العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة > دواوين الشعر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الرد على مقولات الباحث عن الحقيقة المنسية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الفروج في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الكرم في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: أشراط الساعة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الشلل في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الخشوع في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: بيان أخطاء مقال خيانة الوعي: حين تحوّل «ٱلنَّبِىّ» إلى «النبي» (آخر رد :رضا البطاوى)       :: موت الموت الرباني (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: الحيلة في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الضيق في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 08-02-2008, 11:48 PM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]البرفيسور بابكر دشين
عميد كلية الدراسات العليا
قسم اللغه العربيه
جامعة امدرمان اتلاسلاميه

يكتب عن
المرحوم الشاعر عبد النبي عبد القادر مرسال


بسم الله الرحمن الرحيم
أراد أن يشعر فغنى
ما كان لي أن اكتب عن شعر الشاعر عبد النبي عبد القادر مرسال في ديوانه المطبوع : " على الطريق " بعد أن كتب عنه أستاذنا الراحل المقيم البروفيسور عبد الله الطيب رحمه الله تعالى رحمة واسعة لولا الرغبة الصادقة لابنه البار ناشر ديوانه سعادة اللواء (م) ناجي عبد النبي عبد القادر ، فها أنا ذا اكتب هذه الكلمة الوجيزة نزولاً على رغبته رغم ضيق الوقت وكثرة الواجبات وفي هذا ما يوحي باعتذاري عما يلاحظه القارئ من استطراد وتشعيث .
وابدأ بشكر الابن الأستاذ ناجي على ثقته فيّ فقد حملتني هذه الثقة على أن أعود إلى الديوان مرة ثانية بعد أن كنت أشرفت على رسالة الماجستير التي أعدها الطالب .
وحاولت أن اقرأ القصائد مترنماً بها أو ملقيا لها إلقاء على الطريقة التي كان يلقي بها الشاعر الشعر في الإذاعة السودانية كما وصفها الأستاذ الإعلامي الأديب الأمين حاج الطيب ؛ فتكشفت لي في ديوانه جوانب تستحق أن تدرس .

واكتفي هنا بالوقوف عند الجوانب الآتية :
الغناء والطرب وما يتصل بهما من الآلات المختلفة كالمزهر الخ
التكرار
الجمل الاعتراضية ـ والمبالغة
وكل هذه الجوانب تحقق لشعره رنيناً وعذوبة
وهو في هذا يشبه الشاعر العباسي أبا عبادة البحتري الذي قال عنه ابن الأثير عبارته المشهورة { أراد أن يشعر فغنى } .
واستعرت هذه العبارة لأصف بها شاعرنا لمشابهته للبحتري في هذا الجانب
من كل ذلك أن البحتري كان ينشد شعره أمام ممدوحيه ويتغنى به فقد روى انه كان إذا انشد القصيدة يتلفت يمنة ويسرة ويأتي بحركات عجيبة في إنشاده فإذا فرغ من القصيدة أعاد أولها ؛ وقد فسر هذه الظاهرة استأذنا المرحوم البروفيسور عبد الله الطيب تفسيراً مبتكراً حيث رأي إن صنيع البحتري هذا دليل على إحساسه بوحدة القصيدة العربية كأنه لما فرغ منها ما فرغ ؛ لان أخرها مثل أولها فلهذا أعاد أولها عند أخرها .
وقد قال أبو العلاء المعري عن البحتري
" وكانت له قدما طاؤوس "
وترجمها مترجمو الموسوعة العربية بقولهم : " قدما ديك "
وهذا لأنها ظهرت في الطبعة الإنجليزية مقطعة هكذا Pea.. .
فلم يتنبهوا إلى الجزء الأول Cock feet pea ووجدوا أمامهم Cocks feet فترجموها ( قدما ديك ) وهي قدما طاؤوس ، والظاهر أن المقصود بعبارة المعري المذكورة إن البحتري كان مزهواً بشعره ويمشى في إنشاده مشية الطاؤوس . وجعل شاعرنا عبد النبي شعره طاؤوساً في قوله عن شعره
الشعر في عيد المحبة يفخر
ويتيه كالطاؤوس زهواً يخطر

هذا هو الشاعر نفسه يتيه كالطاؤوس بشعره أي مثل البحتري كانت له قدما طاؤوس وتقرأ القصيدة لشاعرنا فتجد في خواتمها أصداء فواتحها مثل قصيدته الشاعر يقول في أولها :

انه المجنون لا يدري الشجون

ويقول في أخرها

انه القلب به تحيا الشجون
أي أن الشجون لم تفارق قلبه

ومثل قوله في قصيدة أخرى

نداؤك يا مبسام أوحي لخاطري
أناشيد أضلاع بها قلب شاعر

وأثناء القصيدة تجد أبياتا فيها النداء
مثل

فناد وناد إن ادْني في الدجى
وان نامتا تهوي غناء المزاهر

وسنعلق على هذا البيت عند الحديث عن المزهر ويقول في القصيدة أيضاً :

وناد فبالأضلاع يا بدر مهجة
لكم سمتها يا ويلها خسف جائر

وفي هذه القصيدة ترددت عبارة النداء تم ختمها بها كما بدأها فقال :

فنادِ ونادِ إنما الصبٌّ قلبه
يناديك يا قلب الحبيب المجاور

ومثلها قصيدته عن ديجول بدأها بنداء ديجول :

ماذا تقول خسئت يا ديجول
أتريدها خبزاً وأنت أكول
وختمها بنداء ديجول
ديجول لا ترد المنون فإننا
قوم أباة الضيم يا ديجول

فإذا كان البحتري يترنم بإعادة مطلع قصيدته بعد الفراغ منها فان شاعرنا عبد النبي يترنم بكلمات أو عبارات يختم بها قصيدته مأخوذة من مطلعها فكأنه أعاد المطلع .

ومثل قصيدته سمراء
يقول في مطلعها :

لما سرت بفؤادها الأدواء
ذهب الزمان بحسنها سمراء

ويختم القصيدة بسمراء كما بدأها بها فيقول

ولتمنعوا مثلي بملء قلوبكم
عاشت بأرض جدودها سمراء

وقد تقرأ القصيدة لشاعرنا فتجد فيها أنغام البحتري وأصداء شعره كما في قصيدته الرائية وعنوانها ( في المولد النبوي الشريف )

رقصت على نور ابتسامك عبقر وشدا لمطلعك الحبيب المزهر
وفيها
والبدر إن طلعت مواكب نوره
وإنجاب عن وجه الفلاة العشير

فهذا ينظر إلى قول البحتري :
حتى طلعت بنور وجهك ما نجلت ** تلك الدجى وإنجاب ذاك العثير
وفيها يقول :

وتقيم صرح الحق فابتسم الورى
لما يدعوتك استجاب المنبر

وهذا أيضاً ينظر إلى قول البحتري في القصيدة نفسها :
ولو أن مشتاقاًَ تكلف فوق ما
في وسعه لسعى إليك المنبر
وفي موضوع القصيدتين مشابهة ما ، فالبحتري يمدح المتوكل على الله ويصف موكبه في عيد الفطر . وشاعرنا يتحدث عن المواد النبوي الشريف وهو في السودان عيد أي عيد
وحكتا القصيدتين تتفقان في أنهما من بحر الكامل التام وان حرف روبهما الراء المضمومة في قافية المتدارك ونجد أنفاس البحتري وأصداءه في مثل قول شاعرنا
والشادن الغرد الجميل فديته
من شادن غرد جميل امثل

هذا البيت ترنم محض بهذا التكرار العذب ويقول البحتري :
وكم أذللت من رجل عزيز
وكم أعززت من رجل ذليل
فهذا كما ترى ترنم محض
ومن مظاهر اهتمامه بالغناء والطرب في شعره إكثاره من ذكر آلاته المختلفة مثل المزهر والقيثارة والعود والناي الخ .
وقد ورد لفظ المزهر في شعره كثيراً مثل قوله

