آيات في القرآن من تأليف محمد ص؟ (النبي يخترع عبارة: كن فيكون" دون أن يفطن لخطئه)
الأندلس الصغيرة؛ طنجة بتاريخ: عشرين يوليو سنة: 2024م
كثير من آيات القرآن من تأليف محمد ص كما يزعم أحمد القبانجي وغيره من حباحب الفكر وجعلان المعرفة، يأتي بآيات بنفس العبارات فيقول عنها أنها وُظفت في المضارع والأصل أن توظف في الماضي وهذا برأيه خطأ في التعبير وتدليس من رسول الله ص على الناس، يثبت الحيلة من رسول الله ص على الناس في نسبة القرآن إلى الله حتى يتبعوه، يردد مقولة المستشرقين، فمعذرة لك يا رسول الله فانا أردد قول هذا الجاهل لأثبت جهله وأضحد سفهه بالقرآن وبلغة القرآن.
في القرآن الكريم آيات وردت فيها عبارة كن فيكون وهي ثمان آيات، أسوق منها ثلاثا للمناقشة، وأركز على التي استشهد بها هذا الشيعي المتحربئ ليدلل على أنها من وضع محمد ص واختراعه، وأنه لم يحسن وضع الآيات في محلها، ولم يتقن النظم مراعاة لقواعد اللغة العربية ونحوها وصرفها واشتقاقها وكأن محمدا ص ليس حجة في اللغة العربية واللسان العربي.
من الآيات التي تتحدث عن الأحداث المستقبلية آية من سورة آل عمران وهي قوله تعالى: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٤٧﴾، يفهم من الآية أن المضارع في قوله تعالى: "فيكون" دل على أن عيسى لم يخلق بعد، وعليه فالتعبير سليم لأن المضارع للحاضر والمستقبل.
وأسوق آية أخرى تشبهها في معنى المضارع في الأنعام: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ٧٣﴾، هذه الآية بالمضارع تدل على أن كلمة فيكون لها معنى لأنها للمستقبل، وهناك آيات أخرى في مريم ويس وغافر في نفس الموضوع، أي تتحدث في المضارع عن أحداث لم تقع بعد، فهي واقعة في المستقبل، أو هي في علم الله تعالى إذا أراد لها الوجود وجدت، وكل هذا في المستقبل إلا آية واحدة هي موضوعنا في آل عمران وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٥٩﴾، يقف هذا الأعجمي المتلون على هذه الآية فيقول أنها تتحدث عن خلق آدم، وآدم في الماضي، والله فيها يشبِّه خلق عيسى بخلق آدم، فيجب أن يأتي بالماضي، أي يقول: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كن فكان" وليس "كن فيكون"، لأن آدم سابق على عيسى، وقد مضى من آلاف السنين وهنا وقع النبي محمد ص في الخطأ الفادح اكتشفه هذا الأعجمي وغفل عنه الوليد بن المغيرة وأبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وغيرهم ممن ناصبوا العداء لرسول الله ص وسعوا إلى إبطال دعوته وهم فصحاء العرب وأرباب البيان يعربون بالسليقة ولا يلحنون فتحداهم القرآن من نفس ما يتقنون ويتفوقون به فعجزوا إلا ما كان من هذا العبقري والنابغة، لنرى.
بدأ جل وعلا قوله بالاستئناف يمهد به لذكر المحاججة، يمهد به لشيء ما، وقد علمنا في التاريخ المحقق أن وفد نجران من النصارى جاءوا النبي ليحاججوه في عيسى فرد عليهم القرآن: "إن مثل عيسى عند الله" يشبِّه حالة عيسى وحالة آدم في الخلق، فكانت الحالة واحدة، ليس من جهة أن آدم لم يأت من نطفة ويتكون في بطن أمه علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم لحما ثم خلقا آخر، لا، فآدم ليس نسلا، بل هو أب النسل البشري وأصل الإنسانية، فالحال التي لآدم أنه من تراب، وعيسى نفسه من تراب وإن لم يكن من نطفة مثل آدم، يشتركان في انعدام الأب، فالحال التي أراد الله إظهارها لنا وإبداءها للدلالة على قدرته ليست في الشبه بين حال آدم وحال عيسى، بل في قدرته المطلقة في الماضي والحاضر والمستقبل، وللعلم فإن ربنا لا زمن له، نحن نتحدث بما نفهم لكي نُفهم غيرنا ممن يستمعون إلينا، فكلمة "عند الله" "إن مثل عيسى عند الله" في الآية ظرف يتعلق بمحذوف حال وهو: "كمثل آدم" أي أن الحديث عن الحال، وجملة: "خلقه من تراب" جملة مفسِّرة للشبه بين عيسى وآدم لا محل لها، أي أنها جملة لا محل لها من الإعراب، وهذا النوع من الجمل معروف عند علماء النحو، ودارسي الصرف والاشتقاق والبلاغة العربية، فهي جمل تكون ابتدائية وتكون صلة الموصول وتكون جواب الشرط وجواب القسم إلخ، ثم يأتي قوله تعالى: "ثم قال له كن فيكون" فعند القبانجي أن آدم قد كان، أي قد خُلق، فهو ماض، فكان الأصل والصواب أن يقول الله كن فكان، لأنه قد كان، فليس هو مخلوق للتو أو في المستقبل.
إذا تناولنا قوله تعالى: "خلقه من تراب" نجد آدم مخلوقا، وإذا تناولنا قوله تعالى: "ثم قال له كن فيكون" نجد فعل كن مسبوقا بحرف ثم، وهو للتعقيب مع التراخي، أي هناك زمن بين الخلق وقوله تعالى" كن فيكون" وبالنظر إلى الجملتين يتبين أن الله تعالى قد خلق آدم من تراب فوُجد، ثم قال له كن فيكون، فكلمة كن أمر جاء بعد خلق آدم، وهو ماض للكينونة، أي أن أمر الله تعالى سابق ليكون، فالماضي هو علم الله وإرادته الخلق، فتكون كلمةكن في الأمر تفيد الإظهار لما هو سابق، وهذا السابق أين هو؟ إنه في علم الله تعالى، ونحن لا نعلمه حتى يظهر لنا، أو نُخبَر به، وننبئ عنه، وتأتي كلمة فيكون مباشرة في المضارع فيكون الأمر سابق على المضارع، فالمضارع للحاضر والمستقبل، والأمر للحاضر والمستقبل أيضا إلا أن الأمر سابق على المضارع، لأنه في علم الله تعالى كما هو عندنا في سرنا قبل أن نأمر به، فنيتك لمن ستأمره بالقيام بالفعل ماض معنوي أو هو في علمك وإرادتك، والمأمور لا يفعله إلا بعد فترة معينة، ثانية، دقيقة يوما أو شهرا، المهم أن الاستجابة للأمر تأتي لاحقا من المأمور، ولكنها في حق الله تعالى ليست كذلك، فالله سبحانه وتعالى كما قلنا كلامه لا يخضع للزمان والمكان، وإرادته غالبة وقاهرة، فتكون كلمة كن، لشيئ لا نعلمه، يعلمه هو جل وعلا، اقرأوا قوله تعالى في يس: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82 ))) له الأمر المطلق، وله الإرادة المطلقة، والأمر والإرادة غيب عنا لا يُعلمان إلا بعد الخروج للوجود، إلا بعد الكينونة، فيكون كن لأي أمر في علم الله تعالى لا بد أن يظهر، فهو معلوم عنده، ويكون فيكون دليل الاستدامة في الخلق، وعليه فمعناه أن الله تعالى يخلق في الحاضر والمستقبل، وصفة الخلق ملازمة له جل وعلا لا تقف عند آدم ولا عند عيسى ولا عند أي شيء، فالخلق من صفات الله تعالى من الشيئ ومن اللاشيء، فقد خلق الحية من العصا لموسى وكانت حية بيولوجية، والعصا جماد لا يمكن أن يتركب منها خلق وتأتي منها حياة، ومع ذلك جاء منها الخلق والحياة ولا أقول التركيب، لا أقول ذلك لجهلي، فالمعجزة لا مجال للعقل في أن يفهمها، وخلق الناقة من الصخرة غاية الغرابة إذ لا تركيب من شيئ ولا صلة بين جماد وخلق بيولوجي، والأعظم في رأيي والله أعلم هو خلق الكون من عدم، حتى إن علماء الفيزياء حاروا في مادة الخلق الأولى فقالوا الجسيمات أي هناك جسيم أولي، وقال منهم أن الكون قد جاء من العدم ولكن ليس العدم المطلق، بل جاء من شيئ قبله، وقالوا أن الجسيمات قبل الذرات وقبل الجزيئات، المهم أن مجيئ الكون من عدم مطلق شيئ مبهر وغريب وغاية في كمال القدرة، فيكون الله تعالى له حالات للخلق متنوعة غير محدودة لا تقتصر على خلق دون آخر سواء كان الخلق من عدم، أو كان مركبا، وما بين أيدينا مما نناقش خلق مركب، فآدم مركب؛ مادته التراب، وعيسى مركب مادته أمه، أي خلق بيولوجي إلا أنه جاء من غير أب، من غير نطفة، فيكون التعبير الصحيح هو قوله تعالى: ((كن فيكون)) فلو كان التعبير كما يقول هذا الزنديق كن فكان لفهم منها فعل الخلق في حال لم يشمل جميع الأحوال، ولم يسْر على الحاضر ويستمر في المستقبل، وربنا مطلق القدرة على الخلق في جميع الحالات، بل وبغير الحالات، فالخلق صفة له جل وعلا يستحيل حصرها في الماضي والحاضر والمستقبل، هي صفة للخلق في الزمان وخارح الزمان، فأي حماقة من هؤلاء الأعجميين الجهلة حين يتناولون كلام الله فيخرجون بفهمهم عن الإسلام ويُضلون معهم شريحة من السطحيين خصوصا من لا علم لهم بلغة القرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد محمد البقاش
مجمع البحرين طنجة بتاريخ: عشرين يوليو سنة: 2024م
|