نظرات فى بحث الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
نظرات فى بحث الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
صاحب البحث أو المحاضرة أحمد بن حمد الخليلي والمحاضرة عن دور الطبيب فى حياتنا المعاصرة وقد استهل الخليلى محاضرته بالتحدث عن مكانة مهنة الطب فى الإسلام فقال :
"الموضوع الأول هو مكانة مهنة الطب في الإسلام:
مهنة الطب في الإسلام مهنة ذات شأن عظيم وقدر جليل، ذلك لأن الإنسان وهو يضطلع بهذه الأمانة الكبرى، أمانة الخلافة في الأرض، لا بد له من أن يكون وهو في هذه الحياة يحرص على سلامته من أخطارها ؛ على أن حياة الإنسان حياة غير سليمة من الأخطار، وغير صافية من الأكدار..
طبعت على كدر وأنت تريدها................صفوا من الأقذار والأكدار
فالصحة يعتريها السقم، والقوة يعقبها الضعف، والغنى يهدده الفقر، والراحة يلح وراءها التعب، وهكذا شأن الحياة، فلذلك على الإنسان وهو يمخر عباب هذه الحياة أن يحرص قدر مستطاعه على تفادي الأخطار ومعالجة المشكلات وتحدي التحديات حتى يتغلب على مشكلات هذه الحياة.
ومن بين هذه المشكلات التي يغالبها المرء في هذه الحياة مشكلات السقم، ونحن نجد أن الطب ليس هو العلاج فحسب، بل أيضا هو الطب الوقائي، والإسلام جاء بالطب الوقائي، وتشريعاته كلها تصب في هذا المصب عندما تتعلق بهذا الجانب؛ فنجد أن الله تبارك وتعالى منع الإنسان من الإسراف الذي يؤدي به إلى الضرر في جسمه، أي الإسراف في المأكل والمشرب، فقد قال عز من قائل: " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين "، وهذا من الطب الوقائي، لأن الإسراف يؤدي إلى الضرر البالغ، والنبي (ص) يقول: ( ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا محالة فثلث للطعام، وثلث للشراب وثلث للتنفس )، وهذا من الطب الوقائي في الإسلام.
على أن ما حرمه الله سبحانه وتعالى على الإنسان إنما هومن المضار، فكل محرم على الإنسان فيه مضرة، فالميتة والدم ولحم الخنزير كل منها ذو ضرر على الإنسان، فلذلك حرم عليه تعاطيه؛ والخمر أيضا مضارها لا تقف عند حد، ولا يزال الطب الحديث يكتشف مضار الخمر مع ما وقع فيه بعض الأطباء القدامى، ومن بينهم أطباء مسلمون من عثرات فيما يتعلق بجانب الخمر، إذ زعموا اغترارا بما قاله عشاقها من أنها ذات منافع تعود على الجسم، وقالوا من بينها بأنها تصفي الدم، وأنها تنضر الوجه، وأنها تساعد على الهضم، أكتشف بما لا شك فيه أن حقيقة الأمر على خلاف ذلك تماما، فهي سبب للإضرار بالدم والدورة الدموية، وسبب للإضرار بالشرايين، وسبب للإضرار بالكثير الكثير من طبيعة حياة الإنسان، وهي تؤدي أيضا إلى عسر الهضم، وتؤدي أيضا إلى أمراض الكبد، وتؤدي إلى أمراض القلب، وتؤدي إلى غير ذلك من الأمراض. وهذا على أي حال مما يدل على إعجاز كتاب الله، فإن ما يكون من قبل البشر من اجتهاد ونظر لا بد من أن يكون فيه الكثير من الخلل، وهذا واضح جدا وصدق الله: " ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ".
ونجد أن الإسلام الحنيف يحرم أيضا تحريما جازما أن يتناول الإنسان ما يؤدي به إلى قتل نفسه، فلذلك حرمت السموم كما حرم قتل النفس بأي وسيلة من الوسائل، والقرآن الكريم ينص على ذلك عندما يقول عز من قائل: " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا* "؛ والحديث عن النبي (ص)ينص على أن ( من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من شاهق فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تناول سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)، كل ذلك يدل على ضرورة معرفة الإنسان بما يضره، وهذا يعني أن على الإنسان أن يعرف المضار من الأطعمة والأشربة وغيرها مما يتناوله، عليه أن يعرف المضار من كل ما يلج جوفه، ومن كل ما يتناوله للعلاج، سواء كان طعاما أو شرابا أو بطريق الاحتقان، أو بطريق التضميد، فإن ذلك كله مما يجب عليه أن يكون على بينة منه قبل أن يقدم عليه، ولا يمكن لأي أحد أن يكون خبيرا بهذه الأشياء كلها، فمن هنا تبدو ضرورة وجود أطباء مهرة، يعرفون ما يضر وما ينفع ليقوا مجتمعهم المضار من خلال التوعية.
هذا وبجانب هذا أيضا، فإن الإسلام يدعوا إلى الإنقاذ، أي أن ينقذ الإنسان غيره من الهلكة، وحياة الإنسان حياة ذات قيمة عظيمة، ومن أجل هذا كانت حياة الإنسان كحياة الجنس البشري إن أودى بها أحد أو إن أنقذها، فالله سبحانه وتعالى يقول: " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا "، ومعنى هذا أن الطبيب الذي يكون السبب لإحياء نفس بشرية وإنقاذها من الهلكة فهو كمن أحيا الناس جميعا، ولا يمكن لأي أحد أن يقوم بذلك، فإن غير العالم بالشيء قد يفسد من حيث يظن أنه يصلح، وقد يدمر من حيث يحسب أنه يعمر، وقد يقتل وهو يظن أنه يحيي، فإذن الضرورة داعية لمعرفة الطب والعلاج من أجل إنقاذ هذه النفوس التي جعل الله تبارك وتعالى لها هذه الحرمات."
والكلام السابق هو كلام صحيح فالطب يشمل الوقاية والعلاج فدور الأطباء ليس داخل المشافى فقط وإنما لهم دور تعليمى فى تعليم الناس سبل الوقاية من خلال وسائل الاعلام ولهم دور أخر فى رقابة كل ما يدخل الجسم من أغذية ومشروبات وحتى الكساء نفسه وحتى غير هذا قبل استعمال الإنسان له فمثلا لهم دور فى منع المبيدات والرش المتسبب فى فساد الثمار وغيرها ولهم دور فى منع الفلاحين من قطف الثمار قبل نضجها ولهم دور فى منع مرضى الأوبئة من الدخول داخل البلاد لمنع نشر الوباء
والمأخوذ على كلام الرجل هو الاستشهاد بأحاديث لم يقلها النبى(ص) كتعذيب بالسم وخلق جبل له لينتحر من عليه فى النار وهو كلام ليس موجودا فالسم والسلاح كالمسدسات والسكاكين وحبوب المنومات وغيرها لا وجود لها فى الآخرة لأنهم كما قال تعالى " وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم "
والخطأ فى الحديث أن المنتحرين كلهم يدخلون النار وهو ما يخالف أن بعضهم لا يدخلون النار لأن نيته من الإنتحار نية حسنة أو أنه تاب قبل أن يموت ومن تاب تاب الله عليه لقوله تعالى بسورة النساء "ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم "والخطأ الأخر هو أن وسيلة تعذيب قاتل نفسه هى وسيلة قتله لنفسه ولم يرد فى القرآن أى شىء عن هذا ،زد على هذا أن المنتحر بالحبوب المنومة لا يمكن أن يحدث فى النار لعدم وجود النوم فيها لعدم وجود الموت المؤقت أو غيره فيها مصداق لقوله تعالى بسورة الأعلى "ثم لا يموت فيها ولا يحيى "
وتحدث عن أن كل مرض له دواء معروف أو غير معروف فقال :
"وبما أن الإسلام دين الفطرة، كان التجاوب مع متطلبات هذه الفطرة تجاوبا ذا انسجام معها، فهو ينسجم مع الفطرة في كل متطلباتها، ومن أجل هذا جاء الحض على التداوي لأجل أن ينقذ الإنسان نفسه من الهلكة، فالنبي (ص) يقول: ( تداووا عباد الله، فإن الذي خلق الداء خلق الدواء، ولكل داء دواء إلا السام ) أي الموت؛ وهذا من إعجاز النبوة، فالنبي (ص) يخبر أن لكل داء دواء إلا الموت، فإن الموت فريضة على الكل " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " فلا يمكن أن يدفع الموت شيء، ولكن الأمراض على اختلافها خلق الله تبارك وتعالى لها دواء، سواء كان الناس على علم بهذا الدواء أولم يكونوا على علم به، ونحن نرى أن الناس تمر بهم مراحل وهم يكتشفون أمراضا وعلل لا يعرفون لها دواء، إلا أن في طيات مخلوقات الله سبحانه وتعالى أدوية تكتشف ولو بعد حين، فأمراض السرطان مثلا من العسير علاجها، ولكن يكتشف لها دواء بين حين وآخر على اختلاف أنواعها. كذلك الآن من الأمور الشاغلة لبال الكثير من الناس ما يسمى بمرض فقدان المناعة المكتسبة، وهذا المرض لا بد من أن يكون له دواء، والأطباء يسعون لاكتشاف علاجه؛ والحديث يدل على أن كل علة من العلل يصاب بها البشر لا بد من أن يكون لها دواء، فعلى أي حال العلاج مطلوب، والحديث يحض على العلاج، والعلماء وإن حملوا هذا الأمر على الإباحة ،إلا أنه فيما يبدوا ينبغي أن يحمل على الندب وذلك لما في هذا العلاج من نعمة الله تبارك وتعالى على العباد، إذ يتقوى الإنسان على طاعة الله تبارك وتعالى وحسن عبادته عندما يكون صحيح الجسم، والحديث النبوي الشريف يقول: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف )، وهي قرينة تقتضي أن يصرف هذا الأمر إلى الندب على الأقل.
على أن من الفقهاء من قال إنه للوجوب، وهؤلاء كانوا قلة، إلا أنه ينبغي أن يقال أن إهمال الإنسان علاج نفسه إن كان مظنة لأن يفضي به إلى الهلكة، فإن التهلكة ممنوعة في الإسلام، فالله تعالى يقول: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "، فيتأيد هذا القول، وهو القول بوجوب تعاطي العلاج، عندما يكون الإنسان خائفا من الهلكة والنبي (ص) بنفسه تعالج، ومن ضمن علاجه الحجامة التي احتجمها (ص). على أن إهمال العلاج لوكان خيرا لكان أولى به الرسول (ص)، فهو بنفسه عني بالعلاج، وهو بنفسه أيضا حث على العلاج، فكفى ذلك دليلا أيضا على أن العلاج مطلوب."
|