بسم الله الرحمن الرحيم
كنت قد تحدثت عن أن هناك أنماطًا تربوية إسلامية متعددة سليمة وسوية وأعود الآن لأكمل القول بأنها لا حصر لها والذي أشير إليه قبل البدء في الحديث هو الآتي :
* هذه النماذج حقيقية وليست من وحي الخيال وتحققت في كثير من المجتمعات النامية فضلاً عن المتقدمة .
*تعدد هذه النماذج لا يعني بالضرورة أن الفرد المربي مطالب بالسير على نهجها وإنما الاستفادة منها وأخْذ ما يراه مناسبًا لواقعه التربوي .
*الهدف من ذكر أنماط كتلك ليس مجرد الاستعراض وإنما الاستفادة منها لمن يقوم الآن بالتربية أو لمن سوف يكون مربيًا في المستقبل بإذن الله يجعلها نصب عينيه حتى لا يعاني معاناة من قبله.
*أخيرًا هذه الأنماط لابد لك من التركيز على الناتج النهائي لها وهو الإنسان والذي يكون قد حقق كامل وكافة حاجاته التي يرى أنها ضرورية وبالتالي يشعر بالسعادة والأمن النفسي والاجتماعي.
***
أولاً : النمط الافتراضي التقليدي
هذا النمط يفترض أن الطفل سوف يتم تربيته على أسس من الأخلاق السوية والتي تتضمن القيم الأخلاقية السامية والالتزام بتعاليم الدين . هذا الطفل يسير في الطريق المرسوم له بدقة . شخص له مواهب وقام أهله بصقلها ، وكانت المدرسة عاملاً إيجابيًا في نجاحه على الصعيد النفسي والمعرفي . استطاع أن يلتحق بالكلية التي يريدها لأنه معلوم عنه حب المذاكرة وتشجيع الأهل له . وبعد تخرجه من الكلية عمل في مجال تخصصه .
من الممكن أن يقوم المربي -بعيدًا - عن مبادئ التربية المثالية بتعليم الابن في المجال الذي يراه مناسبًا ولا يضطر لتعليمه مهنة أو حرفة يتكسب منها نظرًا لأن مستواه الاقتصادي مرتفع من ناحية ومن ناحية أخرى لأن القابلية للتعلم لدى الطفل مرتفعة . هذا النموذج معطياته هي :
*الأسرة المثقفة.
*عدم وجود عوائق مادية .
وجود الحافز لدى الطفل ممثلاً في تاريخ الأسرة أو الوالدين .
*قدرة الطفل على التكيف مع المجتمع .
هذا النموذج مرحب به للغاية في حالة ما إذا كان المربي ضامنًا بأن ابنه سوف يعمل في مجال تخصصه بالأجر الذي يمكنه من الاستقلال الاقتصادي عنه والاعتماد على نفسه تدريجيًا حتى الوصول لشكل كلي في الاستقلال الشخصي.
_________________________________________________
ثانيًا النموذج المرن :
هذا النمط يمتاز بأنه رغم عدم وجود فكرة مسبقة له عن العملية التربوية حتى الكِبر إلا أنه يكيف نفسه لأوضاع السوق ويجعل من الواقع أداة للتحرك في سياقها ورغم عدم وجود فكرة عن الهدف من العمل ومقتضياته إلا أنه يشعر بالقدرة على التخلص من الكثير من العوائق المادية والنفسية .
على سبيل المثال فرد تربى تربية تقليدية لا تُنمّي فيه الأسرة هواية معينة ولا لديه رؤية للمستقبل ولم يتمكن من خلال الثانوية الالتحاق بالكلية التي يريدها لكنه بعد التخرج بحث عن الخيارات الممكنة أمامه وقام بأخذ دورات في المجالات المتاحة أمامه وظل بعد العمل لمدة ثلاث أو خمس سنوات حتى استقر اقتصاديًا وانفصل عن والديه .
هذا النموذج الأكثر شيوعًا في عالمنا العربي الإسلامي فعلى سبيل المثال الطفل لم يكن له أهداف حقيقية ومثله مثل سائر الطلاب تمنى أن يصبح مهندسًا ولكن لم يتحقق ذلك فالتحق بكلية التجارة .. بعد أن أنهى الدراسة قام بالبحث عن الأساليب التي من شأنها أن تجعله يتحصل على عمل مناسب يحقق له الربح الاقتصادي المناسب (الذي اكتشف أخيرًا أنه هو منتهاه من التربية) ونلاحظ معطيات هذا النموذج كالآتي :
*أسرة عادية متوسطة الثقافة والميول
*نمط التربية ليس سلبيًا لكنه (أجوف)
*عدم وجود أهداف حقيقية
*اكتشاف الغرض من التربية (الإعداد للحياة) بعد التخرج !
* تحقق الاستقلال لكن بعد وقت متأخر وكان من الممكن أن تُختصر هذه الخطوة لو كان أحد العناصر السابقة قد تم إصلاحه مبكرًا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
ثالثًا : النموذج المكافح:
في هذا النموذج نرى الفرد اضطر - بحكم أن ظروف الأسرة صعبة- اضطر لتكييف نفسه مبكرًا وصار هو العائل لنفسه أو أهله أيضًا .. لم تتسم حياته الدراسية بالاستقرار ولأن المدارس - إذا كان الو ضع كذلك في كل الدول كمصر- لا تحقق النفع المرجو وتعطل مسيرته ؛فقد اهتم فقط بمجرد النجاح وكان هدفه أن يحصل على التقدير المعنوي والنفسي جنبًا إلى جنب مع تحسن حال الأسرة مستقبلاً .
في هذا الوضع ينصب الاهتمام على الحصول على المال وتحسين آداء الفرد لقدراته في العمل إذا كان عملاً يدويًا . (غالبًا ) وبعد تحسن مستواه المادي (ربما عندما يتجاوز الفرد العشرين) يبدأ في الالتحاق بالكلية ذا ت التعليم المفتوح وذلك إما للاستفادة من الفرص الممكنة للعمل مستقبلاً أو للتقدير المعنوي والنفسي .
على سبيل المثال أسرة مكونة من خمس أفراد .. والطفل الأكبر يعمل مع والده وليس لديه الوقت ليفكر في المستقبل لأنه لا يملك من المال ما يمكنه لتعاطي الدروس الخصوصية ، كما أن المدرسة تعطله عن الكسب ولا تضيف إليه شيئًا ذا بال فيكون إكماله الدراسة بأسلوب شكلي أمرًا مقبولاً لأن الطفل غير مقصر وحتى إن انقطع عن الدراسة في سبيل الإعالة فهذا أمر لا يحرمه الإسلام ويكون الكفاح الذي يقوم به الفرد وقدرته على تحمل الظروف الصعبة هو رأس المال الذي به حقق النجاح بفضل الله بديلاً عن التفوق الدراسي .
معطيات هذا الوضع :
* وجود هدف يعوق تحقيقه عدم الكفاية الاقتصادية .
*فهم لطبيعة العملية التعليمية وارتباطها الركيك بالتربية ( على الأقل في مجتمعنا المصري).
*الأولويات مرتبة بشكل منطقي .
*عدم المغامرة اقتصاديًا .
* وجود دعامة حقيقية للتعامل مع الحياة وهي العمل في سن مبكرة(لأن الدولة بنت ال.....حرمت أبناءها وأطفالها من أبسط حقوقهم وأثقلت الكواهل المادية على آبائهم ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
هذه النماذج الثلاثة تمثل حالة من المؤكد أننا عايشنا شيئًا منها في مشوار حياتنا الطويل ... وبين هذه النماذج الثلاثة تتنوع النماذج ارتفاعًا وانخفاضًا وتتغير المعطيا ت إيجابًا وسلبًا وفقًا لخصوصية كل مجتمع .
الذي أقوله إذا كانت التربية عملية إعداد للحياة فالحياة ليست هي المدرسة لأن المدرسة مرحلة والحياة ليست الجامعة لأنها مجرد مرحلة وليست التربية هي إعداد الفرد للحياة الزوجية لأنها أيضًا مجرد مرحلة والفرد يتخرج من الحياة ليصير مربيًا بعد أن كان متربيًا ...إذاً هي عملية دائرية. هذه النماذج أضربها أمثلة لمن يسأل ماذا نفعل بدون تعقيد في واقعن االتربوي ؟
هل يصح أن يكون الطالب معلوفًا أكلاً وشربًا ثم إذا أخفق في الجامعة بسبب تعقد النظام التعليمي تكون نهاية الحياة ؟ هل يصح أن يكون الفرد الأب هو السلطة المركزية( الاقتصادية) ثم يعاني من أنه أنجب بسبب المطالب المادية ؟
أنماطنا التربوية في العالم العربي و الذ ي هو جز من العالم الإسلامي تحتاج إلى تغيير تام وهذا لن يتم إلا إذا كان الهدف من الحيا ة واضحيًا أولاً ثم إذا كانت الأهداف الجزئية المحققة لهذا الهدف لها بدائل في حالة عدم تحققها ... أرجو أن تبدوا لي آراءكم فيما كُتِب َ وألاّ تؤاخذوني لما يقع مني من أخطاء في توصيل المعلومة ولكم مني خالص الشكر والتحية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته