العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الرد على مقولات الباحث عن الحقيقة المنسية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الفروج في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الكرم في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: أشراط الساعة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الشلل في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الخشوع في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: بيان أخطاء مقال خيانة الوعي: حين تحوّل «ٱلنَّبِىّ» إلى «النبي» (آخر رد :رضا البطاوى)       :: موت الموت الرباني (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: الحيلة في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الضيق في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 28-12-2009, 09:36 PM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة إيناس مشاهدة مشاركة
أنس الحجار، شاعر وكاتب متميز، وقد قرأت له بعض كتابته التي وجدتها رائعة جدا ومتميزة، لذلك أستأذنك أختي الدره في إدراج خاطرته بأكملها، شاكرة لك هذا الإختيار الجميل



أبي إنْ تمتَّعْ

تَمتّعْ .....
أبي ... ذاكَ صوتُ احتضارِ الأماني
و قلبي يُراقِبُ موتَ الثّواني
فلَمْلِمْ بقايايَ إنْ كنتَ تَسمَعْ
و شَكِّلْ رُفاتي قصيدةَ شِعرٍ
لتهنأ روحي
ولكنْ حذارِ فإنَّ شَظايايَ تَجرحُ إصْبَعْ
لقد نِلتَ ما كنتَ تَصْبو و تَطْمَعْ
تَمَتَّعْ إذاً
إنَّ قلبي تَقَطَّعْ
***
سَأرسُمُ قَبْلَ الرّحيلِ جُروحي
قصيدةَ شِعرٍ
لتهنأ روحي
إذا كنتَ تَسمَعُ صوتَ الأنينِ ...... تَمَتَّعْ
***
بصحراءِ غيثِكَ كانتْ ثماريَ تنمو و تَوْنَعْ
و كنتُ كَطِفْلٍ
و رُغْمَ العظامِ الطَّريةِ أحبو
و أُسكِتُ جوعي بإصْبَعْ
و أستَعطِفُ البدرَ في ليلِ وجهِكَ
عَلَّهُ يَسطَعْ
***
تَذَكَّرْ .....
بأنّي بقيتُ بظِلِّكَ أرْتَعْ
فَقَدتُ ظِلالي
مَضَغْتُ الثَّواني
و صِرتُ أُبعثرُ في الأفقِ أحلامَ قلبٍ تَصَدَّعْ
بَقيتُ كَطِفْلٍ
و عُمري ثلاثونَ عاماً و نَيِّفْ
و إبني بِقُربي لِشَخْصِكَ نَرْكَعْ
و أضْرِبُهُ إنْ أبى أو تَمَنَّعْ
و إنْ راحَ يبكي
سَأُخبرُهُ إنَّ ( جَدَّكَ ) شَرَّعْ
