نقد فتوى القول الزاهر في حكم قتل المسلم بالكافر
نقد فتوى القول الزاهر في حكم قتل المسلم بالكافر
الفتوى وهى موضوع الكتاب تدور حول حرمة قتل المسلم القاتل بالقتيل الكافر
وقد كتب الكتاب بكر أبو بكر الأثرى وقال فى مقدمته:
"السؤال هل يقتل المسلم بكافر؟ وهل يطبق حد الحرابة على المسلم إذا قتل كافرا؟ (إشارة إلى الشباب الذين نفذ فيهم حد الحرابة عندما عملوا تفجير في الخبر وقتلوا الأمريكان).
الجواب على السؤال العاشر، وقد أسميت إجابتي بـ " القول الزاهر، في حكم قتل المسلم بالكافر ""
وتحدث الرجل عن عدم قتل القاتل المسلم بالقتيل الكافر لكون هذ أمر مسلم به فقال :
"المحور الأول:
إن من البديهيات لدى أهل العلم؛ أنه لا يقتل مسلم بكافر، مهما كان هذا الكافر، ومهما كان سبب قتله، بل لو أن أحد المسلمين قام متسليا فقتل أحد أهل الذمة، لم يجز لإمام المسلمين - الحاكم بالكتاب والسنة - أن يقتل هذا المسلم بالذمي! فكيف يجوز قتل المسلم بالحربي؟!
وهذا الحكم لا يحتاج إلى توضيح وبيان، فهو من المسلمات عند أهل الإيمان، وكما قيل: من المعضلات، توضيح الواضحات! لكننا في زمن صار الحق فيه باطلا، والباطل فيه حقا، فاضطررنا لكتابة هذه الورقات، فالله المستعان على شبهات المرجئة والشطحات.
أخرج البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب عن النبي (ص) أنه قال: (لا يقتل مسلم بكافر) وهذا نص صحيح صريح في المسألة، لا يمكن رده بشبهات أو ترهات، فليتأمل كل من يحسن العربية! ومن لا يحسنها فعليه بالترجمة!
بل إن من ما جاء في بنود كتاب النبي (ص) الذي كتبه أول ما نزل المدينة – يثرب - حيث جاء فيه: ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر. أهـ[ابن هشام 1/ 502] فهذا من الثوابت عند النبي (ص) وأصحابه وأتباعه.
وأخرج الإمام ابن حزم الأندلسي رحمه الله في محلاه بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لا يقتل مؤمن بكافر).
وله أيضا عن ابن شهاب في قتل المسلم النصراني أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قضى: أن لا يقتل به.
وله أيضا عن الحسن البصري أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لا يقتل مؤمن بكافر).
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (من السنة ألا يقتل مسلم بكافر).
وتأمل جيدا هذه الرواية العظيمة التي تبين حكم من قتل المسلم في الكافر؛ روى ابن إسحاق أن عبد الله بن عبد الله بن أبي أتى رسول الله (ص)، واستأذنه في قتل أباه المنافق، وقال: إني أخشى أن تأمر به غيري يقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبدالله بن أبي يمشي في الناس، فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. [أنظر السيرة لابن هشام 3/ 267]
قال الإمام ابن قدامة المقدسي وغيره استنباطا من هذه الآثار: أن المسلم لا يقتل بالكافر، ولو كان مستأمنا أو ذميا [انظر المغني (9/ 341)، والمهذب (2/ 185)]
وقال ابن قدامة أيضا: مسألة: قال (ولا يقتل مسلم بكافر) .. لا يوجبون على مسلم قصاصا بقتل كافر أي كافر كان، روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن وعكرمة والزهري وابن شبرمة ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر .. أهـ[المغني 11/ 305]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من أقسام العموم: عموم الجنس لأعيانه، كما يعم قوله: (لا يقتل مسلم بكافر) جمع أنواع القتل، والمسلم والكافر. [اقتضاء الصراط المستقيم ص 51] فلا يجوز قتل أي مسلم وإن كان فاسقا، بأي كافر وإن كان ذميا، بأي نوع من أنواع القتل.
ولقد أثر عن بعض الأحناف قولهم بقتل المسلم بالذمي، ولكن لم يؤثر عن أحد قط حتى عن أبي الحباب القول بقتل المسلم بالحربي! وحتى القول الأول فهو قول ضعيف
وقد نقل الإمام ابن قدامة عن الإمام أحمد في الرد على من قال بهذا القول، قال: هذا عجب يصير المجوسي مثل المسلم؟! سبحان الله! ما هذا القول؟! واستبشعه، وقال: النبي (ص) يقول: (لا يقتل مسلم بكافر) وهو يقول: يقتل بكافر، فأي شيء أشد من هذا؟! [المغني 11/ 304]
وقال الشيخ محمد علي الصابوني: ثم كيف يتساوى المؤمن مع الكافر، مع أن الكافر شر عند الله من الدابة والمؤمن طيب طاهر؟ والله تعالى يقول: (إنما المشركون نجس) ويقول: (قل لا يستوي الخبيث والطيب) فكيف نقتل مؤمنا طاهرا بمشرك نجس؟! .. وقد رأيت في بعض مراجعاتي قصة لطيفة وهي أن (أبا يوسف) القاضي من تلامذة الإمام أبي حنيفة، رفعت إليه قضية تتلخص في أن مسلما قتل ذميا كافرا، فحكم عليه أبو يوسف بالقصاص، فبينما هو جالس ذات يوم، إذ جاءه رجل برقعة فألقاها إليه ثم خرج، فإذا فيها هذه الأبيات:
يا قاتل المسلم بالكافر ... جرت وما العادل كالجائر
يا من ببغداد وأطرافها ... من علماء الناس أو شاعر
استرجعوا وابكوا على دينكم ... واصطبروا فالأجر للصابر
جار على الدين أبو يوسف ... بقتله المؤمن بالكافر
فدخل أبو يوسف على الرشيد وأخبره الخبر وأقرأه الرقعة، فقال له الرشيد: تدارك هذا الأمر لئلا تكون فتنة، فدعا أبو يوسف أولياء القتيل وطالبهم بالبينة على صحة
شجبوا وصاحوا زبدوا وتوعدوا ... أفتوا بقتل المؤمن الرباني
أفتوا بقتل موحد في كافر ... لتقر عين الشرك والصلبان
وكأن مفتيهم بأعينه عمى ... أو أنه من نسل أمريكاني
أو أن علم الله (جيره) لهم ... يفتي بغير أدلة القرآن
وقال الإمام أبو بكر ابن العربي: ورد علينا بالمسجد الأقصى سنة سبع وثمانين وأربعمائة فقيه من عظماء أصحاب أبي حنيفة يعرف بـ (الزوزني) زائرا للخليل (ص) فحضرنا في حرم الصخرة المقدسية – طهرها الله – معه، وشهد علماء البلد، فسئل على العادة عن قتل المسلم بالكافر فقال: يقتل به قصاصا، فطولب بالدليل فقال: الدليل عليه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) .. فانتدب معه في الكلام فقيه الشافعية وإمامهم بها (عطاء المقدسي) وقال: ما استدل به الشيخ الإمام لا حجة له فيه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن الله سبحانه قال: (كتب عليكم القصاص) فشرط المساواة في المجازاة، ولا مساواة بين المسلم والكافر، فإن الكفر حط منزلته ووضع مرتبته. الثاني: أن الله سبحانه ربط آخر الآية بأولها، وجعل بيانها عند تمامها فقال: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) فإذا نقص العبد عن الحر بالرق – وهو من آثار الكفر – فأحرى وأولى أن ينقص عنه الكافر. الثالث: أن الله سبحانه وتعالى قال: (فمن عفي له من أخيه شيء) ولا مؤاخاة بين المسلم والكافر، فدل على عدم دخوله في هذا القول ... قال ابن العربي: وجرت مناظرة عظيمة حصلنا منها فوائد جمة، أثبتناها في " نزهة الناظر ". أهـ[تفسير آيات الأحكام لابن العربي 1/ 61 - 62]
وجاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " في كتاب القصاص ص261 وما بعدها: شروط القصاص في النفس: .. ب- عصمة القتيل: اتفق الفقهاء على أن من شروط وجوب القصاص على القاتل أن يكون القتيل معصوم الدم .. اشترطوا أن يكون المقتول محقون الدم في حق القاتل على التأبيد كالمسلم، فإن كانت عصمته مؤقتة كالمستأمن لم يقتل به قاتله، لأن المستأمن مصون الدم في حال أمانه فقط، وهو مهدر الدم في الأصل، لأنه حربي، فلا قصاص في قتله
.. ج- المكافأة بين القاتل والقتيل: .. أن من شروط وجوب القصاص في القتل المكافأة بين القاتل والقتيل في أوصاف اعتبروها، فلا يقتل الأعلى بالأدنى، ولكن يقتل الأدنى بالأعلى وبالمساوي .. وعلى ذلك فلا يقتل مسلم ولو عبدا بكافر ولو حرا ... أهـ
الإيراد:
يستدل بعض الأحبار والرهبان اليوم على قتل إخواننا أهل التوحيد والعقيدة بالأمريكان الكفار المحاربين بأن رسول الله (ص) يوم خيبر قتل مسلما بكافر قتله غيلة، وقال: (أنا أولى أو أحق من وفى بذمته).
جواب هذا الإيراد:
عبثا يحاولون فهذا الحديث ضعيف لا يرفع به رأسا؛ فقد أورده أبو دواد في مراسيله وجميع طرقه معلولة، والبيهقي من حديث عبد الرحمن البيلماني.
قال ابن قدامة المقدسي: وحديثهم ليس له إسناد، قاله أحمد، وقال الدارقطني: يرويه ابن البيلماني، وهو ضعيف إذا أسند، فكيف إذا أرسل؟! [المغني 11/ 306]
وقال ابن سلام: هذا الحديث ليس بمسند، ولا يجعل مثله إماما تسفك به الدماء. وقال القرطبي: وابن البيلماني ضعيف الحديث لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف بما يرسله؟! [انظر روائع البيان للصابوني 1/ 128]
ولو افترضنا أن الحديث صحيح؛ فإن الإمام الشافعي قال: على فرض صحة الحديث فإنه منسوخ بقول الرسول (ص) زمن الفتح (لا يقتل مسلم بكافر) وهذا الحديث في البخاري وغيره. أهـ
ولكي نقطع على مرجئة عصرنا الطريق نذكر هنا ما ذكره الإمام الحافظ ابن كثير بعد أن قرر عدم قتل المسلم بالكافر قال: لا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا. أهـ[تفسير ابن كثير 1/ 209]
والأدهى من هذا كله أن بعضهم لا يخجل أن يستدل بقوله تعالى: (إنما جزآء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلو ا أو يصلبو ا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذالك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)
|