قراءة فى كتاب حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديثة
قراءة فى كتاب حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديثة في الفقه الإسلامي
مؤلف الكتاب حمزة عبد الكريم حماد وهو يدور حول حكم الإسلام فى طرق القتل التى يظن أنها مستحدثة وفى هذا قال حماد :
"تمهيد:
إن الإسلام جاء لإيجاد مجتمع فاضل تختفي فيه الرذائل، وتظهر فيه الفضائل، ولا يمكن أن تختفي الرذائل إلا إذا كان ثمة زواجر تحمي المجتمع وتنقي جوهره وقد عرض القرآن الكريم لجرائم مخصوصة لما لها من أثر سيئ في النظام العام؛ لذا فقد فرض لها عقوبات معينة تقلل من وقوعها وهذه الجرائم ترجع إلى الجناية على النفس والمال والعرض والنسب والعقل والدين والنظام العام،فالجناية على النفس تكون بالقتل أو إتلاف عضو منها وعلى المال تكون بالسرقة وعلى العرض تكون بالقذف وعلى النسب تكون بالزنا وعلى العقل تكون بشرب المسكر وعلى الدين تكون بالردة وعلى النظام العام تكون بقطع الطريق والإفساد في الأرض وقد وضعت الشريعة الإسلامية عقوباتها بناء على طبيعة الإنسان، ففي طبيعة الإنسان أن يخشى ويرجو، وطبيعة الإنسان تلازمه في الخير والشر، في الأعمال المباحة والمحرمة فلا يرتكب الجريمة إلا لما ينتظره منها من منفعة، ولا ينتهي عن الجريمة إلا لما يخشاه من مضارها، فكلما اشتدت العقوبة؛ كلما ابتعد الناس عن الجريمة، وكلما خفت الجريمة؛ كلما زاد إقبال الناس عليها، ومن هذه الجرائم الخطرة جريمة القتل؛ فكان العقوبة مشددة فيها؛ لأنها تمس كيان الأمة ونظامها، فالتساهل فيها يؤدي إلى أسوأ النتائج، والتشدد فيها يؤدي إلى قلة وقوعها لذا جاءت فكرة هذا البحث من دراسة مسألة من مسائل القصاص ألا وهي: وبالتحديد كيفية تنفيذ القصاص والإعدام في ظل المعطيات الحديثة"
استهل الباحث الكتاب بموقف الفقه من عملية القتل بالطرق المختلفة وبين اختلاف الفقهاء فى كيفية قتل القاتل فقال :
"المسألة الأولى:
موقف الفقه الإسلامي:
عند البحث في كتب الفقهاء، نجد أنها تناولت هذه القضية تحت عنوان: هل يكون القصاص بالسيف أم بغيره؟
سبب الاختلاف:
يعود سبب الاختلاف في هذه المسألة إلى التعارض الظاهري في الأحاديث التي استدل بها كل فريق
آراء الفقهاء:
انقسمت آراء الفقهاء في هذه المسألة إلى رأيين:
1- الرأي الأول:
لا يستوفي القصاص إلا بالسيف وذهب إلى هذا: الحنفية، ورواية عند الحنابلة
2- الرأي الثاني:
يفعل بالجاني بمثل ما فعل بالمجني عليه، إلا إذا كان الفعل محرما في نفسه ففيه أقوال وذهب إلى هذا المالكية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة، والظاهرية"
المسألة فى القرآن واضحة فالمطلوب هو القصاص والقصاص هو تطبيق لقوله تعالى "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"
وتحدث الباحث عن أدلة الرأيين والعجيب أنه قال الأدلة كلها من الروايات وفى هذا قال :
"المسألة الثانية:
أدلة الرأي الأول ومناقشتها:
أدلة الرأي الأول:
استدل الفريق القائل "لا قصاص إلا بالسيف" بجملة أدلة، من أبرزها:
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا قود إلا بالسيف"
وجه الدلالة في الحديث:
إن الحديث نص على نفي استيفاء القود – أي: القصاص- بغير السيف، وتجدر الإشارة هنا إلى كلام الإمام الطحاوي إذ يقول في شرحه لهذا الحديث:"دل الحديث أن القود لكل قتيل ما كان لا يكون إلا بالسيف"، وقال الإمام السندي :"لا يجب القصاص إذا كان قتلا إلا بالسيف"
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته"
وجه الدلالة في الحديث:
إن النبي (ص) أمر بالإحسان في القتل، ولا يكون هذا إلا بالسيف، ولذلك كان عليه السلام يأمر من أراد ضرب عنقه أن يضرب بالسيف حتى اشتهر ذلك بين أصحابه، ثم إن الإحسان بالذبح مطلوب للحيوان، ففي حق الإنسان من باب أولى
نهى النبي (ص)عن المثلة، وذلك في قوله: "لا تمثلوا"
وجه الدلالة في الحديث:
إذا قتل المجني عليه بغير السيف، فلا يقتص من الجاني بمثل ما فعل(أي: لا يقتص من الجاني بمثل الفعل والطريقة التي قتل بها المجني عليه وذلك تطبيقا للحديث وهو النهي عن المثلة؛ ولأن في ذلك زياد تعذيب
مناقشة أدلة الرأي الأول:
بعد أن عرضت جملة من الأدلة التي استدل بها الفريق الأول، ننتقل إلى مناقشة هذه الأدلة
الحديث الأول "لا قود إلا بالسيف"، الرد: حديث ضعيف لا تقوم به قوة على الاستدلال به، حيث قال ابن حزم فيه: "حديث مرسل، ولا يحل الأخذ بالمرسل"، وقال عنه الإمام البيهقي: "لم يثبت فيه إسناد"وقد وقف الباحث على جملة من أقوال المعاصرين حول هذا الحديث ، وهم: محمد ناصر الدين الألباني إذ يحكم في كتابه ضعيف سنن ابن ماجه على رواية النعمان بن بشير لهذا الحديث بأنه-أي الحديث-: ضعيف جدا، ويحكم على رواية أبي بكرة بأنه-أي الحديث-: ضعيف، ووجد الباحث كذلك أن الألباني في كتابه إرواء الغليل يحكم على الحديث بالضعف أيضا،إضافة إلى ذلك فإن مجدي الشورى في تخريجه للسنن الدارقطني قد قال في هذا الحديث: إسناده ضعيف جدا وقد يجاب عليهم في ذلك: إن الحديث ورد من عدة طرق يقوي بعضها بعضا، لكن الباحث تتبع أقوال المحققين حول هذا الحديث ، ومنها: ما ذكره بشار معروف في تحقيقه لسنن ابن ماجه بعد أن تتبع الحديث فقال:"إسناده ضعيف"، وكذلك قال عنه محمد ضياء الرحمن الأعظمي في كتابه المنة الكبرى بعد أن جمع طرق الحديث ورواياته:"صح قول المؤلف-أي الإمام البيهقي- لم يثبت في إسناد"
حديث الإحسان رد عليه الإمام ابن حزم بـ: إن غاية الإحسان في تنفيذ القتل هو: أن يقتل الجاني بمثل ما قتل به، وهذا قمة العدل والإنصاف، لكن الباحث يرى أن ما ذكره ابن حزم أحد أنواع الإحسان فهو على سبيل التمثيل لا الحصر هذا أولا، وثانيا، يرى الباحث أن هذا الرد غير دقيق ؛ لأن مرتبة الإحسان فوق مرتبة العدل، إضافة إلى ذلك فإن الحديث-كما وضح الإمام ابن رجب- يدل بصريح نصه على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يباح إزهاقها على أسهل الوجوه
أما حديث النهي عن المثلة: فيرد عليه من وجهين: الأول: إن النهي في هذا الحديث محمول على من وجب قتله من غير مكافأة(أي: من غير معاقبته بمثل ما فعل) الثاني: إن المثلة لا تكون في الذي أوجبه الله تبارك وتعالى علينا، فرجم الزاني المحصن ليس بمثلة؛ ذلك لأن الله عز وجل أمر بذلك"
أثبت الباحث عدم صحة الروايات الوارد فى الرأى سندا كما أنها تتعارض مع القرآن فى المثلية فى قوله تعالى :
"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وتتنافى مع تعدد طرق القتل فى حد الحرابة حيث القتل العادى ذبحا والقتل صلبا بتقطيع اليد والرجل والنفى من الأرض وهو الإغراق فى الماء وفى هذا قال تعالى :
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم أو أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"
وناقش الباحث أدلة الرأى الثانى فقال :
"المسألة الثالثة:
أدلة الرأي الثاني ومناقشتها:
استدل القائلون بالقول الثاني بجملة أدلة، منها:
النصوص القرآنية الدالة على وجوب المماثلة في الجزاء والعقاب، منها قوله تعالى: "إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"
|