قراءة في كتاب البيان لمعنى استيئاس الرسل (ص)
قراءة في كتاب البيان لمعنى استيئاس الرسل (ص)
المؤلف علي بن محمد بن سعيد الشهراني وهو يدور حول تفسير الآية التى يسمونها يأس الرسل(ص)وفى سبب تأليف البحث قال :
"وقد استوقفني في هذا الكتاب العظيم آية كريمة، ربما أشكلت على بعض الناس، هي قول الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}
والحديث عن معنى هذه الآية وتفسيرها يحتاج إلى تروٍّ وأناة، وفهم لكلام العلماء، خصوصاً وقد حصل الخلاف بين المفسرين في تفسيرها، بين من يرى أن استيئاس الرسل (ص) كان من إيمان قومهم، ومن يرى أن استيئاسهم كان من أن يعذب قومهم، ثم اختلافهم تبعاً لذلك في المراد من قول الله عز وجل: "وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا " على أقوال، سيأتي ذكرها - إن شاء الله تعالى-."
وبين أن الآية متعلقة بها مسائل عقيدية فقال :
"وليس المراد في هذا البحث سرد أقوال المفسرين في هذه الآية، أو الاستدراك عليهم، معاذ الله، ولكني رأيت الحاجة قائمة لبيان بعض المسائل العقدية المتعلقة بهذه الآية، ومن ذلك الرد على ما قد يتوهمه بعض الناس من مخالفتها لعصمة الرسل (ص)، بل إن بعضهم قد يجعلها حجة بجوزون بها المعصية على الأنبياء بمختلف صورها - والعياذ بالله -، وما قد يراه آخرون من أن بعض ما ورد من أهل العلم في تفسيرها يتضمن وصف الرسل (ص) لسوء الظن بربهم، وهذا يقدح في آحاد المؤمنين، فضلاً عن الأنبياء والمرسلين.
ولا يخفى ما يستحقه بحث هذه المسائل المتعلقة بالركن الرابع من أركان الإيمان، والأصل العظيم من أصول الدين "الإيمان بالرسل (ص)" من اهتمام وجهد، خصوصاً وأني لم أجد أحداً - حسب علمي بعد البحث والاطلاع - خصَّ هذا الموضوع بكتابة مستقلة، وإنما هي إشارات في بطون الكتب.
لهذا وغيره كانت الرغبة قوية في كتابة هذا البحث الموجز، الذي أرجو أن أسهم فيه بجهد المقل في الإشارة إلى أقوال أهل العلم المفسِّرة لمعنى استيئاس الرسل الوارد في هذه الآية، والقراءات المذكورة فيها، وبيان أنها مع اختلاف لفظها ومعناها، لا تتصادم ولا تتناقض، واختلافها - والله أعلم - هو من باب اختلاف التنوع، لا من باب اختلاف القضاء، مع التركيز على ما يتعلق بالعقيدة، وخصوصاً في باب عصمة الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، والتأكيد على أن ما ورد في هذه الآية لا ينقي ما تقرر من عصمتهم، أو ينسب إليهم مالا يليق بهم، ووسمته بـ: "البيان لمعنى استيئاس الرسل (ص)" "
وفى مستهل البحث تحدث عن المعنى اللغوى للكلمة فقال :
"معنى الاستيئاس
قال ابن فارس: ("يأس" الياء والهمزة والسين، كلمتان: إحداهما اليأس: قطع الرجاء، ويقال إنه ليست ياء في صدر كلمة بعدها همزة إلا هذه، يقال منه: يئس، ييأس، وييئس، على يفعَل، ويفعِل.
والكلمة الأخرى: ألم تيأس، أي ألم تعلم، وقالوا في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا} ، أي: أفلم يعلم، وأنشدوا:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم .
واليأس: القنوط، والمصدر: اليأس، والياسة، واليأَس، وقد استيأس، وأيأسته، وإنه ليائس ويئس ويؤوس ويَؤُس، والجمع يؤوس وآيسه فلان من كذا فاستيأس منه، بمعنى أيس، واتأس أيضاً، وهو افتعل، فأدغم مثل اتَّعد .
قال الراغب الأصفهاني: (اليأس: انتفاء الطمع، يقال: يئس واستيأس، مثل عجب واستعجب، وسخر واستسخر، قال تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} ، وقال: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} ، وقال: {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ} ، وقال: {إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} ، وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا} ، قيل معناه: أفلم يعلموا، ولم يرد في كلامهم أن اليأس موضوع للعلم، وإنما قصد أن يأس الذين آمنوا من ذلك يقتضي أن يحصل بعد العلم بانتفاء ذلك)
ويقال: يئست المرأة، إذا عقمت، فهي يائس، كما يقال حائض وطامث، فإن لم يذكر الموصوف قلت يائسة
وهناك من اللغويين من يرى أن "يأس" لغة في "يئست"، ويجعل مصدرها واحداً قال ابن السكيت: (أيست منه آيس يأسا، لغة في يئست منه أيأس يأسا، ومصدرهما واحد، وآيسني منه فلان، مثل أيأسني، وكذلك التأييس)
وبعضهم يقول هو مقلوب من يئس، وليس بلغة فيه
قال ابن فارس: ("أيس" الهمزة والياء والسين ليس أصلاً يقاس عليه، ولم يأت فيه إلا كلمتان ما أحسبهما من كلام العرب، وقد ذكرناهما لذكر الخليل إياهما، قال الخليل: أيس كلمة قد أميتت، غير أن العرب تقول: ائت به من حيث أيس وليس، لم يستعمل أيس إلا في هذه فقط، وإنما معناها كمعنى حيث هو في حال الكينونة والوجد والجدة، وقال: إن ليس معناها لا أيس، أي لا وجد.
والكلمة الأخرى قول الخليل إن التأييس الاستقلال، يقال ما أيسنا فلانا، أي ما استقللنا منه خيرا ... ) .
وقرأ ابن كثير: "استايسوا"، "ولاتايسوا"، "إنه لا يايس"، "أفلم يايس"، بألف من غير همز على القلب، قدمت الهمزة وأخرت الياء، ثم قلبت الهمزة ألفا؛ لأنها ساكنة قبلها فتحة، والأصل قراءة الجماعة .
والاستيئاس استفعال من اليأس، والاستفعال يقع على وجوه، منها: أن يكون لطلب الفعل من الغير، فالاستخراج والاستفهام والاستعلام يكون في الأفعال المتعدية، يقال: استخرجت المال من غيري، ولا يصلح هذا أن يكون معنى الاستيئاس، فإن أحداً لا يطلب اليأس ويستدعيه، ولأن استيأس فعل لازم لا متعدي.
ويكون أيضاً للاستفعال لصيرورة المستفعل على صفة غيره، وهذا في الأفعال اللازمة، كقولهم: استحجر الطين، أي صار كالحجر وأخيراً نقل عن بعض أهل اللغة أن الاستيئاس هو الاقتراب من اليأس بظهور آثاره لمكان هيئة الاستفعال، وهو مما يُعد يأساً عرفاً، وليس باليأس القاطع حقيقة ."
وتحدث عن تفسير اليأس في الآية فقال :
"هذا عن معنى اليأس والاستيئاس في اللغة، فما معنى استيأس الرسل (ص) الوارد في الآية؟ وما المراد بقوله عز وجل بعد ذكر هذا الاستيئاس "وظنُّوا أنهم قد كذبوا"؟ وممن وقع هذا الظن؟ كل هذا سيتبين لنا في المبحث التالي - بإذن الله-. أقوال أهل العلم في المراد باستيئاس الرسل - عليهم الصلاة والسلام-
قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} .
اختلف المفسرون فيما تعلقت به الغاية من قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} بعد اتفاقهم على أنه محذوف، فقيل: التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً فدعوا قومهم فكذبوهم، وصبروا، وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم، حتى إذا استيأس الرسل ... الخ، وقال بعضهم: التقدير وما أرسلنا من قبل إلا رجالاً فتراخى النصر عنهم حتى إذا استيأس الرسل ... الخ، وقبل: التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً ثم لم نعاقب أممهم حتى إذا استيأس الرسل ... الخ، وقبل إن التقدير: لا يغرنهم تماديهم فيما هم فيه من الدعة والرخاء، فإن من قبلهم قد أمهلوا حتى يئس الرسل من النصر عليهم في الدنيا، أو من إيمانهم لانهماكهم في الكفر، وتماديهم في الطغيان من غير وازع .
وقد أطال المفسرون وأهل العلم في الحديث حول هذه الآية، وتكلموا في تفسيرها بما فيه مقنع وغناء عن أن يوضح بغير لفظهم."
قطعا الحديث ليس عن تراخى النصر في الآية وإنما المعنى قنوط الرسل(ص) ممن إيمان أقوامهم على حد قوله تعالى :
" إنه لم يؤمن من قومك إلا من قد آمن وما آمن معه إلا قليل "
وتحدث عن اختلاف القراءات في الآية فقال :
|