فلا تَعْصِ أمراً
و إلا سَتلقى جَحِيماً
و كُنْ طائعاً تَلقَ جَنَّةَ ( جَدٍّ )
بها عِطْرُ وَرْدٍ تَضَوَّعْ ....
يُطيلُ السُّجودَ وليدي و يَخْشَعْ
***
مَسَحتُ دُموعي بِكُمِّ قميصي
و مازِلتَ تَمسَحُ دَمعاتِ أفراحِ عمرٍ
بمنديلِ حُزني المُقَطَّعْ
و أبني جُسُورَ الوِدادِ بهَمسةِ طِفْلٍ
و تَهْدمُها إنْ سَمِعْتَ لثَرْثَرَةٍ ضِمْنَ مَخْدَعْ
و أزرعُ فوقَ الحُطامِ زُهوري
و تَزرعُ ..... لا .. أنتَ لا .. لستَ تَزرعْ
و يَفرحُ جُرحي إذا ما الغبارُ عليهِ تَرَبَّعْ
أيُعجبُكَ الجُرحُ إنْ صارَ يَلْمَعْ !!
أقولُ لجُرحِيَ أنَّكَ مِبْضَعْ
يقولُ زماني
سَلامٌ على الجُرحِ إنْ تاهَ مِبْضَعْ
***
وداعاً أبي
لا يُلامُ الرَّحيقُ إذا الوَرْدَ وَدَّعْ
و دَعني أُضَمِّدُ جُرحي بنفسي
و أنفُضُ عَنّي غُبارَ التَّمني
سَأُصبِحُ ربّاً لوحدي
و أعتِقُ إبني
و إنْ سَأَلَ الليلُ عَنّي فَقُلْ :
لستُ أدري
و إنْ سَأَلَ الحُزنُ عَنْكَ سَأخفي
أقولُ لهُ :
دَعْ أبي يَتَمَتَّعْ
أشكرك أختي العزيزة على هذا النقل الكامل والذي جعلني أفهم بعض ما لم أفهمه في التعليق السابق ولم أكن أعرف أن أختنا العزيزة الدرة قد اقتطعت جزءًا دون الآخر ، لكما مني أحر الشكر وأصدق الامتنان على هذا العمل الذي أعدكم بالتعليق عليه بشكل مفصل مستقبلاً بإذن الله.
(اللهم ارحم آباءنا أحياء وأمواتًا .الله انفعنا بدعائهم أحياءً وانفعهم بدعائنا أمواتًا واجمعنا معًا في جنة الخلد ..آمين.)
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-12-2009, 10:02 PM   #2
الدره
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2002
الإقامة: السعوديه,,,,بحر الأمان
المشاركات: 1,791
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة المشرقي الإسلامي مشاهدة مشاركة
أشكرك أختي العزيزة على هذا النقل الكامل والذي جعلني أفهم بعض ما لم أفهمه في التعليق السابق ولم أكن أعرف أن أختنا العزيزة الدرة قد اقتطعت جزءًا دون الآخر ، لكما مني أحر الشكر وأصدق الامتنان على هذا العمل الذي أعدكم بالتعليق عليه بشكل مفصل مستقبلاً بإذن الله.
(اللهم ارحم آباءنا أحياء وأمواتًا .الله انفعنا بدعائهم أحياءً وانفعهم بدعائنا أمواتًا واجمعنا معًا في جنة الخلد ..آمين.)

أخي الكريم المشرق,,,,
النص هو جزء يأتني من قناة شعريه مشاركه بها لذلك حتى أنا لم أعلم ان له تكمله جماليه رائعه أتحفتنا بها أختنا العزيزه إيناس
أعدك بأني سأقرأ أن شاء الله لهذا الكاتب قريب,,,شاكره لك تعليقك النقدي الجميل,,,
__________________

[left][b]
ثَارَاتْ ! ْ
قـَطـَفـُوا الزَّهْرَة ْ

قـَالـَت ْ:
مِنْ وَرَائِي بُرْعُم ُ ُ سَوْف َ يَثـُور ْ
قـَطـَعُوا البُرْعُم ْ

قـَالـَت ْ:
غـَيْرَه ُ يَنـْبـِض ُ فِي رَحْم ِ الجُذور ْ
قـَلـَعُوا الجَذر َ مِنْ التـُّرْبَة ْ

قـَالـَت ْ:
إنـَّنِي مِنْ أجْل ِ هَذا اليَوْم ِ خـَبَّأت ُ البُذور ْ

كَامِن ُ ُ ثـَأري بـِ أعْمَاق ِ الثـَّرَى
وَغـَــدا ً سَـوْف َ يَرَى كُلُّ الوَرَى

( أحمد مطر)
الدره غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-06-2010, 10:28 AM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة المشرقي الإسلامي مشاهدة مشاركة
أشكرك أختي العزيزة على هذا النقل الكامل والذي جعلني أفهم بعض ما لم أفهمه في التعليق السابق ولم أكن أعرف أن أختنا العزيزة الدرة قد اقتطعت جزءًا دون الآخر ، لكما مني أحر الشكر وأصدق الامتنان على هذا العمل الذي أعدكم بالتعليق عليه بشكل مفصل مستقبلاً بإذن الله.
(اللهم ارحم آباءنا أحياء وأمواتًا .الله انفعنا بدعائهم أحياءً وانفعهم بدعائنا أمواتًا واجمعنا معًا في جنة الخلد ..آمين.)
***
تبدأ القصيدة بأداة النداء للقريب وهي ذكر اسم المنادى دون استخدام حرف النداء للتعبير عن القرب وهو هنا بطبيعة الحال قرب معنوي إذ أن الغياب حقيقي إلا أن فارق المسافات لا يتمكن من القضاء على هذا الارتباط الإنساني العظيم والذي يتكرر في الشطر الثالث مرة أخرى بالنداء أبي ليقطع الشك بأن هناك تغيرًا طرأ على موقف الشاعر من حالة الفقد والتي ما زال يتمسك فيها بالوجود الرمزي للوالد كمعادل للوجود الحقيق بشكل أو آخر. وتأتي الجملة الشرطية إن تُمتع تمتع لتكون مسحة الأسى على رحيله المؤسف مستدعية بذلك فعلاً ربما كان يقوم به ذلك الوالد وهو طمأنة الشاعر إلى أن يعيش حياته التي يريدها ولا يخاف على من بعده شيئًا.فإذ بالشاعر يستخدم نفس الطريقة ليستحث الوالد على التمتع بما بعد الموت ويفترض أنه أي والده قد يتذكر حزن أهله عليه ،ليؤكد عليه مرة أخرى أن عليه أي الوالد الاطمئنان والتمتع بهذا الذي ينتظره من فرح وسعادة بعد هذه الحياة ، وهذه المعاني على إنسانيتها لكنها قد تصطدم بشكل أو آخر مع معتقدات الإسلام لأن الخطاب ها هنا لو كان لرجل غير مسلم فإنه قد يكون مقبولاً على الصعيد الإبداعي لكن على صعيد الدين فإن الجزم بمصير معين يكون محل نقاش خاصة وأن هذا النعيم لا يكون إلا لمن أسلم وجهه لله وهو محسن فقط ، ولعل هذا مقصد الشاعر .
ولا ينفي كذلك أن يكون هذا هو النداء الأخير للوالد قبل الوفاة وهذا ما تسعف به القرائن من خلال "صوت احتضار الأماني" والذي قد يفسر على أنه خطاب ما قبل الرحيل ، والذي أكد عليه الشاعر بعد ذلك بالجملة الفعلية قلبي يراقب موت الثواني ، وعلى هذا المنوال نجد الشاعر قد وجد موت والده هو موتًا لكل شيء الأماني ،الثواني على سرعتها ، وهي رؤية إنسانية حزينة تجد الموت ماثلاً أمامها في كل ما يحيط بالميت. وإلى ذلك فإننا نجد اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة مرسومة بدقة عندما يتحول الشاعر إلى النداء إن كنت تسمع ، مناديًا بذلك اللحظة الأخيرة في حياته والتي يطلب فيها المطلب الأخير وهو لملمة بقاياه إذ يستحيل الشاعر إنسان الجسد ،فقد خبا منه آخر شعاع في الحياة ليصير إنسانًا جثة فاقدة الروح والحيوية.
وإذا كان الشاعر هو الإنسان الذي يشعر بالجمال في كل سكنة وحركة من سكناته وحركاته فإنه ها هنا في هذه القصيدة يجد الموقف من الشعر حاضرًا لديه ، ليكون الشكل الوحيد أو الأمثل ربما للجمال كتمثال جميل اسمه قصيدة شعر أو أي بناء آخر له من وجوه الجمال ما يتمنى الشاعر أن يكون له.وربما يكون لذلك دلالة أخرى وهي أن يكون هذا الشكل المتكون من الرفات قصيدة شعر هو إشارة إلى أن الشعر من بعده سيصير جسمًا لا روح فيه ولن يشعر ولن يتألم ، وهذا هو مطلب الشاعر الذي يتمنى أن يكون تمثالاً لا يحس ولا يشعر وفي هذه الحالة يتساوى الإنسان والقصيدة أو التمثال في أن كلاً له وجه واحد إما الحياة الحقيقية أو الحياة المجازية التي تنبعث من هذا الجمال الأصم المتمثل في شكل التمثال وقد يكون هنا ء الروح ها هنا بتجمدها لتنتفي الأحاسيس عنها ويكون الموت الحقيقي لها إيذانًا بجمال لا متناهي في عنصر الشكل الذي شيده هذا الراحل.
وتأتي هذه الموازاة معبرة عن الصورة الأخيرة للموت بالشظايا التي تجرح إصبع عندما يحاول الأب تشكيل هذا الرفات ولعل مما يؤخذ على هذه الصورة هو إقحام لفظة الشظايا والتي لم يكن لها سابق وجود ولم يكن هنالك حدث يمهد لها لتكون جزءًا منه. وبعد هذا البث للمواجد قبل الموت لا يود الشاعر إلا أن يختم الشطر بما ابتدأ به وهو دعوته إلى المغادرة الهادئة إلى آخر منازل الدنيا من خلال الأمر "تمتع إذًا" فطالما وصلت الثواني إلى آخر خط لها على مسطرة الحياة ،فقد حان وقت التمتع لتبدأ من بعدها صفحة موازية في عالم الدنيا لابن يتقطع قلبه على هذا الرحيل.
وتبرز في هذه القصيدة حالة من التناقض بين الحالتين حال الوالد الذي يبدو وكأنه يقاوم الفرحة حتى لا يشعر من حوله بأنه فرِح لمغادرتهم وبين الولد الذي يشعر بالحزن يعتصر كل خلاياه لطالما رحل والده الذي هو الثواني والأماني وحروف هذه القصيدة ،وطالما وصل الوالد إلى هذه الأمنية وهي الموت فلا عليه بعد إلا أن يفعل بعده ما يود ويأمل.إذًا هنا مقابلة بين الدنيا والآخرة ،الأب والابن ومشاعرهما وهذا ما يضيف للقصيدة بعدًا إنسانيًا في غاية الروعة والسمو.
ويظل الشاعر متمسكًا بهذه الثلاية الشعر والروح والمتعة
من أجل أن يعيد صياغة فلسفة هذه الأشياء مرة أخرى مستدعيًا صوت الوالد الذي يقول له سأرسم قبل الرحيل جروحي ......لتهنأ روحي وكأن صوت الوالد مطبوع على لوح قلب الشاعر والذي يترجمه لنا معبرًا عن اللحظة الأخيرة والتي التقط فيها هذا الصوت الخافت قبل الرحيل، وإن كنت أرى أن من الأفضل في مثل هذه الحالة أن يكون الخط مكتوبًا بحجم أصغر حتى يعبر عن هذا الخفوت وأن يكون بلون مخالف ليكون موضحًا أنه صوت الوالد الراحل ، وتبدو هذه اللحظة الإنسانية سينمائية يسترجع الشاعر فيها أصداء هذا الصوت الدافئ والذي تتبدى فيه قمة الإنسانية من خلال استجاب الأب لآخر طلب يتمناه منه ابنه وهو رسم الجروح قصيدة شعر هذه الجروح هي المعبر عنها في الشطر السابق بالشظايا والرسم المعبر عنه في الشطر السابق بالتشكيل ولعل التخفيف من الشظايا إلى الجراح والتشكيل إلى الرسم هو نتيجة دقة هذا الموقف العصيب الذي يستحيل على الوالد فيه إنجاز المأمول والمتمنى منه على هذا الشكل لكنه يبذل ما استطاع من أجل إرضاء ابنه ، ليأتي الصوت مرة أخرى تمتع تكريرًا لهذا النداء الأخير والذي يوصل فيه الشاعر آخر أحرفه بعد إذ استدارة مزولة الشمس إلى وقت الغروب الأخير.ليقول :
سَأرسُمُ قَبْلَ الرّحيلِ جُروحي
قصيدةَ شِعرٍ
لتهنأ روحي
إذا كنتَ تَسمَعُ صوتَ الأنينِ ...... تَمَتَّعْ


