الاستعباد
عندما يقال :عبدت الدولة الطرق، فإنه يعني أنها جعلتها تحت خدمة من يمر فوقها فهي عبدته أو (أمته) أي تحت خدمته .. وقد يكون للون المواد المستخدمة في تعبيد الطرق في أيامنا هذه هو ما يجعل المرء يعتقد أن الاستعباد يقترن باللون الداكن، وهو خطأ كبير جدا، فلم يكن العبيد هم من ذوي البشرة السمراء القاتمة إلا في ذهنية بعض العنصريين، فالاستعباد كان في عهد حمورابي مثلا لأناس من نفس القوم عجزوا عن تسديد ديونهم أو ارتكبوا حماقات جعلت قوانين الدولة تدفعهم الى رتب أدنى هي مرتبة العبيد، وقد كان لهم في القوانين والشرائع حقوقا تختلف عن حقوق الأحرار، ففي شرائع حمورابي نصت إحدى المواد على أنه (من ضرب امرأة وأسقط ما في جوفها، عليه أن يدفع عشرة (شواقل) من الفضة إذا كانت حرة، وخمسة (شواقل) إذا كانت غير حرة. وفي اليونان ودول المدن القديمة كان الاستعباد لأناس من ذوي البشرة البيضاء، وعبيد الدولة الإسلامية في العصور الوسطى كانوا من ذوي البشرة الآسيوية، وكان الناس يتلطفون بتسميتهم فيطلقون عليهم اسم (مماليك) ولكن لخدماتهم الجليلة في الذود عن حياض الدولة، زالت عنهم الصفة المقترنة بالذاكرة كونهم عبيدا ..
وقد يكون الاعتقاد الخاطئ في أن العبد هو (حصرا) لذوي البشرة السمراء آت من أن مَن يُستعبد يُدفع الى منطقة (الظل) فلا صورة واضحة له، ولا قرار ولا صوت له، وهذا ما كان يحدث في ديمقراطية اليونان وروما، وحتى في بعض الديمقراطيات العربية القديمة في اليمن كدولة (كمنهو) ودولة (قتبان) حيث أن العبيد لا صوت لهم ولا حق لهم في المشاركة بالانتخاب .. وفي عصرنا الحديث فقد كان قبل عدة عقود التصويت يقتصر على من يملك سند تسجيل لبيت أو عقار، أما من يستأجر بيتا فلا حق له بالتصويت!
وإن كان العبد لا حق له في قول ما يعتقد، وليس له مكانا بين الأحرار، بعكس السيد الذي يقول ما يعتقد ويجبر العبيد على الإيمان بما يقول، فإننا سنجد أنفسنا أمام حالة غريبة جدا في عصرنا الحاضر، حيث لا نستطيع قول ما نعتقد إلا فيما يريده أسياد آخرون، فإن كان أحدنا ينضبط في قول ما يريده سيده المباشر، فإن السيد المباشر لن يستطيع القول أو التصرف إلا وفق إرادة سيد آخر قد نراه أو نخمن من هو، لكنه بالتالي لن يكون من قومنا لا (لسانا) ولا (لونا) ولا (دينا)، فهل يا ترى أصبحنا أمة عبيد؟
__________________
ابن حوران
|