يا أيها البلد الحبيب تحية
اشدي بها يوم اللقاء المزهر

ومثل قوله

فأتيت للإخوان احمل مزهري
وبعثت من فيه القوافي شردا

ويقول في
تعزيت بالنجوى وصيحت مزهري
أناديك كي ألقاك بين الازاهر

يصطحب الشاعر دائماً مزهره لأنه حبيب إليه كما قال :

رقصت على نور ابتسامتك عبقر
وشداء لمطلعك الحبيب المزهر

يقول وليت به مثل الــــ تجاوبت
مع الغير في تلك المجالي مزاهره

استخدم الشاعر هنا حرف التمني ليت من غير نون الوقاية مع يا المتكلم فقال ليت وهذا نادر والكثير الفاشي أن قول ـــــ ليتني بنون الوقاية قال ابن مالك . وليتني قشا وليتني نورا
وهذا يدل على إطلاع الشاعر على كتب النحو ويقوي هذا خلو ديوانه من اللحن .
وبلغ من حب الشاعر لمزهره الحبيب وولعه به انه يهوى أبناءه وهو نائم
فناد وناد إن ادنّى في الدجى
وان نامتا تهوى غناء المزاهر
ونقف هنا عند نوم الأذنين لان النوم للعينين لكن الشاعر خلع على الأذنين وظيفة العينين كما فعل عكس ذلك حيث خلع على العينين وظيفة السمع الذي للأذنين في قوله

عيناك عيناك اللتان اراهما ** تتغنيان باعذب الأنغام

وورود هذا في معرض الطرب يشير إلى أن الطرب امتزج بروح الشاعر فصار يطرب بعينيه وينام بأذنيه هو يطرب للغناء وهو نائم بل إن الغناء شيء امتزج بالروح فصار آلته الروح لا الناي والعود يقول في ص 142
كل يغنيك لو أقبلت بشعره
بالروح .. بالروح لا بالناي والعود
ويقول

ماذا تقول لمزهري وغنائه
أما أتاك مبايعاً بولائه

فالشاعر هو المزهر الذي يبايع . وألحان المزهر تخلد صاحبها
ما مات من عزفت مزاهر أيكه لحناً تطيب به القلوب وتطرب
كأنه يريد أن شعره يخلده بأنغامه المطربة وتقف عند اقتران اللحن والمزهر بالموت ففي قصيدة الشهيد تقرأ قوله :

وفراش ألحان في حلل الأنوار تهفو على زهور نجاده وتغني الطيور مزهرة الهيمان بالحب والهوى لسعادة :

فاسمعوا لحن الجميل وقولوا
يا نجاة العرين من أساده
إن قبر الشهيد أرحب دنيا
من حياة الكريم واستعباده

عد أيها القارئ لباقي القصيدة فستجد فيها غناء وطرباً وفرحاً مثل قوله فيها
وتمل الجمال في فرش الفردوس والحسن في وثير وساده
والملاك الطيور من رتل الرحمن يتلو عليه سفر جهاده
فكان الشاعر هنا يصف عرساً فهل هذه نبوءة شاعر تنبأ بعرس الشهيد قبل أن يصبح واقعاً في سوداننا الحبيب
ومن الآلات التي ذكرها كثيراً القيثارة كما في قوله ص 5 :
غناك ميمان بالأشعار قيثاري
فاطرب لك الله فالأشعار أشعاري


وقوله :
فأقبلت بالقيثارة أشدو وركبه
على الطائر الميمون يمشى إلى البشر
وقد يرسل قيثاره انغاماً حزينة مثل مزهره يقول

وصبحت قيثاري وفي القلب مأتم
لما حاق بالأفراح ياسر بالوكر

وعلى ذكر الفعل صيح نشير إلى أننا سنذكر شيئاً عنه أخر هذه الكلمة أن شاء الله تعالى .
لشاعرنا ولع بالتكرار
وقد تعجبه عبارة فيكررها مترنماً بها مثل عبارة : يا صاح أو صاح في قصيدته بين عهدين بدأها بقوله

صاح ما بي وأنت تعلم ما بي
لو تغنيت بالهوى والشباب

هذا تكرار ترنمي محض ويقول فيها :

أنا يا صاح والحياة خداع
في خداع وحسنها كالسراب
فلتكن في الأنام يا صاح سيفاً
وإذا أهمت فكلهم بالرقاب

ويبلغ الشاعر في هذه القصيدة غاية انفعاله فيكرر عبارته بهذه الطريقة
إيه صاح ... وقلتها إيه صاح
من فؤاد من الأسى في اضطراب
لعله يلتمس بتكرارها راحة لفؤاده الحزين المضطرب . ومن هذا تكراره لعبارة ( يا سدرة الملتقى ) في قصيدته التي جعل عنوانها ( يا سدرة الملتقى ) حيث يقول

يا سدرة الملتقى بالشط هل ذكرت
في روضك الورق من أمسى بغير دد
وفيها يقول
يا سدرة الملتقى بالشط ما انصرفت
عن صبوتي فيك أمالي ولم تحد
ارتاح الشاعر في غربته في مصر والام العربية بتكرار هذه العبارة ذاكراً بها ملتقى النيلين وهذه السدرة بالشط التي يبصرها بقلبه منصرفاً عما حوله بمصر :
بصرت ما العين لم تبصر إذا نظرت
في مصر في جنة الدنيا ولم تجد
أقسمت بالحب يا دنياي ما برحت
تهواك رغم النوى نفس إلى الأبد
واستوقفني في هذه القصيدة قوله :
لا اكذب الله أني رغم ما زعموا
ما رمت إلاك في الدنيا ولم أرد
فهل الم بالشاعر في مصر ما الم بالشاعر محمد سعيد العباسي فقال :
لا اكذب الله كم جرعت من غصص
من بعضهم ولكم ذقنا بهم الماً
لاتفاق العبارتين عند الشاعرين في معرض الشكرى
( لا اكذب الله )
يدلك على هذا قوله

[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-02-2008, 11:50 PM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]ولكن مصرا وما شان مصر ** بمن قيد الحــــــــر في مصره
تريد لنا ما يريد الطــــــــــغاة ** بشيخ ذوي الغصن من عمره
كلا الشاعرين عاشا في مصر وحبهما صادق لكنهما سودانيان لا يتحملان اقل ما يوحي بالإهانة.

السيف في رد الكريهة مغرد
وعلى الزمان إذا أساء يجرد
السيف ـ يا لكيف ـ أن بحده
تبنى الشعوب حصونها وتشيد

انفعال الشاعر هنا واضح في هذه الجملة الاعتراضية التي فيها تعجب واستغاثة ومنذ الآن تنبه على كثرة الجمل الاعتراضية في شعره كما سترد في هذه الكلمة إلى أن بلغ قوة انفعاله فاخذ يصف .
السيف ـ قولوا السيف ـ إن سيوفنا
دنيا بها يشقى الأنام ويسعد
السيف ـ قولوا السيف ـ انك يا أخي
حر وان الحر لا يتقيد
ألا تحس أيها القارئ الكريم معي إننا أما بطل ثائر هزه ذكر السيف فاخذ يترنم به مكرراً له متخيلاً نفسه أمام الجماهير هاتفاً بها ( قولوا السيف ) , أن الشعب السوداني تعرف الفهم أليك ويعتذرون في أسف أن أبعدتهم صروف الدهر عنه قال الشاعر السوداني محمد سعيد العباسي رحمه الله تعالى عندما اضطرته الظروف إلى ترك الكلية الحربية في مصر :
لولاهمو ما أطرحت السيف تعرفهكفي ولا رضيت من بعده الظلما
لسيف تمنيت أن ألقى العدو به
تحت العجاجة يوم الروع منتقماً
نم أن شاعرنا عبد النبي يبالغ في صحبته للسيف وحبه له فيقول في
عدلي حديثك امتشق الحسام واكسي بقرابه
أي لباسه ووشاحه في الحرب غمد السيف الم يقل لبيد :
ولقد شهدت الحرب تحمل شكتي
فرط وشاحي إذ غدوت لجامها
هذا وشاحه في الحرب لجام فرسه ، وشاعرنا لباسه الحرب قراب سيفه وذكر السيف يهزه ويحرك فيه النشاط في نشوة تعيده من الشيخوخة إلى شرة الشباب يقول في قصيدته ( غضبة شيخ ) يناغي فيها ينته سلمى التي بكت حين رأته يكثر من ذكر الحرب ولكنه هدأ روعها وبعث في قلبها الأمن ولما سمع جلبة المعركة انتفض قائلاً :

وبينا يناغي الشيخ سلماه أشعلت
مراجلها الهيجاء بالذعر والرعب
فذبت بين الروح يا شيخ نضوة
أعادت له عزم الشبيه في الشعب
فصاح بها سلمى اعدي لي القنا
فما الحرب أن أقدمت تفتك الهذب
اعدي لي الصمصام فالركب قد مضى
لألحق من قبل العشبة بالركب

هذا بطل هزه ذكر الحرب فجعل يصيح يطلب السيف وأيضا ليلحق بالركب لا يلوى على شيء كأنه فارس المنى القح الذي تهزه الحرب هزة تطيره من ظهر فرسه وتلقيه في قلب المعركة .
نح يكاد صهيل الخيل يقذفه
عن سرجه فرحاً بالضرب أو طرب
وقوله فرحاً بالحرب أو طرباً
احتراس لطيف مخافة أن يسبق إلى الذهن إن هذا خوف من الحرب
وأما القصيدة الثانية التي عنوانها ( سميراء ) فقد ورد فيها اسم سلمى مصغراً ست مرات وفي التصغير ملاحظة وتمليح وفيها يقول :

لقد جئت أهلي يا سميراء فاهبطي
منازل من داموا على البعد أهليا

هذا يكاد يطون تصريحاً بان سميراء رمز لوطنه السودان ويمضي قائلاً :

سميراء إن عطرت بالحب مزهري
وأرسلت لحن الحب هيمان حانيا

ويقول

سميراء من قومي سواهم ومن هموا
عداهم بهم من لذعة الوجد ما بيا
سميراء هم ساروا وفي الصدر غلة
لها مثل جرح الرمح ما زال داميا
ففي الحي نبئت والحي هاتف
سميراء يدعو صوته الحري داوياً
سميراء هذا مهبط الحق إنني
به في طريق المجد ما رمت ثائبا

هذه سميراء أو قل هذا هو اللون الأسمر الذي يعتز به ويفخر به حتى بلغ من اعتزازه به أن جعل لوائه اسمر حيث يقول في

أنا بأقدام الإباء إلى العلا
سرنا وسار بنا اللواء الأسمر

فهل أراد أن يقول جمعية اللواء الأبيض هي جمعية اللواء الأسمر
ومما يلفت النظر كثرة العبارات والجمل الاعتراضية مثل قوله

فاسمع ـ أبيت اللعن ـ صاح بأضلعي
قلب يرد النصح بالخفقات

أي أبيت أن تاتي شيئاً تلعن عليه ، ومن هذه العبارات عبارة تفيد القسم تأكيدا للكلام مثل قوله في
:
وهل عرفوا اني ـ وعمري ـ لبعدها
أبيت على شوك وارقد في حجر

فقوله وعمري قسم ، وقد يقسم بأشياء أخرى مثل القسم بجيد المحبوبة
ومثل قسمه بحبها

وما صفتها كالزهر إلا لكي أرى
ـ وحبيك ـ جيد الجود يزدان بالزهر

وقد يأتي شاعرنا بعبارة اعتراضية فيها صيغة الاستغاثة مثل قوله

فإذا به السودان ـ يا لولائه ـ
قد عاد في سرر المنى يتقلب


وهذا كثير في شعره واقف منه على نمط من العبارات الاعتراضية تشترك في ذكر الكلمة ثم تكرر فيها الكلمة في صيغة النداء الذي فيه لام الاستغاثة ويفيد التعجب مثل قوله

غير اني أرى إلى المجد قومي
ـ يا لقومي ـ تسابقوا للسحاب

لما ذكر الشاعر قومه انفعل فكرر الكلمة في هذا النمط ومثله قوله :
والسيف ـ يا للسيف ـ أن بحده
تبنى الشعوب حصونها وتشيد
ذكر الشاعر كلمة السيف فثارت نفسه لذكره فكرره في النمط المذكور وقريب من هذا قوله :

هو الحب ـ يا ويلي من الحب ـ إنني
لعمرك قد حملت أعباءه وحدي


حيث ذكر كلمة الحب ثم كررها في هذه العبارة الاعتراضية .
والظاهر إن الشاعر وجد في هذا النمط راحة ومجالات انفعاله والترنم به فتكرر في شعره , ولشاعرنا خيال مبدع يظهر ذلك في موضوعاته التي هداه إليها خياله ، خذ مثلاً قصيدته خطرات إلى اعتي الدقاقة يخاطب فيها ساعته مترنماً معها :

ودقي .. ودقي
ودقي ودقي ففي مهجتي
تدق الشجون وفي خاطري
ودقي فان بلادي التي
وهبت مهجة الثائر
تسير إلى الخلق لا مثلها
تخفين في سيرك العابر
تعيش بها عصبة كالبغاث
لتقتات من سفره الجائر
ودقي فان زمان الآلي
مضى يا ابنة الزمن الحاضر

ارايت كيف ربط الشعر بين دقات الساعة وبين بلاده التي يسعى دائماً إلى تحريرها وتقدمها .. واطلب منك أيها القارئ الكريم أن تقف عند هذه الكتابة التي هي من أبداع شاعرنا وابنة الزمن الحاضر كناية عن الساعة مثل ما كنى الشاعر عبد المطلب عن الطائرة بذات أجنحة في قوله :
فهي لي ذات أجنحة لعلي
بها ألقى على السحب الاماما
ومثل ما كنى الشاعر الأستاذ الدكتور عبد الله الطيب عن المضيفة بجارة البين في قوله :
يا جارة البين
أردت بهذه الإشارة أن اثبت لشاعرنا حقه في التكرار هذه الكتابة اللطيفة التي لا اعرف أحدا سبقه إليها حسب إطلاعي .
المبالغة في شعره
لشاعرنا مبالغات فيها اشتطاط وإحالة مثل قوله

وان مت يا خلي فقلبي بالهوى
على رغم انف الموت يخفق في لحدي
حري في هذا على منهج ابن زيدون
إن كان في الدنيا قد عز اللقاء ففي
مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا


ومع هذا فلشاعرنا مبالغات فنية وردت في التغني بشعره مثل قوله
إذا ما قلت في حبيك شعراً رد به تشدو مع الورق الغصون
بالغ الشاعر هنا في تأثير شعره الرنان بأنغامه المطربة على الحمائم فأخذت تشدو به ثم زاد في المبالغة فجعل الغصون تشدو مع الحمائم بشعره من الحمائم إلى الغصون وفي هذا نظر شديد إلى قول أبي الطيب .
يجد الحمائم ولو كوجدي لانبرى
شجر الأراك مع الحمام ينوح
بالغ المتنبئ هنا فنقل النوح إلى شجر الأراك فجعله ينوح مع الحمام كما نقل شاعرنا الشدو إلى الغصون .
وعلى ذكر الحمائم والغصون نقف عند قول شاعرنا :
سجعت بسرحتك الحمائم فانبرى
مثل الحمائم بالنشيد يعبر
انبرى الشاعر هنا يسجع سجع الحمائم وتأمل ذكر الحمائم هنا والفعل ( فانبرى ) فانهما في بيت المعنى السابق :
يجد الحمام ولو كوجدي لانبرى
شجر الأراك مع الحمام ينوح
والمتنبئ نفسه نظر في هذا إلى قول جرير
ولو وجد الحمام كما وجدنا
بسلمانتين لاكتأب الحمام
بالغ جرير في وجده فنقله إلى الحمام وجاء الجو الطيب فنقل الوجد منه إلى الحمام ومن الحمام إلى شجر الأراك ووقف عند الحرف لو عند جرير وعند المتنبئ فهذا عندهم بحسن المبالغة لكن شاعرنا ترك ذكر هذا الحرف ( الو ) ليجعل الأمر كأنه قد حدث إلى أن الغصون أخذت تشدو مع الورق
بدأ المعنى جرير فأخذه المتنبئ فتبعهم شاعرنا وهذا يدل على أن الشعر العربي متصل الحلقات تجد أصداء المتقدم عند المتأخر .
ونختم هذه الكلمة بذكر ألفاظ لهج بها الشاعر من ذلك الفعل ( صيّح ) فقد ورد كثيراً مع آلات الطرب وأكثر ذلك مع المزهر الحبيب إلى نفسه مثل قوله :

بمزهري إن بنت صيح مزهري
شوق إليه وعبرة تتقطر
وقوله في

تعزيت بالنوى وصيحت مزهري ** أناديك كي ألقاك بين الازاهر

أو صيح المزهر الهيمان شاعرهم
لما تطلعت ما جاءوا بإحسان
ونجد الفعل صيح أيضا مع قيثارة

وصيحت قيثاري وفي القلب مأتم
لما حاق بالأفراخ يا نسر بالوكر

قد صيح القيثار وانتفضت به
ألحان محزون تئن وتشجب
هذا كما ترى غناء حزين
ونجد الفعل صيح مع العود

فغنى به الشادي وصيح عوده
بجوف الليالي ساهد الجفن ساهره
اقترن ذكر الفعل صيح مع آلات الطرب ولعل الشاعر وجد فيه ما يعين على التطريب حين ينشده شعره . ومع الفعل صيح نجد فعلاً غريباً تكررت مادته عند الشاعر وهو الفعل منهن يقول في

وأحبتي من كل غصن فاتن
أوهنهن بعض الاهاب مدللويقول في

ورأيت في رديك قلب مهنهن
بض رقيق الحس في الأنعام

ويقول في موضع ثالث

والشادن ألهنهن المبسام احسبه
أن صيح العود غنى لحن داؤود

وهذا الفعل من مضعف الرباعي كما يقول الصرفيون وهو ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس وعينه ولامه الثانية من جنس فوزن هنهن فعلل الهاء فاء الكلمة تكررت في اللام الأول والعين عين الظلم تكررت في لامها الثانية وهذا كما ترى ضرب من التكرار ولم أجد هذه المادة في كثير من المعاجم التي كشفت عنها فيها ولكني رأيتها تفترن في كلامه بالبضاضة والرقة .
وخلاصة القول أما أمام شاعر رقيق طروب يعجبه شعره لأنه يتاتي له بانتقاء الكلمات التي تحقق له ما يريد من الطرب والغناء وقد كان يعرف هنا الجانب في شعره فيقول عنه

واسجع كما سجع الهزار وغنني
بقريضك العذب الرقيق المرسل

رحم الله الشاعر الثائر المخلص الطروب عبد النبي عبد القادر مرسال فقد كان شاعراً متدفقاً قوي الشاعرية :

كتبه بابكر البدوي دشين
شهر رمضان المبارك 1425هـ
أكتوبر نوفمبر 2004م
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .