قراءة فى كتاب الإجابة المختصرة في التنبيه على حفظ المتون المختصرة
قراءة فى كتاب الإجابة المختصرة في التنبيه على حفظ المتون المختصرة
المؤلف سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان وهو عبارة عن سؤال لطالب علم طلب من معلمه أن يكتب له أهم الكتب التى ينبغى لطالب العلم أن يقرأها ويحفظها وقد أجاب العلوان طلب طالبه فقال :
" أما بعد:.
فهذه الرسالة المختصرة جواب سؤال كتبه بعض طلبة العلم يقول فيه: (ما هي المتون في شتى الفنون التي تنصح طالب العلم أن يحفظها ويتقنها؟ وأرجو ذكر المتون بالتدرج الذي يتناسب مع الطالب المبتدئ ويفيد الطالب المنتهي).
ولما كان هذا السؤال مهماً ونافعاً والإجابة عليه مفيدة ولها أثرها على الفكره والكتاب.
ولا سيما في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفوضوية في العلم وتوجهت همم المبتدئين للتصنيف والنقد وتذبذبوا قبل أن يتحصرموا وتصدروا للتدريس والفتوى قبل أن يصدروا وقد قال أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بالفالي
تصدر للتدريس كل مهوس ... بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ... ببيتٍ قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزلها ... ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
فلهذه وغيره رسمت في هذه بالإجابة طريقة الطلب للعود بالفوضويين المتعالمين إلى اليقظة العلمية الصحيحة والأخذ بحجزهم عن الوقوع في عتبة القول على الله بلا علم"
وكما هى عادة الفقهاء يقرون مقولة باطلة وهى أن العلم لا يؤخذ من الكتب فقط وإنما لابد له معه من المعلمين فيقول :
ولثلةٍ تطمح في الرقي وأخذ العلم من مظانه والبدء بالتدرج في أساسيات العلم على أيدي العلماء العاملين والفقهاء المجتهدين المعنيين بضبط قواعد الحلال والحرام فالعلم لا يؤخذ عن الكتب دون التلقي عن هؤلاء. وقد حرم العلم من دخل فيه بلا عالم يرشده وقد قيل (من دخل في العلم وحده خرج وحده).وهذا حق فمن خاض في بحار العلم بلا أستاذ عالم وفقيه خريت خرج منه بلا علم ولا تحصيل بل اكتسب التعالم وقلة الأدب والتطاول على الأئمة فإياك أن تكون من هؤلاء المتضلعين بالجهل فتهلك الحرث والنسل وتبيح الفروج المحرمة وتحرم الفروج المباحة."
والعلم يؤخذ من أى مصدر له كالكتب والمعلمين والتجربة والخطأ والتفكير وتلك المقولة الباطلة لو كانت صحيحة فالرسل(ص) معظمهم لم يتعلموا على أيدى معلمين فإبراهيم(ص) خرج على قومه الكفار معلمين وسواهم وكذب علمهم من خلال تفكيره فى خلق الله حتى وصل للوحدانية ولم يكن هذا من خلال الكتب ولا من خلال المعلمين وإنما هى القلب السليم الذى يفكر
واستهل العلوان إجابته بوجوب حفظ القرآن وتعلمه فقال :
"وقد ذكرت في هذه الإجابة جملة من المحفوظات في مختلف العلوم وجهدت ألا أذكر شيئاً يقف عقبة وحاجزاً عن نيل العلم وتحصيله وضبطه وحفظه والله سبحانه وتعالى هو الموفق والمعين.
فأقول ومن الله استمد العون والصواب الأولى في حق طالب العلم تقديم تعلم القرآن وحفظه فإن ذلك أفضلُ ما أُتي العبد فالقرأن شفيع يوم القيامة ودليل إلى الجنة وأهله هم أهل الله وخاصته.
وقد جاءت الأخبار الصحاح في فضل قارئ القرآن ومعلمه ففي صحيح البخاري من طريق أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان عن النبي (ص)قال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " .
وفي صحيح الإمام مسلم من طريق عامر بن واثلة أن نافع بن عبدالحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: إنه قارئ لكتاب الله - عز وجل - وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم(ص)قد قال: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " "
وهذا الحديث لا يصح مع صحة معنى أن العلم بالوحى يرفع صاحبه لمناصب الولاية كما قال تعالى"وزاده بصطة فى العلم والجسم"
والسبب فى عدم صحته هو أن المناصب لا تولى من قبل حكام وإنما تكون بالشورى كما قال سبحانه:
" وأمرهم شورى بينهم"
ثم قال :
"وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه فالعلم كله في القرآن.
وحفظ القليل من القرآن مع التدبر والتفكر والعمل به خير من حفظ الكثير بغير تدبر ولا تفهم ولا عمل.
وقوله، (ص)فيما تقدم: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " هذا إذا عمل بمحكمه وآمن بمتشابهه، وأحل حلاله وحرم حرامه، أما إذا ضيع أوامره وارتكب نواهيه فليس له حظ مما دل عليه الحديث، وقد روى ابن حبان بسند حسن من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي، (ص)قال: " القرآن شافع مشفع وما حل مصدق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار ""
والحديث لا يصح فالقرآن لا يشفع لأحد لأن الشفعاء هم الملائكة والرسل كما قال تعالى"ولا يشفعون إلا لمن ارتضى"
ثم قال :
فإن حفظ القرآن كله فقد نال أفضل الأعمال وأسنى المقامات، فإن عسر عليه حفظ القرآن كله فليحفظ ما يقدر عليه بعد حفظ الواجب، وليحرص كل الحرص على حفظ ما يمكن حفظه، وليكن اعتناؤه بالسور التي جاءت فيها فضائل كالبقرة وآل عمران. وقد جاء فيهما خبر عظيم، ففي صحيح الإمام مسلم من طريق معاوية بن سلاّم عن زيد أنه سمع أبا سلاّم يقول حدثني أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله، (ص)يقول: " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة "
والحديث لا يصح للتناقض بين قراءة القرآن كله وبين قراءة سورتين منه فالمطلوب حسب القرآن قراءته حسب ما يتيسر وليس سور محددة منه كما قال قال تعالى:
"فاقرءوا ما تيسر من القرآن"
وهذا الحديث عن كون سورتين شفيعتان تحاجان عن حافظهما تعارض الحديث السابق الذى يعتبر القرآن ككل شافع واحد بقوله "القرآن شافع مشفع"
ويناقض الحديث القرآن فى مجىء الإنسان وحده ليس مع شىء فى قوله تعالى "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" بينما الرواية تقول بمجىء السور كأنهم سحب أو فرق طير
ثم قال :
"وحفظ ما يجب من القرآن و الواجب الفاتحة واختلف فيما زاد - مقدم على طلب العلم، وطلبُ علم ما يجب على المسلم عيناً مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن وقد سئل أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية أيما طلب القرآن أو العلم أفضل؟
فأجاب: أما العلم الذي يجب على الإنسان عيناً كعلم ما أمر الله به وما نهى الله عنه فهو مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن فإن طلب العلم الأول واجب وطلب الثاني مستحب، والواجب مقدم على المستحب.وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً، وهو إما باطل أو قليل النفع، وهو أيضاً مقدم في التعلم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل علوم الدين بخلاف ما يفعله كثير من أهل البدع من الأعاجم وغيرهم؛ حيث يشتغل أحدهم بشيء من فضول العلم من الكلام أو الجدال والخلاف أو الفروع النادرة أو التقليد الذي لا يحتاج إليه أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها، وكثير من الرياضيات التي لا تقوم عليها حجة، ويترك حفظ القرآن الذي هو أهم من ذلك كله.
فلا بد في مثل هذه المسألة من التفصيل، والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين، والله سبحانه أعلم "
وإجابة ابن تيمية تتغافل عن أن العلم بالحلال والحرام متعلق بالعلوم المختلفة فمثلا البيع والشراء متعلق بضرورة تعلم علم الحساب ومثلا تعلم القرآن نفسه متعلق بتعلم القراءة والكتابة قبله ومثلا تعلم الصلاة من القرآن متعلق بتعلم الطفل علم النظافة من خلال التدرب على التطهر من البول والبراز وكنس مكان الصلاة والوضوء أو الاستحمام وتسريح الشعر ونظافة الملابس ومن ثم أخذ الله الأطفال بتعلم الأمور بالتدريج فلا يمكن ان نسقى الرضيع القرآن وإنما نعلمه بالتدريج القعود والوقوف والمشى وكيف يتبول ويتبرز ونعلمه نطق الكلمات ومعانيها حتى يقدر على فهم القرآن عندما يتم تعليمه مثلا بالتدريج
|