لأمره وقالوا له هلا أسلمت قبل أن تفتدى ؟ فقال : كرهت أن يظن بى أننى جزعت من الأسار وصبر على التعذيب والحبس بين أهله حتى أفلت بعد جهد وحيلة ولحق بالنبى مشيا على قدميه .

هذه أيضا نفحة خالدية من نفحات تلك الأسرة القوية التى تأبى لخلائقها إلا أن تحير الناس وهى فى أطوارها المتباينة منجم العبقرية .

كانت أعمال النبى محور الأحاديث فى منزل الوليد ، فكان الوليد يجلس مع أولاده كل مساء يستعرضوا أحداث النهار وما تفعله قريش لصد محمد . وقد سمع خالد وإخوته أباهم وهو يصف ما تم بين وفد قريش الأول وبين أبى طالب وبعد عدة أسابيع إستمعوا إليه وهو يتحدث عن الوفد الثانى الذى باء كالأول بفشل محقق ، كما سمعه وهو يتحدث عن لقاءه بالنبى وإستماعه إلى كلامه وسمع وصفه له وإعجابه به ، ولا شك فقد ترك كل هذا أثرا فى نفسية خالد تبرز كلها إلى السطح فى لحظة ما .

بعد مغادرة النبى مكة بثلاثة أشهر ، إستدعى الوليد أبناءه وهو على فراش الموت وقال لهم :" أوصيكم بثلاثة أشياء ، الأول هو نزاعى مع خزاعة فاثأروا لى وأقسم بالله أننى أعلم أنهم ليسوا مذنبين لكننى أخشى أن تلاموا بعد اليوم .. أما الثانى فهو مالى لدى ثقيف فحصلوه ، والثالث هو أننى أستحق التعويض أو الدم من أبى أزيهر ، لقد تزوج هذا الرجل إبنة الوليد ثم تركها دون أن يعيدها إلى منزل والدها "

بعد أن أنهى الوليد وصيته لفظ أنفاسه الأخيرة ، ودفن بموكب مهيب يليق بزعيم كبير وابن شريف من قريش .

لقد أنهيت المشكلة الأولى بدون صعوبة تذكر حيث دفعت خزاعة الدية وأسدل الستار بدون عنف . أما المشكلة الثانية فقد ظلت معلقة لعدة سنوات بدون حل ، وأما الثالثة وهى النزاع مع إبنة الوليد فقد قرر هشام شقيق خالد أن لا يرضى بديلا عن دم أبى أزيهر وقد إنتظر أكثر من عام إلى أن واتته الفرصة ثم قتل هذا الرجل وتعقدت الأمور حتى تدخل ابو سفيان وعقد الصلح بين العائلتين .

لقد عاش خالد فترة هدوء فى مكة خلال السنوات التى تلت موت أبيه وتمتع بحياة هنيئة من جراء الثروة التى كان يملكها وسافر إلى سورية مع قافلة تجارية ووصل إلى مدينة بصرى ، هذه المدينة التى سيزحف إليها بعد عدة سنوات كهدف عسكرى .

إننا لا نعلم كم زوجة وكم ولدا كان لدى خالد فى هذا الوقت لكننا نعلم عن ولدين أكبرها يدعى سليمان وكان يكنى به والثانى وهو عبدالرحمن وسيأتى ذكره لاحقا كقائد عسكرى حقق شهرة فى فتوحات سورية .

مرت قريش بفترة هدوء عادت فيها التجارة إلى النشاط واستقر الأمر بعض الشىء حتى حدثت حادثة خطيرة أثارت القلق والتوتر بين قريش والمدينة وبات الأمر وشيكا على مواجهة عسكرية أولى .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 09-06-2008, 09:00 AM   #10
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

غزوة بدر





كان التاريخ على موعد آخر مع قوة ناشئة صغيرة ستولد من رحم الظلام لتغير ملامح الكون ولتبعث فيه الأمل والنور من جديد . لقد شهد الكون عبر تاريخه السحيق قوى الشر تدحرها قوى الخير إلا أن الأمر مختلف جد الإختلاف هذه المرة ، فلن تكون هذه اللحظة الوليدة باللحظة العابرة تدوم لوهلة من عمر الكون ، بل ستضع ملامحا ثابتة لا لجيل واحد بل لأمة بأسرها .

