المرأة العربية والعمل
لم يخصص من يعدون قسيمة عقد الزواج خانة أو خانات خاصة بموضوع عمل المرأة، فقد فهم الناس على مر التاريخ الدور الذي يقوم فيه الرجل والدور الذي تقوم به المرأة. وهذه الأدوار تختلف من بيئة الى أخرى، فهي بالبادية غيرها بالريف غيرها بالمدينة. ومن كان يحصي ساعات العمل الحقيقية التي تقوم بها المرأة سيجد أنها تتفوق على ساعات العمل الذي يقوم بها الرجل.
إن عملية الإنجاب (الفسيولوجية) وتربية الأطفال تتطلب ساعات عمل ليست بالقليلة، وإذا ما أضيف لها ما تقوم به النساء في المجتمعات غير المتمدنة من طبخ وتحضير مئونة السنة ورعاية الحيوانات المنزلية من أبقار ودجاج وغيرها وإعداد بعض الملابس من غزل ونسيج وحياكة وخياطة وترقيع الخ، سيجد أن المرأة كانت تشغل معظم ساعات يومها في عمل دءوب.
انتقال العمل من نطاق الأسرة الى خارجه
شكلت الثورة الصناعية في أوروبا أساسا مفصليا في تحويل عمل المرأة من داخل المنزل الى خارجه، ففي عام 1742 عندما أسست في بريطانيا أول نقابة لعمال الخياطة، كان وراءها ما تعرضت إليه المرأة من سحق لإنسانيتها وما لهذا السحق من علاقة للمس في قدسية الحياة الأسرية.
كانت النساء يساعدن أزواجهن الخياطين الذين يعملون في بيوتهم أو في محلات ملصقة بالبيت من خلال باب تناول المرأة فيه زوجها ما يساعده على عمله من تثبيت (أزرار) أو إعداد الخيوط الخ، وتقدم له ما يأكله أو يشربه. وعندما تعذر على الخياطين القدرة على مجاراة مشاغل الخياطة الكبرى، التحق الخياطون في تلك المشاغل ليعملوا كأجراء، ولما كانت الظروف مؤاتية لأصحاب تلك المشاغل في تحديد الأجور وساعات العمل، أحس العمال بضرورة تشغيل زوجاتهم وبناتهم وحتى أطفالهم حتى يحصلوا على ما يسد متطلبات حياتهم.
فكانت ساعات العمل تصل الى أكثر من 14 ساعة يوميا، وكانت النساء والفتيات عرضة للتحرش من قبل أصحاب المشاغل. لقد ولدت هذه الظروف مناخا مستنفرا لمعالجة التغيير الاجتماعي الذي جاء على هامش الثورة الصناعية، فتولد فقه وآداب ونظريات سياسية وغيرها، أصبحت أساسا نظريا لكثير من النشاط الأيديولوجي الذي ما لبث أن انتشر في كل أنحاء العالم، تحت مسميات مختلفة من بينها (حقوق المرأة).
دواعي عمل المرأة العربية
لم تمر المرأة العربية بالظروف التي مرت بها المرأة في البلدان المتقدمة، لاختلاف مسار التغيير في بلادنا، لكن تغيرت أنماط الحياة، فلم تعد هناك نساء تحلب و تربي الدجاج وتحصد وتسلق القمح حتى في القصبات الصغيرة، وأحست المرأة بفراغ شديد تريد ملأه بأي شكل. كما أن التعليم والإعلام وقسوة الحياة استدعت هي الأخرى أن تضع مسألة عمل المرأة على جداول البحث سواء في دوائر تخطيط الدولة أو داخل الأسرة نفسها.
في كثير من الأحوال التي جاءت على هامش الهجرات الواسعة من الريف الى المدينة، أو من خلال الهجرات التي تتبع الحروب والقلاقل، والتي يرافق قسم كبير منها إضرار ببنية الزوج أو المعيل (إعاقته)، أو فقدانه (أسر، موت)، تجد المرأة نفسها أمام خيار وحيد هو القيام بعمل يعيلها مع أفراد أسرتها.
وعليه فإن الدواعي لعمل المرأة تختلف من حالة لحالة، فمنها للاضطرار بداعي الحاجة المادية، ومنها لأسباب تتعلق بالتقاليد الاجتماعية الحديثة بشكل صرف تحت باب الخروج من الملل والفراغ، ومنها إيمانا بأن العمل واجب على الرجل والمرأة بالتساوي.
أسواق العمل العربية غير مهيأة لاستقبال المرأة العاملة
لو ألقينا نظرة على الإحصائيات التي أوردتها الدكتورة (فاطمة بدوي)*1 فيما يخص نسب عمالة المرأة العربية لتكونت لدينا فكرة عن حجم العمالة (النسوية) في بلادنا.
فقد مثلت المرأة ما نسبته 10% من إجمالي قوة العمل في الأردن، 9% في الإمارات 18% في البحرين 21% في تونس، 15.5% في الجزائر، 40% في جيبوتي، 29% في السودان، 18% في سوريا، 6% في العراق، 9% في عُمان، 19% في فلسطين، 7% في قطر، 38% في جزر القمر، 24% في الكويت، 28% في لبنان،9% في ليبيا، 29% في مصر، 26% في المغرب، 23% في موريتانيا، 13% في اليمن. في إنجلترا 45% وفي جامايكا 47% وفي كولومبيا 43%. فيتنام 47% في اليابان 41% في إندونيسيا 45% وفي الصين 44% والهند24%. هذا بشكل عام.
أما فيما يخص الوظائف العليا على مستوى العالم 14% وفي البلدان الصناعية 28% وفي شرق آسيا 11% وفي البحر الكاريبي 19%، في إفريقيا 9.6% . في الدول العربية إن تمثيل المرأة في البرلمانات لا يتجاوز 4% وهي نسبة تقل عنها في الدول النامية (10%)، في مصر 2.2% وفي تونس 7% في السودان 8% في المغرب 0.6% . أما الوظائف العليا فكان في عام 1992 وزيرتان في السودان وسوريا وفي مصر 3 وزيرات وفي الأردن وفلسطين وليبيا وزيرة واحدة في كل منهما، أما المغرب ودول الخليج واليمن فلا وزيرات في تلك السنة.
مشاكل تحدث على هامش عمل المرأة:
1ـ إخلال بوظائف الإنجاب و ما يتبعها، فتقنين أعداد المواليد هو صفة معظم النساء العاملات، كما أن الإرضاع ورعاية الطفل تمر بمشاكل، منها ما يتعلق بالإرضاع الطبيعي ومنها ما يتعلق بإحالة الطفل المولود لطرف جديد (مربية، جدة، حضانات) ومنها ما يتعلق باللغة.
2ـ حدوث مشاكل بين الزوجين قد تؤدي للطلاق، خصوصا، عندما لا تحل عملية اشتغال المرأة بالجانب المادي للأسرة، أو أن تكون الأم هي من يصرف على الأسرة، فيخلق جوا غير حميميا يعلو فيه صوتها، وإن كان زوجها من أولئك الرجال الذين لا يجتهدون في إيجاد عمل مناسب لهم فإن ذلك سيؤدي للانفصال.
وتشير الدراسات أنه في عام 2007 مثلا، كانت حالات الطلاق في العراق أكثر من 40ألف حالة وفي مصر كان كل 6 دقائق حالة طلاق وفي دول الخليج العربي تكون كل 100 حالة زواج ينتهي منها34 حالة الى الطلاق في (قطر والكويت) و 46 حالة في الإمارات العربية وفي المغرب هناك أكثر من 28 ألف حالة طلاق وقعت عام 2007. 42% من تلك الحالات سببها عدم قدرة الزوج على الإنفاق و 25% بسبب تدخل أهل أحد الزوجين، و 12% أسباب شخصية*1.
استنباط المرأة لدور الرجل
هذا المصطلح استخدمه عالم الاجتماع التونسي (د.الطاهر لبيب) في مداخلته لندوة جرت في الإمارات العربية المتحدة، معقبا على ورقة عمل الدكتورة ميثاء سالم الشاسي *3. وقد فهم من هذا المصطلح أن المرأة العاملة لا تتصرف بعفوية في عملها، بل تكون صورة الرجل و ما سيصدر عنه من ردات فعل أو ملاحظات ماثلة أمام عينيها، أو أنها تتوقعها بالشكل الذي يتهيأ لها من خلال تراكم العادات والثقافات في منطقتنا، فيؤثر ذلك على استعدادها للظهور بمظهر معين وتتكلم بشكل معين وتؤدي عملها بطريقة تتناسب مع المفاهيم التي تحملها عن الرجل، مما يبقي مسألة التباين الاجتماعي بين الرجل والمرأة ماثلة حتى في العمل.
هوامش:
*1ـ مجلة دراسات عربية/ السنة 33/العدد9/10/ 1997/د. فاطمة بدوي/المرأة القيادية والتنمية المتواصلة ص 37
*2ـ برنامج خاص في محطة تلفزيون الرافدين عن حالات الطلاق في الوطن العربي، بثته يوم 13/11/2008 الساعة التاسعة بتوقيت مكة المكرمة.
*3ـ ندوة المرأة الخليجية .. الى أين؟/مجلة المستقبل العربي عدد 273/سنة 2001/ شهر11/ ورقة عمل مقدمة من د. ميثاء سالم الشاسي رئيسة الاتحاد النسائي العام في الإمارات العربية المتحدة.
__________________
ابن حوران
|