انسحابات عسكرية يذكرها التاريخ
نادرا ما ينظر إلى الانسحاب كشيء جيد، ولكن العديد من الجنرالات ، عندما خلصوا أنفسهم من أوضاع ميؤوس منها ، أنقذوا جيوشهم من الدمار وعاشوا ليقاتلوا في يوم آخر. بل أن البعض حولوا انسحابا تكتيكيا إلى انتصار جزئي. هنا بعضها:
هروب جورج واشنطن من نيويورك
بعد أقل من شهرين على توقيع إعلان الاستقلال في يوليو 1776 ، كان جيش الجنرال جورج واشنطن القاري يكافح من أجل حياته. فقد فشل الوطنيون في كبح هجوم برمائي بريطاني في لونغ آيلاند، وبعد الهزيمة الكارثية في معركة بروكلين، وجد حوالي 9000 أميركي أنفسهم في إيست ريفر. وفي حين قرر الجنرال البريطاني السير وليام هاو محاصرتهم ، أمر واشنطن رجاله بجمع جميع القوارب ذات القاع المسطح التي من العثور عليها. وفيما الأمطار الغزيرة تهطل ليلة 29 أغسطس، بدأ الأسطول الذي تم جمعه بسرعة وبصمت بنقل وحدة بعد وحدة من المحاصرين عبر النهر إلى مانهاتن. وقد استخدم فوج صيادي ماساتشوستس الذين سيروا القوارب خرقا لكبت صوت المجاذيف كما تركت نيران المخيمات مشتعلة لخداع البريطانيين.
ومع شروق الشمس كان لا يزال هناك العديد من الجنود الذين يجب إجلاؤهم ، ولكن لحسن حظ واشنطن، لف الضباب الكثيف المنطقة حاجبا المراحل النهائية من الانسحاب. وعندما أدرك البريطانيون أخيرا ما حدث، كان جميع الجنود ال 9000 قد تسللوا بعيدا مع معظم معداتهم ومدفعيتهم. وقد كتب الضابط بنيامين تلمدج في وقت لاحق: "لا أذكر أن هناك انسحابا أكثر حظا في تاريخ الحروب ".
انسحاب الحلفاء من غاليبولي
في أبريل 1915، شنت القوات البريطانية والفرنسية والاسترالية والنيوزيلندية غزوا برمائيا ضد الإمبراطورية العثمانية عن طريق شبه جزيرة غاليبولي. واجه الإنزال مقاومة شرسة من المدافعين الأتراك في غاليبولي، ولم تتمكن معظم قوات الحلفاء من التقدم أكثر من بضع مئات من الياردات من مرابطهم. وسرعان ما تحولت الحملة إلى حرب خنادق طريقها مسدود. وعندما بدأ الحلفاء في نهاية المطاف عملية الاخلاء في ديسمبر كانون الاول عام 1915، كانت خسائرهم البشرية قد بلغت أكثر من 200000.
كان غزو غاليبولي أحد الأخطاء الفادحة في الحرب العالمية الأولى ، ولكن التراجع كان فكرة عبقرية. فقد نقلت القوات كجزء من عملية متعددة المراحل، بهدوء من الشواطئ تحت أنوف الأتراك. إذ استخدمت خياما ومواقد طبخ إضافية لإعطاء الانطباع بوجود أعداد أكبر، وتركت صناديق المعدات فارغة على الشاطئ لإقناع العدو بأن لا شيء قد تغير. ومع اقتراب نهاية الإخلاء، غطى بعض الجنود فرارهم بما يسمى "أسلحة التنقيط" وهي بنادق مزودة بسلاسل وأثقال ومياه لجعلها تطلق النار تلقائيا. وقد انطلت الحيلة إلى درجة الكمال. وعلى الرغم من التوقعات المبكرة بأن التراجع قد يكلفهم نصف قواتهم، نجا الحلفاء من غاليبولي مع عدد قليل من الإصابات.
معجزة دنكرك
معجزة الحرب العالمية الثانية " دنكيرك" بدأت يوم 27 مايو 1940، عندما تم إجلاء أول دفعة من 38000 جندي من القوات الفرنسية والبلجيكية والبريطانية من الساحل الفرنسي. كان الحلفاء قد تراجعوا إلى البحر قبل بضعة أيام بعد أن فشلوا في منع غزو ألمانيا الخاطف لفرنسا والدول المنخفضة. كانوا محشورين ويواجهون الخطر المحدق، ولكن عندما أوقف أدولف هتلر تقدم دباباته تمكنت قوة المشاة البريطانية من تحصين ميناء دنكرك وبدأت عملية انسحاب محمومة أطلق عليها اسم "عملية دينامو".
وفيما كان سلاح الجو الملكي يتبارز مع سلاح الجو الألماني في السماء ، جمعت الأميرالية البريطانية أسطولا من أكثر من 900 سفينة بحرية وتجارية وعبارات وبواخر وبدأ نقل الجنود الى البر الانجليزي تحت وابل من النيران الكثيف. كذلك شارك عشرات المدنيين في العملية بقوارب الصيد وزوارق النزهة عبر القنال الإنجليزي الملغم. تخوفت بريطانيا في البداية من أنه سيكون من الممكن فقط نقل 45000 رجل على مدى 48 ساعة ، ولكن الأسطول المتنوع أمضى في نهاية المطاف تسعة أيام في تنفيذ أكبر عملية إخلاء بحرية في التاريخ. وكانت خسائر الحلفاء غير زاهية –غرق الكثير من السفن وبقي 40000 رجل أسروا لاحقا ، ولكن الذين نجوا لعبوا في وقت لاحق دورا حاسما في استمرار الحرب ضد ألمانيا النازية.
|