كما تتعارض مع هيمنة الرسالة الأخيرة على كل الرسالات بقوله"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه"
وأما أدلتهم من الروايات فهى :
وأما الدليل من السنة ففي عدة أحاديث أحدها ما رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال لي رسول الله (ص)" إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضؤك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول " فقلت أستذكرهن : وبرسولك الذي أرسلت قال " لا ، ونبيك الذي أرسلت " ، وفي رواية الترمذي قال البراء فقلت وبرسولك الذي أرسلت قال فطعن بيده في صدري ثم قال " وبنبيك الذي أرسلت " . وهذا الحديث صريح في التفريق بين الرسول والنبي وقد استدل به غير واحد من أكابر العلماء على التفريق بينهما ، وقد تقدم كلام القرطبي في ذلك تقريبا "
والحديث لا يصح أولا لأن الضوء شرعه الله للصلاة وليس للنوم كما قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا"
وثانيا لأن واضع الحديث يناقض نفسه بقوله ونبيك الذى أرسلت والتى تدل على أن النبى هو رسول مرسل والتى يعترض عليها بالقول ورسولك الذى أرسلت ثم قال :
" وقال الخطابي : ( والفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو المأمور بتبليغ ما أنبئ وأخبر به ، والنبي هو المخبر ولم يؤمر بالتبليغ ، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا ) وقد نقله عنه ابن الاثير في جامع الأصول وأقره ."
ونلاحظ الخبل العقلى فلماذا يخبر الله النبى(ص) إذا لم يكن يأمره بالتبليغ ؟ وهو كلام يتناقض مع وجوب إبلاغ الرسالات ليس من قبل الرسول وحده ولكن من قبل كل المؤمنين كمل قال تعالى "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا"
فطبقا لكلام القوم يكون النبى كافر لأنه لا يبلغ رسالات الله كالمؤمنين
واستعرض الرجل الأقوال فقال :
القول الأول : أن النبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالبلاغ والرسول من أوحي إليه وأمر بالبلاغ
قال السفاريني : ( لفظ النبي قال في المطلع يهمز ولا يهمز فمن جعله من النبأ همزه لأنه ينبئ الناس عن الله ولأنه ينبأ هو بالوحي ومن لم يهمز فإما سهله وإما أخذه من النبوة وهي الرفعة لارتفاع منازل الأنبياء على الخلق ، وقيل مأخوذ من النبي الذي هو الطريق لأنهم الطرق الموصلة إلى الله تعالى . وهو إنسان أوحى إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه فإن أمر بتبليغه فهو رسول أيضا على المشهور بين النبي والرسول عموم وخصوص مطلق ، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا . والرسول أفضل من النبي اجماعا لتميزه بالرسالة التي هي أفضل من النبوة على الأصح خلافا لابن عبد السلام ووجه تفضيل الرسالة لأنها تثمر هداية الأمة والنبوة قاصرة على النبي فنسبتها إلى النبوة كنسبة العالم العابد ..) قال الإمام ابن أبي العز : ( وقد ذكروا فروقا بين النبي والرسول ، أحسنها : أن من نبأه الله بخير السماء إن أمره أن يبلغ غيره ، فهو نبي رسول ، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره ، فهو نبي وليس برسول . فالرسول أخص من النبي ، فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ، ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها ، فالنبوة جزء من الرسالة ، إذ الرسالة في تتناول النبوة وغيرها ...
وسل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين : هل هناك فرق بين الرسول والنبي ؟ فقال : ( نعم ، فأهل العلم يقولون : إن النبي هو من أوحى الله إليه بشرع ولم يأمره بتبليغه بل يعمل به في نفسه دون إلزام بالتبليغ ...وبناء على هذه الآية يتبين أن كل من ذكر في القرآن من الأنبياء فهو رسول . ) واعترض عليه بقوله كيف لا يؤمر النبي بتبليغ الشرع وقد أوحي إليه ؟؟؟
فأجاب بقوله : ( أوحى الله إلى النبي بالشرع من أجل إحياء الشرع بمعنى أن من رآه واقتدى به واتبعه دون أن يلزم بإبلاغه ، ومن ذلك ما حصل لآدم عليه الصلاة والسلام ، فإن آدم نبيا مكلما كما جاء ذلك عن رسول الله ، (ص)، ومع هذا فليس من الرسل لأنه قد دلت السنة بل دل القرآن ، والسنة ، وإجماع الأمة على أن أول رسول أرسله الله هو نوح عليه السلام . وآدم لابد أن يكون متعبدا لله بوحي من الله فيكون قد أوحى إليه ولم يؤمر بالتبليغ ولهذا لا يعد من الرسل . ) "
هذا الكلام لم يقله النبى(ص) فآدم (ص) رسول ولكنه بخلاف الرسل (ص) كان قومه زوجته أولاد ثم أولاده بعد فترة وأحفاده بالمعنى الدارج بدليل نزول الهدى وهو الوحى عليه فى قوله تعالى :
"قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
والقول الثانى هو
القول الثاني : أن الرسول من أوحي إليه بواسطة جبريل والنبي من أوحي إليه مناما
قال الإمام عبدالقاهر البغدادي ( وقالوا في الفرق بين الرسول والنبي : إن كل من نزل عليه الوحي من الله تعالى على لسان ملك من الملائكة وكان مؤيدا بنوع من الكرامات الناقضة للعادات فهو نبي ، ومن حصلت له هذا الصفة وخص أيضا بشرع جديد أو ينسخ بعض أحكام شريعة كانت قبله فهو رسول ، وقالوا :إن الأنبياء كثير ، والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وأول الرسل أبو جميع البشر هو آدم عليه السلام ، وآخرهم محمد (ص)، على خلاف قول المجوس في دعواهم أبو جميع البشر كيومرت الملقب بكاشاء ، وخلاف قولهم : إن آخر الرسل زرادشت ، وخلاف قول من زعم من الخرمية أن الرسل تترى لا آخر لهم)
والقول الثالث هو :
"القول الثالث : أن الرسول من بعث لقوم مخالفين ، والنبي من بعث لقوم موافقين
قال شيخ الإسلام: ( فالنبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول وأما إذا كان انما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول قال تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا اذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته }وقوله {من رسول ولا نبي} فذكر إرسالا يعم النوعين وقد خص أحدهما بأنه رسول فان هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته الى من خالف الله كنوح . وقد ثبت في الصحيح أنه أول رسول بعث الى أهل الأرض وقد كان قبله أنبياء كشيث وإدريس ـ عليهما السلام _ وقبلهما آدم كان نبيا مكلما ...
والقول الرابع هو :
القول الرابع : الرسول من أوحي إليه بشرع جديد وأمر بالتبليغ والنبي من بعث مجددا لشرع من قبله من الرسل .
وقال النسفي : ( … وسئل النبى (ص)عن الانبياء فقال مائة الف وأربعة وعشرون ألفا فقيل فكم الرسل منهم فقال ثلثمائة وثلاثة عشر والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر ان يدعو إلى شريعة من قبله وقيل الرسول واضع شرع والنبى حافظ شرع غيره ) وقال الشنقيطي : ( قال تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } الآية . يدل على أن كلا منهما مرسل ، وانهما مع ذلك بينهما تغاير واستظهر بعضهم أن النبي الذي هو رسول أنزل إليه كتاب وشرع مستقل مع المعجزة التي ثبتت بها نبوته ، وأن النبي المرسل الذي هو غير الرسول ، وهم من لم ينزل عليه كتاب وإنما وأوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله ، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة ، كما بينه تعالى بقوله : { يحكم بها النبيون الذين أسلموا } الآية )
...والفرق بين النبي والرسول : أن الرسول من بعثه الله إلى قوم ، وأنزل عليه كتابا ، أو لم ينزل عليه كتابا لكن أوحى إليه بحكم لم يكن في شريعة من قبله ؛ والنبي من أمره الله أن يدعو إلى شريعة سابقة دون أن ينزل عليه كتابا ، أو يوحى إليه بحكم جديد ناسخ أو غير ناسخ ، وعلى ذلك ، فكل رسول نبي ولا عكس , وقيل : هما مترادفان ، والأول أصح .
قال عمر الأشقر : ( النبي من بعث مجددا لشرع من قبله من الرسل ؛ والرسول من بعث بشرع جديد للأتي :
الأول : أن الله نص على أنه أرسل الأنبياء كما أرسل الرسل " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " فإذا كان الفارق بينهما هو الأمر بالبلاغ فإن الإرسال يقتضي من النبي الإبلاغ .
الثاني : أن ترك البلاغ كتمان لوحي الله تعالى ، والله لا ينزل وحيه ليكتم ويدفن في صدر واحد من الناس ، ثم يموت هذا العلم بموته .
الثالث : أن عوام بني إسرائيل أخذ عليهم الميثاق فكيف بالأنبياء ؟. قال تعالى : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون"
الرابع : ومن الأدلة القاطعة كذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج علينا النبي (ص)يوما فقال : " عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد - . " فهذا النبي معه الرهط من أتباعه فكيف يتبعوه لولا البلاغ ؟ .
الخامس : وقد كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما مات نبي قام نبي آخر أخرج البخاري عن أبي هريرة قال : قال النبي (ص): " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي - "
وبعد استعراض الأقوال الأربعة بنقول كثيرة متكررة حذفنا الكثير منها للتكرار استعرض الأدلة على فساد قول من قال أنه لا فرق بين النبي والرسول فقال :
"الجواب على من قال أنه لا فرق بين النبي والرسول :
وفي تفسير مجاهد عند قول الله تعالى في سورة مريم { وكان رسولا نبيا } قال : النبي هو الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل ، والرسول هو الذي يرسل .
|