العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى كتاب حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديث في الفقه الإسلامي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: The international justice court (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نقد تنبيه الأنام على مسألة القيام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الزراعة المثالية ولعنــة الأدويــة الكيماويــة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: New death (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال البروباغاندا الهدوءُ والفتك (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى كتاب إرشاد الأخيار إلى منهجية تلقي الأخبار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الميسر والقمار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)      

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 26-01-2008, 03:13 PM   #1
حسناء
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 278
إرسال رسالة عبر MSN إلى حسناء إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى حسناء
إفتراضي فقدت عزيزا ...

" هي كلمات ثائرة ، أتمنى أن تزحف إلى مسامع كل مسلم، أن تفتح عيونه على حقيقة يكاد يدركها، هي كلمات تقطر دما وحبرا ليُسكب في مجرى شرايين كل جسد ذكر الله ووحده ولو مرة في تاريخ ساعاته ... "

وسط قطرات المطر، وبرودة الطقس، وضباب كان يكسو الشارع حلة حزينة وكأنه أرملة تلبس السواد حدادا على وفاة زوجها، كنت أتقدم مسرعة الخطى في شارع انعدمت فيه الحركة عدا مرور بعض السيارات من حين لآخر...لم أكن أحلم ساعاتها سوى برؤية باب منزلنا وباحتساء حساء ساخن يبعث الحياة من جديد في جسد شلت حركته من فرط البرد ...
بالكاد كنت أرى الطريق، ولم يمنعني ذلك من رؤية جسد منكمش على قارعة الطريق لا حاجب بينه وبين سيل المطر المنهمر بغزارة، حسبته مجنونا بادئ الأمر ولكنني فضلت الاقتراب، علي أروي بذلك فضولي ...
نعم اقتربت منه، وليتني لم أفعل، كان شيخا في السبعين من عمره، دون ذلك أو أكثر ، يلتصق ردائه المبلل بجسده النحيل، مطأطأ الرأس، تعلو وجهه سمرة داكنة تميل إلى الزرقة ، أحسست برجفة في بدني وبقشعريرة تقتلع جلدي، تمنيت أن أسأله ولكن الحياء منعني، وبين مد الفضول وجزر الحياء تخبطت للحظات واستسلمت في الجولة الأخيرة لفضولي فسألته و بالكاد فعلت بنبرة يغزوها التردد والخجل :
-هل تنتظر أحدا؟ ولم تجلس تحت الأمطار ؟
اكتفى الشيخ بالصمت، ولم يجبني واخذ يلتفت يمنة ويسرة، أحسست بالندم لتسرعي ولاستجابتي لفضولي وهممت بالانصراف قبل أن يخترق صوته -الممزوج بطنين اصطكاك أسنانه – طبلة أذني " انتظر حقي "
أجبته مسرعة – سوف تمرض يا أبي تحت هذا السيل من الأمطار، تنح جانبا .. وقد عمدت على مخاطبته بلقب "أبي" كي أكسر حواجز الخجل التي كانت تمنعني و إياه من الكلام..
رفع العجوز رأسه صوبي، وقد أفحم البرد ملامحه ولم أعد أميز سوى ظلال للشجن مرسومة في حدقتيه، وبريق يتخللها يفضح رغبته الجامحة في البكاء، مزق المنظر فؤادي، ولم يكن يقتلني سوى عجزي على الهرب من الموقف أو مواجهته، تسمرت في مكاني ورحت أنتظر ما سيجود به ذاك الثغر البنفسجي الذي تحدى البرد بكلمات ثائرة دبت في نفسه حرارة أنسته برودة الطقس ...
- لينتي أموت... ، نجح في إخراج الكلمتين من بين الشفاه، كل كلمة يقذفها كانت أقوى من سابقتها واشد وقعا في نفسي، نعم انه يتمنى الموت، ما الذي أوصله يا ترى إلى هذا المستوى من اليأس؟ همست بين شفتاي بجملة بالكاد أخرجتها فلم يعد البرد هاجسي الوحيد بل غدا الشجن أقوى حتى أنساني أمر البرد والأمطار – أطال الله في عمرك يا أبي، ولكن ما الذي حدث معك؟ سألته وليتني لم أفعل، فلقد أحسست أن السؤال أحرجه وأنه أدار رأسه تفاديا لإجابتي ولكنه لم يتأخر في القول " فقدت عزيزا"
أقسم أن هذه الجملة سكبت في نفسي مرارة لم أتذوق مثلها قط، ولازال صدى صوته المتقطع يطن في طبلة أذني حتى الساعة، كان ذلك بمثابة كابوس دلفت إليه بإرادتي، حقيقة مرة أتعلمها من جديد في مدرسة الحياة، كنت أرى حروف جملته منقوشة بخنجر في جدران فؤادي، وتمزقت أشلاءا وأنا محاصرة بهواجس التفكير من كل جانب وملايين الأسئلة، يترأسها : من فقد يا ترى؟ ابنه، زوجه أم أخا له ؟ ورحت أعيد شريط كلماته القليلة الأحرف العميقة التأثير، ثم قلت له دون شعور مني: - هل فقدت أحدا، أم فقدت حقك؟ صمت العجوز هنيهة ثم أشار إلى ساقه المبتور وقال : - فقدت عوني وولي نعمتي، فقدت ساقي يا بنيتي...
تبا لي، لم ألحظ أن الشيخ مبتور الساق، علي أحرجته بأسئلتي، أحسست برجفة في بدني وبشجن يجثم على صدري و بينهما ندم قاتل... لم أرد إطالة الكلام لان الصورة كانت تعبر وحدها بل تخط ملايين الأسطر السوداء وهل هناك أقسى من هذا المشهد؟ دسست يدي في حقيبتي وتمنيت أن أجد من النقود ما يكفي لأعين به هذا العجوز فيتراجع عن تمنيه للموت ولو لساعات،لأنه لا عزاء لم فقد جزءا من جسده ، لكنه فاجئني بالسؤال بعدما لمح جريدة في يدي اليسرى : - أتجيدين القراءة قلت – نعم
اقرئي ما كتب على اللافتة، قرأتها سريعا – جمعية مساعدة المعاقين ... قاطعني قائلا : نعم، لقد غدوت معاقا، وأنا هنا منذ خمسة أيام انتظر المساعدة، لقد أعاقني الزمن يا بنتي فلم أكن بالأمس معاقا، و أصابتني سهام الغدر فأقعدتني، بعدما كنت سائقا في إحدى المؤسسات الخاصة.. صمت مليا ثم واصل: أتدرين، لا يقهرني سوى تلك الأفواه الجائعة التي تستقبلني كلما دلفت إلى البيت، فلي سبعة بنات لا عائل لهم سوى هذا الجسد النحيل المبتور الساق...
كانت جمله طعنات خنجر تُغمد في سويداء قلبي، الذي غدا مجروحا .. ولكنني جمحت رباطة جأشي وقررت أن أواصل الحديث معه فقد أحببت قصته رغم الشجن والسواد الذي غزلت منه أحداثها...
- هل حدث معك حادث مرور؟
- ليته كان كذلك، لما لُمت ساعتها سوى نفسي، بل كان حادث من إمضاء الغدر فوق صفحات بريئة، لقد كنت ضحية لعمل يسمونه إرهابي واسميه فجر عذابي، لقد كنت في يوم أسود امشي كعادتي في الطريق ثم غبت عن الحياة لساعات ولم أفق إلا في جنازة عزيزي الذي دفن بعيدا عني ... اليوم ليس لبناتي سوى الله وليس لي عزاء على فقداني سوى تذكر المشهد، ولعنة من يقتلون بانتحارهم آلاف الأبرياء، ما ذنبي أنا إن أراد هؤلاء الموت أو الانتحار؟ فلم يجبرونني على الموت أنا و بناتي وآلاف الأفواه الجائعة، هل مات احد من المسؤوليين ؟ هل مات احد ممن يسمونهم بالكفرة؟ لم يمت سوى ساقي و ضحايا آخرين ذنبهم الوحيد أنهم جزائريون وأن لهم إخوانا يحتضنون في صدورهم بذل القلوب حجارة ... تنهد العجوز بزفرة أرعشت بقايا الجسد المغدور أما أنا فتملصت من مقلتي عبرات ساخنة أدخلتني في متاهة من التفكير للحظات قبالة الوجه المنهار الذي كان يستعيد لحظات عذابه...
تمنيت ساعتها الصراخ بأعلى صوتي "وا بوتفليقاه " ليتك كنت مكاني تسمع كلماته الجريحة، وأنين فؤاده الدامي ، ليتك تقدر على السير مثلي في الشارع فتسمع أذناك - التي أخالهما سئمتا قصص الحكم والسياسة- هذه القصص التي تحتضنها الشوارع، هي قصص لجزائريين ضحايا الغدر الوحشي، لأناس قتلوا بانتحارهم حب الحياة فينا، كيف يكون لهؤلاء البشر فؤاد ؟ هل يتمثل لهم المشهد بنتائجه قبل اقترافهم للخطأ ؟ تحت أي راية أو دين أو دستور أو منطق أو حتى إنسانية ، إنهم ليسوا بشرا بل وحوش آدمية، إنهم رسل الشيطان إلى ديار الملائكة، آلات برمجت على الخراب وجردت من أدنى ملامح الإنسانية...

حســــــناء.ط


تحياتي
__________________
فانفذوا...........لا تنفذون الا بسلطان


حسناء غير متصل   الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .