|  04-04-2008, 07:25 PM | #1 | 
	| عضو مميز 
				 
				تاريخ التّسجيل: Apr 2004 الإقامة: القاهرة -- مصر 
					المشاركات: 3,296
				      | 
				 النبوءة . لجاسم محمد صالح . 
 
			
			قصة قصيرة  :النبـــوءة
 جاسم محمد صالح
 gassim2008@gmail.com
 
 زأر كما لم يزأر أحدٌ  من قبل , وقال :
 - ها أنا ذا …
 أسوار المدنية كادت أن تسقط لولا أن الأيدي امتدت إليها … حيث ظل الرعب والخوف يلتهم المدنية ويوقف الأزمنة …والأوراق هي الأخرى فرت فزعة من أغصانها ...لم تجرؤ ان تقترب من الأرض … فهي تعرف ان لرجل المدنية قدمين بالغتي الثقل تدوسان كل شيء وتهشمان حجر الجرانيت ولا داعي لان أقول لكم :
 أين ذهبت طيور الكناري ؟.
 الفزع ذو النكهة الرمادية ابعد الأشياء عن منابتها ... وتطاير الريش وملا الأرجاء وأصبحت الطيور قطع لحم عارية , لكنها تطير خجلة … وما أشد ما كانت تعاني من ذلك .
 زأر مرة ثانية تردد صوته في (سهل شنعار )  , تحركت رؤوس النخيل وتساءلت  طيور الاهوار عن متطفل يبدد وحشة الصمت الموحشة  التي لا أول لها ولا آخر .... لكن النخيل وبكل أصنافه كان ذكيا , ً هذه شهادة أقولها مضطراً ... نظر من بعيد الى ((أوروك)) , حيث لازال الرجل الأول يزعق ... ويزعق ... وأحيانا يمارس الزئير مثل أسد هرم ,  بنت عصافير الدوري في فروته عشاً .
 ضحكت نخلة وتبعتها النخيل وكثر الهمس ماذا يحدث في المدينة ؟ … حيث تراكض كتاب المعبد .... وكهنته وامسكوا بالأسافين ... والرقم الطينية ... وراحوا يكتبون بخط مسماري ...أروع الأناشيد والابتهالات . وقد اعتلوا زقورة المدينة , كل واحد منهم أخذ جانبا ً وبدأ يؤرخ حركات هذا (الجلجامش ) ويتفننون فيما يفعلون … حولوا الزئير إلى تغريد وراحوا ((يدلعونه )) فمرةً صار (جلجلاً )  ومرة (مشمشاً) … ياه ما أحلى حروفك … ومع هذا فأن( جلجامش ) ظل يزعق ويزعق فقد ظن ان  صوته أجمل الأصوات .
 مل الجميع من الزعق حتى صار قدراً عليهم … ولكن من يجرؤ أن … ويتوقف التفكير بعد (أن) ويظل مثل ( دون كيشون ) يصول ويجول بسيف مصنوع من رمال تماسكت خوفاً لأحبا.
 ـ أحد المعلمين في كتاب الزقورة … كان يعلم  والتلاميذ لا يسمعون من كلامه شيئا ... فصراخ هذا ((الجلجامش )) يفوت عليهم الدرس . . ولادعي لان يغلقوا الشبابيك فزجاجها متطاير … أسمعتم بصراخ اشد هولا من الانفجار ؟ لكن معلم الفيزياء لم ييأس كان يقول لهم :
 - لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه .
 وكاد يكمل جملته حتى هوت عصى ((جلجامش)) إلى رأسه فهشمته ولم يبق منه شيء أمام تلاميذه الذين بدؤوا يضحكون ملء الأشداق .
 - ما أروع هذا المخرج وما اشد مهارته , انه يزاوج في شريطه السينمي بين جمالية الفديو وذكاء وعبقرية البرمجة .
 لم يناموا تلك الليلة من شدة الفرح , لكن طفلا واحداً  ظل واقفاً في الباب  ينتظر وينتظر… وينتظر ولا احد يأتي … لم يفكر به احد ولم يقل له احد : ان أباه التقى           ( جلجامش ) وكانت العصا قبلة اللقاء , لم يقل الطفل شيئاً ولم يبك مثلما نحن نبكي أمام أحزاننا … كان طفلا وليس ككل الأطفال… لكنه قال بصمت :
 ـ أنا لك يا (جلجامش ) .
 لم يسمعه احد , حينما تنفس متنهدا , فلو حدث الذي حدث لأصاب المدنية  مكروه مثلما أصاب ( روما ) يوم احرقها ذلك ( النيرون ) المعتوه .
 -	أسمعت برجل يزعق ليلا ونهاراً ؟ .
 -	 انه (جلجامش ) رجل ( أوروك) المبجل .
 ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان, فجأة  تحققت نبوءة معلم الصبيان … ونقلت العيون الخبر بصمت مشوب بالفرح, المتصارعان خارج  أسوار المدينة …  مثل ثورين هائجين تارة ومثل حصان طروادة … تارة أخرى, ثم يحرنان مثل بغلين , الغبار يملا السماء … حتى كادت الشمس ان تختفي الى الأبد …و مياه نهر الفرات فقدت فراتها وبدأت الأسماك تتلوى على الشاطئ الطيني , وهما لم يملا … ولم يكلا … ثلاثة أيام بلياليها… كر وفر وصراع بالأنياب والأظافر … وبالأيدي و الأرجل إنهما يتدحرجان مثل كرة مطاطية تقفز من ارض الى ارض .
 -	انا كلكامش .
 -	 وأنا انكيدو.
 -	 انا أقوى .
 -	 لا بل انا .
 -	 انا أطول .
 -	 انا اشد طولا .
 -	 صوتي أقوى .
 -	 وصوتي اشد رعبا .
 -	ان (أوروك ) مدينتي .
 -	 لا بل مدينتي .
 مباهاة بين الاثنين ولكن للاشيء ولما كان المتصارعان في صراع مقدس فقد تقرر ان تتوقف كل الأنشطة , ريثما تظهر النتيجة فجاعت المدينة … لا خبزاً … ولا ماءاً , وانقسم الناس إلى فريقين , كلكامشي و انكيدووي  والصراخ  يتعالى الى عنان السماء وكثرت المراهنات ونفدت البطاقات ... وسعيد الحظ من يحصل على بطاقة.
 فجأة حدث ما لم يكن في الحسبان … دق ناقوس المدرسة … انتبه الناس جميعاً : - من الذي  يقرع الناقوس هذه المرة ؟
 نظروا نحو المدرسة … كانت مفتوحة ومضاءة … وهذا ما أذهلهم, الكراسي مرتبة … كل شيء جاهز … كان وجه ذلك الطفل يطالعهم في كل ركن وزاوية … إنهم يعرفونه  تماماً انه (نرام ) ابن ذلك المعلم الذي هشم (كلكامش ) رأسه, قالوا له وبلغة واحدة :
 - إنهما لازالا يتصارعان عند أسوار( اوروك) … ألا تعرف ذلك ؟ !! يا(نرام)
 هز الطفل رأسه بالإيجاب قائلا :
 - انا اعرف ذلك … واعرف الخلاص .
 وحينما سمعوا الكلمة الأخيرة فرحوا كثيراً والتفوا حوله مثل سوار يحيط بمعصم وكلهم كانوا يقولون :
 -	كيف ؟ … كيف؟...
 وكان الطفل (نرام )  يمسك بكتاب أبيه , فقد نسي (كلكامش) ان يمزقه … وقال بصمت :
 -	اتركوهما لوحدهما .
 ووضع الكتاب جانبا ً وشرع يدرس مكان أبيه … ونسي الناس (كلكامش ) و(انكيدو) اللذين ملا من الصراع … وقررا ان يدخلا المدينة من جديد لكن المفاجأة كانت اكبر من التصور … فباب المدينة مغلق, حاولا ان يفتحاه عنوة  … لكنه كان قوياً ولم يفلحا.
 صرخ ( كلكامش ) :
 -	انا (كلكامش) .
 وصرخ انكيدو :
 -	انا انكيدو .
 لكن الصوت كان يقول نحن لا نعرفكما … زعق كلكامش وصرخ انكيدو مرة أخرى ,لكن أسوار المدينة لم تتحرك , حاولا ان يتسلقا السور لكنه كان أملس وعاليا فلم يقدرا وظلا يبكيان ويتوسلان … لكن لا احد يستمع الى بكائهما … وهناك عند بوابة المدينة علقت لوحة خشبية كبيرة  مكتوب عليها بلغة مسمارية :
 ( من أراد ان يدخل مدينتنا عليه أولا ان يتعلم القراءة والكتابة ) .
 وقتها لم يفكرا بتلك العضلات المفتولة ولا بذلك الصوت المرعب … نسيا كل شيء وظلا يفكران بطريقة يحصلان بها على ورقة وقلم .
 | 
	|   |   |