العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 27-05-2009, 07:25 PM   #1
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي حضــارة الإنســان

حضــارة الإنســان



إن عمر الإنسان الحديث على ظهرهذا الكوكب يتجاوز 10 – 40 ألف عام رغم أن عمر الأرض كما يدعى العلماء أربعة ونصف البليون من الاعوام .. لا يعنينا علم ما قبل الحضارة والإنسان .. قد يكون عمره ضاربا فى أعماق التاريخ أكثر ، إنما بداية إدراكه لأهمية المجتمع قد تكون بدأت منذ هذا الوقت ولو فى تجمعات صغيرة .. ربما يكون قد عرف هذا اللون من الطبيعة وعالم الحيوان والطير .. وربما يكون قد لمس بنفسه فائدة المجتمع فى الصيد والزراعة والحماية .. بعد أن أمضى حياته وحيدا بين الكهوف مقلدا جدرانها رسوما هى اليوم كنز لا يقدر بثمن .. وامتد عصر الأسلحة الحجرية آلاف السنين ليتبعه عصر الزراعة الذى بدأ فى منتصف الالفية السادسة قبل الميلاد ..

ومنذ هذا العصر السحيق بدأت تنمو هذه المجتمعات الصغيرة لتنشىء مجتمعات أكبر .. وبدأت هذه المجتمعات فى التوسع من حولها ويكون لها كيان إقتصادى وعسكرى منظم للغاية ..

ومن هنا .. بدأت أولى الحضارات الإنسانية ..

لكننا وحتى يومنا هذا لم نجد تعريفا دقيقا لمفهوم "حضارة" ..

ففى اللحظة التى بدأت ابحث عن معناها اللغوى بأكثر من لغة أدركت حقيقة هامة .. إنها ليست لفظة لغوية .. إنها معنى وإحساس وفكر ومشاعر وأشياء أخرى كثيرة لا ترتبط بالكلمة نفسها أو مرادفاتها فى أى لغة من لغات الإنسان ..

عرف تاريخ البشرية الكثير من الحضارات .. بعضها مرّ كومضة الضوء وبعضها لا يزال له تأثير فى ثقافة اليوم .. لكن مفهوم حضارة نستطيع أن نقسمه بشكل مبسط إلى ثلاثة اقسام :

جانب مادى – جانب عسكرى – جانب أخلاقى واجتماعى

حضارة مادية تنبعث من تقدم علمى وإقتصادى مذهل وبناء وعمران مختلف ومميز ..

جانب عسكرى تبسط فيه هذه الحضارة نفوذها على من حولها من الأمم ..

جانب أخلاقى واجتماعى فى سن التشريعات والقوانين ومبادىء السلم والحرب وأسس الحياة الإجتماعية وقد يكون منبعها دين جديد أو إحياء لدين قديم أو ثورة إجتماعية ..

سنمضى فى عرض غير مرتب لحضارة الإنسان على ظهر هذا الكوكب وصولا إلى حضارة اليوم .. ولا شك سيتضح لنا من المقارنات كلها حقيقة واحدة ..

من بين هذه الحضارات كلها برزت حضارة واحدة بشكل مميز ولا تزال آثارها لليوم كما هى بالأمس .. إنها حضارة الإسلام .. وإنها حين تخلفت عن ركب الحضارات الأخرى فى فترة ما من فترات التاريخ (مرات قديما أو الآن) فإن تخلفها هذا يكون ماديا لا فكريا .. فى حين أن تخلف كل حضارة غيرها يكون فكريا .. ولهذا السبب فهى قادرة على النهوض من جديد مرات ومرات عبر هذا التاريخ .. فى حين أن كل حضارة غيرها لها سطوع وغروب واحد ..



يُتبع ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-05-2009, 07:40 PM   #2
الجنرال 2009
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2009
المشاركات: 1,590
إرسال رسالة عبر MSN إلى الجنرال 2009
إفتراضي

جزاكم الله خير علي كلماتكم الطيبة وعلي مروركم الكريم وتشجيعكم الباعث للقوه والأمل في نفسي وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم وأدعوا الله أن يوفق بين القلوب وتتقابل الوجوه علي حوض الحبيب
__________________


الجنرال 2009 غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-05-2009, 12:32 AM   #3
ريّا
عضوة شرف
 
الصورة الرمزية لـ ريّا
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2008
الإقامة: amman
المشاركات: 4,238
إفتراضي

تسجيل متابعة

شكرا لجهودك المميزة........مواضيعك تستهويني وتستحق وقفة
__________________
ريّا غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-05-2009, 12:35 AM   #4
علي
مشرف الخيمة المفتوحة
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: الوطن العربي - ومن القطر الفلسطيني تحديدا !
المشاركات: 4,769
إرسال رسالة عبر MSN إلى علي
إفتراضي

كالعاده مواضيع رائعه
تجذبنا لمتابعتها
كل التقدير اخي الحبشي
__________________

ان الثورة تولد من رحم الاحزان

لو نستشهد كلنا فيه ..صخر جبالنا راح يحاربهم !

إن حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية - جمال عبد الناصر



الاختلاف في الراي لا يفسد للود قضيه
علي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-05-2009, 05:37 PM   #5
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

حضارة الإسلام



باستثناء كل الحضارات الإنسانية كانت هذه الأكثر تميزا .. فهى وحدها التى أشرفت السماء على بناء كل لبنة فيها .. إنها حضارة تمثل دين الله وتقوم على تشريعاته .. لكننا سنرجىء إستعراض تفصيلاتها إلى مجمل الكلام .. سوف نرى عبر رحلتنا فى دروب التاريخ وأروقته العتيقة أسباب قيام وسقوط كل حضارة .. وسنطل بإصرار على كل عيب فيها .. وسنرى أن كل نقيصة فى كل حضارة منها ومضة مضيئة فى هذه الحضارة الخضراء ..

إذا أردنا أن نعرّف الحضارة تعريفا مجملا .. فإن الحضارة بمفهومها السامى تضع كل مناحى الحياة فى مرتبة ثانية وتقدم عليها كلها رفعة ورقىّ هذا الإنسان .. إنها تحفظ إنسانيته بكل ما تمثلها من قيم وهى تصون مثاليته التى خلقه الله عليها فكان كائنا فريدا من نوعه .. هى حضارة تصونه من إستعباد البشر وإستعباد المادة وإستعباد كل مغريات الحياة .. إنها تكفل له حقوقه وتعرفه واجباته .. إنها لا تميز وتفرق بين أبناءها تبعا للون البشرة وأصل كل جنس .. إنها حضارة عالمية من الممكن أن تنشأ فى أى مكان وأى زمان فهى أموية عباسية أمازيغية أندلسية عثمانية.. على عكس كل حضارة فى تاريخ البشرية لم يكن لها كلها أن تنشا سوى فى زمانها ومكانها ..

إنها حضارة تدرك جيدا أسرار هذا الإنسان فلا تراه بصورة الآلة الصماء أو النزعة الحيوانية العمياء .. فى حين سعت كل الحضارات بسذاجة مفرطة إلى تدمير هذا الإنسان .. أرقى الكائنات على ظهر هذا الكوكب .. فقتلت فيه الإبداع والإحساس والمسئولية تجاه هذا الجنس البشرى .. إن المخزون العلمى والفكرى الذى اضافته كل حضارة يعد كبيرا فى حين كانت إضافتها لهذا الـ "إنسان" أقل بكثير .. "ذلك المجهول" كما يصفه الكسيس كاريل فى عنوان أحد مؤلفاته الشهيرة .. على الرغم مما وصلت إليه علوم اليوم من صفات تركيب هذا الكائن وكل تفصيله فيه .. وتطور مذهل لعلوم الإنسان وعلوم النفس والإجتماع .. لكنها كلها لا تزال تجد غموضا كبيرا بهذا الكائن العجيب المعقد بصورة لا توصف .. جسديا ونفسيا وشعوريا وفكريا ..

((الإنسان ذلك المجهول)) .. يقرر أن حقيقة علمنا عن الإنسان لا شئ وأننا نعيش فى جهل مطبق بهذا الكائن، الذى هو نحن ..

يقول الكسيس كاريل :

((كيف تنتظم الخلايا فى جماعات من تلقاء نفسها، مثل الأنسجة والأعضاء ؟ فهى كالنمل والنحل تعرف مقدماً الدور الذى قدر لها أن تلعبه فى حياة المجموع، وتساعد العمليات الميكانيكية الخفية على بناء جسم بسيط ومعقد فى الوقت ذاته))

((ما هى طبيعة تكويننا النفسانى والفسيولوجى؟ إننا نعرف أننا مركب من الأنسجة، والأعضاء، والسوائل والشعور .. ولكن العلاقات بين الشعور والمخ مازالت لغزاً .. إننا ما زلنا بحاجة إلى معلومات كاملة تقريباً عن فسيولوحية الخلايا العصبية .. إلى أى مدى تؤثر الإرادة فى الجسم؟ كيف يتأثر العقل بحالة الأعضاء؟ على أى وجه تستطيع الخصائص العضوية العقلية التى يرثها كل فرد أن تتغير بواسطة طريق الحياة والمواد الكيماوية الموجودة فى الطعام والمناخ، والنظم النفسية والأدبية؟

ومن بين ملايين الملايين من الجنس البشرى الذين سكنوا هذا العالم بالتعاقب، كان يولد أشخاص قلائل، من حين لآخر، وهبتهم الطبيعة قوى مدهشة نادرة، كسرعة إدراك الأشياء المجهولة، والخيال الذى ابتدع عوالم جديدة، والقدرة على اكتشاف العلاقات الخفية الموجودة بين ظواهر معينة ))


لقد أمدت عقيدة الإسلام هذا الإنسان بطاقة عبور إلى عالم آخر لم تطأه قدماه من قبل .. إنه عالم الغيبيات المطلق .. أسرار هذا الكائن المنوط بعمارة الارض واستخلافه فيها .. أسرار هذا الكوكب والتى لم يسمع عنها من ذى قبل فى عصر هو فجر العلوم .. وإنها فى الوقت نفسه تقف على نقاط قوته وضعفه وتنمى لديه نزعة الإرادة فيكون هو نفسه مستقلا بقراره بعيدا عن الثواب والعقاب فى مجتمعه الذى يعيش فيه .. إنها تمنحه تميزا فريدا وتؤمن بالفروق الفردية فى حين تعامله حضارة اليوم بصفة فرد من بين قطيع لا يختلف افراده .. وهى تلقى على كاهله أثقال هذه البشرية كلها فهو مكلف برفعتها وصونها والرقى بها لا بجنسه وحده ولا بجغرافيا تخصه وحده فحسب ..

لقد منحت حضارة الإسلام هذا الإنسان وسام ارقى الكائنات على ظهر هذا الكوكب وارقى أجناسها .. الإنسان .. ذلك الغامض الذى عرفت الحضارة الخضراء قدره الأسمى فى أزمان هى فجر العلوم .. نرى حضارة اليوم تنزع عنه هذا الرقىّ لتضعه فى منزلة الآلة والنزعة الحيوانية العمياء وبظهور نظرية داروين اعتبر الإنسان حيواناً وبهذا فإن آراءه فى معنى الحياة الإنسانية، والمثل العليا، لا تستحق تقديراً أكثر من آراء الدودة الشريطية والبقاء هو المقياس الوحيد للنجاح التطورى . ولذلك فكل الكائنات الحية متساوية القيمة. وليست فكرة التقدم إلا فكرة إنسانية. ومن المسلم به أن الإنسان فى الوقت الحاضر سيد المخلوقات ولكن قد تحل محله القطة أو الفأر .

