ارهاصات في الحب و الوطن...

[فاتح السعدي]

ضاعت من يدي..
و رحلت سنين العمر و لم استطـع أن أنقذ منها
إلا يومين ، يوم عشقت فيه عيونها العسليــــــة
ويوم سافرت فيه جميلتي ...
يومها قطع الهجر ما تبقى من حنين وضاعـــت
خيوط الحـب و قلبـــــي الـــذي أحـــب بسمتـــك
الطاهرة وهو لا يدري وعشق عيونـك التائهـــة
لأنه عشقها ولى الزمان عليـه..وصـار مجــــرد
قشة حملتها رياح الخريـف لترمـي بهـا تحــــت
أقدام العابثين فهل يرضيـك هـذا يا حبيبتــــي..؟

قد عشقت البحر..
وأنا اعلم أن أقـداري تترنـــح فـــوق أمواجـــها
العاتية وأحببت ذاك الوطن واعرف أن أسراري
دفنت تحت تربته و صخوره ،فهـل يعقـــــــل أن
ينبش تحت قبـري لـو لـم يخنّي شـراع سفينتـي
و والله إني أرت أن امسـك بـه و أشــده أكثـــــر
إلى صدري..
لكن كان علـى القــدر أن يمثـــل آخـــر مشهــــد
ويصـور آخر لحظة كتبت على جبيني ، فسالــت
معـه آخـر قطرة من الحب ، قطرة واحدة ،
بنغمة واحـدة..
غطى سوادها الداكن كل صفحاتي و أوراقـــي ،
غير أن هذه اللعنة القاتمة ،لم تستطع أن تغـرق
حروف الحب الأولـى التـي كتبناهـا معــا..
سيدتـي الغالية ، شأت أم أبيـت ، هــي النظـــرة
تسبق غرغرة اللسان في معناهـا و صدقـــــها..
لكن حبيبتي لا تريد أن تؤمن معي ، أن الحــــب
أعمق من أفكارنا ، و أن البسمة التـي نسجنـــا
أنفاسها اللطيفة ،لا يمكن أن نرسمها بالحـروف
كما لا يمكن للفكرة أن تكون قالبا للحب..

فهل كان الحب حقـا عـــزاءك ، يا صغيرتــــي ،
أم انـك مازلـــت تبحثيـــن عــــن كلمـــة كاذبـــة
ترضيـن بهــا غـــرورك و كبريـاءك ،و ليســـت
الأعذار الواهية مـا تكتسحين بها جبال الجليــــد
الجاثمـة على صدرك ، بل الدفء الذي فارقـك..
و ربما سيفارقك إلى الأبد ، مادمـت تتمسكيــــن
بأوتـاد الجفاء..
ألفت اغني ،
لحب مضى..
روى الليل قصته
و انقضى
و أكتب عشق الذي قد جفا
قصيد مقفى
بدمع الجوى..

يؤسفني أن ارحل اليوم ، و يحزنني أن تكــــون
نهاية مشاعرنا الجميلة فرقة لا بد منـها ،فالقدر
الذي أراد أن يفصل أرواحنا ، سيبعدنا أكثـــــــر
و أكثرهذه الليلة ،ولن يبق من الحب ســـــــوى
دمعة حارقة قد تكفكفها السنين..
و يومها ستدركين أن جبال الجليد لـم تكــــن إلا
أكواما من وهم خيمت فـوق عينيــــك ، لتنتقـــم
مـن قلب احبك دائما..
فهل يكفي قلم و دفتر
و كلمة ضاع رحيقها
و ندى أوراقها قد تبخر
صفرة في الجبين..
وعيون غائرة
و يد أمدها لمن يقرا الكف و يبصر

لقد انتظرت طويـلا ، و أقمـــت حيـــث لا يمكــن
أن يقيم رجل ، لأصـارع سيـول جارفــــة مـــن
الحزن ،آخرها أن يقتلـع قلبي باليد التـي كنــــت
أخالها قديسة طاهرة ، راحتها بيضـاء بريئـــــة
من كل الخطايـا ، اعتقـدت انـــــك لا تجيديــــــن
إلا إشعال الشموع ، و إضاءة الزوايا المظلمـــة
فــي دهاليز قلبي..
لكن بين صحوة في الضميـر ، و وثبـة خاطــــر
مؤلمة ، اسـر جموح عقلي ، و انهزمــــــــــــت
أفكاري و أصبح صبري قيودا و أغلالا تريد أن
تنسينـي قداسة الحرية..
أما سكناتك و همساتك الطفولة البريئة فصارت
جزءا من حلم و سراب لم تستطع ظنونـــــي أن
تحوله إلى يقين ، و اكتفت رؤوس أقلامـــي أن
تتبع خيوط الحبر ، لتحــفر على الكلمات معنــى
الحزن والندم..

اجبن منك يا زمن..
أن ترسم الحقيقة فوق الكلمات و تثبت أن الأيام
ليس لها معنى إذا فارق الحب عيون الجميــلات
هكذا طلبت منك..
أتقبل..؟ أم انك ستتركنـي احتضـر و تسحــــــق
ما تبقى من أحرفي و ترمـي بهـا فـي سلـــــــــة
المنسيات ، هكذا طلبت منـك ، لكـن قتلتنـــــــي
يا زمن ، و للأحرف أحرف أخرى إن لم اكتبهــا
أنا ستنقش جرحا على خدود الفاتنــات..
فاكتب يا زمن ، أنا ابـن النخلـة ، وابــن مــــــن
عاصرت التاريخ ، عانقت الشمس و شهــــــدت
على ولادة الرجال..
اكتب أن التراب لا يسمى وطنا إلا إذا داســــــت
عليه أقدام الصبيان ،و أن بيوت الطيــــن التــي
نلجها كل يوم ، تسكنها قلوب الأجداد منذ مئـات
السنين..
فامسح على جبيني لن تُنسني وطني ، لـــــــــن
تنسني الدمعة الحمقاء اسكبهـا علـى كاســـي
و اروي بالدماء كفني ، كفني طرزوه كغيري مــن
أبنـاء جيلي و رسموا لنا القبـور في الوديـــــان
و المدن..

أيتها الشمعة الخالدة ، فـي كـل مـرة انحنـــــــي
و انحني أكثر..لنورك أيتها البيضـاء ، لأطفــــئ
بشهوة غامضة لهيبا مـن طموحـات و أحـــــلام
سابقة أجهدت عقلـي أو لأجعـل مـن دخانــــــــك
قربانا قد يطهـر صـدري مـن نجـس تراكـــــــــم
على مدار خمسين سنة من الكذب..
و أنا في حضرتـك ، سيدتـي ، لا يمكننــــــي أن
استسلم لسطوة المـوت الأصغـر ، و سأقضــــي
معـك رفقـة كاسـي ما تبقـى بحوزتـي مــــــــــن
زمن هارب ، سنذيب معا علـى هـذه الطاولـــــة
إرهاصات الثالـوث القاتـل بداخلـي ، ثالــــــــوث
حملني جريمة الكفر و الخيانـة و هـو نفســــــه
من يعلمنـي كيـف تمـزج بركـات الدخـــــــــان ،
بشطحات الحرمان اللاهوتية..
سيدتي ،
مثل صدفة أنت ومدرسة ، حنونة صبورة جـــدا
لأبعد مدى ، لم تملّي أنفاسـي المريضـــــة ، ولا
أنين روحي الموجوعـة ، و أن الذي اختليـــــت
بك أكثر من ألف مرة بين جدران نفس الغرفـــة
التي تؤثثها ذاكرتي بالأحزان..
دعيني أيتها الرائعة..
أبحر بعيدا و اغـرق بيـن أمـواج دموعـــــــــــك
الساخنة ، انزل مـع آخـر قطـرة شمع ذائبـــــــة
للغوص في غياهب الحب و الموت..
اشهد و أنا بأغوار الظلام ما لم تستطــــــــــــــع
جوارحي أن تمارسه في هذه المدينة العامـــــرة
بالأضواء..

الجزائر ....



يتبــــع إذا أعجبتكم...

[اوراق الثريا]

لقد انتظرت طويـلا ، و أقمـــت حيـــث لا يمكــن
أن يقيم رجل ، لأصـارع سيـول جارفــــة مـــن
الحزن ،آخرها أن يقتلـع قلبي باليد التـي كنــــت
أخالها قديسة طاهرة ، راحتها بيضـاء بريئـــــة
من كل الخطايـا ، اعتقـدت انـــــك لا تجيديــــــن
إلا إشعال الشموع ، و إضاءة الزوايا المظلمـــة
فــي دهاليز قلبي..


تحية طيبة
الفاضل العربي فاتح السعدي
قلمك الذي منح القصيدة النثرية جمالا رائقا
هدا الصرح الأدبي المميز

شُكراً وكن دوما بالجوار

[فاتح السعدي]

شكرا اوراق الثريا..
شرفني مرورك ، ردك
واتحفني عبق السلام الاول
الذي خطته اناملك و حرفك
بهذا المنتدى الاجمل..
تقبل تحياتي القلبية الخالصة

[السيد عبد الرازق]

فاتح السعدي
جميل ماسطرت هنا .
مرحبا بك وأهلا وسهلا.
أنرت ربوع الخيام .
مررت من هنا .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكمل بارك الله فيك .
وننتظر الجديد منك والأروع .

[محمد الحبشي]

أستاذ فاتح ..

جذبنى حرفك واسلوبك المميز على متابعة القراءة ..

تميز فى العرض ومؤثرات وألوان أضفت على حوارك جاذبية ..

تقديرى ومرحبا بك