درس الظواهرى الطب وإنتقل منه إلى السياسة .. فالإرهاب ...
غالبا ما تتمنى الأمهات العربيات، ان ينادين أبناءهن يوما بتعبير «الدكتور»، اذ طالما شكل هذا اللقب العلمي، مؤشرا لا مجال لنكرانه على الترقي في السلم الاجتماعي والوظيفي، بعد ما كان لفترات طويلة حكرا على ابناء الطبقات البرجوازية. وتحظى مهنة الطب في المجتمعات العربية الى جانب الهندسة، بما يسمى بـ«البرستيج الاجتماعي» لارتباطها القديم بالطبقات الميسورة وبنمط حياة راق، ثم لدورها الرمزي في تشكل الطبقات الوسطى وتعزيز دورها، حيث بات افرادها ينافسون ابناء العائلات العريقة في مجالهم الاكثر رسوخا.
ولعل هذه الدلالة الاجتماعية الوثيقة الصلة بمهنة الطبيب شكلت جزءا مهما من الصدمة التي اصابت الراي العام العربي بعد الكشف عن خلية ارهابية من اطباء عرب نجحوا في التغلغل في المنظومة الصحية الرسمية البريطانية للتحضير لعمليات قتل واسعة النطاق.
ومع اختلاف التجارب واهدافها، الا ان نماذج الاطباء الذين مارسوا نشاطات مرتبطة بالعنف تحت تسميات متباينة، من النضال الى التغيير الى الارهاب، يحفل بها التاريخ وان كانت كل من هذه التجارب يختلف عن الآخر، كما انها لا تشبه في شيء جهد تنظيم «القاعدة» في تشكيل خلايا من اطباء عرب او مسلمين. لم تكن صورة «الطبيب الثوري» تثير استغرابا كبيرا لنشوء القسم الاكبر من الحركات السياسية في الطبقات الاجتماعية الميسورة او تلك القادرة على المشاركة في الشأن العام والتي كان قسما كبيرا من ابنائها يتابع تخصصا في الطب في الجامعات المرموقة.
الا ان صورة «الطبيب الارهابي» التي برزت في الآونة الأخيرة مع الكشف عن خلية الاطباء العاملين في المؤسسة الصحية البريطانية الرسمية (ان اتش اس) تختلف في العديد من النواحي، ان كان لتواضع انتماء هؤلاء الاجتماعي، وعدم ارتباط حركتهم بأي من احلام التغيير التي رافقت الشريحة الاولى من الاطباء ولو ان بعض هذه الأحلام والمحاولات انتهى الى شلال دماء. وكانت التحقيقات في الاعتداءات الفاشلة في لندن وغلاسكو باسكتلندا، قد كشفت عن ان سبعة موقوفين من بين ثمانية هم من العاملين في القطاع الصحي ببريطانيا وغالبيتهم من الشرق الأوسط.
وقد وفد هؤلاء حديثا الى بريطانيا للعمل في مؤسساتها الصحية، بعد الحصول على عقود عمل وبشكل شرعي، ولا يحمل احد منهم الجنسية البريطانية.طبيب «القاعدة» الأول: الظواهري ولا يشكل هؤلاء أول الأطباء في شبكة «القاعدة» اذ ان الصورة الأبرز لـ«طبيب القاعدة» جسدها الرجل الثاني في التنظيم والمعاون الرئيسي لزعيم الشبكة الطبيب المصري ايمن الظواهري، وهو جراح مجاز يتحدث بطلاقة الانجليزية والفرنسية الى جانب العربية. والظواهري نشأ في أحضان عائلة معروفة من الطبقة الوسطى الميسورة في منطقة المعادي في ضواحي القاهرة. لعائلته باع طويل في مجال الطب والعلم فوالده محمد الظواهري صيدلاني واستاذ جامعي، كما أن في سجل عائلته عددا كبيرا من الأطباء والأكاديميين المعروفين. ويروى عنه أنه كان طالبا مواظبا شغوفا بالعلم، وانه كان يهوى الشعر وشديد التعلق بوالدته التي تتحدر من عائلة ميسورة لها باع طويل في السياسة.
وقد تميز الظواهري عن بيئته الاجتماعية بتدينه المبكر في حين ان عائلته كانت تميل الى حد ما الى العلمانية، اذ انتسب الى جماعة الإخوان المسلمين عن سن الرابعة عشرة، ثم انتقل في عام 1979 الى تنظيم الجهاد الاسلامي الاكثر راديكالية، حيث بات من قيادييه البارزين.
وقد درس الظواهري السلوك وعلم النفس والصيدلة في جامعة القاهرة، وتخرج منها عام 1974 برتبة جيد جدا، ثم حصل على شهادة الدراسات العليا (ماجستير) في الجراحة.
وكان الظواهري اعتقل بتهمة التورط في عملية اغتيال الرئيس المصري السابق انور السادات، الا ان التحقيق فشل في اثبات أي علاقة له بالاغتيال. وفي الثمانينات، شارك الظواهري في حركة «المجاهدين» الافغان ضد الاحتلال السوفياتي لافغانستان، حيث التقى اسامة بن لادن، وعمل الاثنان تحت قيادة الفلسطيني عبد الله عزام، في ما سمي بـ«مكتب الخدمات».
وكان رجل «القاعدة» الثاني وجه، في رسالة صوتية جديدة، تهديدا بشن هجمات جديدة على بريطانيا. وقال الظواهري في التسجيل مخاطبا رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون «أما خليفة توني بلير، فأقول له ان سياسة سلفك قد جلبت الكوارث في أفغانستان والعراق، بل وفي وسط لندن». واضاف «اذا كنت لم تفهم الدرس فإننا على استعداد أن نكرره لك ان شاء الله، حتى نتأكد انك قد فهمته فهما لا لبس فيه».
|