العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: ابونا عميد عباد الرحمن (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال مخاطر من الفضاء قد تودي بالحضارة إلى الفناء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في كتاب من أحسن الحديث خطبة إبليس في النار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث وعي النبات (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أهل الحديث (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب إنسانيّة محمد(ص) (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الى هيئة الامم المتحدة للمرأة,اعتداء بالضرب على ماجدات العراق في البصرة (آخر رد :اقبـال)       :: المهندس ابراهيم فؤاد عبداللطيف (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نظرات في مقال احترس من ذلك الصوت الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 23-02-2006, 05:14 PM   #11
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

( 10 )

عندما دخل المبنى الذي تقع فيه الصيدلية المركزية ، وضع يديه في جيبيه ، حتى لا تتلامس مع أي شيء ، فكان عنده اعتقاد أن المستشفيات و العيادات أكثر الأمكنة التي تنتقل فيها الأمراض من المرضى للأسوياء .. فاذا أراد الصعود بمصعد لا يستخدم اصبعه ، بل يستخدم زاوية باكيت التبغ الذي يحمله ، هذا اذا لم يكن هناك من يضغط على زر المصعد من الزوار الآخرين ..

تساءل وهو يتجه الى مكان تسليم العلاجات ، هل أخذ ( كازو تانجا ) الياباني الذي صمم هذا المستشفى التعليمي الضخم ، بالحسبان هذا الكم الهائل من المراجعين ، والذين يتنفسوا كلهم في آن واحد ويتزاحموا على ما تبقى من أكسجين ، وينفثوا ثاني أكسيد الكربون المخلوط بأشكال متنوعة من الجراثيم .. كان بين مصدق بأنه قد أخذ بالحسبان ذلك الجانب ، والا لماذا كانت أجوره خمسة ملايين دولار ، فقط للتصميم ؟

ثم يعود ليتأمل ، إن كانت هناك آلية لتعقيم الأنفاس المنفوثة من أنوف و أفواه لا يقل عن ألف مراجع ، فلا يجدها ، فيحاول التسلح بحذره الشديد ، لكن كيف له أن يحتمي ، فالغاطس في الماء ان لم يصعد للهواء الطلق ، لا بد أن يبتلع كمية منه ، ان استمر في الغطس ، أوليس هذا أشبه بالغطس ، لكن في هواء مخلوط من تلك الأنفاس ؟

توجه الى انبعاج في الصالة الكبرى ، ليجد أمامه حاجزا زجاجيا بطول عشرة أمتار ، يجلس خلفه مجموعة من الموظفات و الموظفين ، ومحفور في أسفل الحاجز ، عشرة دوائر ، لاستلام الوصفات ، وقد كتب فوقهم على قطع متدلية بالسقف ، اسم المهمة التي تقوم بها الموظفة أو الموظف ، ( استلام الوصفات ، تسليم العلاجات ) وهكذا .. فتساءل : ما كانت دراسة هؤلاء الأشخاص ، هل كانت مادة الطب أم الصيدلة ؟ أم القراءة فقط ؟

كان هناك أربعة مسارب ، يفصل بينها سلاسل من جنزير مصقول ، ومثبتة بأعمدة أسطوانية مدهونة بدهان صقيل .. يصطف المراجعون الذكور في أحدها ، و تصطف المراجعات الإناث في طابور خاص بهن ..

لفت انتباهه ، أن عدد المراجعات هو ضعف عدد المراجعين ، فتساءل لماذا تلك الظاهرة ؟ هل تجد الإناث متنفسا في مراجعة المراكز الطبية ، أم أن تلك المهمة التي تتعلق بهن و بأطفالهن ، قد أوكلها الرجال لهن ، وتركوهن لتتلاطم أجسادهن في بحر المراجعين ، في حين أنهن يطرقن الباب بلطف اذا ما أردن أن يحضرن الشاي في بيوتهن لضيوف الرجال !

كان يستطيع معرفة ان كانت إحداهن متزوجة أم لا ، من خلال أوزانهن والكتل الدهنية التي تتكدس على أجساد المتزوجات ، نتيجة للافراط بتناول النشويات ، وتحويلها لدهون حسب دورة ( كريب ) ..

كان معظم الحاضرات يمضغن البان ( العلكة ) بتروي ، كإبل تجتر على مهلها ، فتساءل : ما الذي يجعلهن يضعن العلكة في أفواههن ؟ هل للتخلص من روائح بعض الأطعمة ؟ أم لكي يعوضن ثرثرتهن في الأحوال العادية ، فلكي لا تنسى عادة طق الحنك ، فانها تمرن حنكها ، كتشغيل سيارة مركونة بين فترة وأخرى كي لا تموت بطاريتها !

انها قدرة عجيبة ، لتلك الموظفات التي تقرأ ما كتب على الوصفات بخطوط الأطباء المستعجلة دائما ، وتدفع بورقة يكتب عليها رقم ، بعد الاستعانة بجهاز الكمبيوتر ، الى المراجع ، ليتحول الى طابور جديد ، يوصله الى موظف رجل ، يربض تحت قطعة متدلية فوقه ، كتب عليها المحاسب ..

لم يكن كل المراجعين يدفعوا للمحاسب نقودا ، فقد كان معظمهم يحمل إعفاءات تحت مسميات مختلفة ، وما جعله يتيقن من ذلك ، هو ضئالة النقود في المكان الذي رد له المحاسب ما تبقى من فرط بعدما دفع له ، فلم تكن تلك النقود تتلاءم مع هذا الكم من المراجعين ..

طلب منه المحاسب أن ينتظر ويجلس على أحد المقاعد الخمسين ، التي رصت في خمسة صفوف ، بمواجهة الحاجز الزجاجي ، فالتفت فوجد أن عدد الوقوف يزيد كثيرا عن عدد الجالسين ، ففرح حتى لا يحدث التماس مع الكراسي أو الجالسين عليها ..

كان يتجول بنظره بين الواقفين والجالسين ذكورا و إناثا ، فيركب سيناريوهات ، من خلال إشارات الشخوص التي لم تكن أصواتهم واضحة ، بل تختلط مع صوت الأنفاس و ارتطام الأقدام بالممرات ، وحديث يجري خلف الحاجز الزجاجي الذي يتصدر الانبعاج في القاعة ..

كان يراقب شخصا في الخمسين طوله يقترب من المترين ، يلبس طقما لم يعتني بكيه جيدا ، وكان له كرشا ليس بالضخم بل كان طول الرجل قد أوضح هذا الكرش ، الذي يبدو أنه قد تكون حديثا ، كما هي حالة الزواج من تلك المرأة التي تقف بجانبه هي حديثة ، فقد كان عمرها لا يساوي نصف عمره ، وطولها يزيد عن نصف طوله بمقدار النصف .. وقد تكون تلك العقدة هي سبب قبولها بالزواج منه ..

كانت إحدى الموظفات التي تقف تحت قطعة متدلية فوقها ، كتب عليها تسليم العلاج ، تندب الأسماء من خلال جهاز خاص .. فيقوم المنادى عليه ، فيستلم دواءه و يرحل .. نادت على اسم المريضة التي جاء ليأخذ العلاج لها ، فنهض الى الحاجز الزجاجي واستلم العلاج و غادر ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 26-02-2006, 04:13 PM   #12
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(11)

في كثير من الأحيان ينشغل أحدنا في تخمين و حساب ما يجمعه صاحب مهنة ما ، فان جلسنا في عيادة طبيب لننتظر دورنا ، فإننا ننظر الى عدد المراجعين في الساعة و نذهب لحسبتها في اليوم والشهر والسنة .. و إذا ذهبنا لحلاق نشغل حاسبتنا ، كم يدخل عليه في اليوم و كم يستغرق من الوقت حتى ينجز تزيين الزبون .. وهكذا في كثير من المهن المنتشرة هذه الأيام ..

و أحيانا تتوه الحسبة مع حاسبها فلا يستطيع إنجازها ، وكأنها سؤال في الرياضيات توجب الإجابة عليه قبل انتهاء وقت الامتحان ..

وقف في يوم جمعة عند بائع فراريج حية ، وكان قد تسلح بنصائح صديقه عن كيفية اختيار الفراريج قبل الطلب من البائع أن يذبحها و ينظفها ، فيجب اختيار الفروج بوزن يساوي كيلوين ، و أن يكون عرفها أحمر و عيونها براقة ، وريشها أبيض به لمعة ، ولا يكون منفوش ، و الساقين صفراوين ..

ثم تذكر ، عندما كان طفلا ، أن تلك المهنة لم تكن موجودة ، فقد كانت العجائز هن من يقمن بتربية الصيصان ، ويتعرفن على الدجاجة التي تصلح لذلك من خلال بعض العلامات التي تجعلها ترقد ، وتصدر صوتا يدل على ذلك ، وحركات عصبية ، شأنها شأن كل الإناث اللبونة و البيوضة ، فهي تكون يدها العليا ، وعليها أن تفخر أنها سترفد جنسها بمخلوقات إضافية ، فلماذا لا تكون عصبية ؟

لقد كانت العجائز يبنين قنا من طين مجبول بالتبن ، حتى لا يتشقق ، ومبني بشكل قبة بها ثقوب ، لغايات التهوية .. وبعد رقاد الدجاجة فوق البيض الذي يجمع من أمهات مختلفات و يكون عدده حوالي العشرين بيضة ، ويتم تقليبه من الأم كل نصف ساعة تقريبا لكي لا تلتصق الفجوة الهوائية التي في داخل البيضة ويختنق الجنين .. وتحافظ على درجة الحرارة اللازمة وهي حوالي 99 درجة فهرنهايت .. تفقس البيضات بعد مرور واحد وعشرين يوما عن كتاكيت لا يساوي عددها ثلثي عدد البيض ..

وبعد أن تقوم العجوز بمساعدة الدجاجة الأم ، بتقديم بعض الأغذية التي تنمو الكتاكيت من تناولها ، وهي تكون من جريش القمح ، والذي يخلط أحيانا بفتافيت البيض المشوي ، لكتاكيت الديك الرومي ..

بعد كل هذه الرعاية ، ينجو من الكتاكيت التي فقست ، أيضا ما يقرب من ثلثي عددها .. وتبقى عدة شهور حتى تصبح قابلة للذبح .. و عادة كان يذبح منها الذكور فقط ، وعندما يأتي أحد الضيوف ، أو في حالات تقديمها للعروس في صباح ثاني يوم من زواجها ، أو للنفس ، وهي كلها مناسبات نادرة وقليلة .

تبسم ، وقال لو بقيت تلك الظروف قائمة ، لما استطعنا أكل اللحوم بهذه الكميات التي نتناولها اليوم ..

شغله عملية حساب هامش ربح صاحب المحل ، فكان عدد الطيور لديه ، لا يزيد عن مائة طير ، وكان الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء لا يزيد عن خمسة سنتات ، يعني أن كامل المربح لا يزيد عن خمس دولارات ، وهو لا يساوي أجرة المحل مع ثمن الغاز المستخدم لغلي ماء التنظيف .. وتبقى ثمن الكهرباء و أكياس التغليف و الماء الخ ..

فرك عينيه ، وتساءل هل يعقل أن هذا البائع يعمل بشكل مجاني ، لقد شغلته الحسبة بشكل احتاج أن يركز من جديد ليخرج بفكرة ما ..

توقفت سيارة لتوزيع الدجاج من المزارع ، فأخذ صاحب المحل منها قفصين إضافيين ، طالما أنه سيرضي أكثر من موزع للدجاج حتى لا ينقطع مستقبلا ، انتبه صاحبنا لعملية الوزن في الجملة فكان هناك سماح من الموزع حوالي ثلاثة كيلوغرام ، ثم استمع لحديث صاحب المحل مع الموزع ، فكان صاحب المحل يطلب من الموزع أن يخصم له ثمن دجاجتين قد نفقتا في الأمس !

راقب عملية الوزن لزبون سبقه ، فكانت الأوزان المستعملة ليست معروفة على وجه التحديد ، فمنها قطع معدنية كتب عليها وزنها ، ومنها قطع حصى ملساء ، ومنها أجزاء من قطع غيار سيارات مهملة .. ولا أحد يستطيع معرفة وزنها على وجه الدقة ..

كان صوت ماكنة إزالة الريش ، و الضجيج و نقنقنة الطيور التي كان يقدم لها الذرة و بجانبها الماء ، مما يجعلها تزداد في الوزن ما يقارب عشر وزنها التي تسلمها صاحب المحل ..

ثم تأتي عملية الحساب من قبل صاحب المحل للزبون ، فيفحص طبيعة الزبون من كونه متعب أم مريح ، ويدون أرقاما على قطعة ورق قذرة امتلأت بالماء و قطرات الدم المتناثرة ، ثم يتمتم ويقول الرقم الكلي و يحرص أن يكون فيه من الكسور التي سيتنازل عنها في حالة تبيان معاندة الزبون !!

أدرك صاحبنا أنه كان مخطئا في تخمينه عن كيفية قبول هذا البائع للعمل بشكل شبه مجاني ، وعرف أن لكل مهنة مهارات لا يفهمها بشكل جيد من هو خارجها !
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-03-2006, 06:44 PM   #13
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(12)

لم يكن لفظ ( قاضي) في القديم الا لفظا يسبب لسامعه حالة من الرهبة والاضطراب الوقتي عند سماع اللفظ .. حتى عندما كان يتم تكليف أحدا بالقضاء فان هناك الكثير من الذين يكلفون بذلك ، يمتنعون أو يتمنعون عن القبول بهذا التكليف ، خوفا من أنهم لن يعدلوا .. وقد يكاد القضاء العادل و الحاسم يتناسب طرديا مع قوة الدولة و شيوع الرخاء فيها ، و عندما يتهلهل القضاء و يسوء ، ينفقد معه الشعور بالاطمئنان و يكثر الفساد وتعم الفوضى ..

في العصر الحديث ، وفي بلادنا العربية ـ مع الأسف ـ فان من يتولى القضاء هم خريجو كليات الحقوق ، و القليل منهم بل و النادر من يذهب لتلك الكليات عن رغبة صادقة و استعداد مسبق . و الأكثرية هي من حصلت على شهاداتها من خلال الدراسة بالمراسلة ، او من خلال تنسيب الجامعات أو الجامعات الأهلية التي انتشرت كانتشار الإشاعة ..

في حين يشكل القضاء و التعليم و الأمن العام ، أعمدة الحفاظ على هوية الأمة الحديثة و ضمانا أكيدا لتقدمها .. و تصنع تلك المهن الثلاثة تمهيدا عظيما أمام المهن الأخرى ..

***********

دخل عليه و هو في أثناء محاكمته لعينة من المتخاصمين ، فوقف القاضي وتقدم يعانقه ، ويطلب منه الجلوس على أريكة بجانب المنضدة التي يجلس خلفها القاضي ، و الخصوم في حالة وقوف .. ويضغط القاضي على زر ليسمع صوت الجرس في الخارج ، فيدخل رجل في نهاية الخمسينات ، بخطى ثقيلة ووجه لا ملامح واضحة فيه ، فلا تعرف ان كان يرهب القاضي ، أم يتعامل معه برتابة العمل ، أم لم يكن متحمسا لعمله ، فلا يسأل ان كان القاضي يرضى عنه أم لا ..

طلب القاضي بإحضار ثلاثة فناجين من القهوة ، الفنجان الثالث كان لمحامي يزيد عمره عن عمر القاضي بعشرة سنين ويجلس على المقعد الآخر أمام منضدة القاضي ..

في هذه الأثناء ، التقط الخصوم أنفاسهم ، و استفادوا من تلك البرهة ، ليهيئوا صياغة الأجوبة على أسئلة القاضي ، في حين يجلس على طرف المنضدة شاب يكتب الأسئلة والأجوبة كما يمليها عليه القاضي .. ولم يظهر على وجهه أنه قد تأثر لعدم شموله بالقهوة المطلوبة ، فكان يركز على الحروف التي يكتبها ، كي لا يتعرض للتوبيخ ، واذا ما أخطأ في شيء وهو نادرا ما يحدث ، وانما الذي كان يخطئ هو القاضي نفسه الذي كان يستدرك بين الحين والحين ، بإضافة لا بل كذا ..

طلب القاضي من المتخاصمين ، أن يتصالحا وينصرفا ، أو أن يحولهما للتوقيف ، فوافقا على الفور ، و إن كان أحدهما يحس بالغبطة بوضوح أكثر ، وكان ميكانيكي سيارات ، فاستوقفه القاضي بعدما هما بالانصراف ، و أعطاه مفتاح سيارته و طلب منه أن يرى ما بها ، حيث لم تعجبه حركة الماتور ..

بعدما انصرف المتخاصمان و نهض المحامي وخرج هو الآخر ، قبل أن تصل القهوة ، أخرج القاضي علبة لفافات التبغ و قدم واحدة منها لصاحبنا ، دخل بهذه الأثناء شاب في الثلاثين من عمره ، فسأله القاضي عن اسمه .. فأجاب بشكل اعتيادي ، ولكنه بدلا من يسبق كلامه بسيدي ، قال استاذ ، فلم يعجب القاضي تلك العبارة ، بل أخذ يطلب من الشاب أن يعدل من وقفته .. و

كان القاضي يتكلم خلال تلك الساعة بطريقة ، لم يكن صاحبنا يدرك أسبابها ، فكان القاضي يجعل الحرف الأخير من جملة ، يتدلى من بين شفتيه كذيل ، مع ترك المجال لأسنانه السفلى والتي كانت نقاط تماسها مسودة بفعل الدخان ..

لقد حاول صاحبنا أن يصنف هذا السلوك بالزهو ، و التباهي ، وقد يكون مصدر هذا الزهو ، آت من كثرة من يتشفع عند القاضي ليتكفل موقوفا ، أو يؤجل قضية ، أو يسهل مهمة أحد .. و كان المتشفعين كثر فمنهم من له صفة حكومية ومنهم من له صفة اجتماعية ومنهم له صفة اقتصادية .. وهذا قد يكون أعطى للقاضي هذا الإحساس بأهميته الإستثنائية !!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-03-2006, 02:10 AM   #14
matar996
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
المشاركات: 3
Thumbs up

يوه يوه توني خلصت

(بــس قـــــــــــــــــــــــــــويـــــــــــــــة )

ويعطيك العافية
matar996 غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-03-2006, 01:33 PM   #15
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

( 13)

لم يكن الحديث عن كرة القدم في الماضي ، له مثل هذا الشأن الذي نشاهده اليوم ، فلو ذهبت الى دائرة حكومية ، ستجد مباراة يوم أمس تحتل مساحة ليست بالقليلة بين أحاديث الموظفين و المراجعين .. ولو ذهبت الى محل لبيع الصحف اليومية ، لوجدت أناسا يشترون الصحف ، ولا يبدو على ملامح وجوههم أنهم مهتمون لا ثقافيا و لا سياسيا ، و لا هم بعمر أولئك الذين يتابعون أخبار الوفيات لكي يقوموا بواجب التعزية !

وحتى في مجالس التعزية ، أو في الجلسات التي تسبق (عزومة ) ، فإن أكثر الأحاديث التي يتم تداولها بين الجالسين ، دون أن تؤدي بهم تلك الأحاديث الى سحبهم لمسائلة أجهزة الأمن التي لا تترك ( عزومة) أو لقاء يضم أكثر من اثنين الا و حضرته ، أو كلفت من يحضره ..

كان يتبارى على الحديث في تلك المجالس ، إما أستاذ رياضة متقاعد ، أو لاعب كرة قدم ( اعتزلت أجياله ) .. وكان أي متحدث يتجنب الخوض في أمور الهيئة العليا لاتحاد كرة القدم ، و يخوض فيما دون ذلك براحته ، و يحاول إدخال كلمات لا يعرف الحضور معناها على وجه التحديد ، ويحلل أي مباراة ، يتذكرها مستخدما بعض الألفاظ الأجنبية أحيانا ..

عندما كان التنافس على المقاعد الجامعية ، كان في أسفل سلم القبول ، مقاعد في كليات التربية الرياضية ، فيلتحق بها من يلتحق ، ثم يعودون ليقفون في ساحات المدارس ليشرفون على حصص وضعت في المناهج الدراسية ، كحشو لا يراعي التوقيت ولا مدى استعداد الطلبة على حضور تلك الحصص ، التي غالبا ما توضع في نهاية اليوم الدراسي ..

وتدور الأيام ، فتنتخب هيئة إدارية لنادي رياضي مأزوم ، فتقرر الهيئة الإدارية التي ترشح معظم أعضاءها لرسم حدود لذاتهم ، في شكل عمل عام .. و يقرروا التحرك من أجل رفد النادي بلاعبين صغار السن ، فيتوجهون لصاحبنا الأستاذ .. ويغدقون عليه بدفقات من المديح والثناء .. وهو يحاول لملمة تقاسيم وجهه ، ليبدو صارما ، وليقول لضيوفه أنكم أحسنتم الاختيار في التوجه لي .

ويدور الحديث ، ويتناوب الوفد الإداري الجاهل بأمور الرياضة ، و يبادر أحد أعضاء الوفد الإداري ، ليبين نفسه بأنه ليس تكميل عدد ولكنه صاحب قرار أيضا .. فيفاجئ الحضور بأنه يطلب من الأستاذ الذي قصدوه ، أن يقوم بتدريب الناشئين في النادي ، وسيكون من طرح الفكرة تلك جاهزا أمام زملاءه ، فيما لو استفسروا عن مبادرته المفاجئة ، فأعد جوابا ، بأنه اقترح ذلك دعما للنادي و أسلوبا أكثر ضمانا لانتظام اللاعبين بالتدريب مع أستاذهم !

لكنه فوجئ بأن أحد زملاءه ، قد زايد عليه ، وقال لماذا الناشئين ، ولما لا يكون الأستاذ مدربا للفريق الأول ؟ . وهكذا فقد تم التعاقد مع مدرب ، كمعظم العقود التي تتم في مجتمعاتنا البسيطة ، دون دراسة وافية ودون شرح كاف ودون توقيع ، ودون السماح باستيضاح ، حيث تطغي عبارات المواددة الفضفاضة ، على روح التعاقد الصحيحة ..

وبعد عدة جولات تدريبية ، للفريق الأول ، والذي كان يتغيب عنها كثير من اللاعبين ، بحجة مطالبتهم بمخصصات الموسم السابق ، أو مطالبتهم بالتحرر من النادي للعب في ناد آخر .. فكان الذين يحضرون حصص التدريب من الكثرة بمكان ، لكن الذين سيخوضون المباريات و الذين سجلوا في سجلات اتحاد كرة القدم ، لم يكونوا يحضروا التدريبات ، بشكل يجعل المدرب و الإدارة يعتقدون أن برامج التدريب وتكوين اللياقة قد اكتملت .. ولكن هذا لم يمنع الإدارة و المدرب بتنظيم مباريات ودية مع فرق أخرى ، و لكن تصنيفها أدنى من تصنيف الفريق التابع للنادي ..

تجمع أعضاء الفريق ، وحضر اللاعبون كلهم ، حتى الذين كانوا يغيبون عن التدريبات ، فكان لديهم اعتقاد بأنهم يتفوقون على كل اللاعبين في كل الفرق ، حتى لو لم يتمرنوا و لم يكونوا لياقة كافية في بداية الموسم الكروي !

صفر حكم المباراة لبدئها ، تحت أعين بضع مئات من المتفرجين ، الذين كانوا فاقدين الحماس ، حتى لحضور تلك المباراة الافتتاحية للفريق ، ولكن كونهم هم من أعضاء النادي وهم من أوصلوا الهيئة الإدارية ، فكان حضورهم من باب رفع العتب ، لا أكثر ..

بعد مرور ربع ساعة ، عن بدء المباراة ، سجل الفريق الخصم هدفا في فريق الأستاذ .. فخرج الأستاذ عن صمته ، و أخذ يصرخ ( كل لاعب مع لاعبه ) .. (هي .. فلان .. مد المكسورة ) ( ويقصد رجل اللاعب الذي يخاطبه ) .. حتى طغى صوت الأستاذ المدرب على صوت كل من في الملعب ، من مشجعين ولاعبين يشتمون بعض عندما لا يوصل أحدهم كرة للآخر ، أو عندما لا يحسن استلام الكرة .. ثم تشجع الجمهور و أخذ يشتم مع الشاتمين ، بعدما جاء الهدف الثاني للفريق الخصم ..

بانت أثر سوء اللياقة على لاعبين الأستاذ ، فأخذوا يسقطون على الأرض ويصرخون من ألم مفتعل بصوت عال كأنهم ذكور جواميس هائجة ، علهم يحصلون على ضربة خطأ .. ولكن الحكم أنذر اثنين منهم .. ثم طرد آخر ..

انتهت المباراة بأربعة أهداف نظيفة ، و ذهب الأستاذ بسيارته الخاصة ، ولم يلتق بأعضاء الإدارة ولا الفريق .. لتوضع تلك الفترة بسجل حياته المهنية كنقطة سوداء !!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-03-2006, 12:44 AM   #16
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(14)

لم يكن الوحيد الذي يتلذذ في رؤية الآخرين يتضرعون ، أو يبدو عليهم الضعف .. بل ما هو الا نموذج من بين نماذج كثيرة في مجتمعاتنا ، و قد يقول قائل : ومن أين جاءت هذه الصفة المنتشرة بكثرة ..

فقد يسهل رؤية هذا النموذج ، عند موظفي الدولة بكثرة ، فاذا ما أحس الموظف بأن المراجع ، تنتابه حالة من التلهف على إنهاء معاملته بسرعة ، فان الموظف يبادره ، بأن يحضر ورقة من دائرة بعيدة ، أو جهة قد تكون غير مدرجة في سلسلة الطلبات البيروقراطية الكثيرة ، ولكن الموظف لا يريد تفويت الفرصة ، في التمتع برؤية المراجع وهو يترجى و يتوسل ..

وقد تجدها عند خباز في يوم عطلة ، فيرى جمهرة الطالبين لخبزه ، بكثرة فيطلب منهم الاصطفاف بطابور طويل ، ولو تمادوا كثيرا فانه سيطلب منهم عدم الكلام مع غيرهم أو إطفاء سجاير المدخنين منهم ، كيف لا ، فالفرصة قد أتته فلماذا لا يضع يديه على خصريه و يأمرهم بأوامر مختلفة ، أو يحرمهم من الخبز لذاك اليوم ..

وقد تجدها عند سائق تكسي ، في يوم ازدحام للمسافرين في محطات التنقل ، ولكن ليس هناك من السيارات ، ما يكفي لنقلهم الى حيث يريدون .. فيضع نظاراته القاتمة على عينيه ، ويسير بين طوابير الركاب ، فيؤشرون له ، وهو يشير اليهم بحركة كلها كبرياء و عجرفة ، معتذرا عن السفر ، ثم يدور حولهم مرة واثنتين وثلاثة .. كيف لا ، فهذه من الفرص النادرة التي يمارس فيها هواية التلذذ بإيذاء الآخرين ..

وقد تجدها عند عجوز بلغ زوجها العجز قبلها ، فتصرخ به بمناسبة ودون مناسبة ، لتيقنها بعدم إمكانياته لإيذائها ، أو العكس بين رجل ، حل بامرأته عارض مرضي ، فيذيقها شتى أصناف الزجر و الإيذاء النفسي ..

أما نموذجنا الرئيسي ، فهو شرطي المرور الذي تتاح له فرص أكثر من غيره في ممارسة تلك الهواية ، التي يتشابه بها مع النماذج السابقة بكثرة ، ولكن ممارساته ، تفوق غيره بطرافتها ووضوحها في نفس الوقت ..

يقف أحيانا قرب سيارة الشرطة ، ويؤشر للسيارات لتقف بالقرب منه ، ويتفحص عيني السائق وتتجول عيناه داخل سيارته ، فيكتشف أضعف نقطة بطريدته ، كما تكتشف سباع الغاب تلك النقطة في فريستها ، عندما تطاردها .

فيطلب أوراق السائق ، وقد تيقن أن هناك شيء قد ظهر من خلال تعبيرات وجهه ، و شدة لمعان عينيه ، فان أبرز السائق أوراقه وكانت كاملة ، فانه يطلب منه أن يفتح له صندوق السيارة الخلفي ، أو أن يختبر بمعيته جاهزية الأضوية و المساحات ، حتى يهتدي الى نقطة الضعف عنده .. وغالبا ما يكون حزره في مكانه .. حيث علمته تجاربه الطويلة ، أن لا يقوم بتلك الأسئلة و الطلبات ما لم يكن متأكدا من أن الذي أمامه لديه ما ينبئ بوجود ما يبرر المخالفة ..

مع ذلك فاليوم معظم هؤلاء الشرطة ، لديهم من التذهيب ما يجعلهم يتفوقون على من سبقوهم قبل عشرين عاما ، حيث أن الأولين ، كان أحدهم يصر أحد عينيه ، ويتكيء على جانب السيارة ، ويسأل أسئلة كأن السائق الذي تطرح عليه الأسئلة ، أحد خصومه المذنبين في عمل كأن يكون قد طلق أخت الشرطي أو اختلف معه على معاملة إفراز أرض ، فلن يكن من السهل الإفلات من الشرطي ، الا بتوسل كبير أو إرضاءه بشيء ما ..

أما شرطة اليوم فمعظمهم متعلمون ، لا يطالب أحدهم بأكثر من خضوع بسيط وكلمات تبجيل وتوقير و احترام مبالغ فيه ، حتى تسجل تلك النقطة لصالح الشرطي ، فقد يستغل تلك الناحية ، في التوسط في مجال آخر .. فالمصالح متبادلة بين أفراد المجتمع .. و كثيرا ما نرى أناس يوسطون كبار قوم في قرية أو مدينة من أجل الإفراج عن رخصة سوق أو تغيير ( كروكي ) أو مساعدة أحد الممتحنين لنيل رخصة سواقة .. وكلها نوافل تؤدي للتمتع في استغلال وضع الآخرين ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-03-2006, 07:28 PM   #17
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو محمود المقاول

لا ندري من أين جاءت كلمة ( مقاول ) .. ولكنها لا بد أنها اشتقت من الجذر (قول) بفتح الواو .. وقيل للملك عند اليمن ( القيل ) لأن قوله نافذا ، وتقاول فلان مع فلان تفاوض معه على شيء ينفذه له ..

والمقاول في أيامنا هو من ينفذ مهمة إنشائية أو توابعها من متممات الأبنية والطرق و غيرها ، وهناك مقاول ومقاول بالباطن .. أي من ينفذ مقاولة أخذها غيره ، تاركا له بعض هوامش الربح ، كون الأول و هو الرئيسي أقدر على الوصول الى أخذ المقاولات و العطاءات ، من خلال علاقاته الواسعة ، و كون سجله زاخرا في تنفيذ تلك الأعمال ، بعكس مقاول الباطن ، الذي غالبا ما يكون مغمورا .. ويرفع شعارا باستمرار ( أريد أن أعمل ) ..

و يختلف المقاولون في قدرتهم على كسب الأموال ، فمنهم من يتفق مع كاتب صيغة المقاولة ، ويطلع على مناقصات الآخرين ، فيضع سعرا مدروسا ، يحتم إحالة المقاولة عليه . ومنهم من يتفق مع كاتب صيغة المقاولة على أن يهمل بندا رئيسيا في صيغة العطاء ، ثم بعد رسو المقاولة عليه ، يتم استدراك ذلك البند بأسعار تعوض ما تنازل عنه في البنود الأخرى ..

وهناك نوع من المقاولين ، يعرفون من أين يحصلون على مواد خام أرخص من غيرها ، فقد تكون ( ستوكات ) وقد تكون من منشأ غريب ، ولكن العلامة التجارية عليها ، تدل على أنها من منشأ معروف و سعره عالي ..

وهناك قسم من المقاولين يخسر بكثرة ، لأنه ينفذ الخطوة رقم خمسة قبل الخطوة رقم واحد ، وعندما يريد تنفيذ رقم واحد يضطر لهدم وإزالة رقم خمسة ، كأن يقيم الأبواب بقياسات تكون أضيق من أن تتسع لإدخال ماتور تبريد أو تدفئة ، فعندما يكتشف ذلك يضطر لهدم الجدار و إعادة توسعته و تغيير قياسات الأبواب ..

وهناك مقاول يحضر الأجراء خمسة أو ستة عمال ، و يأخذهم للموقع مع وجبات غذائهم ، ويكتشف أنه نسي تحضير الماء لصب الكونكريت أو الإسمنت مثلا .. فيضطر لدفع أجور العمال دون أن ينجزوا شيئا ..

أبو محمود ، لم يكن مهندسا ولا معمارا محترفا ، ولا محاسب جيد ، لكنه اقتحم مجال المقاولات في عينة من الزمن ، كان يتعذر على من يريد أن يبني لنفسه بيتا أن يجد من ينفذه بسرعة ، وحتى ببطء ، فالكل مشغول والكل بيده أعمال تحول دون قدرته على تلبية طلبات العملاء الجدد .. فاكتشف انه بإمكانه أن يتحول لمقاول ، يأخذ من بعض محلات بيع المواد عمولة ، مقابل أن يشتري لعملائه منهم ، و يأخذ من العمال عمولة وحتى من المكاتب الهندسية .. وهي علاقات دارجة في عالم المقاولة ..

كان يصطاد عملاؤه من أساتذة الجامعات الذين فتح الله عليهم في عينة من الوقت باب رزق ، في خضم إنشاء الجامعات الأهلية ، أو بعد سفرهم للخارج ، فلم يكونوا ذوي عهد سابق بالأبنية الفخمة ، ولم يكونوا مصنفين على العائلات البرجوازية .. فتكون عندهم سلوك برجوازي لكن دون جذور برجوازية ، فهم كالفلاحين الذين يغتنوا إثر بيع عقار ، فيعبروا عن غناهم إما بالزواج مرة ثانية أو بالإكثار من الطعام الدسم .. وركوب سيارة فارهة ..

فكان أبو محمود يخدع هؤلاء الأساتذة الجامعيين ، بالتحدث معهم بأنواع الحجر والإكسسوارات ، وهو يعلم مدى جهلهم بتلك الكلمات ، وحذرهم الشديد من السؤال عنها ، حتى لا يصنفهم من يسألوه بأنهم جهلة ..

رأيته وهو في جلسة محاسبة وتحكيم بينه و بين أحد الأساتذة في مكتب أحد المهندسين الأصدقاء .. كان يتعامل مع النصوص بالمشافهة ، وكان الأستاذ الجامعي ، يحس بحرج كبير نتيجة استغفاله بعد التنفيذ .. وقد أدرك أنه كان على درجة من الحمق ، عندما كان يتحدث مع المقاول والمقاول يطاوعه بعد كل تعديل تطلبه زوجة الأستاذ .

فكانت إن رأت مطبخا عند أحد صديقاتها ، تطلب من زوجها أن يضيف مترا زيادة على المخطط ، وإن رأت ( قرميدا ) على أحد البنايات تطلب إضافته ، و إن رأت حجر بناء بشكل ما ، تطلب إضافته .. والمقاول يبتسم ، ويقول معها حق .. وعندما يسأله الزوج الأستاذ عن إمكانية التعديل .. يجيب أبو محمود : كله في حبك يهون ..

لقد كلف كل هذا الجهل ، صاحب البناية ضعف كلفتها الحقيقية ، وكان المهندس يستمع لهما ، ويجد أن أبا محمود بجهله قد تفوق على الأستاذ الجامعي ، و أغلق أمامه المنافذ في تحصيل حقه المفقود ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 05-04-2006, 08:50 PM   #18
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

قاسم المهرب :

هناك صنفان من العرب يستفيدان من التجزئة ، ويكرهان الوحدة ، الصنف الأول الحكام العرب ، والصنف الثاني المهربون .. ومع ذلك أن هذين الصنفان من الناس هم أكثر من يتكلم بالوحدة العربية ، فصنف الحكام يتكلم بها للاستهلاك الإعلامي المحلي ، والصنف الثاني ، يبرر امتهانه للتهريب كونه لا يؤمن بالحدود بين الأقطار العربية ..

التهريب مهنة مستترة ، لا تكتب ببطاقة الأحوال المدنية ، ولا بجواز السفر ولا يقدم من يمتهنوها أنفسهم على أنهم مهربون .. ولكن الناس ، وليس كل الناس تعلم بحقيقتهم .. فهم يغيبون عدة سنوات بالسجن ، ثم يخرجون ليعاودوا نشاطهم و كأنهم في رهان مستمر مع أنفسهم أو مع حكومات بلادهم ..

قليلون الكلام ، عيونهم حذرة ، لا يعلقون على ما يستمعون اليه من حديث حتى لا يتقفى من يتابع حديثهم أخبارهم فيتضررون من تلك السقطات ..

كرماء ، ولكن كرمهم يخدم مهنتهم الخطيرة .. فيهدون هداياهم و يرفضون أن تسمى بالرشاوى ، بل يدرجوها تحت باب ( رحم الله امرؤ فاد واستفاد ) .. وهي قواعد من أدبيات هؤلاء التي يتناقلوا أخبارها بالمشافهة .. فليس لهم مدارس أو مراجع يستمدون منها معرفتهم ..

قوام علومهم وفنونهم تتأتى من معرفة القصص النادرة ، التي تبلغ عن ذكاء سلفهم أو من سبقوهم في هذا الكار .. وان جلسوا في أمان فيما بينهم ، فانهم يهيمون بأنواع لا تخطر ببال من يجهل عملهم .. فمنهم من يتحدث عن كيفية تضليل دوريات الجمارك ، عندما كان التهريب على الخيل ، فيبعثوا أمامهم أحدهم يحمل خرجا من حشائش أو أوراق ، فيجعل الدورية تتعقبه ، في حين يقوم زملاؤه في تهريب ما اتفقوا عليه ..

ومنهم من يدخل حدود بلغاريا بنمرة سيارة ذهب ، تطلى بلون النمر العادية ، ومنهم من يضع قطع ألماز ثمينة في زيت ( الكوابح ) ومنهم من يبرم قطع العملة التي يريد إخراجها من دولة لأخرى ، ويجدلها بشكل حبل ، ويربط بها أمتعته بعد إضافة بعض الخيوط التي تخفي ما يهربه ..

كان قاسم ، قد شرب كل تلك الفنون منذ الصغر ، وتعرض للضرب والسجن والغرامة ، فدعكته السنين والتجارب ، حتى أصبح أستاذا بكل معنى الكلمة ، فلما تقدم به العمر ، وكان لم يكتف بالتهريب من بلاده للبلاد المجاورة ، بل قادته مغامراته للتهريب بين دول أوروبية ..

كان أحد الذين أشاعوا أجواء التهريب و ثقافته في مناطق واسعة ، وعندما كثرت أعداد المهربين ، تفننوا في تطويع القوانين المعمول بها والتي تعني بأمورهم ، و أطلقوا على أنفسهم اسم ( بحارة ) .. و افتتحوا محلات تجارية ، وأخذوا لها رخصا مهنية ، فيعرضون بضائع لا يهتمون بسوقها نهائيا و يخفون بضائعهم الأصلية ، فأصبحت محلاتهم ملتقى لمن يهوى بضائعهم المخفية ..

نجح قاسم في انتخابات غرفة التجارة لمرتين ، و أصبح وجيها غنيا ، يبتسم باقتصاد ، ويرد على من يغمز بجانبه ، متسائلا عن الثروة الهائلة و الأبنية والعمارات التي لديه ، يرد عليه بعبارة عرف بها وبصوت خافت ( على راسي)
ولا يعلق ، لكن كانت عيناه كل واحدة تحمل تعبيرا يختلف عن الأخرى ، واحدة تقول أنه رجل هادئ تائب مستقيم ، والأخرى تقول : لا بد من أن يأتي يوم و أرد عليك تلك الغمزة غير البريئة .. والوسائل لدى قاسم كثيرة !
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-04-2006, 04:18 PM   #19
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

عايد السائق :

لقد كانت مهنة قيادة السيارات ، مهنة كما هي في كثير من المهن المستحدثة على هامش التطور الحضاري ، فمهن تزول و مهن تظهر ، لم يعد الجلالاتي (صانع جلال الدواب ) أو الدليل ( الذي كان يدل المسافرين بالصحراء ) موجودين بنفس القدر الذي كانوا فيه سابقا .. كما أن مهنا مثل قيادة السيارات ، وان ظهرت في القرن الماضي كمهنة لها أهميتها ، أصبحت اليوم من المهارات الضرورية ، أو العادات ، كعادة التدخين .. فلم تعد بنفس القوة التي ظهرت بها وقت بدايات ظهورها ..

وكان من يتقدم بطلب للعمل سواء في القطاع العام أو القطاعات الأخرى ، يلقى قبولا لطلبه .. أما في هذه الأيام ، فإن تلك المهنة لم تعد مصنفة كمهنة بل كوصف لمن يكلف بها من قبل غيره أو حتى هو يكلف نفسه بها ، كضرورة عملية ، فاقتناء ( سيارة أجرة ) يحتم أن يكون على قيادتها شخص يستطيع القيادة ، و أحيانا يكون هذا الشخص مهندسا أو معلما أو عسكريا متقاعدا ، أو أي صفة مهنية أخرى ، لكنه أضاف تلك الصفة المهنية الجديدة على نفسه ، لضرورات المعيشة أو لاستثمار بعض المال في قطاع النقل ..

كان بعض ممتهني تلك المهنة ، لا ينظرون لها على أنها مصدر رزق فقط ، بل كان ينظرون لها كعادة ، أو صفة محببة لهم ، كما هي صفة أو خاصية الطيران عند الطيور ، فكما يتضايق الطير عندما يوضع في قفص ، أو يعيقه ما يعيقه عن الطيران ، فإن سواق السيارات يصبحون بهذا العشق لمهنتهم ، وخصوصا من يقودوا سيارات الأجرة ( التاكسي ) .. وخصوصا من يتقدم بهم العمر قليلا ، فعليهم أن يتصرفوا في حياتهم بكياسة و رزانة تتناسب مع أعمارهم ، لكنهم في مهنتهم ، يشرعنوا الصبابة و دغدغة بعض مشاعرهم التي عليهم أن يدربوها لتكون عاقلة !
كانوا يستمتعون بحديث يستمعون اليه بين عشيقين يركبان مع أحدهم ، أو يسرقون نظرة من المرآة التي يعدلون وضعها ، ليقنصوا نظرة ممن يجلسن في المقعد الخلفي .. وكان يطربهم صوت ضحكة عفوية من فتاة بسن بناتهم ، لكن لا أحد يراجعهم بما يقترفون من ذنوب هم لا يصنفونها كذلك !

كانت مهنتهم تمدهم بثقافة من نوع خاص ، آتية بالمشافهة ، من خلال ما يشاهدون وما يسمعون ، فأحيانا تسرهم مصطلحات بعض المثقفين الذي نقلوهم من مكان لمكان ، فيحاولوا استعمالها في أحاديثهم مع زملائهم أو أسرهم ، وأحيانا يسربون ما رأوا من مشاهد رأوها في مهنتهم .. كل ذلك كان يعطيهم شعورا بالتفوق في شيء ما !

كان عايد من ذلك النوع من السواق ، لم يكن بحاجة ماسة لما يحصل عليه من أجرة ، فكان ينتقي ركابه أو من يطلبوا الركوب معه ، ليشبع فضوله المستتر ، فلم يختلف على قيمة الأجرة مع من يرغب في نقلهم ..

عندما ركب الرجل بجانبه وكان ملثما ، عندما فاوضه بسرعة على الركوب ، فك لثمته ، في حين جلست المرأة التي كانت مع الملثم في المقعد الخلفي ، طرق عايد بأصبعه طرقة خفيفة على المرآة التي ثبتت في وسط السيارة الأمامي العلوي ، عله يفك لغز زبونه .. وقد انتبه الرجل الذي يجلس بجانبه ، ولكنه لم يكن في حالة تبرر اعتراضه ..فشاغله بالطريق الذي احتاج الى ساعة من الزمن حتى يصلوا الى وجهتهم ، حتى لا يجد عايد فرصة كافية في التمعن بمن تجلس بالخلف ..

كان الرجل يتحدث بمواضيع متعددة وغير مترابطة ، وعايد يستمع ويهمهم ، ولم يظهر ثنية الذهب على سنه طيلة حديث الرجل ..

كان عايد يتساءل ، بينه وبين نفسه ، هل تلك المرأة المكحلة ، والتي تضع عصبة زاهية على رأسها ، هل تكون ابنة هذا الرجل ؟ .. ثم يجيب نفسه : لا ، فلو كانت ابنته لما صعدا في سيارة أجرة ، بل لركبا في الحافلات ، حتى لو طال زمن الوصول الى أربعة أضعاف وصول سيارته !

ربما تكون زوجة له ، وكانت (زعلانة) عند أهلها منذ مدة ، وهاهي تعود معه ، فأراد أن يكرمها بالركوب بسيارة ، أو لسرعة الوصول !

كان الطريق الذي سلكه عايد ، لم يشاهد به بالذهاب أو الإياب أي سيارة أخرى ومن أي نوع .. فقد أشار الرجل الى اتباع طريق مختصر ، علمه البدوي بخبراته السابقة .. كان طريقا ضيقا ليس به من الطرقات الا الاسم ، لم يكن ترابيا ، ولم يكن معبدا بشكل جيد ، لكنه كان خاليا من الحفر ، ولم يكن طريقا موحشا وسيئا على أي حال ..

كان يمر من جنب بيوت ، هي كالبيوت ، لكنها لم تكن بتلك الفخامة ، ويتراكض أمامه أطفال ، هم كالأطفال بالشكل ، ولكن ملابسهم و ألوان بشرتهم وملامح العافية ، لا توحي أنهم أطفال كالذين يراهم في المدن ..

لمح عايد بين تلك البيوت المتواضعة ، قصرا فخما ، يصلح أن يكون أحد قصور الأحياء الفخمة ، في العاصمة ، أقطب جبينه ، وتساءل : هل يكون هذا لشخص ، رفض أحدهم أن يعطيه ابنته عندما كان مغمورا ، فأراد أن يقهر من رفضه ليبقى هذا القصر الذي بناه بعد أن اغتنى فجأة ، شاهدا على خطأ قراره!

برز كلب ضئيل الحجم ، ليلحق بسيارة عايد ، لكن دون جدية ، بل كان يحاول أن يعلن عن نفسه بطريقة مجانية أنه سيد تلك البقعة اللا محددة !

نزل الرجل والمرأة قرب القصر .. ولم يحل عايد لغزهما !
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-04-2006, 02:49 PM   #20
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

سويلم الراعي

الرعاة في التاريخ من أقدم المحترفين مهنيا ، ومهنتهم تلك قد أثرت في تكوين الحياة الراهنة ، حيث كانوا يشكلون مجسات لمجتمعاتهم ، ترشدهم للتحرك والتنقل من مكان لمكان ، أقوام في أمكنة ليست لها وتصارعت مع أهلها الأصليين ، فأنهت وجودهم أو انصهرت بهم حتى آل الوضع الاجتماعي لما نحن عليه الآن ..

لم تكن ملكيات الأراضي معترف بها سابقا ، فحيث تستطيع الوصول بقطعان أغنامك أو إبلك ، وتحمي وصولك هذا بقوتك أو قوة جماعتك ( قومك ) .. فيصبح عندها هذا الوضع مقبولا وغير قابل للنقاش ..

حافظ الرعاة العرب على بعض الصفات التي تهم الباحثين ، فهم حذرون بطبعهم قليلو الكلام ، لا يدخلوا مفردات جديدة على لغتهم ، فلذلك كانت اللغة العربية عندهم ، هي الأنقى والأكثر مطابقة لصفاتها . وهذا ما يفسر كيف أن الهيثم بن نصر بن سيار ، والخليل بن أحمد الفراهيدي ، عندما خافوا على التلحين في العربية ، ذهبوا الى البادية ليدونوا المفردات العربية بقواميس لا زالت اليوم هي المراجع التي نعود لها عند الحاجة ..

كما أن الرعاة ، لو أراد أحد أن يصنف مزاجهم هل هو عدواني أو متسامح لرجح الحالة الأولى على الثانية ، إذ لم يكن أحدهم يرغب بوجود من ينافسه على المرعى القليل بنباتاته الكافية و ماء الشرب ..

كما أنهم لا يجيبون من يسألهم بوضوح ، بل يتهربون من الإجابة ، توجسا وحذرا من دوافع السؤال ، فإجاباتهم الاعتيادية ، هي أنهم لا يعلمون جواب السؤال الذي وجه إليهم ، وإن اضطروا للإجابة ، فإن الإجابة لا تسعف السائل ، بل سيحتاج أن يسأل بعد الراعي الأول مجموعة من الرعاة ، فيدرك بمرحلة من المراحل أنه في متاهة ، وكأن كل راعي آخر يشكل خط دفاع ثاني بالنسبة لمن وجه إليه سؤالا سابقا ..

بعد أن تشكلت الدول الحديثة ، وأصبح للأرض من يملكها ، وحمت القوانين الراهنة حقوق المالكين ، كان على الرعاة أن ينتقلوا الى الأراضي الميرية (التي تملكها الدولة ) .. أو عليهم أن يتكيفوا مع الوضع الجديد بنمطية جديدة من التحايل على تلك الأعراف و القوانين ..

ولما كانت الأراضي التي تحيط بالقرى والمدن ، هي أكثر خصوبة من غيرها من الأراضي الأخرى ، فكان على الرعاة والذين هم أصلا يرعون لملاك قد يكونوا من سكان تلك المدن والقرى ..

كانت لغة الرعاة وخبراتهم تتركز في كيفية إدارة قطعانهم ، وكان القطيع وأفراده يشكلون صحبة دائمة للراعي ، فكان يميز كل شاة أو كبش من بين عدة مئات ، ويفتقد الناقص منها ، نتيجة لتلك المعرفة الحثيثة ، وكان يسمي كل واحدة منها و يجد ما يميزها عن غيرها ، فيجد صفة بالقرون خاصة ، ولون الوجه ، وتحدب الأنف الخ ..

كما كان على خبرة كافية ، في تربية (المرياع ) وهو خروف تمت رعايته منذ الصغر ، و يشترط بأن تكون أمه معروفة بجودتها ، فلذلك تمت صياغة المثل القائل ( ابن الخوثة ما يصير مرياع ) .. وقد ينسحب هذا المثل على قيادات المجتمع .. حيث أن ( الخوثة هي الهبلة ) .. كان المرياع و أحيانا بالقطعان الكبيرة تجد مجموعة من ( المراييع ) .. تزين بألوان معظمها من مشتقات اللون الأحمر ، انطلاقا من معرفة أن الحيوانات لا ترى سوى اللون الأحمر ، أما باقي الألوان فيكون ( رمادي ) .. ويضع في رقبة المرياع ، جرسا يسمى (كركاعة ) . ليعلم القطيع عن تحرك المرياع الذي يكون على مقربة كبيرة من الراعي وحماره في المقدمة ..

وكان الراعي على معرفة بتربية الجراء (صغار الكلاب ) .. فكان يخضعه لتجارب قاسية تتناسب مع فداحة المهمة التي يقوم بها .. و أحيانا يقطش أذانه أو يقطع جزءا من ذيله ، وللرعاة مبررات وجيهة في ذلك ..

كان سويلم يضع في خرج حماره ، كل ما يلزم لرحلته التي ، فبعض أرغفة الخبز وقليلا من الشاي والسكر ، وإبريق قاتم اللون وبعض المواد القليلة الأخرى ..

أما اللغة التي كان يستخدمها سويلم لإدارة الحيوانات ، فهي مجموعة من الأصوات ودون كلام مفهوم ، كالتي تستخدمها قبائل بدائية جدا ، قسم يخرج من أسفل الحلق ، وقسم من خلال ضغط الشفتين وأحيانا يستعين ببعض أصابعه لإخراج تحذيره لبعض الشياه المتخلفة أو المتمردة على السير ..

كان سويلم ، يرعى في الأراضي التي لا يزرعها أصحابها ، ويبدأ رعيه من بداية الخريف ، فاذا سقط المطر مبكرا ، قامت الحيوانات باستلال البادرات التي تنمو مبكرا ، وحيث أن قوانين الرعي التي كانت تحمى سابقا من مهنة انقرضت تماما وهي مهنة ( المخضر ) الذي كان يمنع الرعاة من الاقتراب من الأراضي المتروكة من دون زراعة ، حتى تزهر نباتاتها و تحفظ جنس النبات ، فقد تدهورت أصناف نباتات المراعي ، واختفى المستساغ منها ..

يلجأ ملاك قطعان الأغنام لشراء حقول القمح أو الشعير ، التي لا يتأمل أصحابها من مردود يعادل كلف الحصاد .. فيرعى سويلم بها حتى أواخر الصيف وعندما تصبح الأراضي جرداء لا عشب ولا قش ولا غيره .. فتبقى عادة الرعي وكأنها فقط لتدريب الأغنام ، حتى لا تنسى عادة المشي !

وضع سويلم إبريق الشاي المسود على نار .. وأخرج ( مزمارا ) وعزف ألحانا مختلفة ، تكاد تكون ثلاث جمل موسيقية بدائية .. وبقي يعزف ، قرب النافذة لأكثر من ساعة ، وعندما تضايق صاحب مكتب قريب ، بني على منشأة بعيدة في البراري .. دفع الفضول صاحب المكتب للذهاب الى سويلم ..

تدري يا سويلم : ما أقل عقل منك إلا هذا المرياع ، الذي يطرق مستمعا اليك ، ألا تمل من هذا العزف ، والضحك على هذا القطيع الأبله ، وكأنك تتجول به في إقليم ( السافانا ) ..

ضحك سويلم ، واستفسر عن ( السافانا ) .. ثم قال : هذه حياتنا ، أستاذ منذ الأزل ، فليس لنا سبيل غير ذلك ، ناوله الأستاذ لفافة تبغ ، كمصالحة ضمنية وودعه معترفا بوجاهة قول سويلم ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .