أقدم موقع أثري
في الزاوية الجنوبية الشرقية من منطقة الأناضول في تركيا تقع كوبيكلي تبه، وهي مجمع محير من الآثار التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وأعمدة من الحجر الجيري التي يعتقد أن عمرها حوالي 11000 سنة أي 6500 سنة أكثر قدما من الهرم الأكبر في الجيزة. وقد دعي الموقع اقدم نصب تذكاري في العالم وأول معبد للبشرية، و قد يصبح قريبا منطقة جاذبة للسياح. ووفقا لإعلان جديد سوف يتلقى أكثر من 15 مليون $ للمساعدة في تمويل الحفريات وبناء مركزللزوار.
تقع كوبيكلي تبه على قمة تلة تبعد 30 ميلا من الحدود التركية السورية، (الاسم بالتركي يعني "تلة الكرش") ويتكون من عدة عشرات من الأعمدة على شكل t منحوتة من الحجر الجيري ورتبت في دوائر تشبه آثار العصر الحجري في انجلترا. يبلغ أكبر الكتل أكثر من 16 قدما، ومعظمها زينت بنقوش مخلوقات مخيفة مثل الثعابين والعناكب والعقارب والأسود. ويعتقد علماء الآثار أن مزارعي العصر الحجري الحديث أقاموا النصب على مرحلتين بين الألف العاشر والألف التاسع ق.م، وكانت النتيجة مشروع أقدم بناء معروف للإنسانية وتحفة معمارية بناها شعب لم يكن قد تمكن بعد من اكتشاف الفخار أو ا الأدوات المعدنية.
جرى مسح كوبيكلي تبه لأول مرة في عام 1963 قام به عالم الآثار بيتر بنديكت من جامعة شيكاغو الذي اعتقد خطأ أن أكوام التراب، والأعمدة الحجرية هي جزء من مقبرة تعود للعصر البيزنطي. ثم ظلت بعيدة عن الاهتمام حتى عام 1994، عندما قال عالم الآثار الألماني كلاوس شميت أنها نصب ذي أهمية كبيرة يعود لعصور ما قبل التاريخ. وقال "بعد دقيقة واحدة من رؤيتها لأول مرة، كنت اعلم ان أمامي خيارين ،الابتعاد دون إخبار أحد ، أو قضاء بقية حياتي في العمل هنا." بدأ شميدت أعمال التنقيب في كوبيكلي تبه منتصف التسعينيات وبقي حتى وفاته عام 2014. وخلال ذلك الوقت، كشف فريقه العشرات من أعمدة من الحجر الجيري المنحوتة مرتبة في دوائر عديدة مختلفة. كما وجدوا أدلة على أن الأساسات قد بنيت واحدا فوق الآخر على مدى عدة قرون قبل أن تدفن ويتم التخلى عنها في وقت ما حوالي 8200 قبل الميلاد
أوحى تاريخ كوبيكلي تبه القديم جدا والهندسة المعمارية غير العادية بتكهنات جامحة، حتى زعم البعض أنها جنة عدن التوراتية ، ولكن شميت يعتقد أن المجمع كان عبارة عن نوع من الكاتدرائية الدينية أو ملاذا للصيادين في عصور ما قبل التاريخ. وعلى الرغم من الحفر لسنوات عديدة، لم يجد فريقه أية مواقد نار، ولا أكوام قمامة أو مساكن تشير إلى أن الموقع كان محل سكن دائم. بدلا من ذلك، اكتشفوا أدلة على ولائم شعائرية وأحواض حجرية كبيرة ربما كانت لحفظ البيرة أو المياه. ووجد الباحثون أيضا أن بعض الأعمدة نحت عليها أذرع ويدين وأصابع بشرية، مما قد يشير إلى أن كوبيكلي تبه كان مكان تجمع أو موقع لعبادة الأسلاف أو الآلهة الشبيهة بالبشر. وقال شميت مرة لنيوزويك "أنت لا تنقل أحجارا وزنها 10 طن من دون سبب".
يشكل استخدام كوبيكلي تبه المحتمل كموقع ديني عقدا ضخمة لعلم الآثار. فالجدول الزمني التقليدي للتاريخ البشري يقول أن اكتشاف زراعة الحبوب أدى إلى "ثورة العصر الحجري الحديث " المفاجئة التي وضعت حدا للعصر البدائي وقادت إلى نظم اجتماعية معقدة، ومستوطنات ثابتة وظهور الدين المنظم. ولكن يبدو أن العمارة المتقنة في كوبيكلي تبه تظهر أن صيادي العصر البدائي كانوا قادرين على العمل معا في مشاريع بناء ضخمة. بل أن شميت يعتقد أن الرغبة في بناء الهيكل ربما كانت السبب في البدء في العيش في مجموعات أكبر وتطوير الزراعة وتدجين الحيوانات.
لا يتفق جميع العلماء مع نظريات شميدت. والبعض اقترح أن بوادر الاستقرار في العصر الحجري الحديث قد لا تزال كامنة في مكان ما حول كوبيكلي تبه، ويقول عالم الانثروبولوجيا الكندي بانينغ بأن بناة الموقع ليسوا صيادين ولكن مستوطنين استخدموا الأنقاض منازلا. كما لا يزال العلماء في حيرة حول جوانب أخرى للموقع، بما في ذلك الطريقة التي استخدمها البناة القدماء لنقل الأعمدة العملاقة إلى قمة التلة. وقال عالم الآثار لي كلير لإن بي آر في عام 2014،"ربما استخدموا بكرات، وذلك باستخدام قطعا خشبية، لكننا بصراحة لا نعرف كيف كانوا يفعلون ذلك."
استمر البحث عن إجابات بعد وفاة شميدت، ولكن المساحة العظمى من كوبيكلي تبه لا تزال غير منقب عنها. ويبين الرادار المخترق للأرض والمسوحات المغناطيسية الأرضية أن أكثر من اثني عشر دائرة حجرية لم يتم الكشف عنها حتى الآن ، وهناك أدلة على أن الأنقاض قد تغطي أكثر من 22 فدانا.
كوبيكلي تبه لا تزال غير معروفة على نطاق واسع خارج الدوائر الأثرية، ولكن ذلك قد يتغير قريبا بفضل تدفق السيولة جنبا إلى جنب مع بناء مركز أحدث وأكبر للزوار. وتخطط المجموعة لإقامة الستائر على مواقع الحفر وبناء سياج وممرات لحماية الآثار القديمة وجعلها في متناول السياح. "تعاوننا ثمين جدا". ومزيد من الاكتشافات قد يلقي الضوء على حقائق جديدة تغير النظريات الموجودة.
|