ثانيا: مرحلة الصدام في التسعينات
لم يكن عقد التسعينات هادئا كعقد الثمانينات، بل كان عقد صدامات بين الأخوان والنظام المصري، وقد يعود ذلك الى أسباب أهمها تلك الأحداث التي كانت تتسم بالعنف وتقوم بها جماعات إسلامية متشددة (غير الأخوان)، وقد شهد عام 1990 وحده 51 حادث اصطدام بين تلك الجماعات والنظام، راح ضحيتها 115 قتيلا من الأمن المصري والجماعات الإسلامية، كما أن الخطر الذي بدت علاماته في الجزائر بعد اغتيال الرئيس الجزائري (محمد بو ضياف)، واستهداف الرئيس حسني مبارك في إحدى المحاولات، إضافة لأسباب أخرى جعلت من النظام أن ينهي حالة التعايش الطيب مع الأخوان المسلمين.
1ـ حرب الخليج
رغم أن الأخوان المسلمين بادروا على الفور بإدانة غزو العراق للكويت، ورغم مطالبتهم خروجه على الفور من الكويت، لكنهم سرعان ما وظفوا جماهيرهم بالخروج بمظاهرات الاستنكار لموقف الحكومة المصرية من تلك الحرب والمساهمة بقوات مصرية الى جانب الولايات المتحدة، وإصدارهم بيانات شديدة اللهجة، واستثمارهم للنقابات التي لهم فيها أغلبية إدارية، مما اعتبره النظام تخطيا للخطوط الحمراء، وقد أصبح الموقعون على البيان عرضة للملاحقة وإلصاق تهم بهم تفيد أنهم قد قبضوا أموالا من الرئيس صدام حسين، كما أن النظام أشار على رؤساء النقابات وأعضائها الإداريين للانسحاب من مواقعهم للتأثير على الأخوان.
2ـ زلزال مصر عام 1992
كشف حادث زلزال عام 1992 للنظام المصري مدى قوة الأخوان وكيفية استفادتهم من أحداث للتحريض على النظام، ولفت أنظار الناس لهممهم في مساعدة المنكوبين، وكيفية استفادتهم من قنوات التلفزة العالمية ك (cnn و bbc) في إظهارهم كقوة تتمتع بشرعية أكثر من النظام، وأنها قاب قوسين أو أدنى من الوصول لسدة الحكم.
3ـ توظيف الفضاءات المجتمعية سياسيا
معلوم، أن النظام المصري لا يعترف بالأخوان المسلمين ويتعامل معهم متى أراد كتنظيم محظور، ولكن قياداتهم الجديدة استفادت من دروس الماضي، ولجأت الى العمل (الواجهي) أندية، نقابات، جمعيات الخ، وبالذات تلك المتواجدة في صفوف الطلبة الجامعيين وهيئات التدريس، وهي تستخدم تلك الواجهات للتعبير عن معارضتها السياسية التي رفعته (الإسلام هو الحل).
فكانت المظاهرات تدل على قدرة الأخوان في التعبئة، وكذلك المشاركة في الانتخابات، وقد كان النظام يواجه تلك المظاهرات بقنابل دخانية، ويحاول تعطيل الجامعات في أيام الانتخابات الجامعية، ليقوم بتعيين فائزين من طرفه وهكذا.
ثالثا: أبعاد الصراع بين النظام والأخوان
يتناول هذا الجزء من الكتاب، التطورات التي حدثت في القرن الحادي والعشرين، من خلال التغيرات التي حدثت في العالم وأثرت على الإقليم.
1ـ أجواء الانفتاح العام
شهدت السنوات الأخيرة تطورا هائلا في تكنولوجيا المعلومات أضعف من قبضة الأنظمة السلطوية في التحكم فيما تراه وتسمعه شعوبها. ولم تعد تكنولوجيا المعلومات منحصرة في القنوات الفضائية (قناة [الجزيرة] كحالة)، وإنما في الفضاءات الجديدة التي وفرتها شبكة الإنترنت، مثل المدونات، التي أتاحت للمواطنين، ولأول مرة، أن يساهموا في إرسال المعلومة والتعبير عنها، وليس فقط أن يكونوا مستقبلين لها. هذه الطفرة والوفرة في المعلومات، أسفرت، ضمن عوامل أخرى، عن حيوية وحراك سياسي واجتماعي في مصر، والعديد من الدول العربية، لم يُشهد له مثيل من قبل.
2ـ تحولات داخل النظام
لم يعد خافيا أن النظام المصري، الذي يتمثل بشخص الرئيس، يمر بمرحلة شيخوخة تنذر بنهاية وشيكة، وقد ساهم شعور الناس بالقلق من مستقبل النظام في تحفيزهم الى النزول الى الشارع للمطالبة في (الإصلاح) بقيادة حركة (كفاية) و(الأخوان المسلمون)، وهو أسلوب لم يكن دارجا في السنوات السابقة.
ورغم الحديث الشائع بين كثير من الأوساط المصرية على أن هناك تهيئة لتوريث النظام الى جمال ابن الرئيس، وهو حديث لا يمكن التسليم به بشكل نهائي، فهناك قوى تتحفز بالخفاء لانتقال السلطة إليها ومن بين تلك القوى الجيش وبعض أركانه.
لكن ولضعف النظام المؤسسي وتداخل الصلاحيات وتكثيف السيادة المطلقة في اتخاذ القرار بيد رئيس النظام، فإن هذه الأوضاع تنذر باندلاع معارك على شرعية من سيقود الدولة مستقبلا، وهذا هو أحد أسرار تسريع وتيرة أداء الأخوان المسلمين، بوصفهم أكثر جاهزية تنظيميا وتاريخيا وأداء من غيرهم.
3ـ تحولات داخل الأخوان
يشير الكاتب، الى أن مرحلة قيادة (عمر التلمساني) نقلت حركة الأخوان من العزلة الى التحرك أفقيا وعموديا، فلا يهزها اعتقال قياداتها المتكررة، ولم يعد يهزها طرق قمع النظام لتحركاتها. فأصبحت تتحرك بالتنسيق مع قوى أخرى (كفاية مثلا) بالإضافة الى استنهاضها لقوى فاعلة أخرى، ليس من ضمن تنظيماتها، كما أن برنامجها السياسي لم يُطرح على لجنة أحزاب المعارضة فحسب، بل تعدى ذلك الى النخب الثقافية والاجتماعية والسياسية المختلفة.
باختصار، لم يكن تغيير مرشد وانتقاله الى مرشد جديد، يؤسس لوقفة لانطلاقة جديدة من مربع جديد، بل أصبح التواصل في الأداء ينطلق من مربعات فرعية سرعت من وتيرة تقدم أداء الأخوان.
4ـ النظام والأخوان وأمريكا
سببت أحداث 11 أيلول/سبتمبر هزة عنيفة، أربكت الولايات المتحدة في سياستها تجاه منطقة الوطن العربي ومصر تحديدا، فغزوها للعراق كان من أحد أهدافها خلق نموذج ديمقراطي يمكن إسقاطه على مختلف أقطار الوطن العربي، فعولت على مصر أن تساعدها في هذا الانتقال الديمقراطي التدريجي.
من جانب آخر، تحالفت الولايات المتحدة مع أنظمة سلطوية لتمرير مخططاتها، بعد أن اكتشفت أنه إذا ما كانت الانتخابات شفافة ونزيهة فإن القوى الإسلامية هي التي ستفوز بذلك التحول الديمقراطي!
من هنا، رأينا كيف كان موقف الولايات المتحدة من فوز حماس، وكيف تم التدخل بمشورة الولايات المتحدة ليتقلص عدد المقاعد البرلمانية في مصر والأردن.
يختم الكاتب (الدكتور هشام العوضي) عرض كتابه هذا، بأن تأمين مصالح الولايات المتحدة والإصلاح السياسي الديمقراطي، يقتضيان منها أن تستوعب الإخوان المسلمين في ذلك التغيير، لا أن تحرض على التخطيط لاستبعاده، وهي إن فعلت ستجعل انتشاره أكثر اتساعا مما لو أُدخل في عمليات التغيير السياسي.
انتهى
__________________
ابن حوران
|