__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-06-2010, 10:29 AM   #4
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

ومع عصبية الموقف لا يجد الشاعر بعد أن فقد الخيط الأخير إلا أن يستعيد الذكريا ت الماضية ويتفاعل مع الماضي والحاضر ذهابًا وإيابًا من أجل التخفيف من شدة هذه المواجع عله يجد في ماضيه ما يلهمه الصبر على حاضره المؤسف والذي يكون الوالد فيه هو صورة لهذا الماضي الجميل بينما هو أي الابن صورة لهذا الحاضر الأسيّ.
ولا أدل على هذا الحب من هذه الشطرة بصحراء غيثك .... ليظهِر الشاعر هذا الحجم من التناقض بينه وبين والده ، إذ يكون والده غيثًا والشاعر صحراء تنمو بهطول هذا الغيث الرقيق عليها ، ويستمر الشاعر في رصد هذه المقابلة بين النمو والصحراء ليلتقط لحظة في غاية التأثير ممثلة في الحبو الناتج عن هذا الغيث والذي نمت منه زروع الصحراء ومن ثم انتقل الطفل إلى مرحلة الحبو، وفي إظهار هذه الصورة للزرع وما يقابلها من نمو لإنسان صغير اتساق في الحالة النفسية التي تستدعي بتفاصيلها الأمر تمتمع وتبرر وجوده أكثر من مرة ، وتبرز هذ ه الصورة في استعطاف البدر في ليل الوجه ذلك الوجه الحزين الذي يتمنى الشاعر أن يسطع البدرفيه باستعطافه إياه .هذا الوجه الحزين للوالد ربما جراء المرض وربما جراء أسباب أخرى ،غير أن من الممكن أن يكون هذا تعبيرًا عن الحزن على مرحلة كان الشاعر فيها في صغره مشاغبًا يضيق به والده فيتمنى أن يسطع النور في ليل وجهه ، والصورة أسكت جوعي بأصبع فيها قدر كبير من القوة الراجعة إلى العزف على أوتار الطفولة وذكرياتها التي يعود فيها الأصبع الذي كان يسد به الطفل جوعه وقد قابله جرح أصابع والده من شظاياه.
بصحراءِ غيثِكَ كانتْ ثماريَ تنمو و تَوْنَعْ
و كنتُ كَطِفْلٍ
و رُغْمَ العظامِ الطَّريةِ أحبو
و أُسكِتُ جوعي بإصْبَعْ
و أستَعطِفُ البدرَ في ليلِ وجهِكَ
عَلَّهُ يَسطَعْ

وتتوالى قطارات الحزن ليعيد الشاعر إلى الأذهان صورة أخرى يستعطف بها الوالد ويخبره عن بعض قرابينه التي يرجو بها أن يسامحه إن كان مقصرًا من خلال تذكيره بارتتاعه في ظله ومضغه الثواني وهو كناية عن التألم بالوقت ومروره وفقد الظلال من بعده وفاء له وهو إلى ذلك يبعثر أحلام قلبه المتصدع وهو تعبير يتسم بحضور صورة ذهنية أقرب إلى الصور المتحركة الكمبيوترية (الجرافيك) لهذه الأحلام المبعثرة والقلب المتصدع تلك الصورة التي تزيد الموقف حزنًا وتراجيدية.
وهذا الحفظ للعهد يتمثل في هذه القدسية للجد المشرع والذي يكون بمخالفته جحيم وبطاعته نعيم ، وعلى ما في الأشطر من أخطاء دينية ممثلة في الركوع والتشريع إلا أن استخدامها وتطويعها للموقف الشعري كان جيدًا إذ يصبح الجد أداة تذكير للحفيد بالجنة ويمتد بعد الموت أثر عمله الصالح في تنشئة الابن وابنه من خلال السجود الخاشع للابن اقتداء بمن رحل.وإن كان من الممكن الالتفاف حول كلمة شرّع لتأتي بمعنى غير المعنى الديني إلا أن الركوع يكون من المستحيل أن تعطى دلالة غير التي جعِلت لها ،ليكون التقديس والرغبة في إبراز الولاء للراحلين أحد المآخذ التي يقع فيها الكثيرون من شعراء هذا الجيل أو من الواقعين تحت وطأة هذا الموقف الحزين.
تَذَكَّرْ .....
بأنّي بقيتُ بظِلِّكَ أرْتَعْ
فَقَدتُ ظِلالي
مَضَغْتُ الثَّواني
و صِرتُ أُبعثرُ في الأفقِ أحلامَ قلبٍ تَصَدَّعْ
بَقيتُ كَطِفْلٍ
و عُمري ثلاثونَ عاماً و نَيِّفْ
و إبني بِقُربي لِشَخْصِكَ نَرْكَعْ
و أضْرِبُهُ إنْ أبى أو تَمَنَّعْ
و إنْ راحَ يبكي
سَأُخبرُهُ إنَّ ( جَدَّكَ ) شَرَّعْ
فلا تَعْصِ أمراً
و إلا سَتلقى جَحِيماً
و كُنْ طائعاً تَلقَ جَنَّةَ ( جَدٍّ )
بها عِطْرُ وَرْدٍ تَضَوَّعْ ....
يُطيلُ السُّجودَ وليدي و يَخْشَعْ