شهدنا فى التاريخ ما نسميه بالطفرات ، قوى النور تبدد قوى الظلام لكنها تلمع كالبرق لحظات وما تلبث أن تنمحى لتسيطر قوى الظلام مرة أخرى ولردح من الزمن وهكذا ، انتصر الإسكندر على الفرس وهم فى عدتهم أضعاف مضاعفة لكنه إنتصار عابر لم يكن من خلائق الإغريق فى كل زمان ، وسحق هانيبال قوات روما لكنها لحظات عابرة وهكذا تتجدد هذه اللحظات فى تاريخ كل أمة .

لكننا الآن على موعد مع حضارة جديدة وقوة جديدة ستضع ملامح لأمة من بعدها ستسير على نهجها وكأنها طبيعة وسجية فطرت عليها ، إنها أمة الإسلام . يخصنا منها الآن ملامحها العسكرية لأنها تتعلق بشكل أساسى ببطلنا الأسطورى . ستغير هذه الأمة مقاييس الحرب وعلى كل أمة ستلاقيها فى الميدان أن تعلم جيدا أن هناك مقاييس وحسابات أخرى عليها أن تدركها جيدا ، ألا تعتد بعددها وعدتها وحشودها . لأنها كلها على أرض الواقع لا تجدي نفعا ، ولأنهم بكل بساطة فى مواجهة مع جنود الله وحملة رسالته وأن أقصى ما يرجون هو الموت الذى يخشاه عدوهم . وأن شعارهم دائما وأبدا : " إحرص على الموت توهب لك الحياة " .

إن التاريخ عندما يتحدث عن النبى محمد يرى فيه الرجل الذى غير من تاريخ أمة ، نفض عنها أردية الجاهلية لتكتسى بالفضائل والأخلاق ، يرى فى شخصه النبى ، رجل السلام ، رجل السياسة .. لكن العسكريون فقط يدركون مدى براعته فى فن الحرب ، بل إن شئنا الصدق والدقة فهو يعد أبرع عسكرى فى التاريخ ، ولكن الحرب فى عقيدته ليست حرب المعتدى ولا ناهب الثروات ولا حرب الثأر ولا غيرها ، ولم تكن فنا يعشقه ، ولم تكن دائما خياره الأول على أنه قد حاول شتى الطرق لتجنب إراقة الدماء ، بل هى حرب للبقاء أولا والقضاء على كل خطر يهدد كيان أمته ، وحرب لإعلاء كلمة الله وتحطيم قوى الطغيان التى تحول بين حرية العقيدة وسلطان البشر ، فكم من أمة طاغية لا ترضى من يخالفها دينها لذا فللجميع هنا حرية الإختيار ، كانت حروب المسلمين تبدأ أولا برسالة إلى الخصم تدعوه إلى إحدى ثلاث : " الدخول فى دين الله غير مضطر ولا مجبر ولا مهان ، دفع الجزية وهى ضئيلة جدا لا ترهق إقتصاديات أمة ما بل على العكس إن حقوقا ينالونها بالمقابل تعد فائدة عظيمة جدا وخدمات لا حصر لها أولها هى الحماية والدفاع عنهم ضد أى خطر ، ثالثا تحكيم السيف " وفى كل حال كانت هناك مهلة ثلاثة أيام .

سنشهد عبقرية الرسول الحربية فى بدر وسنشهد ذروتها فى أحد بالرغم من هزيمة المسلمين وسنشهدها فى أكثر المواضع لكن سنفصلها كل فى موضعها .

لقد إبتهج كل شخص فى مكة بوصول القافلة من فلسطين . فقد كانت القافلة فى خطر كبير خلال الأيام القليلة التى مرت بها على طول الطريق الساحلى قرب المدينة ، وقد أوشكت أن تقع بيد المسلمين . ولكن بفضل مهارة وقيادة أبى سفيان للقافلة فقد أنقذت من الوقوع فى الأسر . وكانت القافلة تتألف من ألف بعير محملة ببضائع قيمتها خمسون ألف دينار ، وقد حقق أبو سفيان فى هذه القافلة ربحا مقداره 100% .

وبينما كان أهل مكة يرقصون ويغنون ، والتجار ينتظرون حصتهم فى الربح ، كان جيش قريش المنكسر يجر أذيال الخيبة والفشل فى طريقه إلى مكة . وكان هذا الجيش قد إندفع إستجابة لطلب النجدة من أبى سفيان عندما تحقق من خطر المسلمين المحدق به . وقبل أن يصل جيش قريش إلى مكان الإشتباك إستطاع أبو سفيان أن ينقذ القافلة وأرسل رسالة إلى قريش للعودة إلى مكة لزوال الخطر . لكن أبا جهل الذى كان يقود الجيش أدرك أنه لن يستفيد شيئا فى حال عودته وكان قد أمضى الـ 15 سنة الماضية فى معارضة مريرة مع النبى ، إذن فهو لن يسمح لهذه الفرصة أن تفوته . فبدلا من العودة تورط فى معركة مع المسلمين . وها هو الجيش المتشامخ يعود الآن إلى مكة وهو فى حالة من الذهول وذل الهزيمة .

وبينما كان جيش قريش فى طريقه إلى مكة منكسرا ، جاء مراسل منه على ظهر بعير سريع ، وعندما وصل هذا المراسل إلى تخوم مكة ، شق قميصه وأخذ يصرخ بصوت عال معلنا حدوث المأساة . فتجمع أهالى مكة حوله ليستفسروا منه عن أنباء المعركة . وبدؤوا يسألونه عن أبناءهم وأعزائهم فأخبرهم عن مصيرهم ، وكان بين الحاضرين أبو سفيان وزوجته هند .

لقد علمت هند من هذا المراسل عن أعزائها الذين فقدتهم وهم :
والدها عتبة الذى قتل على يدى علىّ وحمزة عم النبى ، وعمها شيبة على يدى حمزة ، وأخوها وليد على يدى علىّ ، وابنها حنظلة على يدى علىّ . فأقسمت على الإنتقام .

كانت أوامر النبى بالسيطرة على بئر الماء الوحيدة فى المنطقة عامل هام جدا إلى جانب الإستطلاع الدقيق للمسلمين فى تقدير قوة العدو ، لم تشهد بدر أى تكتيكات عسكرية فلم تكن قريش تشك للحظات فى نصر مؤكد فكان إساءة تقدير الخصم عامل خطير سيقصمها وسيقصم بعدها بعدة أعوام أكبر قوتين على وجه الأرض حين وقعتا فى الخطأ ذاته . ولم تكن قوة الفرسان فى قريش بالمؤثرة على إتباع أسلوب معين فكانت المعركة فى أرض مفتوحة .
مما أعطى ميزة لجيش المسلمين الصغير فى إستخدام سلاحه الأول و الخطير . كان المسلمون بارعون للغاية فى إستخدام السيف وكانت المواجهات الفردية تكاد تكون حاسمة لصالحهم ، ولهذه البراعة إلى جانب قوة العقيدة أكبر الأثر فى إنتصار المسلمين فى أغلب المواجهات رغم إنعدام التكافؤ العددى غالبا ويكاد يصل إلى أضعاف مضاعفة .
لقد كانت وقعة بدر أول صدام رئيسى بين المسلمين وأعدائهم إذ صمدت قوة صغيرة مؤلفة من 313 مسلما ، كالصخرة أمام غزو 1000 رجل من الكافرين . وبعد قتال عنيف دام 1 – 2 ساعة ، حطم المسلمون جيش قريش الذى فر بشكل فوضوى من ميدان المعركة وقد قتل أو أسر فى هذه الوقعة خيرة بنى قريش .

كما قتل سبعون مشركا ، وأسر سبعون آخرون على يد المسلمين الذين فقدوا 14 شهيدا فقط . وكان من بين قتلى المشركين 17 قتيلا من بنى مخزوم ، وكان معظمهم من أبناء عم وأبناء شقيقات خالد . كما قتل أبو جهل ، وأسر الوليد شقيق خالد .

وعندما أعلن المراسل أسماء القتلى ومن قتلهم ، لاحظت قريش تكرار إسمى حمزة وعلى . فقد قتل حمزة أربعة رجال واشترك مع على فى قتل أربعة آخرين . أما علىّ فقد قتل 18 رجلا بنفسه واشترك فى قتل أربعة آخرين . وهكذا فقد سيطر إسماهما على هذا الإجتماع الحزين . وكان أكثر المجتمعين هياجا وغضبا صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل .

وقد كان من الصعب كبح جماح عكرمة ، فأبوه كان له شرف قيادة الجيش فى بدر وقد قتل فى المعركة ، ووجد الإبن بعض العزاء والسلوى لكون أبيه قتل رجلا فى وقعة بدر كما أنه هو نفسه قتل آخر . لكن ذلك لم يكن كافيا ليطفىء تعطشه للإنتقام ، وتعهد الجميع فى هذا المؤتمر بالأخذ بالثأر . وسوف تجهز حملة لم تجهز مثلها فى من قبل فى مكة ، كما أن الربح الإجمالى ومقداره خمسون ألف دينار سوف يصرف على تمويل الحملة ، وانتخب أبو سفيان بالإجماع قائدا لجيش قريش .

إتخذ أبو سفيان قرارين : أولهما عدم البكاء حتى الأخذ بالثأر ، والثانى يتعلق بالأسرى لدى المسلمين ، فقد أمر بعدم بذل الجهود لإطلاق سراحهم خوفا من أن يؤدى ذلك إلى طلب الثمن من قبل المسلمين . ومع ذلك فإن هذا القرار لم ينفذ من الجميع إذ غادر بعضهم ليلا لدفع فدية أبيه وعندما علم الناس بذلك بادروا فورا إلى دفع الفدية وإطلاق سراح ذويهم واضطر أبو سفيان إلى إلغاء القرار .

إن خالد لم يشترك فى غزوة بدر بسبب غيابه آنذاك عن الحجاز ، لكنه عاد ليفدى أخيه الوليد ولما تم فداؤه وعاد به أعلن أخيه إسلامه وغادر إلى المدينه وأصبح من المقربين إلى الرسول ، لكن على الرغم من إعتناقه الإسلام ، فقد ظلت علاقاته مع أخيه خالد قوية وحميمة .

كان هناك عامل آخر قد دفع قريش إلى حرب المسلمين ، وهو عامل إقتصادى . فالمحور الرئيسى الذى كانت تسلكه قوافل قريش وهى ذاهبة إلى سورية وفلسطين يقع على الطريق الرئيسى الذى لم يعد مفتوحا أمامها بعد غزوة بدر ، وبعد حين لمس صفوان بن أمية الحاجة إلى مزيد من التجارة فأرسل قافلة بإتجاه سوريا على محور آخر ظنه آمنا . وغادرت القافلة على الطريق المؤدى إلى العراق وبعد أن سارت مسافة ما إتجهت شمال غرب نحو سورية ، وبعد أن اجتازت المدينة إعتقد صفوان أنها أصبحت فى أمان . لكن النبى علم بأمرها وأرسل زيد بن حارثة على رأس مائة رجل لأسرها وقد تم له ذلك .

بدأ الآن الإعداد للحملة بحماس كبير ، وأثناء ذلك ، جاء رجل غير مؤمن إلى أبى سفيان ومعه إقتراح . كان هذا الرجل يدعى أبو عامر من المدينة . وقد إعترض على وصول النبى إلى المدينة وعلى السرعة التى إعتنق فيها أفراد عشيرته "الأوس" الإسلام .كان أبو عامر يسمى فى الجاهلية بـ "الراهب" لكن النبى سماه بالفاسق وهكذا عرفه المسلمون بإسم : "أبو عامر الفاسق" .

قال لأبى سفيان : يوجد معى خمسون رجلا من عشيرتى . ولى نفوذ كبير على عشيرتى الأوس . وأننى أقترح عليك أن أخاطب الأوس بين المسلمين قبل أن تبدأ المعركة وإننى على يقين بأنهم سيهجرون محمدا وينضمون إلى جانبى . فقبل أبو سفيان هذا الإقتراح بسرور حيث أن الأوس يشكلون تقريبا ثلث جيش المسلمين .

بدأ التفاوض مع القبائل المجاورة ، وأخذت الإمدادات تصل من كنانة وثقيف . وفى هذه الأثناء كتب العباس عم النبى رسالة إلى الرسول يعلمه فيها بالإستعدادات التى تحضر ضده .

وبات الأمر وشيكا على مواجهة عسكرية ثانية ليست كالأولى ، بل ستكون أكثر منها شراسة ودموية ، مواجهة ستشهد براعة عسكرية من كلا الجانبين سيبدأ معها إسم بطلنا فى الظهور ، هذه المرة ، سيكتبه التاريخ فى قائمة أبطال الحرب و سيسجل فى خانته :

" بطل لم يخسر معركة قط " .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .