, فعقده مع غير المكافئ قريب الشبه من عقد لا تترتب عليه مقاصده . وذهب الحنفية - في رواية الحسن المختارة للفتوى عندهم - ، واللخمي ، وابن بشير ، وابن فرحون ، وابن سلمون - من المالكية - ، وهو رواية عن أحمد : إلى أن الكفاءة شرط في صحة النكاح.
وقالوا : إذا كانت الكفاءة مطلوبة في القتال ، ففي النكاح أولى .. [ هذا لأن النكاح يعقد للعمر , ويشتمل على أغراض ومقاصد من : الصحبة ، والألفة ، والعشرة ، وتأسيس القرابات , وذلك لا يتم إلا بين الأكفاء , وفي أصل الملك على المرأة نوع ذلة , وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :{ النكاح رق ، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته } ، وإذلال النفس حرام , قال : صلى الله عليه وسلم : { ليس للمؤمن أن يذل نفسه } ، وإنما جوز ما جوز منه ; لأجل الضرورة , وفي استفراش من لا يكافئها زيادة الذل , ولا ضرورة في هذه الزيادة فلهذا اعتبرت الكفاءة ... ].
وقالوا : [ .. إذ الكفاءة وضعت لغرض استمرار العلاقة الزوجية ، فالمرأة بطبيعتها تأبى أن تكون مستفرشة لمن هو أدنى منها ، ذلك لان دناءة الفراش تغيضها ، وتجلب لها ولأوليائها العار ، والمرأة تتعير كذلك إذا كان زوجها أقل شأنا منها ، إضافة إلى ذلك فالولد سوف يتسمى بأسم الاب ]."
وبعد أن بين أن هناك رأيين أولهما لا يعتبر الكفاءة فى الزواج ورأى يعتبرها تحدث عن أمور الكفاءة فى الرأى الثانى فقال :
"المبحث الرابع
في نطاق اعتبار الكفاءة
لقد اختلف الفقهاء فيما يعد من الكفاءة ..
فمذهب الحنفية هو : اعتبارها في أمور ستة هي .. النسب ، الاسلام ، الحرية ، المال ، الديانة ، الحرفة .
ومذهب لشافعية : اعتبارها في .. النسب ، والسلامة من العيوب ، والدين ، والصلاح ، والحرفة ، والحرية .ولم يذكر الكفاءة في المال او اليسار
أما الحنابلة .. فقد وردت عنهم روايتان عن الامام أحمد : أحدهما كالمذهب الشافعي - ماعدا السلامة من العيوب - . والاخرى اعتبرت الكفاءة في : التقوى ، والنسب ، واختلفت فيما عداها .
أما الامام مالك : فلم يعتبر الكفاءة في النسب ، ولا في الصناعة ، ولافي المال أو الغنى ، إنما الكفاءة – عنده - في : التدين ، والتقوى ، والسلامة من العيوب .. وفي الحرية عنه روايتان .. إحداهما تعتبرها ، والأخرى لا .
إن اختلاف أئمة المذاهب حول خصال الكفاءة ، بل واختلاف أئمة المذهب الواحد حول هذه الخصال دليل على أن مايعتبر من الكفاءة هي مسألة نسبية مختلف عليها ، يعود تقديرها الى طبيعة الزمان والمكان .
إن خصال الكفاءة لم يتم تحديدها كما حددت مصارف الزكاة الواردة في آية الزكاة ، وبالتالي كانت مثار خلاف بين الفقهاء ، وتحديد ما يعتبر منها كان مصدره الاساس هو ما تعارف عليه الناس ، ولذا اختلفت احكام الكفاءة باختلاف البقاع والازمان .
وقد أشار بعض الفقهاء إلى هذه الحقيقة بصورة عرضية .. : قال في البدائع : [ فلا يكون الفقير كفئا للغنية ; لأن التفاخر بالمال أكثر من التفاخر بغيره عادة , وخصوصا في زماننا هذا ] . فقوله .. خصوصا في زماننا ، إشارة إلى أنه قد قاس هذا الحكم على عرف زمانه .
وبمناسبة الكلام عن الكفاءة في الحرفة ، أشار إلى رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله ، إلى كونها عرفية ، فقال : [ وأما الحرفة , فقد ذكر الكرخي أن الكفاءة في الحرف والصناعات معتبرة عند أبي يوسف , فلا يكون الحائك كفئا للجوهري والصيرفي , وذكر أن أبا حنيفة بنى الأمر فيها على عادة العرب أن مواليهم يعملون هذه الأعمال لا يقصدون بها الحرف , فلا يعيرون بها , وأجاب أبو يوسف على عادة أهل البلاد أنهم يتخذون ذلك حرفة , فيعيرون بالدنيء من الصنائع , فلا يكون بينهم خلاف في الحقيقة . وكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي اعتبار الكفاءة في الحرفة ].
ففي هذا النص إشارة واضحة إلى أن الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه ، قد بنى الأمر على عرف العرب في ذلك الزمان ، فإذا تغير الزمان .. فلامانع من تغير الحكم مادام الحكم قد بني على العرف ، ومعلوم أنه : [ لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان ] ، وحقيقته أن الزمان لا يتغير ، وإنما أهل الزمان .. وبالتالي عملهم ! .
كذلك نرى الإمام أبا يوسف .. قد بنى الحكم على عادة أهل البلاد .
... وقال ابن الهمام في الفتح (( فاذا ثبت اعتبار الكفاءة بما قدمنا – أي بالادلة المذكورة سابقا- فيمكن ثبوت تفصيلها بعرف الناس فيما يحقرونه ويعيرون به ، فيستأنس بالحديث الضعيف في ذلك ))وقال ان المعتبر في شرف الحرفة ودنائتها هو العرف في كل زمان ومكان ، والمعول عليه في تقارب المهن وتباعدها هو العرف .
ولكونها عرفية ، نراهم اختلفوا في أمور :
1. في ديانة الرجل ..يرى محمد : اعتبارها إلا أن يكون الفاسق مهيبا وذا شوكة بين الناس .
ولم يعتبرها أبو حنيفة مطلقا ، لان الفسق قابل للزوال .
وقال نفس القول أبو يوسف ، إلا اذا كان الفاسق يجهر بفسقه بين الناس ، فإنه لايكون كفئا للصالحة بنت الصالح.
2. الحرفة ..
فقد اعتبرها ابو يوسف ومحمد .ولم يعتبرها ابو حنيفة .وروي عن أبي يوسف .. مثل قول أبي حنيفة ، إلا أن تكون الحرفة فاحشة في الدنو .. كالحجام ، والدباغ ، وسائق الدواب .
3. المال ..
لقد اختلفت الروايات حول معنى الكفاءة في المال .. فمنهم من عنى بها القدرة على دفع المهر ، ومنهم من قصد منها القدرة على دفع النفقة.
4.الحسب ..
فالمروي عن محمد قوله : اعتبارها ، حتى إن الذي يسكر فيخرج فيستهزئ به الصبيان لا يكون كفئا للمرأة الصالحة من أهل البيوتات . وكذلك أعوان الظلمة من يستخف به منهم لا يكون كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات ، إلا أن يكون مهيبا يعظم في الناس .
وعن أبي يوسف قال : الذي يشرب المسكر .. فإن كان يسر ذلك فلا يخرج سكرانا ، كان كفئا , وإن كان يعلن ذلك لم يكن كفئا لامرأة صالحة من أهل البيوتات .
ولم ينقل عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى .. شيء من ذلك , والصحيح عنده أنه غير معتبر، لأن هذا ليس بلازم حتى لا يمكن تركه
وما تقدم يشير إلى أن أحكام الكفاءة قد بنيت على الأعراف السائدة في أزمانهم ، فالامام ابو يوسف لايعتبر أعوان الظلمة كفئا لامرأة صالحة إذا كان يستخف به ، ولكنه يعتبره كفئا إذا كان مهيبا في أعين الناس ، أي .. أنه جعل المسالة معلقة على ماينظر إليه الناس !! .
ولا نريد التوسع في ذكر الآراء في هذه المسألة الخلافية ، وإنما قصدنا فقط الإشارة إلى الاختلاف حول خصالها في الزمن المتقارب بين أئمة مذهب واحد ! ، فما ظنك بتباعد الأماكن ، والأزمان ؟ ! .
ويؤكد هذا الأمر الشيخ محمد أبو زهرة: إذ يعتبر الكفاءة من الامور الخاضعة للعرف ، لان استمرار الحياة الزوجية يستلزم وجود تقارب بين أسرتي الزوج والزوجة ."
وكل ما قيل هو كلام فارغ يقوله الناس المجرمون أو العامة فى الشوارع وليس فقهاء لأنه لا يوجد دليل واحد من الوحى على الكفاءة المزعومة وإنما الأدلة فى القرآن تحرم تلك الكفاءة المزعومة
وتحدث فى المبحث التالى عن العرف وأثره في الوقت الحاضر فقال :
"المبحث الخامس
العرف وأثره في الوقت الحاضر
إن الشريعة الاسلامية قد قررت أن لتغير الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيرا كبيرا في الاحكام الشرعية الاجتهادية ، فالشرع الاسلامي يهدف إلى : إقامة العدل ، وجلب المصالح ، ودرء المفاسد .. ولهذا وجد الكثير من الأحكام التي : تختلف باختلاف الناس وأحوالهم ، وتبدل ظروفهم ومصالحهم ، فالشارع إن وضع حكما واحدا لما يمكن أن يتغير ، فإن كثيرا من الناس سيصاب بكثير من الجهد والعسر ، وهذا يؤدي الى خلاف ما يقصده الاسلام الذي بنى أحكامه على مصالح العباد ، لذا نجد المشرع قد وضع أحكاما مطلقة عن البيان والتفصيل ، يمكن تطبيقها بمراعاة الظروف والأحوال ، وقد تتغير تبعا لذلك ، وبالتالي يبقى الفقه الاسلامي صالحا لكل زمان ومكان .. فلولا الأحكام القابلة للإجتهاد لما صحت هذه المقولة ! .
ولذا أفتى الفقهاء المتأخرون - من شتى المذاهب الفقهية - في كثير من المسائل ، مخالفين ما أفتى به أئمة مذاهبهم ، أو فقهائهم السابقين ، وصرح هؤلاء المتأخرون بأن سبب اختلاف فتواهم عمن سبقهم ، هو اختلاف الزمان .. لا غير ، فهم ليسوا في الحقيقة مخالفين للسابقين من فقهاء مذاهبهم ، بل لو وجد الائمة السابقون في عصر المتأخرين ، ورأوا الاختلاف في الأعراف ، والطبائع ، والحاجات ، بل واختلاف الوسائل .. لعدلوا الى ما قاله المتأخرون.
لقد كان الاحناف أكثر المذاهب توسعا في الأخذ بالعرف ،
|