__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-06-2010, 10:30 AM   #5
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

وتأتي مرة أخرى حالة المقابلة لتعيد الموقف إلى صورته المأساوية المتمثلة في هذه المفارقة والتي فيها يمسح الشاعر أحزانه بالمنديل ولكنه يفلسف هذا الموقف على أن موت أبيه كان مسحة لدموع الفرح التي عاشها من قبل ، فكأن الشاعر هو حيّ بين دموعين دموع فرح ودموع حزن وإذا كانت المقابلة مراد منها إبراز حالة التناقض في الموقف لكل من الوالد والولد ، وهذا الحزن الذي يظهر في مسح أبيه دموع فرحه هو مستمر لذلك استخدم له الشاعرأداة تعبر عن الاستمرارية من خلال ما زلت تمسح بينما أن دموعه مُسِحت لكن مسحها انتهى لتعود من خلال الفعل ما زلت ،وتحضر الشاعر رمزية مميزة في المنديل المقطع والذي هو يتوازى في دلالة يقصد بها قلب الشاعر.ولعل الشاعر يستعيد ماضيه حينما كان حيًا والده والذي كان لا يطيق سماع صوت طفل من أحفاده يلعبون من حوله ولكن الحياء يعاود الشاعر مرة أخرى فلا يعطي والده صورة موازية لصوت الحطام وكأنه يقول له لقد حاولت أن أزرع السعادة فوق الحطام ولكن موتك هو الذي زرع الشوك ولكن التأدب يبلغ من الشاعر مبلغه حتى لا يقول شيئًا من ذلك، وهذه الموازاة بينهما هي أداة تعبر عن اختلال الشاعر حتى أنه برحيل والده يصور الرحيل وكأنه شيء متعمد عقابًا له. وهي عادة كثيرًا ما يلجأ إليها الشعراء من أجل بث مواجدهم الحائرة ، كأنه عتاب شفيف هادئ لهذا الراحل على أن تركه وهي فكرة من الضروري أخذها بالحذر حتى لا يقلب الشاعر هذه المعاني الجميلة ويوهم القارئ بعكس ما أراد.
وتنفجر هذه الأحزان بشدة من خلال إعطاء الأشياء سمات البشر (التشخيص) في فرحة الجراح عندما تتوارى ولكنها مرة أخرى تعاود الظهور ليسأل السؤال الاستنكاري : أيعجبك الجرح إن صار يلمع ؟ كأن ثمة أحزانًا قبل الموت غطى عليها وجوده لكن عرّاها هذا الغياب . إلا أنني أشعر أن ثمة خطـًأ وقع الشاعر فيه عندما صور الجراح بالمختفية تحت الغبار وشبهها بحاله ، فالجرح عندما يغبّر فإنه يصير أكثر دمامة في الشكل والماء وإن عمل على تلميع الجرح حينًا وظهوره إلا أنه بعد ذلك يطهره لهذا كان التشبيه مأخذًا على الشاعر من حيث ارتباطه بالموقف النفسي.
وهذه السخرية تأتي -قبل الوداع -لتشعِر القارئ بأزمة هذا الموقف من خلال الرؤية التي بثها والتي صوّر فيها مدى محاولته التحايل على الجرح وتكذيبها وإقناع نفسه بأمل وتفاؤل سرعان ما اتضح له أنهما في غير المكان الصحيح من خلال :"أقول لجرحي أنك مبضع" لعل الجرح يكون شفاء له آخر جرح له وبالتالي يكون كالمبضع الذي شُفِي َبه آخر الجراح .
إلا أن الصورة تزداد قتامة عندما يكون الزمان في غير صف الشاعر ويخبره بسخرية "سلام على الجرح إن تاه مبضع!!" فكأن الزمان هو الآخر واقف ضد هذا الشاعر وكأن أمله كان مجرد لحظة خدعه فيها الأمل وسرعان ما تكشّف له أن هذا الجرح جرح حقيقي ولن يندمل لا سيما وقد "ضاع مبضع" وهو ما يعبر عن حالة أسوأ من التي كان الشاعر يظنها ،فلم يكن فقط جرحًا وإنما جرح لا مبضع له.وهو ختام عبقري لهذه الشطرة التي أفقدت الشاعر كل الآمال الممكنة ليدخل من بعدها إلى صفحة الوداع الصريح بكلمة "وداعًا". ووجود حرف الضاد مرتين والعين كذلك وهما حرفان صعب النطق بهما أضاف إلى القصيدة جانبًا صوتيًا مشعرًا بالحزن والضياع والكبت المتولد عن قافية العين والمعاناة في إخراجه .
***
ولا يكون أمام الشاعر بعد هذه الموجة من الصور والأحاسيس الحزينة القوية الصادقة إلا أن يقول وداعًا وهو بعد ذلك يفاجئ القارئ بأنه ينقض ما كان بانيه كما يُنقض بناء هذا الأب الراحل بالموت ، وذلك من خلال نفي التهمة عنه والتي كانت مبثوثة في ثنايا الأسطر السابقة ، لينفي عنه هذه التهمة ويعبر عن تقلباته هو ويفتح صورة منها ثم يعود إلى أدراج صوابه حينما لا يكتفي فقط بتبرئة والده وإنما بامتداحه مهديًا إليه طاقة ورود على قبره من خلال "لا يلام الرحيق إذا الورد ودع" فالأب هو ذلك الورد الذي ضاع الرحيق منه ،لهذا يعود إلى تبرئته معبرًا عن استسلامه للواقع وتدرجه من صورة المحمل إياه مسؤلية حزنه إلى المشفق عليه والمدافع عنه إلى آخر لحظة من خلال السطر الأخير والذي -قبله- حرر كل شيء من ارتباطه بأبيه ليصبح هو وحده في حضرة المقبرة التي يراها بعين قلبه ويتدرج من النفي للتهمة عنه من خلال البيت "لا يلام الرحيق"إلى تحمل المسؤليه بنفسه"أضمد جرحي بنفسي" وأخيرًا انتهاء بدفاعه عنه من خلال مداراته عن أعين الحزن الذي كان يتخطفه من قبل من خلال السطر الأخير"وإن سأل الحزن عنك سأخفي.." بل وفي النهاية يستميت في ترجي الحزن مفارقته بهذه القبلة الحانية"دع أبي يتمتع" ليكون التمتع هو الخاتمة التي تمناها وألح على استدعائه لها.وكأن الحزن هو ذلك المخبر الذي يحاول طرق الأبواب لإخراجه بالقوة ليقف هو أمامه ويقول دع أبي يتمتع ، لعلها آخر ما يواسي الشاعر به نفسه ، فهذا المصير المحتوم الذي يرجى أن يكون جنات خلد هو ما يصبّر الشاعر في مواجهة الحزن ليعطي هنالك توازنًا في الحالة ، ويظل التمتع الغاية المنشودة. وفي هذه الشطرة الأخيرة رقة في التعبير وإنسانية في الصياغة والتي يستدعي القارئ في ذهنه صورة الوالد الراحل مسجى بالفراش وكأن الشاعر يربت عليه ويطبع آخر قبلة ليبقى في آخر مراحله في الدنيا آمنًا مطمئنًا بإذن الله .
العمل في تقييم أروع من أن أصفه وهو عمل يتسم بالعمومية لكل زمان ومكان وحالة (على بعض الاختلافات في بعض الجوانب الدينية) ويبقى الرحيل هو ذلك الحبر الذي يغذي كل قلم لإنتاج أروع ما يمكن أن يكتب وتظل إنسانية الحالة كأنها القبر يقف عليها الواحد - أي إنسان- ليجد العبرات تنساب منه تلقائيًا ، لأنه في النهاية -قبل وبعد كل شيء- فراق كان عنوانه الإنسان. عمل رائع وأشكرك على هذا التناول العبقري والذي جعلني وشيك البكاء ، وهكذا الشعر ..(ما أشعرك)


__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .