من قاهرة التحدي الى قاهرة التنازلات والتطبيع.... تميم منصور*
من قاهرة التحدي إلى قاهرة التنازلات والتطبيع
تميم منصور*
معذرة لأهلنا وأبناء شعبنا في أرض الكنانة، جماهير عبد الناصر وأحفاد سعد زغلول وأحمد عرابي ومحمد فريد والكواكبي ومحمد عبده، معذرةً لكم لأن عاصمتكم الشامخة عبر التاريخ، القاهرة أصبحت تخجل وتكاد أن تختبئ وراء هذا الاسم لأنها تعيش في وجع تاريخي وعله دائمة، تئن وترزح تحت كابوس دائم يحرك قبضاته الحديدية حكم مبارك منذ ثلاثة عقود، شاه مصر وشاه العرب وحكومته البائسة.
مرةً أخرى معذرةً لكِ أيتها المدينة حاضرةً العرب وحاضرة إفريقيا وأسيا، دائماً كنتِ مرجعية للفكر والحضارة وساحة للانتصارات تنبعث من ميادينك وبيوتك العتيقة رائحة التاريخ.
معذرةًَ إذا تطاولنا على قامتك الشامخة العالية عندما كنتِ قاهرة المعز وقاهرة العروبة، أما اليوم فقد قَصرت قامتك واحدودب ظهرك لأن نظام مبارك قد قزمك وأفرغك من كل المضامين الثقافية والوطنية والاقتصادية لتصبحين بين يوم وليلة تقهرين الشعب العربي في مصر بدلاَ من قهر أعدائه وأعداء العروبة، استبدل هذا النظام كل عناوين النصر والنمو والتطور بعناوين الفقر والفساد والبطالة والمحسوبية والاستسلام، إن أيامك الحالكة التي تعيشينها اليوم هي الأيام ذاتها التي عاشها شعبك وكل الشعب المصري في فترة الخديوي توفيق.
السؤال الذي يطرح نفسه هل قاهرة السادات وقاهرة مبارك التي تحتضن السفارة الاسرائيليه والسفارة الامريكيه لا تزال جديرة بهذا الاسم؟ التاريخ يقول لا هي بحاجه إلى كنيه واسم يكون على مقاس تراجعها وهزائمها وتنازلاتها، لم تعد قاهرة الثوار التي احتضنت جميع قادة حركات التحرر
والمقاومه في أسيا وأفريقيا واحتضنت مؤتمرات القمه العربيه التي بادر الى عقدها قائد العروبه والرمز جمال عبد الناصر.
لقد صادر السادات وخليفته مبارك دورها التاريخي بعد أن كانت كعبة الاحرار والتواقين للحرية.
كيف يمكن أن تبقى القاهره قاهرة في دولة مريضه متآكلة يحلم معظم المواطنين فيها بالوصول الى رغيف الخبز، إن النظام العاجز على توفير لقمة العيش لشعبه عاجز عن قطع دابر الفساد والمحسوبية وعاجز عن توفير الامن والامان والتعدديه لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
منذ عهد السادات الأسود وعهد مبارك الفاسد أصبحت أيتها القاهرة كرباجاً وأداة مطيعة بأيدي أعداء العروبة والإسلام في واشنطن وتل أبيب، لم يبقَ لنظامك السقيم سوى ألام ومأساة ومعاناة الشعب الفلسطيني يلهو ويقايض بها كي يثبت أنه لازال موجوداً بين تضاريس الأحداث السياسية العربية والعالمية.
لقد خسر هذا النظام وسلم بكل ثوابت الشعب المصري والعربي الوطنيه، قامر بها في بورصة تنازلاته المتلاحقة، خسر أوراقه وهويته وتأثيره داخل مؤتمرات القمه العربيه ودول عدم الانحياز كما أصبح عارياً أمام الشعب اللبناني والعراقي لأنه دعم العدوان الامريكي على العراق والاسرائيلي على لبنان، غابت شمس تأثير هذا النظام بين كثبان عجزه منذ بداية طريقه واصراره على الصعود في عربة كامب ديفيد وتنازلاته وتفريطه بالثوابت التي وفرتها له ثورة يوليو المجيدة بقيادة جمال عبد الناصر.
نعم نقولها للمره الالف أيتها القاهره بأن نظامك يستخدم الجرح الفلسطيني النازف ذريعةً لتوسيع واستمرار أبواب التطبيع مع اسرائيل، من هذه الابواب ما هو علني ومنها ما هو سري، من أبواب التطبيع السري التي لا يعرفها الشعب المصري وتكتب عنها الصحف الاسرائيليه، زيارات المسؤولين الاسرائيليين السريه المتواصله الخاصه بالتعاون الأمني، اضافةً الى
الصفقات التجاريه التي يعقدها التجار المصريين مع شركات اسرائيليه لاستيراد الصناعات الاسرائيليه تكون مغلفةً بماركات تركيه وكوريه وصينيه.
لقد كشفت صحيفة هأرتس عن البعثات المصرية التي يرسلها وزير الزراعه المصري الى اسرائيل للاطلاع على طرق تربية الدواجن وبعض المزروعات المختلفه في المراكز التجريبيه الاسرائيليه من بينها معهد فلكاني في بيت دجن وكلية نيتر بالقرب من يافا، السؤال الذي يطرح نفسه هل يعرف الشعب المصري بهذا السقوط والانبطاح الذي يقوم به شاه مصر؟ منذ الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة ودعم نظام مبارك لهذا الحصار لم تتوقف أرجل الاسرائيليين من تدنيس أرض الكنانه يومياً تقريباً، من الطبيعي أن تكون اسرائيل وحدها هي الرابحه من سيولة التنازلات المصرية، لأن مصر لا تعاتب ولا تضغط على اسرائيل من أجل وقف عدوانها على قطاع غزة وعلى مدن وقرى الضفه الغربيه في نفس الوقت فأن نظام مبارك هائمٌ على وجهه داخل سماء العلاقات والتطبيع، النفط المصري يتدفق الى اسرائيل باسعار مخفضه سُفنها تعبر قناة السويس بحرية مطلقة، شبكاتها الجاسوسية تنخر عظام النظام الهالك في مصر، مركزها الثقافي مستمر في تشويه الحقائق والتاريخ، شرذام الجنود المصريين على الحدود تحولوا الى كلاب حراسة لحماية الامن والحدود الاسرائيلية وتثبيت الحصار على الفلسطينيين، الساسه الاسرائيليون " سري مري " بين مصر واسرائيل، لا يعودون من مصر الا بعد أن طاب خاطرهم وحققوا مطالبهم.
آخر الذين تم تطييب خاطرهم رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت لقد لفظ يهود اسرائيل هذا الملاحق قضائياً بسبب اختلاساته وفساده ولم يعد يكن له الاحترام سوى توأمه في الفساد نظام مبارك وسليل الخيانه في عمان الملك المسخ الصغير عبد الله، التقى اولمرت مع مبارك في شرم الشيخ في الرابع والعشرين من الشهر الحالي حزيران ، لقد وصل اولمرت شرم الشيخ ومعه هديه لتوأمه في الفساد مبارك، الهديه عباره عن قتل ثلاثة فلسطينيين
ذبحهم اولمرت قبل معانقته مبارك في شرم الشيخ اثنان منهم طالبان في جامعة النجاح في نابلس والثالث مواطن فلسطيني من غزة، حدث ذلك في ظل ما يسمى بالتهدئة التي ارادها مبارك وأجبر الفلسطينيين على قبولها أملاً بفك الحصار عن رقابهم لكن اسرائيل استمرت بالقتل واستمرت بحصارها، ومصر تضغط من جانبها لأنها حتى الآن ترفض فتح معبر رفح رغم التهدئة اكراماً لخاطر اسرائيل، وقد عاد اولمرت من شرم الشيخ راضياَ مرضياً لأن مبارك وافق على طلبه بعدم فتح معبر رفح قبل اطلاق الجندي الاسرائيلي الاسير جلعاد شاليط، وعلى ما يبدو ان شاه مصر قد تبنى هذا الجندي ولا نستغرب اذا طالب بترشيحه نائباً لأبنه جمال اذا أصبح شاهاً جديداً في القاهره.
* كاتب فلسطيني
من قاهرة التحدي الى قاهرة التنازلات والتطبيع.... تميم منصور*
النمط الخطي