الإنسان كائن فذ فى هذا الكون. وحقيقة أن الإنسان كائن معقد شديد التعقيد . وحقيقة أن الإنسان يشتمل على عوالم متفردة عددها عدد أفراده ..

هذه الحقائق تقتضى منهجاً للحياة الإنسانية يرعى تلك الاعتبارات كلها. ويرعى تفرد ((الإنسان)) فى طبيعته وتركيبه. وتفرده فى وظيفته وغاية وجوده، وتفرده فى مآله ومصيره. كما يعرى تعقده الشديد وتنوع أوجه نشاطه وتعقد الارتباطات بينها. ثم يرعى ((فرديته)) ..

لم أجد أشد فهما لحضارة هذا العصر من أهل الغرب أكثر من ألكسيس كاريل من بين مؤلفات وموسوعات معاصرة تعنى فحسب بالحضارة كتعريف وتاريخ مجرد كما يعامل المرء قطعة اثاث .. إن تحديد أسباب المشكلة والإعتراف بها أولى الطرق الناجحة فى علاجها .. لا توجد خطوة قبل أو بعد هذه الخطوة الشديدة الأهمية .. تشخيص المرض بنجاح والإعتراف به .. وضع ألكسيس كاريل ما يخجل أو يخشى غيره من المفكرين والعلماء الغربيين من أفكاره ونظرياته حول حضارة ينظر لها إنسان اليوم على أنها أرقى حضارة عرفتها البشرية .. ولم أجد أيضا فى الشرق أكثر فهما لحضارة اليوم والربط القوى بينها وبين حضارة الإسلام غير المفكر الإسلامى سيد قطب .. والذى كان كتابه "الإسلام ومشكلات الحضارة" من بين كل المؤلفات التى تناولت حضارة الإسلام بين الامس واليوم فكان مميزا غاية التميز لم ينحاز فيه إنحياز أعمى وإنما أفرد الحقائق والارقام .. يقول :

"والمنهج الوحيد الذى راعى هذه الاعتبارات كلها كان هو المنهج الذى وضعه للإنسان خالقه، العليم بتكوينه وفطرته، الخبير بطاقاته ووظائفه، القادر على أن يضع له المنهج الذى يحقق غاية وجوده ويحقق التوازن فى أوجه نشاطه، ويحقق فرديته وجماعيته كذلك ..

فى الأساطير الإغريقية كان ((الإنسان))نداً للآلهة. ينازعها السلطة والمعرفة، وإن كانت هى تبطش به وتقسو عليه. ولكنه هو لا يستسلم ولا يذعن. وحتى فى حالة انتصارها عليه، فإنه يستبقى فى نفسه السخط والإنكار والإصرار !

فلما جاء العهد الروماني – ونبدأ به باعتباره الأساس الحقيقى للحضارة الأوروبية القائمة – بهت ظل الآلهة – وبقى الإنسان يعبد ذاته وشهواته . وهو على كل حال لم يكن يسمح للآلهة بالتدخل فى تصريف حياته الأرضية . وإن كان يسمح لها بالتكهن على ألسنة الكهان، ويستبقيها كعرف اجتماعى لا ضرر منه، ويستمتع بمباهج الاحتفالات بمواسمها فى طلاقة من كل قيد على طريقة الرومان فى المتاع ..

ولما سيطرت النصرانية – كما تصورتها الكنيسة – على الدولة الرومانية، وسم الإنسان بالخطيئة ، ونكس رأسه بالذل. وبدا ذلك فى التماثيل التى أنشئت فى ظل هذه النظرة إلى الإنسان، كما بدا فى سواها من وسائل التعبير ..

ومع أن النظرة النصرانية إلى الإنسان تحمل تكريم الله لهذا الجنس، إلا أن خطيئة آدم – كما تصورها الكنيسة – قد دمغت الجنس كله بالإثم. حتى جاء المخلص ((ابن الإنسان)) المسيح ((الرب)) ((الابن)) … إلى آخره فكفر عن هذه الخطيئة. ولكن هذا لم يرفع جبين الإنسان، فقد كان عليه أن يكفر بالذل والهوان والتقشف ولعذاب طوال حياته، لكى يلحق بالمخلص، ويتحد فيه، وينال الغفران ..

وكذلك اعتبرت ميوله الفطرية رجساً ودنساً، وعلاقاته الجنسية قذراً ووسخاً، وشعوره بذاته إثماً وخطيئة.. وكان من وراء هذه النظرة ما سنفصله بعد قليل من الرهبنة، ورد الفعل للرهبنة فى أوروبا التى لم تستقر على حال ..

ولما وقع رد الفعل، وثارت أوروبا على الكنيسة، وعلى التصورات الكنسية، وعلى المفهومات الدينية كلها بالإجمال، حدت مع الثورة نظرة جديدة للإنسان. وبالذات إلى ((العقل)) فى الإنسان ..

لقد جعل هذا العقل إلهاً فى ((عصر التنوير)) فى منتصف القرن الثامن عشر الميلادى، فهذا العالم الخارجى إنما هو من خلق العقل وصنعه. وللعقل حق السيطرة على كل جوانب الحياة، والقطع فيها برأيه الذى يراه . والإنسان – من ثم – حر فى العمل حرية تامة، لا يشوبها تحديد من غير الإنسان نفسه.. وبهذا انتهى عصر تدخل الدين فى الحياة ..

ثم انتهى عصر التنوير بانتهاء القرن الثامن عشر . وابتدأ القرن التاسع عشر بضربة قاصمة لهذا العقل وللإنسان معه. إذ جاءت (( الفلسفة الوضعية)) تعلن أن المادة هى الإله! فهى التى تنشئ هذا العقل، وهى التى تطبع فى حس الإنسان ما تراه !

بذلك تضاءل العقل، وتضاءل معه ((الإنسان)). لم يعد هذا الإنسان إله نفسه، ولا إله شىء من الأشياء ، إنما أصبح من مخاليق ((الطبيعة)) ومن عبيد هذا ((الإله)) !

ثم جاء ((داروين)) بحيوانية الإنسان. حيث نشر كتابه : ((أصل الأنواع)) فى سنة 1859، وكتابه ((أصل الإنسان)) فى سنة 1871 وفقد الإنسان كل ما كان التصور الدينى قد أسبغه عليه من تكريم وتفرد وخصوصية. كما فقد كل ما كانت الفلسفة قد خلعته عليه فى عصر التنوير من إيجابية واستقلال وسيطرة. وعاد حيواناً – ككل حيوان آخر – ولو أنه له السيطرة اليوم، فإن هذه السيطرة قد تؤول إلى قط أو فأر فى يوم من الأيام. كما يحكى جوليان هكسلى !

ثم تمت الضربة القاضية على يد ((فرويد)) من جانب، و((كارل ماركس)) من الجانب الآخر. الأول يرد دوافع الإنسان كلها إلى الميول الجنسية، ويصوره غارقاً فى وحل الجنس إلى الأذقان .. والثانى يرد تطورات التاريخ كلها إلى الاقتصاد، ويصور الإنسان مخلوقاً ضئيلاً سلبياً، لا حول له ولا قوة أمام إله الاقتصاد بل إله أداة الإنتاج!



لقد كان الإسلام ميزان عدل ما بين الغلو والتفريط وما بين الحرص الشديد .. لقد عرف خفايا هذه النفس التى تسكن هذا الجسد .. فلها أن تحيا حياتها كما تشاء بإعتدالية ومنهجية وضعت لها .. فلا هو إفراط فى شهوتها ولا هى رهبانية قاسية .. إن جنوح الإنسان إلى التطرف فى متع الحياة أو التطرف فى إمتناعه عنها كلية يعطل طبيعة هذا الكائن .. وفى كليهما تدمير لصفة الإنسانية فيه .. وتعطيل لوظيفته الاساسية فى إستعمار الارض وخدمة هذا الوجود ..

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-05-2009, 05:38 PM   #6
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ويصف ليكى فى كتابه ((تاريخ أخلاق أوروبا)) ما وصلت إليه الرهبانية يقول :

(( زاد عدد الرهبان زيادة عظيمة، وعظم شأنهم، واستفحل أمرهم، واسترعوا الأنظار، وشغلوا الناس، ولا يمكن الآن إحصاؤهم بالدقة، ولكه مما يلقى الضوء على كثرتهم، وانتشار الحركة الرهبانية ما روى المؤرخون أنه كان يجتمع أيام عيد الفصح خمسون ألفاً من الرهبان، وفى القرن الرابع المسيحى كان راهب واحد يشرف على خمسة آلاف راهب، وكان الراهب ((سرابين) يرأس عشرة آلاف، وقد بلغ عددهم فى نهاية القرن الرابع عدد أهل مصر)) ..


وكيف يقوم مجتمع وأسرة وكيان إقتصادى منظم .. كان نتيجة هذه الرهبانية أن خلال القوة والمروءة التى كانت تعد فضائل، عادت فاستحالت عيوباً ورذائل. وزهد الناس فى البشاشة وخفة الروح، والصراحة، والسماحة، والشجاعة والجراءة، وهجروها. وكان من أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم الحياة المنزلية، وعم الكنود والقسوة على الأقارب. فكان الرهبان الذين تفيض قلوبهم حناناً ورحمة، وعيوبهم من الدمع، تقسو قلوبهم وتجمد عيونهم على الآباء والأمهات والأولاد. فيخلفون الأمهات ثكالى، والأزواج أيامى، والأولاد يتامى، عالة يتكففون الناس، ويتوجهون قاصدين الصحراء، همهم الوحيد أن ينقذوا أنفسهم فى الآخرة، لا يبالون ماتوا أو عاشوا. وحكى (ليكى) من ذلك حكايات تدمع العين وتحزن القلب ..

ونعود لـ "الإسلام ومشكلات الحضارة" فيقول سيد قطب عن حضارة الإنسان وتخبطها الفكرى من نظام لآخر بحثا عن هذه المدينة الفاضلة التى داعبت خيال الإنسان القديم :

ومن الرق الروماني الشهير. إلى الإقطاع . إلى الرأسمالية. إلى الماركسية والنازية .. غلو فى طرف يعالجه غلو آخر فى الطرف الآخر.. وظلم لطبقة يعالجه ظلم آخر لطبقة أخرى.. واعتداء على ((الإنسان)) وخصائصه الأساسية فى النظام الآخر.. ولا يعتدل الميزان مرة واحدة بالعدل بين الطبقات كلها، والتناسق بين طاقات الإنسان كلها، وإتاحة المجال ((للفردية)) التى يتميز بها كل فرد، مع رعاية حق ((الجماعة))) الممثلة لخصائص الأفراد جميعاً، فى تناسق واعتدال .. الأمر الذى لا يتوافر إلا فى منهج الله ..

ولم يكن بد وقد رفض الإنسان تكريم ربه له، فاعتبر نفسه حيواناً – وقد أراده الله إنساناً – وجعل نفسه آلة – وقد أراده الله مهندساً للآلة. بل جعل الآلهة إلهاً يحكم فيه بما يريد. وجعل المادة إلهاً يحكم فيه بما يريد. وجعل الاقتصاد إلهاً يحكم فيه بما يريد – وقد أراد له ربه أن يكون سيد المادة، وسيد الاقتصاد. ولكنه رفض هذا التكريم كله لينجو فقط من الكنيسة، ويشرد من إله الكنيسة !

لم يكن بد وقد جعل الإنسان من المرأة حيوانأً لطيفاً – كما أن الرجل حيوان خشن – غاية الالتقاء بينهما اللذة، وغاية الاتصال بينهما المتاع. ونسى أن الله يرفع هذه العلاقة ويطهرها ويزكيها، وينوط بها امتداد الحياة من جهة، وترقية الحياة من جهة أخرى، ويربط بها عجلة التمدن الإنسانى، ويجعل من الأسرة محضن المستقبل، ويجعل من المرأة حارسة الإنتاج النفيس.. نتاج المادة الإنسانية.. ويصونها من التبذل كى لا تكون مجرد أداة لذة. ويصونها من الاشتغال بإنتاج المواد فى المصنع، وهى فى الأسرة تنتج وتحرس مادة ((الإنسان)) ..

لم يكن بد وقد أقام الإنسان نظامه على الربا – ليكد القطيع البشرى كله فى خدمة بضعة آلاف من مؤسسى البيوت المالية وبنوك المرابين، تعود إليهم حصيلة كد البشرية فى أقاصى الأرض، وهم قابعون وراء المكاتب الفخمة، والنظريات الاقتصادية، وجميع أجهزة التوجيه والإعلام !



إن المدنية الأوروبية لا تجحد الله البتة، ولكنها لا ترى مجالاً ولا فائدة لله فى نظامها الفكرى الحالى.. فقد اصطنعت فضيلة من العجز الفكرى فى الإنسان – أى من عجزه عن الإحاطة بمجموع الحياة – وهكذا يميل الأوروبى الحديث إلى تلك الأفكار التى تقع فى نطاق العلوم التجريبية ، أو تلك التى ينتظر منها على الأقل أن تؤثر فى صلات الإنسان الاجتماعية بطريقة ملموسة.. وبما أن قضية وجود الله لا تقع تحت هذا الوجه ولا تحت ذاك، فإن العقل الأوروبى يميل بداءة إلى أسقاط الله من دائرة الاعتبارات العملية.
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-05-2009, 05:42 PM   #7
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة الجنرال 2009 مشاهدة مشاركة
جزاكم الله خير علي كلماتكم الطيبة وعلي مروركم الكريم وتشجيعكم الباعث للقوه والأمل في نفسي وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم وأدعوا الله أن يوفق بين القلوب وتتقابل الوجوه علي حوض الحبيب
أهلا أخى الجنرال ..

تعمدت الحياد فى هذه الدراسة على اقصى مستطاعى ولكن .. سيكون على كل الباحثين فى علوم التاريخ وميدان الحضارات ، سيكون عليهم الإقرار بفضل هذه الحضارة الخضراء بأنها اروع ما شهدته البشرية منذ عهدها القديم وحتى يومنا هذا ..

مرحبا بك وكن متابعا ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-05-2009, 05:43 PM   #8
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة rayaa مشاهدة مشاركة
تسجيل متابعة

شكرا لجهودك المميزة........مواضيعك تستهويني وتستحق وقفة

أهلا بفراشة هذا الروض ..

يزهو هذا المتصفح الذى يحمل أثرا من عبق حرفك ..

تقديرى
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-05-2009, 05:52 PM   #9
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة علي مشاهدة مشاركة
كالعاده مواضيع رائعه
تجذبنا لمتابعتها
كل التقدير اخي الحبشي
مراحب بالغالى ..

أتعرف .. تحيرت أن أكتب هذا الموضوع فى المفتوحة أم هنا ..

ولكن الأجمل أنى سأحظى برأيك فيه هنا أو هناك ..

محبتى
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-06-2009, 07:56 PM   #10
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

محمد الحبشي . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دمت بكل خير .
منذ زمن لم أركم . تقبل مروري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .