العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الاسلامي > الخيمة الاسلامية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: القضاء في القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقال هل الجن والشياطين يسكنون البحار ؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقال محمد اسم لرسالة وليس اسمًا لشخص بيولوجي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الذرية فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الطرف في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الثالوث فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الطبع في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الصفق فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الولدان المخلدون (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الخمار فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 28-11-2010, 01:12 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

قطب الدين وصفحة من الحروب الصليبية

(في ذكرى وفاته: 22 من ذي الحجة 565هـ)



شعر ملوك "أوروبا" من النصارى بالقلق تجاه تزايد قوة "دولة السلاجقة" في المشرق الإسلامي، واتساع نفوذ السلاجقة وتهديدهم للإمبراطورية البيزنطية وأوروبا، خاصة بعد تلك الهزيمة الساحقة التي لحقت بالإمبراطور البيزنطي "رومانس الرابع" على يد السلطان السلجوقي "ألب أرسلان" في معركة "ملاذكرد" الشهيرة سنة [463هـ = 1071م].

وتحرك عدد من ملوك "أوروبا" لتأليب المسيحيين في أوروبا للقيام بحرب صليبية ضد المسلمين في الشرق، وتخليص الأماكن المقدسة من قبضة المسلمين، وطرد السلاجقة من "آسيا الصغرى".

وسرعان ما تحركت جيوش "أوروبا" تحت شعار الصليب لتجتاح المشرق الإسلامي، وتقدموا نحو "بيت المقدس" فحاصروه حتى تمكنوا من الاستيلاء عليه سنة [492هـ = 1099م]، بعد أن ارتكبوا من المذابح والفظائع ما تقشعر له الأبدان؛ فقد أبادوا ما يربو على سبعين ألف مسلم، منهم كثير من العُبَّاد والزاهدين وأئمة المسلمين وعلمائهم.

ولم يستطع "السلاجقة" الذين مزَّق دولتهم الصراع والشقاق بعد وفاة "ملكشاه" التصدي لذلك الخطر الداهم، فوقفوا عاجزين أمام طوفان الصليبيين.

وظل المسلمون يقاسون ويلات الصليبيين وعدوانهم زمنا طويلا حتى قيض الله لهم بطلا من أبطال الجهاد، وفارسا من خيرة فرسان المسلمين، هو السلطان "عماد الدين زنكي"، الذي استطاع أن يبسط نفوذه على الجزيرة والشام، ويستولي على "حلب" و"حماة"، وتمكن من استرداد مدينة "الرها" من براثن الصليبيين سنة [539هـ = 1144م]، وبذل جهودا كبيرة لبناء دولة قوية، وتوحيد صفوف المسلمين وتقوية جبهتهم أمام الصليبيين.

جهاد أسرة "عماد الدين"

ونذر "عماد الدين" نفسه وأبناءه الثلاثة: "نور الدين محمود" و"سيف الدين غازي" "وقطب الدين مودود" لجهاد الصليبيين، وتحرير بلاد المسلمين من عدوانهم واحتلالهم.

وكان "نور الدين" أكثرهم تصديا للصليبيين، ولم يألُ أخوه "سيف الدين" و"قطب الدين" جهدا في مساندته، والوقوف إلى جانبه في جهاده لصد الصليبيين وعدوانهم، والسعي إلى تحرير بلاد المسلمين منهم.

ومرض "سيف الدين غازي" بمرض حادّ، واشتدت عليه وطأة المرض، فأرسل إلى "بغداد" يستدعي "أوحد الزمان" أشهر أطباء عصره، فحضر إليه ليعالجه من مرضه، ولكن ساءت حالته، وما لبث أن توفي متأثرا بعلته في [جمادي الآخرة 544هـ = أكتوبر 1149م] عن عمر بلغ أربعا وأربعين سنة.

فلما توفي "سيف الدين" كان أخوه قطب الدين مقيما عنده في الموصل، فاجتمع عدد من رجال الدولة منهم: الوزير "جمال الدين محمد بن علي الأصفهاني" والأمير زين الدين علي كوجلة صاحب "إربل" والمقدم على الجيوش، واتفقوا على تولية "قطب الدين" خلفا لأخيه، خاصة أنه لم يترك سوى ابن واحد صغير السن لا يصلح للقيام بأعباء الملك، والاضطلاع بمهمة تصريف شئون الدولة في تلك المرحلة الحرجة، التي شهدت العديد من الحملات الصليبية على الشرق.

فأحضروا "قطب الدين"، وحلفوا له بالولاء، وأركبوه إلى دار السلطنة، وسلموه مقاليد البلاد، وأصبح يحكم جميع ما كان بيد "سيف الدين" من البلاد.

صراع الأخوين

وسار "قطب الدين" إلى "سنجار" بعدما كاتبه جماعة من الأمراء للحضور لتسلمها، فلما علم أخوه "نور الدين" بذلك تقدم وأخذ "سنجار".

وكاد الشر يطير بين الأخوين لولا وساطة الوزير "جمال الدين محمد"، وكان رجلا عاقلا صالحا، فسعى بالتوفيق والإصلاح بين الأخوين حتى تراضيا، واستقر الأمر على أن تكون الموصل وسنجار لقطب الدين، وحمص والرحبة لنور الدين عوضا عن سنجار.

ورضي الأخوان بذلك حتى يقضيا على أية أسباب للشقاق والنزاع بينهما، خاصة في ظل تربص الصليبيين بالمسلمين وعدوانهم عليهم. وسلم "نور الدين" سنجار إلى أخيه قطب الدين وتسلم حمص وعاد إلى بلاد الشام، واتفقت كلمتهما واتحدت آراؤهما.

جهاد قطب الدين ضد الصليبين

وشارك قطب الدين مع أخيه نور الدين في كثير من حروبه ضد الصليبيين؛ ففي عام [559هـ = 1164م] بدأ نور الدين يستعد للثأر لهزيمة قواته في معركة "البقيعة" بالقرب من حصن الأكراد، وعمل على إعادة تنظيم قواته، وإعادة تسليحهم، وبث الثقة في نفوسهم حتى استطاع أن يمحو آثار تلك الهزيمة، وأخذ في الاستعداد للجهاد والأخذ بثأره.

وفي تلك الأثناء علم نور الدين بتحرك الصليبيين بقيادة "عموري الأول" ملك بيت المقدس إلى مصر لإخراج "أسد الدين شيركوه" منها واحتلالها، وأراد نور الدين أن يجبر الصليبيين على العودة إلى بلادهم، ففكر أن يغزو بلادهم ليرجعوا عن التقدم نحو "مصر".

وقبل أن يقدم على تلك الخطوة أرسل إلى أخيه قطب الدين مودود وعدد من حكام الأقاليم المجاورة، يستنجدهم، ويدعوهم إلى الجهاد؛ فكان "قطب الدين" أسرعهم إجابة؛ فجمع عسكره، وسار من فوره للانضمام إلى أخيه والجهاد معه ضد الصليبيين.

وفي عام [562هـ = 1167م] شارك مع أخيه في عملية عسكرية واسعة، تعد واحدة من أروع عمليات الردع للصليبيين، وإعادة الثقة إلى نفوس المسلمين؛ فقد جمع "نور الدين" جنوده، وحشد قواته للإغارة على الصليبيين بهدف استنزاف قوتهم، وتكبيدهم أكبر قدر من الخسائر، وزعزعة الأمن والاستقرار في صفوفهم، وسار إليه قطب الدين من الموصل في حشد كبير من قواته، فاجتمعت قواتهما في حمص، حيث أعادوا تنظيم صفوفهم، ثم تقدمت القوات إلى بلاد الصليبيين، فاقتحموا حصن الأكراد، ثم قصدوا "عرقة" فحاصروها حتى استولوا عليها، وتقدمت قوات المسلمين في البلاد يطيحون بكل من يقابلهم من الصليبيين ففتحوا "العزيمة" و"صافينا"، ثم هاجموا حصن "هنين"، وهدموا أسواره، وعادوا بعد ذلك إلى "حمص" بعدما نالوا من العدو، وكبدوا الصليبيين خسائر فادحة أعادت الثقة إلى المسلمين.

توحد الأمة في مواجهة الصليبيين

وقد اتسم قطب الدين مودود بقدر كبير من الوعي والتسامح؛ فبالرغم من الطابع الديني الذي غلب على الحملات الصليبية التي رفعت شعار الصليب، وأعلنت أنها جاءت لمساندة نصارى الشرق، وتحرير الأماكن المقدسة من أيدي المسلمين، وغير ذلك من الشعارت الزائفة التي كانت تخفي وراءها النوايا الاستعمارية الحقيقية لملوك أوربا، وأطماعهم في بلدان الشرق.

بالرغم من كل تلك الشبهات والأباطيل التي أحاطت بتلك الحروب الصليبية فإن "قطب الدين" وغيره من حكام الشرق لم تتغير معاملته تجاه النصارى من أبناء الشرق، ولم ينخدع عن النوايا الحقيقية لتلك الحملات التي استهدفت نهب خيرات الشرق، وبث الفرقة والشقاق بين أبناء الأمة، فقد حظي النصارى في عهده بقدر كبير من الأمن والحرية، ووصلوا إلى أعلى المناصب القيادية في الدولة، حتى إنه اختار واحدا منهم ليكون على قمة مؤسسة الحكم في بلاطه والقيم بأمور دولته والمقدم فيها، وهو "فخر الدين عبد المسيح".

فخر الدين وزير قطب الدين

وكان فخر الدين عند تلك الثقة التي وضعها فيه "قطب الدين مودود"؛ فسار سيرة سديدة، وأظهر سياسة وحنكة، وكان محبا للعمارة مهتما بالعمران؛ فأصلح العديد من القلاع التي كانت خرابا، وأعاد بناء ما انهار منها، وكان له تأثير كبير في مجريات الأمور، حتى تلك القرارات الخطيرة التي تتصل بالعرش لم تكن تتم بمنأى عنه، وبلغ من تأثيره على "قطب الدين" أنه استطاع أن يصرفه عن الوصاية بالملك من بعده –وهو في مرضه الأخير– لابنه الأكبر "عماد الدين"، وجعله يعدل عنه إلى ابنه الآخر "سيف الدين".

صفات قطب الدين وأخلاقه

وكان قطب الدين يجمع العديد من الصفات الحسنة والأخلاق النبيلة، وقد وصفه ابن الأثير؛ فقال: "كان قطب الدين من أحسن الملوك سيرة، وأعفهم عن أموال رعيته، محسنا إليهم، كثير الإنعام عليهم، محبوبا إلى كبيرهم وصغيرهم، عطوفا على شريفهم ووضيعهم كريم الأخلاق، حسن الصحبة لهم. وكان سريع الانفعال للخير، بطيئا عن الشر، جَمّ المناقب، قليل المعايب".

وقد توفي "قطب الدين" في [22 من ذي الحجة 565هـ = 7 من سبتمبر 1170م] عن عمر بلغ نحو أربعين سنة، بعد حكم دام نحو إحدى وعشرين سنة.

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-12-2010, 09:40 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

المبرّد.. أسير اللغة العربية

(في ذكرى وفاته: 28 ذي الحجة 286هـ)



عاش "المبرِّد" في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وعاصر كثيرًا من الخلفاء العباسيين الذين اهتموا بالعلم والعلماء، وساهموا في إرساء دعائم الحضارة الإسلامية ورقيِّها وصناعة نهضة حضارية عظيمة في مختلفة العلوم والفنون.

وكان "المبرِّد" واحدًا من هؤلاء العلماء الذين تشعبت معارفهم، وتنوعت ثقافاتهم لتشمل العديد من العلوم والفنون، وإن غلبت عليه العلوم البلاغية والنقدية والنحوية، فإن ذلك ربما كان يرجع إلى غيرته الشديدة على قوميته العربية ولغتها وآدابها في عصر انفتحت فيه الحضارة العربية على كل العلوم والثقافات، وظهرت فيه ألوان من العلوم والفنون لم تألفها العرب من قبل.

نشأته وشيوخه

ولد المبرد بالبصرة نحو سنة [210هـ = 825م]، واسمه محمد بن يزيد بن عبد الأكبر، وينتهي نسبه بـ"ثمالة"، وهو عوف بن أسلم من الأزد.

وقد لُقب بالمبرد قيل: لحسن وجهه، وقيل: لدقته وحسن جوابه، ونسبه بعضهم إلى البردة تهكمًا، وذلك غيرة وحسدًا.

نشأ المبرد في البصرة، وتلقى العلم فيها على عدد كبير من أعلام عصره في اللغة والأدب والنحو منهم: "أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي"، وكان فقيهًا عالمًا بالنحو واللغة، و"أبو عثمان بكر بن محمد بن عثمان المازني" الذي وصفه "المبرد" بأنه كان أعلم الناس بالنحو بعد "سيبويه"، كما تردد على "الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر"، وسمع منه وروى عنه حتى عُد من شيوخه، وأخذ عن "أبي حاتم السجستاني"، وكان من كبار علماء عصره في اللغة والشعر والنحو، كما تلقى عن "التوزي" -أبو محمد عبد الله بن محمد-، وكان من أعلم الناس بالشعر.

ولم تقتصر روافد ثقافة "المبرد" ومصادر علمه على ما يتلقاه عن شيوخه فحسب، وإنما كان نهم القراءة؛ فكان يقرأ كل ما يمكن أن يصل إليه من كتب السابقين.

تلاميذه

وقد تلقى عنه عدد كبير من الأدباء والأعلام، منهم: "الزَّجَّاج" و"الصولي" و"نفطويه النحوي" و"أبو على الطوماري" و"ابن السراج" و"الأخفش الأصغر" و"أبو على إسماعيل الصفار" و"أبو الطيب الوشاء" و"وابن المعتز العباسي" و"أبو الحسين بن الجزار" و"ابن درستويه" و"وأبو جعفر النحاس".

وهم جميعًا من كبار علماء العربية وأعلامها المشهورين، وقد تركوا العديد من المؤلفات القيمة والتصانيف الشهيرة في مختلف العلوم والفنون.

وكان "الزَّجَّاج" أكثرهم التصاقًا به وأغزرهم رواية عنه؛ فهو أول تلميذ للمبرد في "بغداد"، وقد ظل وفيًا له طوال حياته.

وقابل "المبرد" ذلك الوفاء بمزيد من الحب والتقدير، فكان لا يقرئ أحدًا كتاب "سيبويه" إلا إذا قرأه على "الزجاج"، ولما تقدمت به السن طلب منه الخليفة "المعتضد" تصنيف بعض الكتب، فاعتذر لكبر سنه ومرضه، وسأل الخليفة أن يقوم بذلك تلميذه "الزجاج" بدلا منه.

مكانته العلمية

بعد وفاة "المازني" صار المبرد زعيم النحويين بلا منازع وإمام عصره في الأدب واللغة من بعد شيخه، فأقبل عليه الدارسون من كل حدب وصوب، وصار بيته كعبة لطلاب العلم ورواد المعرفة من كل مكان، ومنتدى للوجهاء والعظماء والأعيان.

واختصه كثير من سراة القوم وأعيانهم لتأديب أبنائهم؛ لما عُرف عنه من العلم والفضل والأدب، وما اشتهر به من المروءة والوفاء.

وبالرغم من أنه عاصر تسعة من الخلفاء العباسيين هم: "المأمون" [ 198 ـ 218 هـ = 813- 833م]، و"المعتصم" [218 ـ 227هـ= 833ـ842م]، "والواثق" [227 - 232هـ = 842ـ 843م] و"المتوكل" [232 - 247 هـ = 847 - 861م]، و"المنتصر" [247 ـ 248هـ = 861 ـ 862م]، و"المستعين" [248 ـ 252 هـ= 862 ـ 866 هـ]، و"المهتدي" [252 ـ 256هـ= 866 ـ 870م] و"المعتمد" [256 ـ 279هـ= 870 ـ 892م]، و"المعتضد" [279ـ 290هـ= 892 ـ 905م].

فإنه لم يتصل إلا بواحد فقط منهم، هو الخليفة "المتوكل"، وقد جاء خبر قدومه عليه في قصة لطيفة، وذلك أن "المتوكل" قرأ يومًا في حضرة "الفتح بن خاقان" قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الأنعام: 109)

بفتح همزة (أن)، فقال له الفتح: إنها يا سيدي بالكسر، وصمم كل منهما على أنه على صواب، فتبايعا على عشرة آلاف درهم يدفعها من لا يكون الحق في جانبه.

وتحاكما إلى "يزيد بن محمد المهلبي"، وكان صديقًا للمبرد، ولكنه خاف أن يسخط أيا منهما، فأشار بتحكيم "المبرد، فلما استدعاه "الفتح" وسأله عنها قال: "إنها بالكسر، وهو الجيد المختار، وذكر تفسير ذلك والأدلة عليه".

فلما دخلوا على "المتوكل" سأله عنها، فقال: يا أمير المؤمنين، أكثر الناس يقرءونها بالفتح، فضحك "المتوكل" وضرب رجله اليسرى، وقال: "أحضر المال يا فتح".

فلما خرجوا من عنده عاتبه "الفتح" فقال المبرد: "إنما قلت: أكثر الناس يقرءونها بالفتح، وأكثرهم على الخطأ، وإنما تخلصت من اللائمة، وهو أمير المؤمنين"!

وتوثقت صلته بالفتح الذي أعجب بعلمه وذكائه وغزارة علمه وحسن حديثه؛ فكان كل منهما يحرص على وُدِّ صحابه، ويقدر له مكانته.

المبرد بين أنصاره وحساده

وقد عرف "المبرد" بطلاقة لسانه، وسلامة عبادته، وكان عذب الحديث حسن الفكاهة؛ ولذلك فقد حرص الولاة والأمراء على مجالسته ومسامرته.

وكان على علمه ومكانته حلو الفكاهة لطيف المداعبة، معروفًا بالأدب والظرف؛ فكان أصدقاؤه يحبون ذلك منه، ويجيبون دعاباته بلطائف دعاباتهم.

روي أن أحد الأدباء، وكان يُدعى "برد الخيار" لقي المبرد على الجسر في يوم بارد، فقال: "أنت المبرد وأنا برد الخيار، واليوم بارد، اعبر بنا سريعًا لئلا يصيب الناس الفالج" (ريح يصيب الإنسان فيرخِّي بعض البدن).

وكان المبرد إلى جانب ما عُرف به من كثرة محفوظه وقوة حافظته يتمتع ببديهة حاضرة وذهن وقّاد، وأكسبته غزارة علمه قدرة فائقة على الرد على كل سؤال، وكان ذلك مثار عجب أنصاره وحسد أعدائه، حتى إنهم اتهموه بالوضع في اللغة لكثرة حفظه وسرعة إجابته.

أقوال العلماء فيه

وقد وثقه العلماء وأصحاب الجرح والتعديل؛ فقال عنه "الخطيب البغدادي":

"كان عالمًا فاضلا موثوقًا في الرواية". وقال "ابن كثير": "كان ثقة ثَبَتًا فيما ينقله". وقال "القفطي": "كان أبو العباس محمد بن يزيد من العلم وغزارة الأدب، وكثرة الحفظ، وحسن الإشارة، وفصاحة اللسان، وبراعة البيان، وملوكية المجالسة، وكرم العشرة، وبلاغة المكاتبة، وحلاوة المخاطبة، وجودة الخط، وصحة العزيمة، وقرب الإفهام، ووضوح الشرح، وعذوبة المنطق؛ على ما ليس عليه أحد ممن تقدمه أو تأخر عنه". وقال: "ياقوت": "كان إمام العربية، وشيخ أهل النحو ببغداد، وإليه انتهى علماؤها بعد الجرمي والمازني". وقال: "الزبيدي": "كان بارعًا في الأدب وكثرة الحفظ والفصاحة وجودة الخط".


المنافسة بين "ثعلب" و"المبرد"

حينما قدم "المبرد" إلى "بغداد" كان "أبو العباس أحمد بن يحيى" المعروف بثعلب على رأس علمائها ومشايخها، فخشي مزاحمة "المبرد" له، وانتزاع الرياسة منه؛ فأغرى به بعض تلاميذه يعنتونه بالأسئلة حتى يعجزوه؛ فينصرف عنه الناس، وكان "الزجاج" على رأس من أغراهم "ثعلب" به؛ لأنه كان أبرعهم حجة وأكثرهم علمًا وذكاء.

ولكن "المبرد" استطاع بعلمه وبلاغته وقوة حجته أن يأخذ بعقل "الزجاج" ويستحوذ على إعجابه؛ فترك "ثعلب" ولزم "المبرد" يأخذ عنه ويتتلمذ عليه.

وبالرغم من اشتعال المنافسة بين الرجلين واشتداد التنافر بينهما، وعنف "ثعلب" في الهجوم على "المبرد" وكثرة تعريضه به، وتعرضه له، فإن "المبرد" كان بعيدًا عن العنف به، ويأبى مواجهته بالسوء؛ فلم يُعرف عنه أنه أغرى به أحدًا من تلاميذه، أو أوعز إلى أحد أن يعنته بسؤال. بل إنه حينما سئل عن "ثعلب" قال: "ثعلب أعلم الكوفيين بالنحو"!


آثار "المبرد" ومؤلفاته


التعازي والمراثي

بالرغم من مكانة المبرد الأدبية والعلمية، وغزارة علمه واتساع معارفه، فإنه لم يصلنا من آثاره ومؤلفاته إلا عدد قليل منها:

1- الكامل: وهو من الكتب الرائدة في فن الأدب، وقد طُبع مرات عديدة، وشرحه "سيد بن علي المرصفي" في ثمانية أجزاء كبيرة بعنوان "رغبة الأمل في شرح الكامل".

2- الفاضل: وهو كتاب مختصر يقوم على أسلوب الاختيارات، ويعتمد على الطرائف وحسن الاختيار.

3- المقتضب: ويقع في ثلاثة أجزاء ضخمة، ويتناول كل موضوعات النحو والصرف بأسلوب واضح مدعَّم بالشواهد والأمثلة.

4- شرح لامية العرب.

5- ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد.

6- المذكر والمؤنث.

كما يُنسب إليه عدد آخر من المؤلفات التي لا تزال مخطوطة، مثل:

1- التعازي والمرائي.

2- الروضة.


الكامل فى اللغة والأدب

بالإضافة إلى بعض الكتب الأخرى التي وردت إشارات عنها في عدد من المراجع والمصادر العربية القديمة، ولكنها لم تصل إلينا، مثل:

1- الاختيار: وقد ذكره "المبرد" في "الكامل".

2- الاشتقاق: وذكره "ابن خلكان" في "وفيات الأعيان".

3- الشافي: وقد ورد ذكره في "شرح الكافية".

4- الفتن والمحن: ذكره "الصولي" في "أخبار أبي تمام".

5- الاعتناب": ذكره "البغدادي" في "خزانة الأدب".

6- شرح ما أغفله سيبويه: ذكره "ابن ولاد" في "الانتصار".

وتوفي "المبرد" في [28 من ذي الحجة 286هـ = 5 من يناير 900م].
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-12-2010, 10:14 AM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

خاتمة لهذه الحلقات:

عندما فكرت في تجميع تلك الحلقات التي عرضتها على أكثر من موقع، منذ 21/10/2005، أحضرت مجموعة من كُتب التاريخ الإسلامي القديم، ولكن بعد أن لاحظت أن هناك جُهد مُنظم وكافٍ يأتي من خلال سلسلة حدث في مثل هذا اليوم، كان ينشره موقع إسلام أون لاين، فكان بين سطوره هوامش لتفصيلات تغني عن البحث، فأقلعت عن فكرة التنقيب بين الكتب وتتبع الهوامش التي كانت تفي بالغرض، وأخذت بتوليفها أولاً بأول...

وقد برز اسمان مهمان قاما بإعداد تلك الهوامش، وهما المرحوم أحمد تمام، والسيد سمير الحلبي...

من هو أحمد تمام؟

وُلد أحمد تمام في التاسع من جمادى الآخرة من عام 1378 للهجرة الموافق 20/12/1958، في مدينة طنطا من المحافظة الغربية في مصر. وكان والده عبد الفتاح إسماعيل تمام من حفاظ القرآن ومعلمي قراءاته.

تخرج أحمد تمام من كلية التربية في طنطا عام 1981، بدرجة ليسانس، ثم تابع دراسته في علوم التاريخ الإسلامي وحصل على درجة الماجستير عام 2005، وساهم في أكثر من 320 بحثاً تاريخياً نشرها موقع (إسلام أون لاين) ومنها تلك التي أخذناها عنه.

وفي صبيحة يوم الجمعة 19/5/2006، انتقل هذا العالم الى رحمة الله تعالى إثر أزمة قلبية حادة ليفقد الموقع محرر الشؤون التاريخية، وليفقد المسلمون أحد علمائه الجادين... رحمه الله تعالى .. وجازاه خيراً عن كل فائدة علمية ومعرفية تركها للمطلعين...
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .