وحين يأتي الوالدان بابنهما أو ابنتهما إلى الطبيب النفسي فهما يريدان منه أن يروضه أو يروضهما لإرادتهما, وهذا حل فاشل بالضرورة لأن الطبيب لو سار في نفس الاتجاه فإنه يكرر خطأ الوالدين ويدفع الطالب المتراخي أو المعاند أو العدواني إلى مزيد من الاضطراب, ولكن الأجدى والأنفع في هذه الحالة هو أن يهدئ الطبيب من روع الوالدين ويحيدهما ويخفف من وطأة سيطرتهما وتحكمهما وانشغالهما بموضوع المذاكرة طوال الوقت, ثم يبدأ في التعامل مع الطالب بشكل مختلف وذلك بأن يتعامل معه كراشد(لا كطفل) وبما أنه راشد فهو يدرك ويتحمل مسئولية مستقبله الدراسي, وبما أن ضغوط الوالدين قد حيدت بعيداً إذن فقد أصبح لديه (أي الطالب) الحرية الكاملة في أن يذاكر أو لا يذاكر وهو في الحالتين يتحمل مسئولية قراره.
وفى البداية لن يتحمل الوالدين هذا الأسلوب الذي لم يتعوداه مع ابنهما( أو ابنتهما) , ولكن طمأنة الطبيب وتوضيح الأمور لهما يساعدهما على التعاون حتى يضبط إيقاع العلاقة بينهما من ناحية وبين الطالب( أو الطالبة) من ناحية أخرى.
وربما يستغرق هذا عدة جلسات وربما يثور أحد الوالدين في بعض الأحيان معترضاً على هذا الأسلوب المتساهل أو المتسيب في نظره محاولاً الانقضاض على الابن( أو الابنة) مرة أخرى واستعادة السيطرة والقهر والتحكم, ولكن المعالج سوف يوقف هذه المحاولات بصبر وروية وتفهم ويعطينهما نموذجاً للتعامل الناضج, تعامل الراشد مع الراشد وليس تعامل الوالد مع الطفل, وبهذا لا ينضج الطالب المتعثر فحسب وإنما ينضج الوالدان أيضاً وتخف حدة الصراع.
وربما يحتاج هذا التغير بعض الوقت وربما لا يستطيع الطالب تحقيق إنجاز دراسي سريع خاصة وأنه يكون في حالة عدم توازن لفترة معينة حيث تعود على تحكم وسيطرة الوالدين لسنوات طويلة وتعود على الطاعة العمياء أو العدوان السلبي, والآن وقد عادت إليه حريته الطبيعية( التي لم يتعود عليهما) فإنه يكون متحيراً ..
ماذا أفعل وقد أصبحت حراً ...؟ .. كيف أواجه مصيري وقد أصبحت رجلاً بالفعل؟
وهنا يبرز دور المعالج في مساعدته بشكل غير اعتمادي على تجاوز هذه المرحلة ومواجهة مسئولياته كراشد.
وهناك بعض الأعمال الفنية التي عالجت هذه الأزمة( بصرف النظر عن موافقتنا لها أو اعتراضنا عليها) وهى مسرحية"مدرسة المشاغبين" ومسرحية"العيال كبرت".. وفى كلتا المسرحيتين يتم التعامل بشكل أبوي مهزوز وغير ناضج مع الأبناء الذين يتعطل نضجهم فينشأ ما يشبه لعبة القط والفأر فيتشوه كيان الأب( أو الأم ) ويتشوه كيان الأبناء (أو البنات) .
وحين تدخل مسرح الأحداث شخصية ناضجة يبدأ التحول التدريجي نحو النضج ولكن بعد فترة حيرة واضطراب إذ ليس كافياً أن يزول تسلط رموز السلطة على الأبناء بل يلزم أن يصاحب ذلك نضج مواز للأبناء حتى يسيروا حياتهم بشكل راشد بعد زوال القهر الأبوي غير المنطقي, وهنا تبدأ مسيرة النمو مرة أخرى بعد فترة تعثر وتخبط.