العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السيـاسية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في بحث أشباح بلا أرواح (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد كتاب عظيم الأجر في قراءة القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في مقال الطاقة الروحية براهين من العالم الآخر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد بحث لغز مركبات الفيمانا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى كتاب حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديث في الفقه الإسلامي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: The international justice court (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نقد تنبيه الأنام على مسألة القيام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الزراعة المثالية ولعنــة الأدويــة الكيماويــة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: New death (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال البروباغاندا الهدوءُ والفتك (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 14-03-2010, 04:09 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

جدلية البحث النظري في القاعدة الاقتصادية

لقد حاولنا تشبيه القاعدة الاقتصادية بالبناء أو الآلة أو الأسرة أو الإنسان (والذي يتكون جسمه من أجهزة وأعضاء)، وحاولنا ربط الاقتصاد الفردي باعتباره قاعدة اقتصادية منفصلة ولكن لها روابطها مع الأسرة أو صنف العمل الذي يقوم به الفرد كالمزارع بين صنف المزارعين، وربط الأسرة أو الصنف مع الاقتصاد الخاص بالمجتمع المحلي (مدينة، ريف، صناعة، تجارة) وربط هذه الوحدة الأكبر مع الاقتصاد الوطني للدولة، والتي لم تعد معزولة عن الاقتصاد العالمي.

مزاعم قد تؤذي الوصول الى حالة الفهم العام للقاعدة الاقتصادية:

هناك ميلان يتدخلان في الشأن الاقتصادي، ويتركا أثراً يخلخل التشريع الخاص بالاقتصادات الوطنية أو الفردية، كما يؤثران على رسم الخطط الاقتصادية وتحويلها لإجراءات عملية، يُفترض أن يقتنع بها الأفراد أو الوحدات الاقتصادية الجزئية:

الميل الأول ـ الميل النظري:

يجلس خبراء محليون أو دوليون ويبدءوا بطرح المشكلات الاقتصادية التي تمر بها منطقة معينة، سواء في مناقشة الهجرة الريفية أو الهجرة من البلدان الأفقر للبلدان الأغنى، أو لتحديد النسل أو لدعم الأنشطة الاقتصادية للأسر الفقيرة الخ.

إن هذا النوع من النشاط الذهني ليس طارئاً على البشرية، فقد كان يزاوله سكان ما بين النهرين في القدم قبل آلاف الأعوام، وأخذ بالتطور والتعقيد كلما زاد عدد أشكال الأنشطة الاقتصادية، ولم يكن في يوم من الأيام محل اتفاق الجميع، فما أن توضع نظرية، حتى يأتي من يدحضها ويبين الثغرات الكثيرة فيها، وقد يأتي من ينقضها بعد عقود أو بعد سنين أو أحياناً يكون نقضه لها وقت ظهورها.

إذا أسقطنا أحد الأمثلة التي شبهنا بها، ولتكن حالة الإنسان بأجهزة جسمه وأعضائه، على الحالة الاقتصادية، فإنه لا يوجد ولم يوجد طبيبٌ ادعى أنه يستطيع معالجة كل أمراض الجسم، من أسنان وعيون وكبد الخ، فظهرت التخصصات وظهرت المختبرات التي تضع كل حالة فردية، أمام مجموعة من المختصين وأدوات مختبراتهم، وأحياناً تنجح في المعالجة، أو تفشل ويموت المريض الذي بين يديها. ولم نسمع بمريض تم علاجه بالهاتف أو أن مرضى تم تعميم علاج لهم بشكل جماعي من خلال توصيات!

فكيف لخبراء وضعوا نظرياتهم في إحدى جامعات الغرب، وتم ترجمتها الى لغات مختلفة، أحياناً يفتقر المترجم لمعرفة المصطلحات الموضوعة، أن يناقشوا حالات أكثر من ستة مليارات شخص يعيشون على ظهر هذا الكوكب؟

الميل الثاني ـ الميل التقني

للسدود خبراء ومهندسون، وللجسور والآلات كذلك مثلهم، وللهندسة الوراثية خبرائها ولكل شيء خبير فَهِمَ أساس تصميمه وأسس تركيب أجزاءه، وكيفية التعامل الجيد معها، ولكن هؤلاء الخبراء يكونوا بفاعليتهم المؤثرة في المختبرات وفي المطارات وفي المستشفيات. ولكن حضورهم مع كل وحدة صغيرة في بلدٍ ناءٍ لن يكون متاحاً في أغلب الأوقات.

فاستخدام التقنيات قد يكون نادراً بين أيدي أكثر من ثلثي سكان العالم، وإن استخدم أحدهم تلك التقنيات، فقد يستخدمها بشكل خاطئ مضيعاً ثمنها الذي جمعه، أو مسبباً لأضرار جانبية معينة. مثلاً، تعج أسواق دول العالم الثالث، ومن بينها بلادنا بآلاف الساحبات والجرافات وغيرها من المكائن التي أحيلت منذ زمن بعيد على التقاعد وتم معاملتها بشكل (سكراب أو نفايات)، ولو تمعن أحدنا بجدوى تلك الآلات، لرأى أنها تُشكل أحد المسارب الرئيسية للثروة الوطنية، وأن كفاءتها تقل كثيراً عن كفاءة مثيلاتها (بالاسم) في الدول المتقدمة، مما يزيد من كلف الإنتاج ويقلل من إنتاجية الوحدة الواحدة.

سيقول قائل: أن إمكانيات المنتج الفردي أقل من أن تسمح له بشراء آلات أكثر كفاءة. فلذلك يضطر لشراء مثل تلك الآليات، ولذلك يضطر لبناء حظائر للدواجن متواضعة، وستكلفه تلك الحظائر تدفئة إضافية وتبريد إضافي وعمال أكثر وستكون في النهاية كلفة الكيلوغرام الواحد أكثر من كلفته في الغرب، وعندها ستكون البضاعة المستوردة أرخص وأفضل للمستهلك، وقد يؤدي ذلك الى ضمور قطاع كامل أو قطاعات نتيجة الخسائر وعدم القدرة على منافسة المستورد، خصوصا بعد توقيع معظم دولنا على اتفاقية (الجات).

كيف نتلمس طريقنا للخروج من تلك الحالة؟

هذا ما سنتناوله في المرة القادمة




__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 05-04-2010, 10:02 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاستيراد الأقل كلفة.. أم الإنتاج الأكثر كلفة؟

في أوائل السبعينات وبالتحديد، في الأول من حزيران/يونيو 1972، أمم العراق نفطه، ومنذ ذلك التاريخ فُتحت عليه أحقاد العالم الغربي، فتم حصاره بعد قرار التأميم ومنع من تصدير نفطه، فامتنعت دول العالم عن شراء النفط العراقي، وابتدأت الدول الدائنة للعراق بالمطالبة بتسديد ديونها، ومن بين تلك الدول (الاتحاد السوفييتي)، الذي كانت مجموع ديونه 16 مليون دولار فقط، فعرض العراق على السوفييت أن يأخذوا قمحا من القمح العراقي حيث كان الموسم جيداً، (7 مليون طن إنتاج العراق في ذلك العام)، وبعد طول مفاوضات، فقد وافق السوفييت على أخذ مليوني طن بسعر الطن 8 دولار، في الوقت الذي كان فيه السعر العالمي للقمح بين 39 و 45 دولار.

تركت تلك الواقعة، أثراً كبيراً عند صانع القرار العراقي، فبعد أن كان شعار الدولة (الزراعة بديل النفط)، تراجع ذلك الشعار، ليظهر مرة أخرى عندما مهد الغرب لمكيدة (دخول العراقيين للكويت)، إذ سبق ذلك التاريخ، ظهور ما سمي في نهاية الحرب العراقية الإيرانية، توجه العراق لحيازة أسلحة الدمار الشامل، فبعد تهمة تطوير (المدفع العملاق) ألغيت صفقات القمح الأمريكي والقمح الأسترالي في شهر مارس/آذار 1990، ليجد العراق نفسه أمام محاصرة اقتصادية في قوت الشعب، فأدرك أهمية عدم الاعتماد على الاستيراد.

وصرح بذلك وزير التجارة الخارجية العراقي،عندما قال (كنا نعتقد أنه من إنتاج يومٍ أو يومين من النفط نستطيع أن نؤمن لشعبنا قمح عام كامل، ولكن اتضح لنا أنا كنا على خطأ)

آراء صانعي القرار في بلداننا لا تختلف كثيراً

في أحد اللقاءات مع وزير الزراعة، مع منتجي الدجاج اللاحم، سأل الوزير: لماذا تخشون من استيراد الدجاج اللاحم من الأسواق الخارجية؟ ألا تستطيعون أن تبيعوا دجاجكم بنفس السعر الذي يبيعه فيه المستوردون؟

كانت أجوبة المنتجين المحليين: إن كلفته عند منتجيه في الخارج أقل بكثير من كلفته عندنا.. ضحك الوزير وقال: توقفوا إذن عن إنتاج الدجاج.

النماذج الحكومية المشابهة لذلك النموذج كثيرة، ففي بعض الدول العربية ينتشر فهمٌ يصل الى حدود التعليم العالي، ففي بعض الدول يقول المسئولون : لماذا نُدرس الطب؟ ولماذا نُرهق أبنائنا في دراسته، لننتج بالتالي أطباء غير أكفاء؟ في حين أنه بالإمكان استقدام آلاف الأطباء من دولٍ كثيرة (كوبا مثلاً) وبكلفة زهيدة؟

حمى الفهم الخاطئ تصل الى الأسر والأفراد

يجلس بعض أفراد الأسرة، يناقشون وضعهم الداخلي ومستوى معيشتهم، ويقارنون أوضاعهم بأوضاع الأسر الأخرى، فشكل البيت والأثاث والملابس والطعام هي دون مستوى غيرهم.

فيتفحصون ممتلكاتهم من عقارات، فتقع أعينهم على قطعة أرضٍ لا تنتج في الموسم إلا القليل من القمح أو الشعير، وإنتاجها كله لا يكفي لإعاشتهم شهراً واحداً. في حين أن ثمنها سينقلهم من حالٍ الى حال، فيبيعونها ويتنعموا بثمنها لفترة، وقد يؤسسون لمشروع تم دراسته على عجل، فغالباً ما تفشل مثل تلك المشاريع وغالباً ما يستنزفون مدخراتهم وأملاكهم في ظرف عدة سنوات، حارمين أنفسهم من ضمانة معنوية ومادية، وحارمين أبنائهم من الاتكاء على تلك الضمانات مستقبلاً.

وقد ينسحب ذلك على تسرب التلاميذ من المدارس، بتشجيع من ذويهم أو بغض نظرٍ عن ذلك التسرب، بحجة أنه لماذا أتعلم؟ وما هو مستقبل ذلك العلم؟

هناك مسائل لا تُقاس بالمردود المادي لها

عندما يجتهد شيخٌ في الثمانين من عمره، في أن يتم أصغر أبنائه دراسته الجامعية، فإنه لا يطمح أن يقوم هذا الابن بالتكفل برعاية والده، ولكن روح الاهتمام بإكمال رسالته تجاه الأسرة هي الدافع لاجتهاده.

هذا الأمر ينسحب على الدولة أيضاً، فعندما تفتح المدارس وتعبد الطرق وتؤسس المستوصفات الصحية في المناطق النائية، فإنها لا تنشد الربح المباشر، بقدر ما هي مسئولية أدبية وأخلاقية تقود في نهاية المطاف للارتقاء بالشعب الى حالة من القوة تعتمدها الدولة في تحسين مكانتها بين الدول.

لكن هل المشاريع التي يكون إنتاجها أكثر كلفة من استيرادها، يخضع لنفس المفهوم؟

هناك بعض الدول، توقفت عن إنتاج بعض السلع وتركتها لدولٍ أخرى ضمن تفاهم معين، كاليابان في صناعة التلفزيونات والأجهزة الكهربائية وحتى السيارات. وهناك دول تخصصت في جزء من صناعة مُنتَجٍ ما، وتعاونت مع دول أخرى في تصنيع الأجزاء الأخرى. وهذا يُفسر اقتصادياً بأن تلك الدول تريد ربط أسواقها الخاصة وأسواق شركائها بمصلحة واحدة تعود بالنفع على تلك الدولة، كما أنه ببعض الحالات يكون من الأوفر على الدولة أن يقوم شركائها من الدول الأخرى في تصنيع أجزاء من منتجها الأساسي، كون الأيدي العاملة أقل كلفة أو أن المواد الخام والقوانين الصناعية في تلك الدولة متوفرة بشروط أحسن.

لكن كل ذلك، لم يؤثر على القاعدة الاقتصادية، في أيٍ من أطراف الإنتاج، لأنه في حالة فك الشراكة، فإن قدرة الدولة لن تضعف على إيجاد شركاء جدد، أو أنها تقوم بالتصنيع نفسه.

جدلية نمو القاعدة الاقتصادية

إن تمسك الدولة بتنويع أبواب اقتصادها، سيحفز الباحثين الإداريين والفنيين على تطوير الإنتاج والبحث عن وسائل تقليل الكلفة، والبحث عن أسواق، إضافة الى تأمين فرص عمل لقطاعات واسعة من الشباب الداخلين حديثاً لسوق العمل. إضافة لتنويع أبواب الدخل القومي للدولة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 21-04-2010, 12:53 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

القاعدة الاقتصادية .. المكان والتطريد

عندما تنخفض قدرة خلية النحل، ولم تعد تكفي أفراد طائفتها، لأسباب قد تتعلق بانخفاض كفاءة الملكة على وضع البيض، أو أن الملكة تكون قادرة على وضع البيض وخصوبتها عالية، لكن المرعى أو المكان يكون غير كافٍ لتزويد الخلية بالرحيق وحبوب اللقاح، عند ذلك تبرز ظاهرة (التطريد) أي تفكيك طائفة الخلية لعدة مجموعات، تغادر المكان وتحاول إنشاء خلايا جديدة.

هذه الظاهرة، تنسحب على أبناء البشر في كل مستوياتهم، فالبيت كمكان للأسرة، سيلفظ بعض أعضائه عندما يكبرون ويتكاثرون ولن يعود هناك حيز لاستيعابهم، وقد يكون خروج بعض الأفراد طوعياً وسلمياً وقد يأتي كنتيجة لاحتراب أو احتكام بعد الاختلاف.

كما يحدث في الأسرة، فإنه يحدث بالشركات أو المحال الحرفية الصغرى، فقد لا تكفي أرباح محل بيع اللحوم (الجزارة) لشريكين (أخوان أو غيره)، فيضطرا الى المخالصة وتصفية المحل، وإحالته لأحدهما.

وكان يحدث ذلك في المجتمعات القبلية (البدوية الرعوية)، حيث لا تكفي مساحة المرعى لإطعام مواشي الجميع، فيبادر أضعفهم، وأحياناً أقواهم، للرحيل بحثاً عن مراعي جديدة، مع ما تحمله تلك الرحلات من صعوبات واقتتال وغيره.

كذلك كانت وما تزال، تفعل الدول بتطلعاتها للتوسع، تمشياً مع نظرية (مالتوس) التي ظهرت قبل أكثر من قرن ونصف، عندما تنبأ بعدم كفاية العالم على اتساعه لإطعام أبناءه، علماً بأن عدد سكان العالم لم يكن يتجاوز المليار، فكيف اليوم والعالم على أعتاب السبعة مليارات.

هل الأمن كفيلٌ بحل ما يترتب على ظاهرة التطريد؟

يعتمد مربو النحل طرقاً للتعرف على ظاهرة التطريد، فيعالجونها بتغيير الملكة أو التغذية الصناعية أو زراعة النباتات المزهرة، وإن كانت المسببات آتية من أعداء ك (الزنابير أو طيور الوروار) فإن حمايتها ستكون سهلة أيضاً.

لكن، هل تتكفل الجيوش القوية وأجهزة الأمن المتيقظة لتدعيم قاعدة اقتصادية، يعاني أفرادها من الجوع والعطش والبطالة والجهل والمرض؟ إن ذلك لن يحدث في المنطق، فالخزنات المنيعة يكون داخلها كنوز عظيمة، ولا يمكن أن تفرد دولة ضعيفة في مواردها هزيلة في إنتاجها جزءا كبيراً من ميزانيتها للتسليح وتقوية أجهزة الأمن، وإن فعلت ذلك، فستكون سياستها مكرسة لإدامة من هم في الحكم وتكون أيضاً أحد العوامل المباشرة في إعاقة نمو القاعدة الاقتصادية.

هل الجهل أحد أسباب التطريد؟

قبل أربعة عقود، كان هناك في منطقتنا سبعين من العاملين يكدون ليلاً ونهاراً لإطعام مائة، وهذه النسبة كانت في كوريا الجنوبية أيضاً.

بعد انتشار العلوم والتقنيات، لم يعد هناك حاجة لتخصيص 70% من الشعب للعمل في الزراعة، بل يكفي حوالي 10ـ20% من الناس ليتخصصوا في تلك المهمة، وزيادة النسبة وقلتها تعتمد على تطور العلوم والبذور والأدوات وطرق الري وطرق استغلال الأرض الخ.

ولكن، الى أي المجالات سينصرف ال 80ـ90% من الناس؟ وهل الزيادة في السكان ستضمن بقاء نسب العاملين والعاطلين عن العمل؟ وهل انصراف الشباب والشابات (طبعاً) لمقاعد الدراسة الجامعية سيحل المشاكل وحده وسيدعم القاعدة الاقتصادية؟ وهل تضمن الدول أنها في بذل نقودها ونقود أبنائها أن لا تذهب تلك الأموال لصالح الدول التي يتطلع هؤلاء الشباب للهجرة إليها بعد تنفيذهم تلك الهجرة؟

وعي الأفراد ووعي الدولة..

الوعي هو القدرة على إنتاج صور.. هكذا بكل بساطة.. فإن كان الوعي يخص حدثاً كان في الماضي فإنه يصبح وعياً (ماضوياً)، وهذا الوعي يستخدم في استجوابات الشرطة عندما يحثون متهميهم على إعادة رسم صورة كانوا شهداء عليها، أو يستخدمه المؤرخون والمحللون السياسيون عندما ينبشوا أوراق الماضي لمئات بل ولآلاف السنين، لتكون لهم بمثابة نقاط لإحداثيات لإتمام رسم الصورة، وعندما تقل نقاط الإحداثيات فإنه تقل معها معالم الصورة والعكس صحيح.

في تصور ما سيحدث بعد سنة أو عشرة سنين أو مائة سنة، يستحضر من سيقوم بتشكيل الصورة كل مهاراته وثقافاته ومعلوماته الإحصائية ليقوم (بوعيه) في رسم تلك الصورة المستقبلية، فإن كان مثقفاً متعلماً (كفرد) فإنه يستطيع رسم صورة دقيقة أو قريبة من الدقة، وإن كان جاهلاً فإن الضبابية والميتافيزيقة ستلف تلك الصورة.

في حالة (وعي) الدولة، يلزم استحضار كل أدوات الوعي من مؤسسات ومفكرين وعلماء وأجهزة استخبارية. لتخطط فيها الدولة لكل شيء: مراكز صحية، مدارس، مساكن، فرص عمل، طرق مواصلات الخ. ومن أين ستأتي بتمويل تلك الخطط وما يستوجب عليها انتهاجه.

من هنا، نجد بعض الدول وأفرادها يأخذون مسألة النمو السكاني بشكل جدي وقاسٍ في بعض الأحيان، وطبعاً لا يخلو أي نمط من أنماط التفكير من خطورات اجتماعية واقتصادية وأمنية الخ.

يتبع
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة ابن حوران ، 21-04-2010 الساعة 01:05 PM.
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 11-05-2010, 08:55 AM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

موقع العمل في القاعدة الاقتصادية

الحديث عن العمل، بشكل عام سيقود الى تفرعات كثيرة، منها ما يتعلق بضرورة العمل ومنها ما يتعلق بالرغبة بالعمل ومنها ما يتعلق بتقسيم العمل ومنها ما يتعلق بالمسئولية في تأمين العمل للمواطنين ومنها ما يتعلق بمردود العمل على مستوى الأفراد أو مستوى الجماعة أو مستوى القاعدة الاقتصادية الوطنية، وغير ذلك من العناوين الفرعية المهمة، ولكن سنستعرض ما يتعلق بمستوى فهمنا لتأثير العمل على القاعدة الاقتصادية.

وقبل أن ندخل في مناقشة موضوع العمل، دعنا نذكر ما رواه أحدهم ونتأمل في قوله: (لقد تزوجت في شتاء عام 1948، وكنت أعلم أن المساحة التي كُلفت من الأسرة في زراعتها بالقمح، لن يساعدني أحد على إنجازها، لأن كل من كان في عمري، كان مكلفاً بحجم عمل، عليه إنجازه في الوقت المحدد، فزراعة القمح لها موعدها، ولا يجوز تجاوز ذلك الموعد، ولأن وسائل الحراثة كانت بدائية (بواسطة الحيوانات) فإن تقديرات العاملين وخبرتهم تجعلهم يراقبون أنفسهم... قطعت إجازة عرسي في اليوم الثالث، وأخذت بغلي والمحراث والبذار وخرجت قبل الفجر حتى أصل الى الأرض التي سأزرعها وأحرثها، فأذن الفجر وأنا في طريقي، وكنت لا زلت على جنابة، فتذكرت قول والدي [ لا يصح أن نلمس القمح أو نبدأ العمل دون طهارة وصلاة]، فالتفت فإذا بتجمع لماء الأمطار وقد علا سطحه طبقة من الصقيع، فكسرتها، وأخذت من ماء المطر واغتسلت، وقمت بعملي، وعندما عدت في آخر النهار، كانت الحمى والقشعريرة قد نالت مني، ومع ذلك لم أتغيب عن عملي ساعة واحدة)


ضرورة العمل والرغبة فيه

هناك من ينظر الى العمل، على أنه نزوع فِطري لتوكيد ذات الإنسان، وهناك من ينظر إليه على أنه وسيلة أو معبر لتأمين ضرورات العيش، أي لتأمين دخل ثابت يستطيع الإنسان من خلاله إنجاز طلباته الأساسية التي تبدأ من إشباع المنفعة الحدية كتأمين السكن بشكله الأولي الذي يحقق استقرار الإنسان بعيداً عن الأذى الذي قد يلاقيه من الطبيعة (بردها وحرها ووحوشها)، أو يلاقيه من التطفل على خصوصياته التي تؤمنها عزلة السكن الخاص. أو كتأمين الطعام بشكله الأولي الذي يحفظ الحياة، والملبس وغيره، وما أن تتحقق تلك المطالب الأولية حتى تمتد رغبة الإنسان في تطويرها من حيث الفخامة والرفاه.

من ناحية أخرى، هناك من لا يُعلق أهمية على العمل، فيقول: إذا كان الناس يعملون من أجل أن يعيشوا، فإن كان باستطاعتهم العيش دون عمل، لماذا يعملون؟

هذه النظرة تغلغلت هذه الأيام في نفوس الكثيرين من أبناء دول العالم الثالث، فبالرغم من أن الفقر ينتشر في أوساطهم بشكل كبير، فإنهم ينزعون بتفكيرهم الى البحث عن مصادر رزق لا يتعبون في تحصيلها، فإن كان أحدهم قد ورث قطعة أرض أو عقار فإنه سيفكر على الفور ببيعها ليؤسس مشروعاً لا يكدح فيه، وإن لم يكن قد ورث شيئاً فإنه سيفكر بالهجرة بحثاً عن فردوس لا عمل فيه، أو أن العمل فيه أقل قسوة من العمل الذي في ذاكرته.

لقد أدت التطورات الحضارية في العالم وانتقالها بسرعة الى انتشار مفاهيم لم تكتمل بشكل وافٍ عند الناس للتعامل معها، فحتى الآباء والأجداد الذين كدحوا وتعبوا، أرادوا أن يريحوا أبنائهم من ذلك الكدح، وما التوجه الى التعليم في أحد أشكاله إلا دافعاً وراء تأمين شكلٍ مريح للأبناء. ولو سألنا طلاب الصف التاسع عن أحلامهم في المستقبل لرسم معظمهم صوراً، يكون فيها مديراً أو مشرفاً على آخرين يعملون!

فالرغبة بالعمل تتلاشى مع ضبابية الظنون التي يعيشها الإنسان، قبل مدة (سنة أو اثنتين)، كشفت فضائح (البورصة) التي أكلت معظم مدخرات الناس، راكضين وراء أوهام تعدهم بأرباحٍ هائلة وبوقت قياسي، ودون تعب!

إدارة العمل وتقسيمه بين الناس

في المثال الذي ورد بالقصة التي استهللنا بها الموضوع، كان الناس البسطاء يقسمون العمل فيما بينهم بصورة فطرية، وكان التقسيم في المجتمعات الزراعية يشمل كل أعضاء الأسرة حتى الأطفال منهم، والذين كانوا يكلفون برعاية من هم أصغر منهم أو الاعتناء بصغار الحيوانات، في حين كان يعرف الأب وتعرف الأم ويعرف كل يافع وراشد دوره بشكل صارم.

بعض المهندسين في أيامنا هذه، لا يدركون بشكل جيد إدارة العمل والعمال، فمثلاً كان أحدهم يخسر في كل المقاولات التي يأخذها، أو أنه يربح بشكل ضئيل لا يسد رمقه. ماذا كان يفعل؟ كان يقدر أن صب الكونكريت لسقف ما يحتاج الى ستة عمال، فيذهب بالصباح الباكر فيحضر العمال بسيارته ويذهب الى مطعم ليشتري فطوراً لهم ويذهب الى المخبز ليشتري خبزاً لهم ويكون متفقاً معهم على 60 دولاراً لذلك اليوم من العمل، وعندما يصل الى أرض الورشة يتذكر أنه لم يوصي على صهريج ماء، فيدفع أجور العمال ليواعدهم في اليوم التالي!

خطوات العمل المتسلسلة ومعرفة قدرة العامل على إنجاز ما يُطلب منه، تعتبر من الفنون التي نهضت بها الأمم المتقدمة. في دراسة أجريناها بين عامي 1974 و1977، على عشرة ألوان من العمل الزراعي (إنتاج حيواني، حقول، بساتين، غابات، وقاية نبات الخ) وجدنا أن معدل إنتاجية العامل الواحد يومياً هي ساعة و13 دقيقة، وعندما ناقشنا الأسباب والتي افترضنا لها أكثر من 100 سبب، منها الرواتب والتغذية والسكن والانتساب لنقابة أو حزب والديانة والطائفة ونمط الإدارة الخ، (كان ذلك في محطة بحوث بستنة نينوى/العراق)، خلصنا الى أن انتهاج العمل في بلداننا بالأجرة وقوانينه وإداراته لا زالت تحتاج الى المزيد من الدراسات والبحث.

الدولة وسوق العمل

لم تكن للوظائف العمومية في بلداننا تلك الأهمية التي أصبحت عليها في أيامنا هذه. ومعلوم أنه حتى منتصف فترة الحكم لمحمد علي باشا في مصر، لم تكن الدولة هي من يُعطي الرواتب للموظفين، بل كان الموظفون هم من يعطوا الدولة بدل تعيينهم، لأنهم كانوا يستوفون أتعابهم من العامة.

مع بدايات الدولة العربية في القرن العشرين، تم تدخل الدولة في إدارة شؤون الحياة العامة وحتى جزء من الحياة الخاصة، حيث تم تقليد الشكل القائم للدول التي كانت تستعمر بلداننا وتديرها.

وشيئاً فشيئاً، أصبح أثر الدولة يظهر جلياً في حياة الناس، فهي التي تخزن الأغذية وهي التي تنظم العلاقات العامة وهي التي تشرف على العقود المدنية والتجارية، وهي التي تشرف على التعليم،الخ. فانجذبت نفوس الناس إليها باعتبارها الملاذ الأكثر أمناً.

ولتوسع أدوار الدولة، احتاجت الحكومات الى أعدادٍ من الموظفين الجباة والعمال والموظفين والشرطة والجنود الخ. وظهر أن ما تعطيه الدولة من رواتب يفوق ما يحصل عليه المواطن العادي من كدحه في أعمال الرعي والزراعة والبناء، وظهر أيضاً أن تلك الميزات تعلو كلما علا قدر الموظف بدرجته وعلمه، فأخذ هذا المسار طريقه بتسارع أثر على خريطة الأعمال والحرف وغيرها.

بعد أن عجزت الدولة على استيعاب كامل القوى العاملة في الشعب، تراجعت الميزات التي كان يحصل عليها الموظف والعامل العمومي، لتصبح فيما بعد تلك الميزات والرواتب لا تغطي إلا جزءا يسيراً من متطلبات الحياة اليومية لهؤلاء العاملين، مما ترك أثراً سلبياً في أخلاقيات العمل (الفساد والرشوة والبطالة المقنعة ورداءة الإنتاج العمومي وتدني كمياته).

كما أن هذا الالتزام الأدبي غير المصرح به، قد أثقل كاهل المصاريف للدولة، وبنفس الوقت تفشت البطالة، وتشير بيانات البنك الدولي الى أن معدل البطالة خلال الفترة من العام 2000 الى العام 2005 قد بلغ في الجزائر 29.5% عام 2000 ليتراجع الى 15.3% في عام 2005. وفي مصر 11% والمغرب 11.2% والأردن 12.4% وتونس 14.7% والعراق 26.8% وكذلك في الأراضي الفلسطينية المحتلة*1

خلاصة:

لقد تأثرت القاعدة الاقتصادية الفردية والمؤسسية والحكومية، تأثراً بليغاً، ولا توحي المشاهد الحقيقية أن هناك من يتوجه بشكل جاد للخروج من تلك الحالة، وهذا بدوره يتطلب المزيد من البحث والمناقشة، لا على صعيد الحكومات، بل على صعيد الجامعات والنقابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.

هوامش:

*1ـ حال الأمة العربية (2007ـ2008)/مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت/ صفحة 243.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-06-2010, 12:05 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الأسعار والتسعير والقاعدة الاقتصادية

لو كان شخصان يتوهان في الصحراء، أحدهما يحمل ذهباً والآخر يحمل قربة ماء، فإنه في لحظة معينة سيدفع حامل الذهب كلما لديه مقابل أن يحصل على شربة ماء. أي أن الحاجة اللحظية والقاهرة والتي تحكمت فيها ندرة الماء ستكون وراء تسعير وتثمين تلك السلعة. لكن في عالمٍ أصبح مفتوحاً على مصراعيه للمعلومات وللبضائع فإن للتسعير مسارات مختلفة.

يسعى كل فرد وكل مؤسسة وكل دولة، أن يكون للجهد الاقتصادي الذي يُبذل منها مردودٌ يكفي لتغطية الكُلَف المبذولة على الأقل، مع هامشٍ آخر يكون عوناً في تطوير مستلزمات الإنتاج، وتوفير أسباب الحياة الاعتيادية، فإن تحقق سيسعى الفرد والمؤسسة والدولة الى تحقيق الرفاه للمشتغلين في ذلك الجانب الاقتصادي، وإن لم يتحقق الحد الأدنى من توفير شروط الحياة الاعتيادية، فإن النشاط كله سيكون موضع إعادة تقييم، إما بتركه والتخلي عنه أو ببيعه بثمن بخس.

أثر الندرة في التسعير

الندرة: هي أن تكون الخدمة أو السلعة المطروحة أقل بكثير من حاجات طالبيها، فمثلاً يكون خبير المتفجرات في بلدٍ مليء بالألغام، ويخرج من حرب أهلية من الخبرات النادرة، عالية الأجور. كما تكون ندرة عمال النظافة ورفع القاذورات في بلدٍ كهولندا مثلاً سبباً وراء غض النظر عن دخول أعدادٍ من المهاجرين وهو ثمن (معنوي).

في سنين القحط كانت ترتفع أسعار القمح والشعير، وتنخفض بالمقابل لها أسعار اللحوم والحيوانات كون مواد العلف غير متوفرة، وفي تسعير النفط عندما تحس الدول أن المخزون من النفط في بلاد تستهلكه بكثرة كالولايات المتحدة قد انخفض فإن الأسعار سترتفع عالمياً.

وتتحكم دولٌ منتجة لبضاعة معينة كالنفط من خلال (كارتل) ينسق فيما بين إنتاج أعضاءه للتحكم بالسعر. وهذا يحصل مع عمال (المياومة) الذين يرفعون أجورهم بمواسم البذار أو مواسم الحصاد أو مواسم البناء.

المُشتري والبائع والسوق

يشتري الشاري حاجاته أولاً بأول، إذا كانت قدرته الشرائية محدودة أو منخفضة، ويستغل المقتدرون فترة العرض الأضخم ليخزنوا حاجاتهم للسنة كلها، ليستخرجونها وقت قلة عرضها وارتفاع أسعارها، ومنهم من يُحول تلك المواد من حالة الى أخرى تصلح للتخزين. ومنهم من يشتري تلك البضائع ليعيد طرحها في الأسواق وقت ندرتها.

وهناك من الدول أو الشركات العملاقة من تكون هي (الزبون) الوحيد لشراء تلك المواد، ففي أستراليا مثلاً، يتم شراء كل القمح وكل الصوف لبيعه وِفق أسس مدروسة في الأسواق العالمية. وكذلك تفعل الكثير من دول العالم الثالث في شراء المنتوجات الزراعية لتبعد الاحتكار عنها.

دعم الأسعار

تلجأ الكثير من دول العالم الى دعم الأسعار في كثيرٍ من الخدمات والسلع، ولا يتوقف هذا السلوك على نمط معين من الدول، وتسلكه الدول الاشتراكية كما تسلكه الدول ذات الاقتصاد الحر.

وتتضمن الخدمات المدعومة، تلك التي يكون لندرتها أو تذبذب أسعارها أثرٌ ذو طابع سياسي، كالخبز والوقود والتعليم والصحة. لكن مع ذلك فإن الحكومات في كثيرٍ من الدول تترك الباب موارباً للالتفاف على مسألة الدعم، وتبقى آثار الالتفاف على هذا الدعم محدودة وتحت المراقبة.

ففي بعض الدول، تقدم الدول بضائع مدعومة وتوزعها بموجب بطاقات ليأخذ كل مواطنٍ نصيبه منها بالتساوي. وهناك أسلوبٌ آخر لبضائع يكون أثر ندرتها أقل من البضائع الأساسية، وهذا الأسلوب يسمى (من يَحضر أولاً يحصل على البضاعة أولاً)، فتنزل الدولة بمعارض معينة (أسواق مركزية حكومية، جمعيات تعاونية، وخيرية) ويصطف المشترون بطوابير للحصول عليها، وعندما ينتهي المعروض من البضاعة، لا يستطيع من يجيء متأخراً الحصول عليها، فتزدهر معها الأسواق السوداء لتُباع البضاعة بسعرٍ أعلى، وبعيداً عن عيون المراقبة!

في أسواق التعليم والصحة كخدمات مُلزمة بها الدولة في كثير من بلدان العالم، تُحدد الدولة أعداد المقبولين في جامعاتها بأسعار مخفضة أو مجاناً، وليكن مثلاً في بريطانيا، نصف مليون مقعد. وعندما يتقدم مليون طالب لإشغال تلك المقاعد، فإن الدولة تلجأ لأسلوب المفاضلة بين الطلاب حسب مجموع علاماتهم، ثم تفتح الباب للدراسة بأجورٍ (التعليم الموازي، كما في الأردن مثلا).

وهذا ينسحب على قطاع الصحة، فعندما يكون المتقدمون للعلاج في المستشفيات الحكومية أعلى بكثير من أعداد الأسِرَّة في المستشفيات، فتلجأ إدارة المستشفيات لإعطاء مواعيد للمراجعة تصل أحياناً الى عدة شهور، قد يُتوفى المريض المراجع خلالها، فيضطر المريض المقتدر الى البحث عن مستشفى يتقاضى مالاً بدل المعالجة.

وهنا، ستكون القطاعات الأهلية تزحف جنباً الى جنب مع القطاعات الحكومية، الى احتلال مواقع الخدمة التي يُفترض بالدولة تأمينها، مما سيؤثر بالنهاية على استنزاف مُدخرات المواطنين وتوظيفها مقابل خدمات لم يضعها المواطن بحسبانه، مما سيؤثر على وضعه كمؤثرٍ في القاعدة الاقتصادية أينما كان موقعه.

بقي علينا القول، أن الدولة تتدخل أحياناً في تحديد الحد الأدنى من الأجور، ومع ذلك يجري على ذلك التحديد التفافات كثيرة، ففي الأردن مثلاً، تحدد بعض النقابات أجور المهندسين المتدربين لدى الشركات، بحيث تدفع النقابة جزءاً منه ويدفع صاحب العمل الجزء الآخر، فيتم الاتفاق أن لا يتقاضى المتدرب من الشركة شيئاً ويكتفي بالجزء الذي يتقاضاه من النقابة، ويغض النظر صاحب العمل عن ساعات دوامه، حتى وإن لم يحضر للعمل نهائياً.

كما تلجأ بعض الدول من أجل الحصول على العملة الصعبة في تخفيض أسعار المواد المُصدرة أو دعمها بالمال أو الإعفاءات الضريبية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-06-2010, 02:06 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

النمطية.. وتراكم الخبرات

يحمل الكثير من العائلات أسماءً تخص مهنة بعينها، ففلان الحداد وفلان القاضي والنجار والبزاز والباججي والعوَّاد والسمَّاك والمُنَجِّد الخ. وقد يكون جد هذه العائلة يمتهن المهنة التي أخذت العائلة اسمها منه، وقد يبقى كل أفراد العائلة يمتهنون مهنة جدهم الأول. فيبقى (الحلواني) ينجب أولاداً يصنعون الحلوى ويتكاثرون وتتكاثر معهم فروع محلاتهم. وقد يتخصص بعضهم في الاسم فيصبح (كنفاني) أي من يصنع الكنافة.

إن هذا النوع من التنميط للمهن له دورٌ في تطوير تلك المهن واكتساب المهارات السريعة في إنجاز كميات أكبر منها في وقت أقل وسرعة أكبر وكلفة أقل. فلا يصلح (هاوٍ) يأخذ منه صناعة طبق من الفول كل نهاره حتى ينقعه ويغسله وينقيه ويقشره ويدق بعض الثوم ويعصر بعض الليمون وإضافة المنكهات، وهو يوسخ العديد من الأواني وقد يجرح أصبعه وهو يمارس هوايته، لا يصلح لتلبية حاجات حي يتناول إفطاره في بحر ساعة أو ساعتين من الصباح، في حين أن بعض المحترفين يقدرون على ذلك بسهولة ودون الإخلال بنوعية ما يقدمونه لزبائنهم.

التنميط في الشركات العملاقة

في اليابان مثلاً، يسودُ عرفٌ بين شركات صناعة السيارات، بأن الشركة لن تستقبل عاملاً فنياً أتى من شركة أخرى دون رغبتها، فبالرغم من العمال الفنيين يستخدمون الآلات الحديثة فإن من يبدأ حياته في شد (براغي) الإطارات لن يغادر هذا الصنف من العمل الى غيره حتى تقاعده، فلا يُنقل لشد أسلاك الكهربائيات ولا يذهب الى قسم الدعاية ولكن يبقى في ما بدأه بحياته المهنية، فهذا التنميط سيجعله ينجز عدداً أكبر من شد البراغي في شكل أكثر متانة ووقت أقل، وهنا سيدعم القاعدة الاقتصادية التي يعمل بها.

تجربة تم تطبيقها في الزراعة

في الدراسة التي تمت في محطة بحوث بستنة نينوى على عمال المشاتل مثلاً، وُجد أن العامل ينجز تطعيم 300 شتلة يومياً، ونسبة نجاحها 90%، ولكنه يبقى في دوامه 9 ساعات (ثمانية للعمل وواحدة للاستراحة). فكان المقترح الذي يُطرح على العاملات والعاملين. أعطونا 350 شتلة مطعمة بنجاح 90% ثم اذهبوا الى بيوتكم. ويُحبذ أن تبكروا في دوامكم حتى تكون ساعات الصباح الباردة ملائمة أكثر لنجاح الطعوم.

كانت المفاجأة أن العمال أنجزوا ما طُلب منهم بأكثر من ساعة بقليل من الدقائق، وكانوا يذهبون قبل الدوام الرسمي للموظفين والإدارة، وكانت المفاجأة الأكبر أن نسبة النجاح اقتربت من 100% بعد تفقد الشتلات بعد مرور ثلاثة أسابيع. والسبب يعود في ذلك لتركيز العمال فيما طُلب منهم وما ينتظرهم من ساعات نهار طويلة يكونون فيها أحراراً، بالإضافة الى أن التطعيم كان في ساعات النهار الأقل حرارة.

أثر التنميط في صياغة القوانين

عندما لا يرتاح أحد العمال بعمله، فإنه سيغيره الى عمل آخر، وهذا أمرٌ يبدو للوهلة الأولى أنه عاديٌ وغير مُضر، وأعرف أشخاصاً ـ وغيري يعرف ـ قد تنقلوا في حياتهم بين ستة أو عشرة أنواعٍ من المهن والأعمال. فتجده اليوم عامل بناء (كونكريت) وبعدها قد يشتغل في تمديد إسالة المياه وبعدها قد يعمل صباغاً، أو يتركه ليقلي (الفلافل) أو يهاجر لغير رجعة الخ.

هذا ليس مقتصراً على العمال غير المهرة، بل يتعداه الى الجامعيين، وقد سبق وكتبنا عن مهندس ميكانيكي انتظر دوره في الوظيفة حوالي خمس سنوات، عمل خلالها بائعاً للبطيخ في الصيف وصاحب مشتل ومتعهد حفلات أعراس.

إن الابتعاد عن التنميط وتغيير المهنة يؤدي الى ما يلي:

1ـ تقطع الخبرة وعدم تراكمها ليتم تذخيرها لصالح المهنة وصالح القاعدة الاقتصادية والاقتصاد الشخصي والوطني.

2ـ فصل العلم والمعرفة عن الامتهان والحالة الإجرائية للعمل، فأن يدرس أحدهم اللغة الإنجليزية ـ الترجمة الفورية، ويفتح محلاً لخياطة الملابس، فلا علاقة بين علمه وعمله.

3ـ عدم الدفاع عن المهنة، بل تركها عندما لا تلبي حاجة صاحبها سيؤدي الى اندثار من يمتهنون بها ويجعل سوقها متذبذباً بين الارتفاع المبالغ فيه بالأجر الذي يتقاضاه من يمتهنها، وبين رداءة النوعية في نتاجها.

4 ـ الابتعاد عن المهنة سيجعل الكُتاب والمشرعين لا يولونها اهتماماً كبيراً وبزوالها سيختل سوق العمل وستختل معه القاعدة الاقتصادية.

5 ـ الابتعاد عن المهنة، سيجعل من سوق العمل باباً واسعاً للعمالة الوافدة لتغطية النقص في ذلك السوق.

ما السبيل الى التمسك بالمهنة؟

يبدأ السبيل الى ذلك، بتأسيس نقابات أو روابط (جمع رابطة) ترعى سوق العاملين بالمهنة، وتنظم علاقاتهم، وتلتقي بالمرشحين للانتخابات البرلمانية لتسمع صوتها وتملأ الفضاء الذهني بمطالبها.

وعند تقديم مسودات لقوانين تهتم بتلك المهنة، لا بد لممثلي تلك المهنة من الحضور والمناقشة الجاهزة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-07-2010, 07:03 AM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

المُدخلات والمُخرجات وأثرها على قوة القاعدة الاقتصادية

في الطبيعة، تتوازن أمور الحياة، طالما تتعادل حركات الأخذ والعطاء، ففي النباتات: هناك نسغ صاعد يحضر الماء والمواد الخام من التربة وينقلها الى الأوراق عِبر الجذور والكامبيوم (الخشب الداخلي) حتى تصل الى الأوراق لتطبخها وتعيدها الى كل أنحاء جسم النبات بما فيه الجذور، عِبر اللحاء (القشرة الخارجية للساق). فيحدث النمو وينتج المحصول كثمار وغيره.

في الكائنات الحية الأخرى، يتم تناول الأغذية والماء، وتمر تلك المواد عبر قنوات هضمية يُضاف إليها الأنزيمات من غدد وأمكنة معقدة، فتنتج الطاقة والحركة والنمو، ويتم تصريف ما هو غير مهم عبر القنوات للخارج.

في ري التربة، هناك ماء يُضاف الى التربة لتتم عملية نمو النباتات، وبالمقابل فإن تصريف هذا الماء سيتم من خلال ما تستهلكه النباتات، إضافة الى ما (يُبزل: يُصرف) ضمن مبازل أو مصارف، تحمل الملوحة المكتسبة للتربة من خلال قنوات تطرح الملوحة بعيداً، وإن لم يتم ذلك سيكون حال التربة كحال رجلٍ يأكل ويشرب ولا يبول أو يتغوط، فلذلك فإن إدارات الزراعة التي لا تراعي تلك الظاهرة، تتدهور فيها صلاحيات التربة ويقل إنتاجها.

في المثالين السابقين: إن أي اختلال يحدث في المسارين، نتيجة مرض أو عطب ميكانيكي أو مرضي، فإن جسم النبات أو الحيوان لن يصمد طويلاً، بل سيتعرض للموت والتفسخ.

في الاقتصاد، هناك مدخلات وهناك مخرجات، وأي اختلال بأحدهما سيعرض الاقتصاد لأزمات قد تدمر الاقتصاد كلياً، أو تجعله اقتصاداً مرهوناً لِمن يحافظ على ديمومته.

قنوات التوريد والتصدير

قناة التوريد أو التصدير، كالشريان والوريد في الجسم، أو كأنبوبة إطلاق القذيفة في السلاح، وطول القناة (السبطانة) يتناسب مع مدى قذف القذيفة، مع الاهتمام بملائمة القذيفة لسلاحها، فإطلاقة المُسدس لا توضع في بندقية أوتوماتيكية.

قبل عدة سنوات، في (موزمبيق)، وجدنا أن أسعار السمسم لا تساوي أكثر من 20% من أسعارها في العالم، ولكن البيع يتم في مكان الإنتاج، وليس هناك جهة تضمن وصول الشحنات المشتراة الى موانئ التصدير، فقد تتعرض البضاعة الى النهب بعد عدة كيلومترات من نقلها!

في السودان، هناك مناطق تنتج آلاف السلع من المواد الخام الضرورية لصناعات الغذاء والأعلاف، لكن لا يوجد طرق مواصلات كافية لإتمام عمليات نقل تلك المواد. وهذا يجعل من تلك المواد وكأنها عسيرة الهضم، كمن يُقدم له طبقاً من اللحم المشوي ولكن أضيف إليه كمية من الملح تعادل وزنه!

العلوم والمعارف مُدخلات.. ولكن أين مخارجها؟

تمتلئ بلداننا بكليات الاقتصاد والطب والهندسة وغيرها، ويدرس أبناؤنا ما يدرسه أبناء الدول المتقدمة، وهناك من يكمل دراسته في تحصيل شهادات أعلى، ثم يذهب هذا الذي حصل على الشهادة الأعلى لتدريس طلابٍ آخرين، ويوزع بقية الخريجين على المدارس والمعاهد لتدريس الطلاب، وقد تتوقف المناهج عند نظريات ودروس تجاوزها العالم منذ عقود، ولا تنتبه رئاسة الجامعة لتجديد تلك المناهج، لا لخبث أو كسل عندها، بل لعدم استشعار أهمية التجديد والتحديث، كون تلك المعلومات أو النظريات لم يتم امتحانها (احترافياً).

عند أحد رؤساء الأقسام في احدى كليات الإدارة والاقتصاد، في إحدى الجامعات، كان على الرف مجموعة من أطروحات أو رسائل الحاصلين على شهادة (الماجستير) التي كان رئيس القسم يشرف عليها، عند سؤاله عن الكيفية التي تتحول فيه تلك الدراسات لإجراء، هز كتفيه وقال: لا علم لدي عن ذلك، ولكنني أعتقد أن أصحابها تنتهي علاقتهم بها بعد انتهائهم من مناقشتها!

قد يكون عدم الانتباه الى تحفيز وتنشيط الباحثين الاقتصاديين، وعدم استغلالهم في مواقع اقتصادية مهمة، هو ما يجعلهم يضفون على أدائهم طابع الرتابة، خصوصاً إذا ما طال انتظارهم للحصول على الوظيفة، أو أنهم قد تم توظيفهم في مواقع لا تتناسب مع مواضيع تخصصاتهم، فتموت عندهم روح الإبداع، هذا إذا لم يفكروا بالهجرة.

الإحصاءات ودورها في تلمس الطرق

ليس هناك اهتمامٌ كاف بموضوع الإحصاءات، فالإحصاءات كعلامات النجاح، يطلع عليها الطالب ليحسن من وضعه مستقبلاً، ليرفع جاهزية المنافسة لديه. وتتطلع عليها الإدارات المتخصصة في الحكومات وتقارن بينها وبين باقي الدول لترفع من أدائها لأكثر من سبب.

لكن، أن نجد أن موظفي الإحصاءات يستخدمون استمارات قد وضعت في عام 1954، أو أن هؤلاء الموظفين قد تم اختيارهم، بعد أن فشلوا في مواقع أخرى، أو أنهم أصلاً قد تم توظيفهم على (القطعة) أي بشكل مؤقت بعد معونة دولية لاقتصاد بلد نامي. إن هذه الأوضاع لن تؤدي الى ابتكار أسئلة تصب في خدمة ما يترتب على إجاباتها، فنجد أن من يُكلف في ملئ استمارة من الموظفين، يجلس في حضرة من يُسئل وهو غير مقتنع في الإجابة، فإن الحوار الذي يدور بينهما سيكون عقيماً ولا يسوق الى نتيجة حقيقية، بل سيملأ الموظف الإحصائي الاستمارة حسب ما فهم أو أراد أن ينهي بها اللقاء.

يتبع في هذا الباب



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .