العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: ابونا عميد عباد الرحمن (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال مخاطر من الفضاء قد تودي بالحضارة إلى الفناء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في كتاب من أحسن الحديث خطبة إبليس في النار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث وعي النبات (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أهل الحديث (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب إنسانيّة محمد(ص) (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الى هيئة الامم المتحدة للمرأة,اعتداء بالضرب على ماجدات العراق في البصرة (آخر رد :اقبـال)       :: المهندس ابراهيم فؤاد عبداللطيف (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نظرات في مقال احترس من ذلك الصوت الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 02-12-2006, 04:43 PM   #41
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مندوب المبيعات

في العادة يذهب الناس لمكان السلعة ويطلبونها في الأسواق، لكن أحيانا تأتي السلعة لعند الناس أو يأتي من يبشر بها ويصنع لها الدعاية، وهذا النمط من الخدمات ليس حديثا، فإن حمل السلعة والطواف بها كان يتم قبل سوق (عكاظ)، واستمر بأشكال حتى تطور لهيئات مختلفة، فلا زلت أذكر عندما كان يطوف قبل أربعة عقود مربي الماعز بين حارات المدن ليحلبوا ماعزهم أمام المشتري حتى يلفُوه بهالة من الثقة بعدم الغش ..

لكن أن يمتهن صبايا وشباب بعمر الورد تلك المهنة ويحملون معهم حقائب كبيرة لا يستطيع حمار أن يحملها، ويضعونها برفق وابتسامة تمرنوا عليها جيدا ويرددون كلاما يطلب الصفح والاستئذان ممن يقتحمون عليه المكان سواء كان في مكتب أو بيت أو غيره، ويسارعون في إخراج أفضل ما لديهم من سلع تتناسب مع موسم ما، فدفاتر أو أقلام أو مساطر في موسم افتتاح السنة أو الفصل الدراسي، وسكاكين وأدوات مطبخ قبل موعد الغداء، لارتباط تلك الفترة بفقدان الموظفين للياقتهم البدنية وتهيؤهم للذهاب لتناول الغداء، وما للسكاكين علاقة بذلك .. وأحيانا يستخرجون زجاجات من (عطور) مغلفة بشكل جيد ويفتحون واحدة تلو الأخرى، ويرشون بعض(بخات) منها على يد الزبون، وكأنهم في تمرين للتنويم المغناطيسي، مع ذكر السعر الذي لا يساوي عُشر زجاجة عطر معروفة وتحمل نفس الماركة، وهي حيلة باتت مبتذلة .. كل ذلك كان مستجدا وحديثا برز خلال عقدين من الزمن.

عندما أوقف سيارته الفارهة أمام المكتب، ونزل منها كان يحمل معه عكازا أنيقا يتناسب مع ملابسه الأنيقة، وإن كان عندما يسير يظهر لمن يراه أنه تعرض لحادث كسرت فيه أكثر من عظمة رئيسية، وثبتت بواسطة براغي وقطع معدنية، و يخيل لمن يراه يمشي، أنه يسمع صريك احتكاك القطع المعدنية..

كان مدير المكتب منشغلا في عمل كتابي، في حين كان يجلس على بعد مترين منه أحد الزوار الدائمين الذين استنزفوا مبررات تواجدهم منذ مدة، وهؤلاء كثر يترددون على المكاتب والمتاجر وأحيانا (صالونات الحلاقة)، بشكل برنامج يومي فتبدأ سهرتهم في تلك الأمكنة منذ التاسعة صباحا.. كان يستغل انشغال مدير المكتب بعمله، ليدخل عقلة كاملة من سبابته في أحد فتحتي منخاره، عندما تفاجأ بدخول هذا الرجل المكسَر، والذي يصطحب معه فتاة قد أعياها الجهد حتى دخلت في ملابسها الضيقة و الملونة بألوان غريبة.. فأخرج عقلة أصبعه من فتحة أنفه ليتابع ما رأى..

قامت الفتاة بتقديم السيد (المكسر) الذي ينتهي اسمه باسم عائلة معروفة لمدير المكتب، الذي بادر بسؤاله: هل تعرف فلانا وفلانا؟ ، فأجاب نافيا بابتسامة تدرب عليها جيدا، وقال أنها عائلة كبيرة وتتوزع في عدة مدن، بل بعدة أقطار. ثم انتقل بطريقة محترفة بسبب زيارته، وكانت الفتاة التي استخرجت جهاز كمبيوتر (نقَال)، تعمل معه ثنائي يعرف كل منهما دوره جيدا.. وقد عرضا خدماتهما بأنهما يقومان بتزويد الشركات بدفاتر وأقلام وولاعات وأدوات مكتب، وعرضا منها عينات ممتازة، وكان السعر أقل من الأسعار لسلع مشابهة بحوالي الثلث، فوافق مدير المكتب على عرضهما، وقد يكون تأثير الفتاة التي استخرجت عقلة الأصبع من أنف صاحبها لها دور ..ولم يأخذوا قيمة الصفقة التي بلغت حوالي ستمائة دولار، نقدا، بل بشيك مؤجل لثلاثة شهور، وبعد ثلاثة أيام جيء بالمطلوب الذي تم الاتفاق عليه ..

وفي السنة الثانية تكررت القصة مع نفس الشخصين .. وتم زيادة المطلوب من المواد الدعائية .. كما قام مدير المكتب بخدمة لهما أن أعطاهما بعض عناوين المكاتب ليعرضا خدماتهما عليهم، وهو نفس الدور الذي قام به في العام الفائت، إذ تم تعريفهما بعدة أسماء وعناوين وأرقام تلفونات ..

في السنة الثالثة، وبعد أن اتصل مدير المكتب بالمكسَر على هاتفه الجوَال، حضر ومعه عدة العمل بما فيها الفتاة ضيقة الملابس، وعرضا نماذج من سلع وأدوات دعائية فاخرة جدا، وبأنها بسعر منافس بالسوق، وعليها عرض فيما لو تم الدفع نقدا، وكان الفرق بين النقد والأجل يعادل الثلث تقريبا، على أن يجري التسليم بعد أسبوع، ووافق المدير (المضبوع) بالعرض، ودفع لهما شيكا يصرف بعد أسبوع ..

لكن الأسبوع ذهب، وذهب معه الأسبوع الثاني والثالث، واتصل الذين ينعمون بتلك النماذج الدعائية التي توزع قبل رأس السنة، أين حصتهم من تلك الهدايا؟ والمدير يحاول الاتصال بالمكسَر، عسى أن يجيب، ولكن لا إجابة..

وعندما استفسر من بقية الذين كان يتردد عليهم المكسَر وجدهم قد وقعوا في نفس الشرَك، وانتهى موسم توزيع الدعايات وانتهت الرغبة في البحث عنه!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-12-2006, 04:08 PM   #42
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الشيخ حمدان

قد يستغرب البعض أننا وضعنا عنوانا بهذا الشكل، فيستطرف من يريد الاستطراف غامزا، بأن هل من يصبح شيخا سواء بإرادته أو إرادة غيره، هل يعتبر ذلك عملا ويُدرج مع الأعمال؟

كان الشيوخ في الزمن القديم يتم اختيارهم من بين مجموعة عقلاء ووجهاء عشائرهم بأفخاذها وبطونها، فيكون هناك شيخ وشيخ مشايخ، وكان للشيخ وظيفة قيادية متعددة الجوانب، فله دور أمني وثقافي واقتصادي و قضائي، فهو الذي يأمر بالرحيل والإغارة على الغير، وهو من يعبئ القبيلة تعبئة معنوية وهو الذي في ديوانه يقال الشعر والقصص والروايات التي تحمل في ثناياها معاني ذات قيم، وهو الذي يلجأ إليه المحتاج من أبناء القبيلة وهو الذي يقيم جلسات القضاء بين المتخاصمين، وهو الذي يستجير به الغرباء المحتاجين لحمايته، وهو الذي يحضر المناسبات خارج قبيلته، فينقل لأبناء قبيلته ما سمع أو رأى، وهو الذي يعقد الأحلاف مع الغير ..

وكان الناس يقرون بالدور له طالما كانت قراراته صائبة، وطالما كان ذا نخوة وطالما كان عفيفا كريما لا يستأثر بالخير لنفسه، شجاعا يقود من يذود عن شرف العشيرة، ذا أنفة فلا يفتخر بفعل الغير بل بفعل فرسانه. كل ذلك كان يتم عندما تكون آثار الدولة بعيدة عن التأثير في أفراد العشائر وقبائلهم، فكانوا يضعون قوانينهم بالقياس و يتذاكرون بها بالمشافهة.

في العصر الحديث، لا يستغرب أحدكم إذا قيل على مسمعه أن هناك من يفكر ليلا نهارا في أن يكون شيخا، فقد ترى في أرياف بعض البلدان العربية من يحمل (عريضة) ليوقع عليها أكبر قدر ممكن من الناس يؤيدون شخصا ليكون شيخا، وعندما يصدر أمرا من الحاكم الإداري المخول بمثل تلك المسائل، فإنه سيضع قطعة على باب بيته تقول: منزل الشيخ فلان، وقد تسوِل له نفسه أن يكتب على عباءته التي يلبسها الشيخ فلان.. وقد يتجول بين الدوائر الحكومية يوميا، يدخل على المدير قائلا له : (حق سلام) أي جئتك لألقي عليك السلام فقط، ويردف قائلا: ( جيرة الله نتناول طعام الغداء في معيتكم) .. وينتقل بحركات مبتذلة بين الدوائر والأسواق، ولا يتوانى عن حضور أي مأتم أو عرس أو مراسم صلح أو غيرها .. ومع ذلك يبقى مجالا للتندر لدى الكثيرين.

لكن الشيخ حمدان لم يفعل ذلك أبدا، ولم يجمع تواقيع أحد لكي يصبح شيخا، ولكن الدولة والحكام الإداريين والقاصي و الداني يعترف له بالأحقية أن يكون شيخا، كان مبتسما باستمرار دون أن تظهر أسنانه نهائيا، كان في السبعين أو أكثر قليلا من عمره، لكنه بعد عودته من صلاة الفجر، حيث يواظب على الصلوات الخمس في المسجد يبقى يردد بين كل عدة خطوات (لا إله إلا الله) .. حتى يصل بيته، فيفتح مضافته (ديوانه) فيحمس القهوة ومن ثم يدندن بصوت (الهاون) وهو وعاء نحاسي ثقيل يسحن به القهوة أولا بأول .. ويركب (إبريق) الشاي فوق الفحم يتجمع حوله مجموعة من أقاربه في مثل سنه أو أقل قليلا، وواحد من أبناءه الستة أو أكثر، حتى تحضر زوجته (الحجة) الإفطار للجميع، ويكون بيضا مقليا بالسمن العربي وبعض اللبن وأحيانا بعض الكبد المقلي أو ما وجد في البيت ..

لو تفحص أحد المتابعين لهذا الشيخ كلماته التي يرددها في مناسبات مختلفة وما أكثرها، فإن كلفه أحد بأن يعيد (زعلانة) من زوجها أو أن يذهب لخطبة فتاة لأحد الشباب أو يتوسط لأحد المواطنين عند الشرطة أو في دائرة ما، أو يذهب مع أحد المرشحين للبرلمان لجمع المؤيدين وطلب الأصوات، أو أن يدخل في وساطة صلح عشائري كقتل أحد أو غيره، فإن صيغة الكلام في كل المناسبات تكاد تكون متشابهة .. فهو بعد أن يشير الجميع أن يوضع فنجان (الجاهة) أمامه فإنه يبادر بالكلام : ( نحن نتشرف أن أتينا الى بيوتنا .. وكما يقول المثل المصارين بالبطن تتقاتل.. واثنان غانمان لم يصلا قاض) .. هذا في حالة الخصام ورد من تخاصم زوجها.. وحتى في حوادث القتل .. وعندما يريد أن يطلب أصوات لأحد فإنه يقول : ( نحن نتشرف في بيوتنا .. وكما يقول المثل فإن عصانا وعصاكم واحدة ) أي نحن في طيلة حياتنا حلف ..

والعجيب أن الشيخ حمدان والذي تم انتخابه خمس مرات للمجلس البلدي، كان هو الوحيد في أي كتلة انتخابية الذي لم يخفق (يرسب) في أي انتخابات. كان المثقفون يتندرون من أن يتصدر أمثاله المجتمع المحلي، لكن ما أن تحدث مشكلة مع مثقف حتى يسارع الى الذهاب إليه ليذلل له خطبة (عروس) أو يحل له مشكلة (دهس) أحد .. فهم يعرفون جيدا أنه رغم قلة حيلة الرجل الثقافية والمنطقية ، إلا أنه لم يدخل في أي موضوع إلا انتهى لصالح من طلب معونته ، حتى غدا معظم أصدقاءه من المثقفين ..

كان المثقفون يجلسون لمناقشة تلك الظاهرة، فيبتسم أحد الظرفاء منهم ، ويحاول إنها الحديث بقوله: إنها (الكاريزمية) .. فهي لا تعرف شهادة جامعية ولا تعرف مال ولا تعرف قوة عضلات .. إنها (الكاريزمية) ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-01-2007, 04:47 PM   #43
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

موظف الضمان الاجتماعي

الإنسان كائن معقد مهما تشابهت الألوان ومصادر المعرفة وعوامل الوراثة فإن أي إنسان لا يتطابق كامل التطابق مع أي إنسان آخر.

في بعض الأحيان يُنظر للإنسان كأنه نسخة مكررة من مجموع هائل، فحتى يمكن تمييزها عن الآخرين سيعطى للنسخة رقم وتسلسل يميزها عن غيرها، فيصبح بني آدم كأنه (موتور أو شاصي) لسيارة يحمل رقما يثبت على بطاقته الشخصية و يتم تلطيف هذا الرقم بإضافة كلمة أخرى له ليصبح (الرقم الوطني) وكأن هناك (رقم عميل أو خائن) ..

كثيرة هي المجالات التي يتم التعامل بها مع الإنسان كرقم، فأيام الانتخابات توضع الأسماء وبجانبها أرقام (تكون أهم من الأسماء) في جانبها، فيتساوى الأهبل والمخترع و القائد والأصم في (الحقوق)، ففي وقت الفرز، الأهبل له صوت يضاف لحصيلة مرشح والعالم له صوت مثله.

في الضمان الاجتماعي، وهو اختراع لا أتوقع له مستقبلا زاهرا، وإن كانت صناديق الضمان الاجتماعي في بداية حياتها تتباهى في ضخامة حجم موجوداتها المالية، والسبب في ذلك أنها تأخذ حصص المشتركين ولا تدفع لأحد، ولكن بعد مرور الوقت ستجد تلك الصناديق أن ما تدفعه يفوق كثيرا ما تأخذه. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا كان قبل 15 عاما يدفع 16 مشترك ليأخذ من الصندوق مشترك واحد، واليوم يدفع 16 ليأخذ ثلاثة وبعد 18 سنة سيدفع واحد ليأخذ مقابله واحد .. وستصبح الصناديق تطلب المعونات من الخزينة..

عندما دخل دائرة الضمان الاجتماعي، لم تكن هي الدائرة التي زارها لأول مرة عام 1990، فقليل من الموظفين قد بقي على رأس عمله، ولكن (الأضابير) زادت، حتى أصبحت كأنها بلاط رصف على جانب طريق في يوم ماطر، تستطيع رؤية كثرتها دون القدرة على قراءة ما كتب على حافة الإضبارة. بحث عن أحد ما، حتى يسأله ويكون على معرفة به سابقا، فلم يكمل جولته في الوجوه المنكبة على أرقام.. فبادرته موظفة شابة (تفضل عمي) .. فأخبرها باسم الشركة التي يراجع من أجلها، ولكنها لم تستفد من ذلك، إذ طلبت الرقم الخاص بالشركة.

اكتشف أن هناك وجها، تدل ملامحه بأنه سبق وأن تعرف عليه، فحالت المدة بين آخر مرة رآه بها، حيث كان يبعث موظفا بدلا منه .. وبين اللحظة التي رآه بها للتو، فبادره الموظف (أهلا باش مهندس) .. فتوجه نحوه تاركا الفتاة تنتظر رقم شركته .. طلب الموظف منه الجلوس بجانبه على أريكة تتفوق على كثير من المقاعد المجاورة للمناضد (حيث يجلس المراجعون) .. فأخرج له من حقيبته بعض هدايا رأس السنة .. فقبلها الموظف شريطة أن يقبل منه كوبا من الشراب الساخن.. ناوله بعض المعلومات التي طلبته الدائرة من أجلها، فالتهى الموظف بمراجعة ملف الشركة ..

كانت القاعة واسعة تنتصب على أطرافها رفوف بشكل جدران محشوة بالأضابير، وكان هناك ما يزيد عن عشرين منضدة، تعتلي قسما منها أجهزة حاسوب، ويربض وراءها موظفات أو موظفون، يعرفون حدود صلاحياتهم بالأرقام، ويحددونها ليس جغرافيا بل رقميا، بعكس سيطرة أسود الغابة التي تحدد ببولها منطقة السيادة (جغرافيا) ..

كانت بعض الموظفات تخرج سخانا عملت به بعض الشراب الساخن لترتشف منه بواسطة كوب (بلاستيكي) لم يغسل جيدا، طالما أن استعماله قد حصر بمالكته. وكان يجلس في مكان قريب شخص يلبس (سترة ) لا يستطيع الإنكار أنه ابتاعها من (البالة) .. وهو يسأل: كم 18ألف ؟ فتجيبه الموظفة التي سكبت لنفسها كوبا من السائل الساخن، دون أن تعرض عليه بعضه: نعم 18ألف .. إنكم لم تلتزموا بالتسوية ولم تدفعوا أقساطكم بانتظام.. كانت دائرة الضمان ماكرة في تلك المسألة.. إذ أنها لم تصر على مطالبة باستحقاقات الدفع لتضيف على المكلفين 2% من قيمة الذمم المترتبة عليهم شهريا كفوائد .. أي بفائدة سنوية تصل 24% .. وكيف لا وهي تعرف أن معظم استثماراتها ـ عدا العقارية منها ـ فاشلة، ولا تصل نسبة استثمار الصبر على المكلفين (بمكر).. وهي دائرة حكومية، فلا خوف على ديونها من المكلفين، فهي تحجز على أموالهم بالبنوك وعلى عقاراتهم وتعطل معاملاتهم دون أن يسووا وضعهم!

أقبلت امرأة بالأربعينات من عمرها بجلباب بني فاتح وحجاب ثبتته بطريقة قوية جعلت وجهها الأبيض المليء باللحم أن يبدو وكأنه وضع له إطار إضافي من اللحم أيضا، كانت عيناها الواسعتان تنبئ من يراها بأنها في حيرة من أمرها، هل وضعت ملحا على ( طنجرة المحشي) التي أعدتها في المساء لتضعها على النار بعد انتهاء دوامها أم لا!

رمقت الموظف المشغول في مراجعة الملف، وهمهمت: الهدايا لناس وناس، تكرمي قال لها ستصلك حصتك ..

رفع الموظف رأسه وبادرها بعرض الهدية عليها، فهم المراجع بأن رتبتها الوظيفية أعلى من رتبة من ركن إليه .. تداخل اعتذارها مع طمأنة المراجع بأن حصتها ستصلها.. طلب الموظف من المراجع أن يخرج ختم الشركة ويوقع في أماكن أشار إليها الموظف .. فعل المراجع ذلك وغادر ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-02-2007, 01:15 AM   #44
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

في مكتب السجل التجاري

فرح عندما ناولته الموظفة التي تجلس خلف جهاز الكمبيوتر بعض الأوراق، مع كلمة فهم منها أن مشواره في طلب تلك الأوراق قد انتهى، وما عليه إلا أن يوقعها من مدير الدائرة و يذهب ..

بعد أن وقعها المدير، وأعطاه نسختين، لم يدقق بهما، ولم يشأ أن يطويهما حتى لا يفقدا رونقهما، بل حملهما بحذر، كأنه يحمل طبقا من بيض الدجاج، وفتح باب سيارته ووضعهما بجانبه، وانطلق، كان الوقت بعد الظهر بحوالي ساعة، وكان عليه أن يمر فوق طريق يصل فيه بلدته، حيث هناك مقبرة لمركز المحافظة. ومعلوم أن موكب السيارات التي تتبع الجنازة يكون من يقود السيارات فيها منضبطين بجلال الموقف، فيسير الموكب بانتظام و هيبة لا تعيق من يشاركهم الطريق كثيرا، ولكن وقت عودتهم لن يكونوا منضبطين، فيسقط عنهم الوقار و يتسابقون بسرعة حتى ينتهوا من تلك المراسم التي تدخل تحت باب الواجب وليس تحت باب المسئولية ..

كان عليه أن ينتبه لمثل تلك الفوضى في الطريق الذي تزامن مروره به، مع انتهاء مراسم الدفن، لأن الطريق ليس بمسربين بل بمسرب واحد للقادم والمغادر، وكان وراءه شاب يتحين الفرصة لتجاوزه في سيارة حديثة، ولا تدري ماذا يدور في رأس ذلك الشاب، أتراه يريد أن يثبت أنه قادر على المناورة بنجاح بين تلك الأعداد الضخمة من السيارات، أم وراءه مهمة مستعجلة، أم أنه في حاجة للدخول للحمَام؟

كانت هناك لحظات تتوقف به طوابير السيارات، لإفساح المجال لأحد المعيقين للمرور، ففي أثناء توقفه، سرق نظرة ليرى ما كُتب على شهادة السجل التجاري التي أحضرها .. ابتسم ثم تضايق .. لقد رأى البيانات المكتوبة بخط بارز على ورقة فاخرة : نوع التجارة: صناعة الأعلاف الجاهزة والمخلوطة، المدينة: كذا، رأس المال: كذا.. المفوض بالتوقيع: صاحب المطعم .. هنا ابتسم متذكرا تلك النكتة التي تروى عن غبي يسأل صاحبه: (النمر أسرع .. أم الزرافة أطول؟).

أما سبب غضبه فإن الجهة التي طلبت الشهادة قد ترفضها لهذا السبب، فما علاقة صاحب المطعم بالمصنع، ربما لن يسألوا فالأعلاف تعني إطعام الحيوانات وصاحب المطعم هنا هو نفسه صاحب المصنع ..

لكن ما الذي جعل الكمبيوتر يُخطئ في ذلك؟ ومن يقول أن الكمبيوتر هو من يقوم بذلك؟ .. إن مناولة الكمبيوتر للمعلومات هي المسئولة عن ذلك .. وقد تكون كلمة مطعم قد أدخلت في حالة جوع للموظف أو الموظفة ..

استعاد في ذاكرته كيف كان حال تلك الدائرة قبل تسع سنوات عندما زارها قبل تلك الزيارة، كانت غرفها أقل وهناك جهاز كمبيوتر واحد، يضعه المدير على المنضدة أمامه، ويضع على رأسه غطاء سميكا وعقالا بحجة برودة الطقس، كان المدير وقتها ضخما ووجهه مليء باللحم والشوارب، ولا يوحي وضعه أنه يتقن التعامل مع ذلك الجهاز، وعندما دخل عليه خلسة كان ذلك المدير يلعب الورق على الجهاز، ولم ينتبه لدخوله، وقد يكون استدرك تلك الهفوة فاستخدم حاجبا يقف على الباب لمنع المتسللين لتخريب خلوته ..

لقد انتقلت الدائرة الى مكان آخر، غرف مكانه على ما يبدو قد تم تفسير مخطط البناء لها بشكل مقلوب، فمخططات البناء عادة تكون غرفتين نوم وحمام أو ثلاث غرف نوم وحمام أو عشر غرف نوم وحمامين، لكن هذا البناء قد وضع فيه عشر حمامات و غرفتي نوم .. ولكن الغرف قد خلت من أطقم الحمامات وأنابيب المياه، فأبعاد الغرفة الواحدة (التي هي على ما اعتقد كانت حماما) مترين بمترين و نصف .. ولا أعلم لماذا اختيرت تلك البناية لتكون دائرة!، قد يكون اختيارها آت من دراسة سيكولوجية عميقة، فالموظف يبدو للمراجعين أنه أكبر من الغرفة .. وهي دلالة تترك انطباعا يجعل المراجع ينظر نظرة تعظيم لذلك الموظف .. بخلاف الموظف الذي يكون المكان الذي يجلس فيه واسعا، حيث يضيع بتلك المساحات ويتوزع الكادر ( والكادر هنا مصطلح يستخدمه المصورون والمخرجون في التصوير السينمائي).

لم يكن بالدائرة الجديدة نظام للتدفئة المركزية، وعليه فقد خُصص للدائرة مستخدم مسئول عن العناية بالمدفئات النفطية، فخلال الساعة لاحظته أكثر من ثمان مرات، إما يخرج مدفئة أو يدخل مدفئة، كان أصلعا ذا جسم مليء، وكان يغيظه وجود مراجعين اثنين بالعشرينات من عمرهما لهما صلعتين كأنهما قاما باستيرادهما استيرادا، ولا أدري لماذا طغى الصلعان هذا اليوم على جمهور المراجعين .. كانت الشفة العليا لأحدهما تطغى على وجه صاحبها الذي كنت أعتقد أنه أخ شقيق للأصلع الآخر .. لكنه تبين من خلال تلك الشفة أنه ليس على صلة بالآخر ..

في الممر الضيق حيث طُلب من المراجعين أن يجلسوا على المقاعد فيه، لا يستطيع اثنان أن يخطوا بجانب بعضهما لأن المقاعد المتقابلة ومن يجلس عليها سيعيق حركتهما فكان المار من الممر يتوجب السير فردا، تماما كما هي الحال في جوف الأسلحة النارية..

سيكون وجه من يجلس منتظرا، يقابل وجه من يجلس أمامه، كان الذي أمامه والد أحد الأصلعين، سأله: كيف الحال؟ أجاب بتثاقل : الحمد لله .. هناك متسع من الوقت، حتى لو كان حماس والد الأصلع غير متوفر في طرح الأسئلة، لكنه أصر على طرح سؤال آخر: أين أيامك؟ فأجابه بما يلاءم صيغة السؤال: مكانها..

يقبل من طرف الممر رجل قياساته أكبر من قياسات الممر، كان يحني ظهره، لا لأنه كبير في العمر، بل هي خصلة الطوال الذين يدخلوا من أبواب تتساوى مع أطوالهم، كان يسير واضعا كامل قدمه على الأرض، وبطريقة، كأن من يراه أمام إعادة مشهد على البطيء ..

انتهى موكب سيارات الجنازة .. وكان عليه أن يفكر في زيادة سرعة سيارته طالما أصبح الطريق أكثر أمانا ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-05-2007, 03:32 PM   #45
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

القصير (المبيض أو الملبس )

في كثير من الأمور تختلف التقييمات، من شخص لشخص، ومن متكلم لآخر، وأحيانا تختلف التقييمات لدى الشخص نفسه تجاه مسألة واحدة، لكن توقيت التقييم، هو الذي تغير .. وهذا معروف منذ القدم ..

في قضايا التصنيف الاجتماعي، تختلف النظرة السريعة تجاه شخص أو فئة كاملة، وقد يحاول صاحب النظرة أن يعمم نظرته لتصبح قانونا ثابتا، وقد تكون السرعة في تلك المسائل هي ما تجعل العالم مضطربا منذ الأزل ..

فلو نظرنا مثلا لعقائد الشيوعيين ونظرتهم للحياة، والتي تزعم في كل نظرياتها أنها تنحاز لفكرة العدالة، وإنصاف المسحوقين من مواطني العالم، لكننا لو فحصنا الضمانات التي تجعل من يقرأها أو يسمعها أو يطلع عليها والمنسوبة للشيوعيين ، لوجدناها معدومة، فلا توجد ضمانات لثبات تلك الصفة عند المدعين لتلك الأفكار. والدليل أن من قاد الاتحاد السوفييتي للانهيار هم قياداته التي تربت وترعرعت وصعدت في تسنم مراكز السلطة فيه، وهي فترة قصيرة إذا ما قيست في أعمار الإمبراطوريات، ولم يكن (جورباتشوف و شيفرنادزه، ويلتسين) مندسين في صفوف الشيوعيين ..

قد يتعجل من يبشر بعودة الحكم ذي الطابع الديني، ويقول إن الالتزام الأخلاقي، يرتبط بشكل ما بالالتزام بالدين، وكنا قد رأينا عبر التاريخ، كيف أنه، حتى هذا النوع من الحكم قد تفتت و هوى، كما هوت وتغيرت كل أصناف الحكم في العالم وعلى مر التاريخ ..

أحيانا تنحاز فئات مثقفة، الى الوقوف الى جانب العمال، لثقافة أخذت مكانها في نفس المثقف، ولكن هذا المثقف، قد تكون صورته لدى هؤلاء العمال بأنه حالم برجوازي، ولا يحتاجه العمال لأن يكون نصيرا لهم، فتكون صورته لدى العمال من السوء بمكان بحيث لا يتوقع هو تلك الصورة، وإن اكتشفها فإن صورة العمال لديه، قد يجري عليها تعديل وفق ذلك الاكتشاف، وإن حدث هذا التعديل، فإن عيبا في ثقافة المثقف قد تكون منذ البداية في تكوينه الثقافي دون أن يدري ..

القصير أو المُبَيِض أو المُلَبس، هو ذلك العامل الذي يقوم بتغطية الجدران والسقوف المبنية حديثا، بطبقة من الإسمنت والرمل، وأحيانا من الجبصين أي الجير المطفي كما يحدث في بعض المناطق بالعراق ويطلقون على العملية اسم (اللبخ) .. يحتاج العامل فيها الى لياقة كبيرة وصبر وحذر، فأحيانا تجده معلقا على واجهات بنايات على ارتفاع عشرات الأمتار، يثبت قدميه على لوح من الخشب عرضه لا يزيد كثيرا عن القدم، وعليه أن يقوم بعدة مهارات في آن واحد، أحدها وأهمها تتعلق بحفظ توازنه وعدم نسيان أين يقف، والثانية أن يتفقد المساحات التي أمامه، ليغطي شقوقها بإتقان دون أن يجعل السطح مموجا، وعمليات أخرى تتعلق بإعطاء الأوامر وتلقي الكتل المجبولة ليتزود بها في إنجاز عمله .. إنها مهمة ليست سهلة بطبيعة الحال، ومن يمتهن تلك المهنة لا يقوى على الاستمرار بها الى مالا نهاية، بل يتقاعد بسن مبكرة، وعليه أن يعرف الأجر الذي سيتقاضاه نظير عمله، حيث لا تقاعد ولا ديمومة طويلة لمثل هذا النوع من الأعمال ..

من يساعد هذا العامل الماهر، يكون عمال من الشباب الذين لا تزيد أعمارهم عن خمس وعشرين سنة، وهم يبذلون جهدا مضاعفا، في تحضير خلطات المواد، ومناولتها لمن يقوم بهذا العمل، ويتلقون منه الأوامر ويتقاضون أجورهم باليومية، في حين يتقاضى (المعلم) أجرته على المساحة، وعملية حساب المساحة معقدة، لا تقتصر على ضرب الطول بالعرض، فزوايا العمدان لها حساب والنوافذ والبرزات لها حساب، وأي سطح دائري له حساب، والعامل المساعد للمعلم عندما يحسب ما يتقاضاه معلمه ويجده يزيد أضعافا مضاعفة لما يتقاضاه هو، تتكون لديه مشاعر مركبة فهو يطمح أن يصبح معلما مشهورا يحيل عليه المهندسون والمقاولون أعمالا تدر عليه بعض الربح، ولكنه في نفس الوقت لن يكون مبتهجا ليكون مصيره معلم (قصير أو مبيض) .. لطول الفترات التي يمضيها دون عمل، واحتمالية عدم حصوله على الشهرة، وبنفس الوقت الجهد العضلي المبذول في تلك المهنة الشاقة والمخاطر التي قد يتعرض لها نتيجة السقوط أو الإصابة .. ولقلة خياراته في إيجاد عمل له، يضطر للصمت والطاعة لمعلمه .. لكنه يخفي بعض عدم رضاه عن صاحب العمل، والنظر الى معلمه على أنه يستثمر جهده بشكل غير عادل .. وهذا الشيء نجده أحيانا عند أطفال الفقراء المحرومين عندما يقشطون دهان سيارة حديثة وفارهة بواسطة مسمار أو قطعة معدنية، تعبيرا عن عدم رضاهم في توزيع الأرزاق بين البشر ..

عندما جاءت الورشة لإنجاز (تبييض) جدران وسقف صغير، لا تزيد كل مساحتها عن مئة متر مربع، وهي حمام إضافي لمكتب يقع فوق سطح فرش بالبلاط، وأقيم عليه مكتب منذ مدة مكون من ثلاث حجرات، كان صاحب المكتب ممن ينحازون الى جانب قضايا العمال. كانت مساحة السطح أكثر من أربعمائة متر مربعة، حاول العمال المساعدين للقصير أن لا يبقوا أي متر مربع دون أن يقوموا بخلط الإسمنت والرمل عليه، وكانوا إذا دخلوا المطبخ لن يبقوا أي شيء دون أن يعبثوا فيه، ولم يكن بالإمكان إغلاقه لأكثر من سبب أدبي وعملي، فقد كان يرغب أن يعملوا الشاي على طريقتهم، كما أن تزودهم بالماء لخلط المواد، كان مصدره المطبخ أو الحمام المحاذي له. كان من المتعذر على أي زائر للمكتب أن لا تصطبغ ملابسه باللون الأبيض المغبر نتيجة الطريقة التي كان العمال يقومون بها في تنفيذ مهمتهم ..

كان بعد أن ينهوا عملهم، يحاول تخفيف الحمولة الترابية والملوثة لكل شيء، فيجد أكواب الشاي أو فناجيل القهوة عبارة عن كتل إسمنتية، وأرضيات المطبخ والحمام تعلوها طبقات سميكة من المحاليل الإسمنتية ..

بعدما أنهوا عملهم، طلب منظفا للسطح فطلب ثلاثة أضعاف ما تقاضى عمال التبييض .. أعطاهم أجورهم، دون أن يبدي تذمره نهائيا .. لكنه تذكر ما كان قد رآه في مدن بريطانيا و إيطاليا في ورشات بناء عمارات تزيد عن عشر طبقات دون أن يتلوث الشارع، أو تعاق حركة المرور، بل كانت توضع الممرات المضاءة ليلا، والمزودة بلوحات فنية حتى لا يضجر المارة، وترفع المواد بطرق لا تترك ذرة من الغبار .. وقد تكون الكلف العامة أقل من الكلف لدينا (قياسا)..

لكنه عاد الى رشده، فاعتبر أن نمو علاقات الإنتاج في الغرب، وما أنجزه العمال في أخذ حقوقهم، هو ما جعلهم يسلكون سلوكا يتناغم مع السمات الحضارية المعاصرة، في حين أن بلادنا لا تزال أمكنة لا يحس بها العمال بالأمان الاقتصادي والاجتماعي، ولا يعلمون مصيرهم على وجه التحديد، فمن حقهم أن تكون علاقاتهم غير ودودة مع المجتمع ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 21-06-2007, 01:54 PM   #46
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الدليل السياحي

عندما سأله موظف الجوازات في مطار الدار البيضاء عن سبب زيارته للمغرب، تلعثم ولم يجب بسرعة، فحاول الموظف مساعدته، بالإجابة عنه منتظرا منه تأكيد الإجابة والموافقة عليها: سياحة؟ فأجاب بالنفي.. هل سبب زيارتك اقتصادية، لتمشية أعمال معينة؟ أجاب بالنفي أيضا.. ابتسم الموظف، وناوله جواز سفره، فلم يكن للسؤال أهمية، أصلا، فإن كان قد ذهب لغرض معين، ودون في الاستجواب، سببا مختلفا، ماذا سيترتب على ذلك؟ ولعل الموظف استعاد تاريخ عمله في هذا المكان وما تناقله زملاؤه في العمل من قصص، فلم يجد واقعة تبرز أهمية تلك الأسئلة ..

كما أن تلعثمه قد صدر نتيجة عجزه عن تصنيف سبب الزيارة، فلم يذهب للتجارة، وقد كره لفظة (سياحة) منذ صغره، فالسائح بنظره، هو من فاض ماله، وذهب الى مكان ما في العالم، بطرا وزيادة في طلب المتعة، ولم يكن هو من هذا الصنف .. وقد تذكر صور السائحين الذين كانوا يعبرون الحدود على دراجات هوائية، والأطفال تتعقبهم، وهم بملابس قصيرة تكشف عن سيقان شقراء قد صبغتها شموس إفريقيا والعالم الفقير، ليظهر عليها زغب أشقر يذكر بزغب صغار أفراخ الديك الرومي .. لم يكن يحب أن ينتمي لتلك الفئة .. وأظنه لو كان يعلم على وجه التحديد سبب زيارته للمغرب، لأبلغ عنها الموظف السائل وليس (المسئول) .. وقد يكون لم يدرج في حسابه أنه سيتعرض لسؤال مثل ذلك، وهل يتم سؤال من كان في وطنه عن سبب وجوده في وطنه؟ وإلا لماذا يحفظ هو مع أبناء المغرب (بلاد العرب أوطاني .. من الشام لبغدان ؟ ومن نجد الى يمن .. الى مصر فتطوان ) أليست تطوان أحد ولايات المغرب؟ وهي وطنه بالتالي؟ ..

كانت زيارته الأولى للمغرب، وقد تجاذب الحديث مع أحد المسافرين العرب، الذي كان يجاوره في مقعد بالطائرة، و جاره، الذي كان يبدو عليه أنه كثير المجيء للمغرب، ولم يكن من أهل المغرب، قدم له صورة أو صورا تختلف عما كون (هو) من صور عن المغرب من خلال الأطلس والجغرافيا والتاريخ وبرامج التلفزيون .. فوضعه بحالة تشبه من يدخل بسيارته طريقا لأول مرة، هل يسرع أم يتأنى؟، هل سيفضي الطريق الى انحدار أم انعطاف خطير؟ وتكون لعلامات المرور، عند تلك الحالة أهمية استثنائية، غير التي تتشابه معها وتوجد على طرقات اعتاد المرور فوقها .. فترى السواق الذين اعتادوا المرور على نفس الطريق يتجاوزون من يمر عليه لأول مرة، وأحيانا يرمقونه بعين عدم الرضا لتردده وبطئ سرعته ..

كان من نصائح جاره في الطائرة أن يستقل القطارات في تنقله ويتجنب الركوب بالتاكسي (الطاكسي على رأي أهل المغرب) .. ولا يعبأ بالتفاف الذين يعرضون خدماتهم عليه .. وإذا أراد الذهاب لطنجة فعليه أن يستقل القطار من محطة قرب المطار ..

عندما استدل على حقائبه، كان هناك أربعة ممن يعرضون خدماتهم عليه، ابتسم وتذكر أن هذه الحالة ليست مقتصرة على المغرب، فهي في كل الأقطار العربية الفقيرة، ولا تؤخذ نصيحة من (ثري) للتعامل مع فقراء، إذا كان من يتلقى النصيحة يدعي أنه ينحاز للفقراء، رغم تفوقه بالقدرة الشرائية عليهم .. لم يكن يعلم على وجه التحديد، عن قيمة العملة المغربية، وكيفية التعامل معها ومعادلتها مع عملته التي اعتاد عليها، ولم يكن يحب العملات الأجنبية لا (الدولار) ولا (اليورو) ولكنه كان مضطرا أن يحتاط على عملة أجنبية (الدولار)، لتيقنه من عدم شيوع استعمال العملات العربية في بلاد العرب! .. وفي هذه الحالة ستكون ردات فعله للتعامل مع الأسعار المحلية كتعامل حكم كرة قدم قام بالتحكيم في مباريات ودية لأندية درجة ثالثة، ويطلب منه التحكيم في مباريات كأس العالم ..

عند باب محطة القطار، توقف مع عينات من المسافرين الذين هم من بلاد أقرب إليه جغرافيا، فسألوه عن وجهة انطلاقه، فأجاب : الى طنجة، تداخلت إجاباتهم وأحاديثهم، لا تسكن في شقة مفروشة، أطيب شيء عندهم القهوة، إنهم يسمونها (قهوة كَحلَة)، أكلهم لا تطيقه، إن لهم حبا في تناول الأسماك .. ذهب لشراء بطاقة في القطار، فسأله الموظف سؤالا عن وجهته، فأجاب، فعلق الموظف تعليقا لم يفهم معناه بالضبط، ففي المغرب، يتم تسكين الحرف الأول من الكلمة .. فيكون وقعها على الأذن مضطربا، لا يصل المعنى إلا بحدود النصف .. وهي احتمالية خطيرة، قد تأخذك للشمال، وقد تأخذك للجنوب..

أبرز تذكرته لمفتش البطاقات والذي كان يُطلق عليه في العراق (التي تي) .. فاستفسر من المفتش، عن الكيفية التي سيصل بها الى طنجة، أجابه المفتش على عجل، فلم يفهم منه، لكن أحد الركاب المغاربة فهم حاجته، فتطوع بشرح الكيفية التي عليه أن يتبعها .. فعليه أن ينزل بمحطة (عين السبع) ومنها يستقل القطار الى (سيدي قاسم) ومن هناك، عليه أن ينتقل الى قطار (طنجة) ..

في طريقه لسيدي قاسم، نصحه أحدهم أن ينزل في القنيطرة، ويأخذ حافلة على الطريق السريع، ومنها سيصل الى طنجة بيسر ..

لم يلحظ بالقنيطرة أي ملامح عدوانية، كالتي تم تحذيره منها، فبالرغم أنه أخرج نقوده كاملة أكثر من مرة أمام أكثر من صنف من المواطنين، فإنه لم يفقد فلسا واحدا، بخلاف ما حدث له في إيطاليا أو جنوب إفريقيا، وكلتا الدولتان تصنفان على (العالم الأول) .. كان الكثير من الناس، يعرض خدماته مجانا، وبأنفة عهدها في أكثر من مكان في البلدان العربية .. ولعل الناس الذين يبنون صورهم القبيحة عن الشعوب، يكونون (هم) في وضع لا بد من تعرضهم لما يتعرضون له، كالذي يمر من جنب (جرو) وهو في وضع خائف، فإن الجرو سيستأسد عليه، ومن يذهب في هدف (بطال) يشتم رائحته كل من يبحث عن صنفه ..

عندما اقترح من كان سببا في زيارة المغرب، برنامجا للتعرف على شمال المغرب، تم الاتصال بشاب اسمه ( عبد الرحمن) أحضر سيارته وأخذه الى ملتقى البحرين (الأطلسي والمتوسط) ودخل مغارة (هرقل) .. وكانت رطبة تنحدر قليلا، يجلس فيها من يبيع قطع التراث القديم، وكانت لحية البائع البيضاء وهدير البحر والظلمة والرطوبة كفيلات لجعله كأنه وضع في آلة العودة بالزمن للوراء ..

وفي اليوم الثاني، أخذه عبد الرحمن الى (تطوان) وجعله في الطريق يتوقف عند مضيق جبل طارق، ويدخل المنطقة الحدودية، بعدما تأكدت الشرطة، أن هذا العربي، لن يبتكر ما يكدر علاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي، من خلال تسلله عبر المضيق الى أوروبا، هاربا .. تناول سمك السردين الطازج والمعد بطريقة شواء الصيادين .. ودخل تطوان بعد أن لمس حضور المشاريع العربية المشرقية هناك .. وكان يحدق في الأسوار التي تشير الى أحياء من هربوا من الأندلس، ليستقروا في المغرب .. دخل وصلى العصر في جامع (محمد الخامس) بتطوان .. وتجول بالأسواق .. وعاد الى طنجة .. وتكررت الزيارات الى الأماكن المحيطة بطنجة .. ولم يقبل عبد الرحمن الذي لم يتصرف كدليل سياحي أن يأخذ بدل الأيام الأربعة، إلا بإلحاح من ضيفه .. فقد أخبره عبد الرحمن إن الاتصال بإخواننا و التعرف على طبائع تفكيرهم وأخلاقهم أفضل ثمن وأكبر أجرة ..

لم يزر سوى ولاية من ولايات المغرب الثمانية، فامتلأت رئتاه بعبق الأخوة والشعور بتماسك تلك الأوطان الوجداني، فكيف لو تم زيارة (فاس ومكناس والرباط و مراكش) وبقية أنحاء المغرب، أو كيف لو تم زيارة بقية بلدان وطننا الكبير ..

ومع ذلك رفض أن يصنف كسائح ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 15-08-2007, 02:31 PM   #47
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو فوطة

من بين القضايا الاجتماعية الكثيرة التي تجمعت لديه دون أن يقرأها بكتاب أو يتعلمها في مجلس، قضية سلوك الآخرين تجاه ما تكون عليه هيئتك الخارجية .. فقد كان يستعمل بصفة شخصية مركبتين: أحدهما (بيك أب) ياباني موديل 1988 و سيارة مرسيدس 2000 (قرش ونص) [حسب التسميات الدارجة] .. فإذا أراد أن يتفقد أعماله الزراعية استخدم ( البيك أب) .. ولم يكن يفاجأ بطريقه في أن يستوقفه الكثير من الناس الذين يطلبون توصيلهم الى المدينة كركاب، وأحيانا يكون مع هؤلاء المسافرين (كبشا) أو (كيسا) من (جعابير) و(هو الشمام الذي لم ينضج بعد، تكون أحجام ثماره بأحجام كرات التنس الأرضي) .. فيكفي منه إشارة بالاعتذار عن التوقف، وأحيانا يتوقف ويحمل أحدهم بعد تقدير الجانب الإنساني للحالة ..

أفراد شرطة المرور ودوريات الجمارك، هم الآخرون لا يتوانون عن توقيفه عندما يقود (البيك أب) .. ولكن كل تلك المظاهر تختفي عندما يركب سيارته (المرسيدس) .. فلا يعود هناك من يؤشر له ليحمله معه من على الطريق، وإن توقف متطوعا لحمل أحدهم فإن هذا (الأحد) سيتردد كثيرا قبل أن يوافق على نقله .. وإن مر بجانب دورية شرطة أو جمارك، فإن رفع يده بتحيتهم سيردون على تلك التحية بحماسة لم تكن موجودة عندما كان يركب (البيك أب)..

ما الذي يجعل الناس يتعاملون على هذا النحو؟ فقد يحس الفرد بأن هذا الكائن الذي يستقل تلك المركبة الفخمة، أحد وجهاء المنطقة أو أحد المدعومين أو أحد اللصوص أو أحد المرابين، فالاقتراب منه لن يكون مريحا، فإن خالفه الشرطي أو استوقفه لا يضمن شكل ردة فعله فيما بعد، وإن طلب أحد منه أن يوصله فقد تكون نظرات صاحب السيارة المرفه قد تضايق من ركب بجانبه إذا ما اكتشف ثقبا في ساق جوربه أو سوء كي ملابسه .. فيفضل الواقف على الطريق المكوث بشكل أطول من أن يغامر تلك المغامرة غير مضمونة العواقب..

على الإشارات الضوئية تجد أناسا طوروا فكرة التسول وجعلوا منها عملا مبررا (بالإلزام ) .. فمنهم من ينفخ (بالونا) ويتقدم به نحو أنماط من السيارات ينتقي منها ما يتناسب مع الفترة التي ستعلن الإشارة الحمراء انتهاء فترة التوقف فيتجول بين عينات هي الأفضل من العينات الأخرى للسيارات، عله يحظى بمن يشتري ذلك (المنطاد) .. كما سترى أطفالا يحملون أوعية مسطحة بها بعض قطع (العلكة) .. يتقدمون نحو نوافذ السيارات يرسمون على وجوههم مسحة حزن ورجاء، تدربوا عليها جيدا لتكون مؤثرة بشكل قياسي ـ استغلالا لوقت الإشارة الضوئيةـ .

كان (أبو فوطة) يحمل فوطة لا لون لها، فلن يستطيع أحد أن يقول أن لونها أبيض أو أسود أو بني .. كان فيها كل الألوان ولكن دون وضوح .. وكانت ليست جافة وليست رطبة، وهي مهارات استدل صاحب الفوطة على الهيئة التي يجب أن تكون بها حالة الفوطة، فإن كان بها ماء زائد قد تسيل وتترك دروبا على زجاج وجسم السيارة يصعب إزالة ما حملت من ذرات غبرة مع سيلانها بسرعة .. وإن كانت جافة لن تدل حركتها على أن صاحبها قد قام بعمل يستحق عليه (البخشيش) ..فقد كان يعصرها جيدا لدرجة انعدام وزن ما تحمل من ماء، وكان يستبق قدوم صاحب السيارة بثواني ليضيف لمساته الأخيرة على سيارته، وقد تكون تلك اللمسات ليست الأخيرة فحسب، بل الوحيدة أيضا ..

كان لا يشاور من يريد أن يمسح سيارته، وكان ينتقي السيارات الحديثة والنظيفة، ويدرس هيئة من نزل منها ومن يصطحب، فكان لا يحبذ مسح السيارات التي أصحابها شباب، أو أصحابها متقدمين في السن، بل كان يُفضل من جاء مع صديقته وكان يدرس كعالم نفس هيئة هؤلاء، فكرم الصديق يكون أفضل إذا كانت فترة صداقته أو معرفته بمن معه سواء كانت خطيبته أو زوجته المدللة، أما من كانت زوجته سمينة و اقتربت حياتهما الزوجية على التقاعد فسيكون اعتراض الزوجة أكبر من اعتراض زوجها .. فقد تبادر لسؤاله: من كلفك بمسح السيارة؟ هذا إن لم تشتمه وتنهره ..

كان أبو فوطة يتواجد في ساحة واسعة، لا سور لها ولا عليها حارس، فتقف بها سيارات المستعجلين والذين لا يرغبون في دفع أجور التوقف في مواقف مرخصة ومعروفة .. فكانت قيمة (البخشيش) تجمع معه يوميا ما يحصل عليه ثلاثة من عمال البناء ..

تحرى أبو فوطة عن صاحب الساحة، فعرف أن صاحبها في كندا، وإنه كان على خلاف مع ورثة آخرين متناثرين في أكثر من بقعة جغرافية، ولما لم يراجعه أي منهم طيلة سنوات .. فقرر أن يضع عوائق أمام الساحة لا تلفت الانتباه بأن هذه الساحة أصبحت مرخصة خشية من دوائر البلدية أن تلاحقه، ولكنه يقف في الفتحة التي تفضي الى الساحة مبتسما، ويشير الى صاحبها محددا مكان وقوفه .. وعند خروجه من نفس الفتحة، كان يقف مبتسما فيناوله صاحب السيارة بعض النقود، حتى تعود الناس ذلك.. قام بعدها بطباعة أوراق عليها التسعيرة، فكان أصحاب السيارات يدفعون له دون تذمر ..

لكنه لم يستغن عن الفوطة نهائيا، تحسبا لحضور مفاجئ لأصحاب الساحة، أو تحسبا لمطالبة الدوائر المعنية إبراز رخصته، فإن سلوك (حمل الفوطة) هو ما سيشفع له .. فلم يثبت التسعيرة على (الكرت) أنها بدل وقوف السيارة، فإن سأله أحد عنها سيجيب إنها تسعيرة (الفوطة)..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-10-2007, 11:22 AM   #48
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو طايل عامل التنظيف :

حاول أن يتنبأ بالظروف التي دفعت (أبا طايل) للالتحاق بعمال النظافة لدى البلدية، كان وهو يراقبه من على شرفة غرفته المطلة على الشارع من وضع سيناريوهات دفعت أبا طايل للالتحاق بهذا العمل .. ما الذي جعله يختار هذا العمل منذ أكثر من عشرين عاما؟

إن علامات التراتب الاجتماعي، تظهر في المسكن والملبس والمأكل والعمل وما يقتني من سيارة وما يملك من عقارات وحجم علاقاته مع وجهاء ومسئولي الدوائر الحكومية وما يقال عنه في المحيط الذي يعيش فيه، ومكان جلوسه في مجالس الرجال وكم من الوقت يمكن أن يستمع إليه الآخرون دون مقاطعة أو تشويش بابتسامة أو ضحكة أو سؤال خبيث .. هذه مسطرة علامات التراتب الاجتماعي في بلادنا، وأكبر الظن أن علية القوم وأقلهم شأنا يتفقون على معظم نقاطها .. وتلك النقاط ستسهل معاملاته أو تعقدها في حياته، فإن تعرض لمشكلة وهو في أدنى سلم التراتب الاجتماعي سيكون أثر تلك المشكلة عليه أكبر منها لدى من يتقدم عليه في سلم التراتب.

أن يقوم رجل بتنظيف الشوارع وحمل أكياس القمامة، ومرافقة سيارات رفع القمامة حتى تصل الى مكان تجميعها، فهي مهمة وإن بدت حقيرة، فهي خطيرة بكل تأكيد، وخطورتها تعود على من يمتهنها، فهو سيعلن للآخرين بكل وضوح أنه اختار موقعا في أسفل درجات السلَم ..فلن يطمح أن يزوج ابنته لأحد أفراد المجتمع المهم، أو يزوج ابنه من إحدى فتيات من يتفوق عليه في سُلَم التراتب الاجتماعي، ولن يشترك في أحاديث التباهي بالطعام والملابس والمساكن، ولن يشترك بأحاديث الانتخابات أو يفكر أن يرشح نفسه أو أحد أبناءه ..وفوق ذلك لن يتنفس هواء نقيا، هذا إذا لم يتسلل له أحد الميكروبات اللعينة من فوطة مشبعة بدماء وصديد نزيف، أو ضمادة خراج مصاب بمرض خبيث!

لتجاوز كل ذلك والهزيمة من ملاحقة أجواء نظرات المجتمع، يفر من تضيق عليهم الحياة الى بلاد بعيدة، حيث يتحولون هناك الى أرقام أو (صفات) دون اسم أو دون معرفة إحداثيات مواقعهم الاجتماعية، فلن يعرف ابن الدنمرك من هو أبوه أو خاله أو عمه، وقد يبعث ببعض النقود فيتزوج ابنه من ابنة رجل يفوق وضعه الاجتماعي وضع أبيه قبل أن يهاجر ليمارس عمله بعيدا عن عيون المجتمع المحلي .. وقد يُنظر لبناته نظرة حسد وتوق كبير للزواج بهن.. وقد يعود وتقام له ولائم احتفاء بعودته ..

لكن ما الذي جعل (أبا طايل) يختار هذا العمل في بلدته، والعمال الوافدين كثيرون، ورواتب تلك الأعمال لا تفوق غيرها من رواتب العمال؟

من يعرف؟ فلعل أبا طايل لديه فلسفة خاصة، فقد يرى نفسه أكثر أهمية من طبيب مختص في (الأجهزة الليمفاوية) أو الأمراض التنفسية، فلولا خدمة أبي طايل لاحتاجت البلاد أربعة أضعاف ما هو موجود من أطباء الاختصاص، فهو بالنتيجة يساوي أهمية ثلاثة أطباء مختصين!

سأل نفسه : لماذا أشغل نفسي في مراقبة الناس، فترتيبهم وتسخيرهم لأعمال يختارونها تعود لله وليس لي ولهم . فلو تساوى الناس في تفكيرهم ورغباتهم وأعمالهم لخربت الدنيا .. لكن في أسواق الأبقار تجد هناك من يرغب في التخلص من بقرة وآخر يرغب بقوة في شراءها .. وفي المحاكم الشرعية تجد هناك من يريد التخلص من زوجته بطلاقها، وآخر ينتظر انتهاء فترة (العدة) للزواج بها.. ولو تساوت عقول الناس وسلوكهم لكان جميع من في الأرض يتسابقون لجمع أوراق (التين) لتغطية عوراتهم.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 17-11-2007, 11:14 PM   #49
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

حارس الزنزانة

كانت زنزانته رقم 11 قبالة تجمع الحراس الذين كانوا يجلسون لفترات بسيطة، إذا ما أحسوا أن كادر إدارة المعتقل قد هجع نشاطه، كان باستطاعته أن يسمع قليلا مما يتهامسون به، إذا ما اعتقدوا أنه نائم .. لم تكن لهم أسماء على صدورهم كباقي أفراد الجيش أو الشرطة، بل أرقام، شأنهم شأن مسئوليهم الذين لم يكونوا يناديهم أحد بأي اسم يدلل عليهم بل كانت لهم ألقاب ..

لم يكن يعرف الوقت، فقد أخذوا ساعته من ضمن الأغراض التي أودعوها بالأمانات هي والحزام وعلبة السجائر والولاعة، فالاحتياطات كانت واجبة، فقد تسول له نفسه أن يحرقها أو يستخدم الحزام ليموت مشنوقا، كما أنه لم يرى الشمس طيلة الفترة التي أعتقل بها، وزنزانته تقع في الطابق الثاني تحت سطح الأرض، وقد سمع أن هناك طابقا آخر تحته .. كان يتعرف على الأيام من خلال برنامج العشاء ..

في ذات الليلة كان العشاء مكونا من سلطة شيء أخضر مع لبن رائب وكبب مقلية، مكونة من بعض البقوليات، أي أنه كان يوم الثلاثاء.. كانوا قد أحضروا رجلا في متوسط عمره، لمحه عندما وضعوه في زنزانة رقم 5 التي كانت على ممر متعامد مع الممر أو (النفق) الذي تقع فيه زنزانته. كان شعره أسود اللون، فقدر أنه قد صبغه حديثا، كان مجيئه بعد تناول وجبة الغداء، وعندما تم تقديم مخصصاته من الطعام، قال: أنه لا يحب اللبن مع الشيء الأخضر الذي كان ممزوجا به، ولم يكن من الخيار أو الخس بطبيعة الحال.. فهمس بأذنه الحارس وقال فتت الخبز وضعه في داخل الطبق حتى لا يقال عنك أنك مضرب عن الطعام، فأجابه فليقولوا عني أني مضرب عن الطعام، ترجاه الحارس أن يفعل ما ينصحه به ولكنه أبى ..

مر من أمامه رجل في أوائل الخمسينات ومعه ثلاثة من الحراس، فهتف رئيسهم للحراس افتح رقم خمسة وأخرج (بارد الوجه) فسحبوه سحبا الى مكان لم يستطع رؤيته لكنه عد له حوالي تسعين صرخة، وبعدها أعادوه وكان شعره أبيضا كالقطن، وقدموا له طبق السلطة الخضراء باللبن فأكلها (ممتنا) .. فعاد إليه مَن سبق ونصحه قائلا : ألم أقل لك ما تعمل، لو فتفتت الخبز ووضعته بالصحن لما اعترض عليك أحد، هل تظن نفسك بالسويد؟

بعد ساعات قال أحد الحراس للآخر: هل تظن أن الله سيبارك لنا في رزقنا وأولادنا ؟ ما الذي يجبرنا على ضرب مثل هذا (الشايب ) .. هل انقطع الرزق إلا بتلك المهنة؟ لو أننا بين أولادنا الآن نتناول الشاي و نتسامر ونفلح أرضنا وإذا الله جابها نشتري بعض الحلقوم والبسكوت ونتلذذ من دون تلك الكوابيس .. وحدثه عن حالات سبقت تلك الحالة .. وانقطع كلامهم ..

في اليوم الثاني جاءوا بشاب مهندس كان قد عاد من كندا، ووضعوه في نفس الزنزانة 11 التي كان بها سريران ثبتا فوق بعض ليتركا جانبهما ممرا بعرض متر وأمامهما مسافة متر تفصلهما عن الباب الذي يشغل كل الواجهة لكنه لم يكن بابا بل شبكا بقضبان مربعة الشكل تحتاج لثنيها الى قوة ستين رجل أو مئة حصان ..

لم يتم التعارف بينهما، فقد كان كل منهما يخشى أن يكون الآخر قد وضعته الأجهزة الأمنية للتجسس على الآخر .. ولكنه بادر وقال لضيفه: ليس لدينا ما نقضي به وقتنا سوى القرآن الكريم الموضوع جنبنا، وقد تطول إقامتنا شهورا هنا، وأنت تخشاني كما أنا أخشاك، ماذا لو ابتكرنا طريقة لتمضية الوقت، كان ضيفه شابا مهذبا، فاستجاب بعد أن عرف منهج صاحبه في تمضية الوقت .. فكانا يمضيان وقتا في تعداد أسماء رؤساء لبنان أو أنواع السيارات أو العواصم التي تبدأ بحرف الباء .. فيطلب أحدهما من الآخر (هات لي خمسة أنواع ساعات) فيعد على أصابعه بهمس شديد .. ويطلب هات لي خمسة أنهار في البلدان العربية ..

كان الحارس الذي وشى بمن حاول الإضراب عن الطعام، لا يرتاح لهمسهما، فيأتي بحالات تنصت مختلفة أحدها أن يضع أذنه قرب أسفل الشبك، أو أعلاه من جهة كان يعتقد أنهما لا يرياه فيها .. ولكن دون جدوى .. فيبادر بخشونة : هل تعرفا بعضا سابقا، فلا يجيباه .. ماذا تعدان على أصابعكما ؟ فلا يجيبان .. فيلجأ لعقابهما .. أخرجا ونظفا الحمامات ..

كان يسيئه أن يأخذ حماما في مكان كمربط الخيل لا باب له إلا ما يغطي نصف متر مما داخل الحمام، وكان كأبواب مقاهي الكاوبوي، وكان يسيئه أكثر عندما يريد أن يقضي حاجته في الحمامات .. فالدجاجة تتضايق إذا ما أحست أن هناك من يراقبها في عمليتها (الأيضية) ..

في ظهر اليوم التالي أتى مندوب للصليب الأحمر ومعه مترجم .. وكان قد علم أن معظم موظفي تلك المنظمات يرتبطون بأجهزة استخبار معادية .. كان مندوب الصليب الأحمر سويسريا ربى شاربه ولف طرفيه الشقراويين بشكل حاد على غرار باشوات مصر الملكية .. فسأله كيف اهتمام إدارة السجن بصحتكم ؟ فأجاب على خير ما يرام.. ثم سأله: كيف طبيعة الطعام الذي يقدم لكم؟ فأجاب: تعجز زوجتي عن عمل مثل هذا الطعام اللذيذ .. ثم سأله : لماذا أنت موقوف؟ فأجاب: إنها قضية بيني وبين دولتي لا شأن لك بها .. فغادره حانقا ..

أخرج لفافة تبغ من علبته وتقدم الى الشبك، فإذا بمن أمر بضرب من حاول الإضراب عن الطعام يصيح بالحراس .. ولعوا للأستاذ سيجارته .. أدرك أنه تنصت على الحوار الذي دار بينه وبين مندوب الصليب الأحمر فكانت تلك مكافأة مع قدح شاي (بلاستيك!) ..

وكان قد تسمع لحوار في زنزانة رقم 4 التي تسبق زنزانته في السؤال، وكانت الإجابات مغايرة، حيث أن صحة الموقوف معتلة والطعام سيء و لا يعلم سبب توقيفه .. فتبعتها أسئلة أين تقيم وكم رقم تلفونك، فتهيأ له أن ذلك مشروع لاصطياد الجواسيس والمتعاونين مع الغرب من خلال المعتقلات!

بعدما ذهب مندوبو الصليب الأحمر أمرهم المسئول بفتح زنزانة رقم 4 فسحب على الأرض، وهم يخاطبونه سنمسح بك الأرض.. الأكل ليس جيدا؟ لا تعرف لماذا أنت هنا؟ واختفى من الطابق الى الطابق الأكثر عمقا ..

بعد سنوات رأى الحارس الذي أنبه ضميره على ضرب من حاول الإضراب عن الطعام، فأوقف سيارته جنبه، وسلم عليه، فأجاب الحارس بذعر شديد، فذكره أنه قبل عدة سنوات كنت أنت حارسا في المعتقل الفلاني .. فأنكر الحارس ورفض دعوة الغداء منه وقد يكون طلب نقلا من تلك المنطقة .. فلم يعد يراه ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-12-2007, 05:51 PM   #50
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو مروان السايس

زالت ملامح الدهشة من نفسه بعد أن أكمل العمال تحميل عشرين بقرة تم تنزيلها من طائرة شحن تابعة لخطوط (لوفتاهنزا الألمانية)، تلك الدهشة التي كانت مخلوطة بالإعجاب من الكيفية التي أعد بها سبعون رأس من الأبقار من نوع (فريزيان) من مطار (أمستردام) حيث وضع كل خمس أبقار في صندوق مستطيل بشكل مخالف حيث تكون رؤوس الأبقار باتجاه متعاكس رأس يتجه الى طرف الصندوق المستطيل والرأس المحاذي له في الاتجاه المعاكس .. كان أحد الواقفين من أصحاب الأبقار الخمسين الأخرى والذين سبق لهم أن استوردوا أبقارا قبل تلك المرة، يتحدث عن الكيفية التي يتم بها تجويع تلك الأبقار قبل شحنها من أجل تخفيف وزنها من ناحية، ومن أجل تقليل ما تطرحه من فضلات في طائرة الشحن من ناحية أخرى ..

ابتدأ بالتفكير بالكيفية التي سيعامل بها تلك الأبقار، فقد تأخر أبو مروان السايس عن الالتحاق بعمله، والوقت كان منتصف الليل، وليس له دراية سابقة بالتعامل مع هذا الكم من الأبقار، فكل ما يعرفه عنها معلومات نظرية تلقاها بالجامعة، لن تسعفه كثيرا في التعامل مع الأبقار .. شكا للمستورد، فطمأنه أنه سيكلف ابنه أن يقوم بإدارتها ريثما يحضر أبو مروان ..

وصلت الشاحنتان الى المزرعة بعد منتصف الليل بساعتين .. وتم تنزيل الأبقار في المزرعة، التي كان بناؤها يثير إعجاب حتى المهندسين المعماريين لما فيه من دراسة لعلاقة المكان بما خصص له، فهنا مخزن العلف الخشن وهنا مخزن العلف المركز، وهناك مرابط الأبقار حيث درست المسافة بعناية، بين واحدة وأخرى ووضع حاجز من أنبوب صلب بين كل بقرتين واستحدث مجرى خلف الأبقار بعمق غير مضر للبقرة، ولكنه يسمح لبول الأبقار أن يجري فيه دون تلويث المكان، وهناك ممر أمامي يسمح للسايس بأن يتجول بحريته من أمام الأبقار لكي يقدم لها الأعلاف ..

لم تغمض له جفن، فكل فترة يوقظ ابن المستورد ويخبره بأن بقرة قد أخرجت صوتا كأنها متضايقة، جاراه ابن المستورد ثلاث مرات، ثم طمأنه بأن الأمر اعتيادي وطلب منه النوم وعدم إيقاظه مرة أخرى ..

وصل أبو مروان بعد ثلاثة أيام من وصول الأبقار، وغادر ابن المستورد المزرعة، وكان صاحب المزرعة الذي بدا عليه التعب من السهر لا يفارق المزرعة نهائيا، اكتشف أبو مروان أهمية ندرته ـ على الأقل في دائرة معرفة صاحب المزرعة ـ وكان قد حدد معه راتبا يعادل ما يتقاضاه خريج جامعي مرة ونصف .. ولكنه بادر لحظة وصوله في طلب زيادة الراتب حتى أصبح ضعف ما يتقاضاه خريج ..

ولدت أول بقرة، وفرح صاحب المزرعة بتلك الولادة أكثر مما فرح بولادة أول أطفاله.. استأذن أبو مروان الغياب عدة ساعات، فعاد ومعه أثاث بيت كامل ومجموعة من الأطفال و حوالي ثلاثين خروفا والكثير من الدجاج البلدي والديك الرومي والإوز وغيره .. لم يعترض صاحب المزرعة الذي ما زال ببقايا فرحة المولود الجديد من العجول ..

كان طول أبو مروان حوالي المترين ومع ذلك كان ينتعل حذاءا بكعب عال، وكان عندما يريد صاحب المزرعة أن ينطلق بسيارته لمشوار اقترحه عليه أبو مروان، يعتمر حطة بيضاء على رأسه ويلبس ملابس (مكوية)، وكانت الحطة البيضاء تتناسب مع أسنانه البيضاء العريضة والطويلة ووجهه الوردي، والذي كان يبدو بهيئته تلك كأنه أحد المتقدمين لتمثيل دور عميل إنجليزي في فلم عربي وثائقي ..

كان يبدو صاحب المزرعة، الذي يتوجب أن يكون الشخصية المحورية في كل النشاطات الخاصة بالمزرعة، شخصية ثانوية الى جانب السايس أبو مروان، وكان ذلك يحدث في الزيارات الخارجية لتمشية شؤون المزرعة، فكان المتكلم والمفاوض هو أبو مروان، وصاحب المزرعة يستمع وينفذ ويقود السيارة بالسايس .. حتى من كان يزور المزرعة، يكون في ضيافة أبي مروان ..

تضاعفت كميات الحيوانات التي يملكها أبو مروان داخل المزرعة، حتى غدت أبقار المزرعة هي الأخرى ثانوية بالنسبة لممتلكات أبي مروان .. وإن جاءت سيارة (برسيم أخضر) تجمعت عليها في البداية حيوانات أبي مروان وما يفضل منها يقدم للأبقار ..

أحضر أبو مروان عاملا من العمال العرب الوافدين دون أن يشاور صاحب المزرعة، وهمس بأذن صاحب المزرعة قائلا : إنه عامل لقطة وأجرته قليلة حيث لا تزيد عن ربع أجرتي، وكما ترى فإن عمل المزرعة زاد والأبقار قد اكتملت ولاداتها، فكان لا بد من أن يكون معي من يساعدني، لم يعترض صاحب المزرعة كعادته ..

بعد خمسة شهور، حضر صاحب المزرعة ولم يحس به من كان فيها، فسمع صوت رجاء و مسكنة من العامل العربي الوافد، حيث كان يطالب أبا مروان بإعطائه بعض رواتبه لتحويلها الى أهله، وكان أبو مروان يأخذها من صاحب المزرعة لكي يسلمها لأجيره، ولكنه كما يبدو لم يعطيه شيئا، فعندما اقترب صاحب المزرعة منهما وجد العامل العربي يقبل حذاء أبي مروان ويشبك يديه بساقه .. فار الدم برأس صاحب المزرعة وأخذ يخطط للتخلص من أبي مروان..

في اليوم الثاني أحضر بعضا من أقاربه ومعهم أسلحتهم، وجعلهم بعيدين عن المكان قليلا تحسبا لأي طارئ، وأمره على الفور بإحضار سيارات والخروج من المزرعة دون تأخير ..

انصاع أبو مروان للأوامر بعد رجاء لم يفده، ولكن أقارب صاحب المزرعة بقوا يتناوبون على حراستها مدة أسبوع تحسبا من عمل تخريبي قد يتسلل أبو مروان ليلا ليسمم الأبقار.. لكن ذلك لم يحدث ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .