يقول الحسن البصري : (همة العلماء الرعاية، وهمة السفهاء الرواية) ويقول الخطيب البغدادي في نصيحته لطالب العلم: (وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية لا حفظ رواية، فإن رواة العلم كثير، ورعاته قليل، ورب حاضر كالغائب، وعالم كالجاهل، وحامل للحديث ليس معه منه شيء، إذ كان في اطراحه لحكمه بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه!)
وكانوا يستعينون على حفظ الحديث بالعمل به، ويستعينون على طلبه بالصوم، يقول الشعبي : (كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به، وكنا نستعين على طلبه بالصوم)، ويقول وكيع بن الجراح: (إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به) وقد روي مثله عن ابن الصلاح ، وقد اشتهر عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: (ما بلغني حديث إلا عملت به، وما عملت به إلا حفظته) وقد سئل سفيان الثوري : طلب العلم أحب إليك أم العمل؟ فقال: (إنما يراد العلم للعمل، فلا تدع طلب العلم للعمل، ولا تدع العمل لطلب العلم) وروي عنه قوله: (يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل!!) وقد روي هذا الأثر عن علي بن أبي طالب وعن جماعة من السلف منهم ابن المنكدر وغيره. وكانوا يرون بركة العلم أن تظهر آثاره على سمت طلابه وفي إصلاحهم مظهرا ومخبرا، يقول الحسن البصري : (كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يرى أثر ذلك في تخشعه وهديه ولسانه ويده!) وكانوا يوصون بذلك تلاميذهم وخلصاءهم، فعن أبي قلابة أنه قال: يا أيوب: (إذا أحدث الله لك علما فأحدث له عبادة، ولا يكن همك أن تحدث به)"
وما سبق من أقوال القوم هو جهل بالإسلام فالقوم يعملون بالحديث قبل حفظه مع أن الواجب هو عرضه على كتاب الله أولا ليتبين هل يمكن أن يكون النبى (ص) قاله أم لا فإم وافق كتاب الله عمل به وإن لم يوافق ضرب به عرض الحائط فالعمل لابد أن يبنى على نص صحيح وليس أى نص
وحدثنا عن التدرج فى طلب العلم فقال :
"التدرج في طلب العلم
فالتدرج سنة عامة في التعلم وفي غيره، وإن من طلب العلم جملة فاته جملة، كما قال الزهري ، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان، ولعل هذا بعض الحكمة في نزول القرآن الكريم منجما على مدي سني البعثة، وأمر الله لنبيه (ص)أن يقرأه على الناس على مكث، قال تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) وقد قال سفيان الثوري : كنت آتي الأعمش ومنصورا فأسمع أربعة أحاديث ثم أنصرف كراهة أن تكثر وتفلت، وجاء إليه شيخ، فسأله عن حديث فأجابه، ثم عن آخر فأجابه، ثم عن ثالث فأجابه، ثم سأله عن الرابعة فقال: إنما كنت أقرأ على الشيخ الحديثين والثلاثة لا أزيد حتى أعرف العلم والعمل بها، فألح عليه الشيخ فلم يجبه، فجلس يبكي، فقال له سفيان: يا هذا، تريد! ما أخذته في أربعين سنة تأخذه أنت في يوم واحد؟! وقال ابن شهاب ليونس بن زيد: (يا يونس، لا تكابر العلم! فإن العلم أودية، بأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة، ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي)"
وهذا الكلام لا يدل على علم فالتدرج فى العلم يعنى أن يتم البدء أولا بتعلم الكتابة والقراءة وبعد ذلك ما يجب على الأطفال الذين يتعلمون ثم ما على الأطفال عندما يبلغون ثم يتم التدرج حسب السن حتى يكون الطالب قد أتم عند العشرين أو بعدها بقليل معرفة كل أحكام الدين ,اما دراسة اللغة والنحو والصرف وغيره من العلوم غير النافعة فلا تفيد المسلم بيشىء لأن المطلوب هو تعلم الأحكام المطلوب العمل بها
ثم حدثنا عن أدب الطلب فقال :
"أدب الطلب
لطلب العلم أداب، منها ما يتعلق بأدب الطالب في نفسه، ومنها ما بتعلق بأدبه مع شيخه، ومنها ما يتعلق بأدبه مع أقرانه، ومنها ما يتعلق بأدبه مع درسه وطلبه للعلم.
أدب طالب العلم في نفسه
- التخلية قبل التحلية، ينبغي لطالب العلم أن يتهيأ لطلب العلم بتطهير قلبه من الغش، والغل، والحسد، وفساد المعتقد، وسوء الخلق، ليصبح أهلا لطلب العلم وقبوله، فإن القلوب تطيب للعلم كما تطيب الأرض للزراعة.
- إحسان القصد وإصلاح النية، وذلك بأن يبتغي بطلبه للعلم وجه الله تعالى، فإن طلب العلم عبادة، والعبادة لا تصلح إلا لله تعالى وحده، فمن طلب به دنيا يصيبها، أو شرفا يناله، فقد أفسد دينه، ويوشك أن يفسد دنياه! قال (ص) (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه!)
- الزهادة في فضول العيش، وعدم التشوف إلى لعاعة الدنيا التي يتعلق بها كثير من المخدوعين، بحيث يقنع بما تيسر من الغذاء والكساء، ويجمع قلبه على طلب العلم، ويتخذه سبيلا إلى الآخرة، يقول الشافعي : لا ينال أحد هذا العلم بالمال وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح.
- الإقلال من المنام ومن الطعام، فما وصف أحد من أهل الفضل بكثرة أكله أو بكثرة منامه، وقد عنون المحدثون في كتبهم فقالوا: باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل، وحسبنا في هذا الباب قول النبي (ص) (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ما لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) (أخرجه أحمد والترمذي)، ولله در الأندلسي القحطاني إذ يقول!
لا تحش بطنك بالطعام تسمنا فجسوم أهل العلم غير سمان
أقلل طعامك ما استطعت فإنه نفع الجسوم وصحة الأبدان
واملك هواك بضبط بطنك إنما شر الرجال العاجز البطنان
- تحري الورع في أموره كلها طعاما وشرابا ولباسا ومسكنا، وبهذا يستنير قلبه، ويصبح أهلا لقبول العلم والانتفاع به، فلا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال، ولا يسلم للرجل الحلال حتى يجعل بينه وبين الحرام جنة من الحلال، وكان ابن عمر يقول: إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها , ورحم الله عبد الله بن المبارك إذ يقول:
يا طالب العلم بادر الورعا وهاجر النوم واهجر الشبعا
|