االطريق الأول :
طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي عن الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير عن أبيه عن جده .
رواها من هذا الطريق : ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني)(1) 5/168 ، ومن طريقه أبو نعيم في (معرفة الصحابه) 5/2378 ، ورواها الحاكم في (المستدرك) 3/579 ، ومن طريقه البيهقي في (السنن)10/243 ، و (الدلائل) 5/207 ، وغيرهم .
وهذا الطريق مسلسل بالمجاهيل : فالحجاج ، وأبوه ، وجده ، لا يعرفون ، وليست لهم ترجمة في كتب الرجال ، إلا عبد الرحمن بن كعب ؛ ولا يذكر عنه إلا أنه شاعر كأبيه ، ولم يذكر بجرح أو تعديل .
الطريق الثاني :
طريق ابن إسحاق في (السيرة) ، حيث ذكر هذه القصة بلا إسناد ، وأسند بعضها عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وقال ابن هشام رحمه الله في السيرة : (هكذا أورد محمد بن إسحاق هذه القصيدة ، ولم يذكر لها إسنادا) .(2)
ورواها من طريق ابن إسحاق : الطبراني في (الكبير) 19/176 ، والحاكم في (المستدرك) 3/583 ، ومن طريقه البيهقي في (الدلائل) 5/211 ، وغيرهم .
وهذا الطريق ضعيف أيضا ، فبين ابن إسحاق والواقعة مفاوز تنقطع دونها أعناق المطي .
وهذان الطريقان أشهر طرق هذه القصة .
الطريق الثالث :
طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي عن معن بن عيسى عن محمد بن عبد الرحمن الأوقص عن علي بن زيد بن جدعان قال : " أنشد كعب بن زهير بن أبي سلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم عندها لم يفد مكبول "
رواها من هذا الطريق : الفاكهي في (أخبار مكة) 1/307 ، و الحاكم في (المستدرك) 3/582 ، ومن طريقه البيهقي في (الدلائل) 5/211 ، وغيرهم ، وذكر ابن هشام هذا الطريق في (السيرة) 4/118 فقال (وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال : أنشد كعب بن زهير ...) .
وهذا الطريق فيه ثلاث علل :
الأولى : ضعف محمد بن عبد الرحمن الأوقص : انظر (الضعفاء) للعقيلي 4/98 ، (اللسان) 5/286.
والثانية : ضعف ابن جدعان : انظر (تهذيب الكمال) و (تهذيبه) وكتب الرجال .
والثالثة : الإرسال .
الطريق الرابع :
طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي أيضا عن محمد بن فليح عن موسى بن عقبة قال : أنشد النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير ...القصة .
رواها من هذا الطريق الحاكم في (المستدرك) 3/582 وغيره .
وهذا ضعيف أيضا ، فهو مرسل أو معضل ، فموسى بن عقبة عداده في صغار التابعين ، وعامة رواياته عن التابعين ، فالكلام على هذا الطريق كالكلام على طريق ابن إسحاق ، وإن كان موسى بن عقبة أوثق .
الطريق الخامس :
طريق الزبير بن بكار عن بعض أهل المدينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال : لما انتهى خبر قتل ابن خطل إلى كعب بن زهير ...فذكر القصة مختصرة .
رواها من هذا الطريق ابن قانع في (معجم الصحابة) 2/381 .
وهذا الطريق له علتان :
الأولى : إبهام أحد الرواة .
والثانية : إرساله ."
وانتهى الفهد إلى النتيجة التالية:
"فالحاصل :
أن أسانيد هذه القصة كما ترى ضعيفة ، وفي كل طريق أكثر من علة ، فلم يثبت فيها إسناد صحيح ولا حسن :
قال ابن كثير في (البداية والنهاية) 4/372 بعد ذكره القصة :
"وهذا من الأمور المشهورة ، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه ، فالله أعلم " اهـ.
وقال العراقي:
" وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء ، وذكرها ابن إسحق بسند منقطع""
ومن ثم ثبت أن الحكاية بم تحدث ولم تقع بسبب ضعف الرواة وجهلهم كما نقل من كتب الجرح والتعديل
وفى المبحث الثالث تحدث عن أن الاستدلال بالحكاية باطل على بعض الأمور وهى استنباط أحكام منها فقال:
"المبحث الثالث :
في حكم الاستشهاد بها :
اعلم أن ذكر هذه القصة على قسمين :
القسم الأول : أن تذكر هذه القصة كواقعة تاريخية :
فالكلام فيها كالكلام في المغازي وسير الصحابة وقصص المتقدمين ونحوها من الوقائع التاريخية ، والأمر في ذلك واسع ، وكان الأئمة المتقدمون لا يشددون في مثل هذه الحالة ، ويفرقون بين مرويات الأحكام ، والمرويات التاريخية
والأخبار التاريخية لا تعامل معاملة الأحاديث النبوية في التصحيح والتضعيف لأمور :
الأمر الأول : أن أحاديث الأحكام قد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظها – لأنها من حفظ دينه – فإذا روي حديث منها بسند ضعيف ونحوه فإننا نجزم بعدم ثبوته لذلك ، أما الأخبار التاريخية فلم يتكفل الله تعالى بحفظها فلا يعني عدم وروده بسند صحيح أن الخبر لم يصح .
الأمر الثاني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) ، فقد نهى عن تكذيبهم ، مع أنك لو طبقت منهج المحدثين على الأخبار الإسرائيلية لانتهيت إلى ضعفها بل وسقوطها من طريق الأسانيد!!.
الأمر الثالث : أن هناك أمورا تاريخية كثيرة جدا مشهورة في الكتب والدواوين ، وأمرها معلوم بالتواتر عند الناس ، ولو أردت أن تثبتها من ناحية الإسناد ما استطعت ، لأن أهل الحفظ والإتقان والرواية والضبط كانوا ينصرفون في غالب روايتهم إلى الأحاديث النبوية بخلاف الأخبار التاريخية ، فلا يعني عدم روايتهم لها عدم ثبوتها في نفس الأمر .
الأمر الرابع : أن أساطين المحدثين قد فرقوا بين الأمرين ، فتراهم يشددون في أحاديث الأحكام ونحوها ، بخلاف الروايات التاريخية ؛ فإنك تراهم يذكرونها ولا يتعقبونها بشيء .
القسم الثاني : أن يستشهد بها في استنباط الأحكام :
وهذا قسمان أيضا :
الأول : أن يكون الحكم المستشهد بها عليه ثابتا بالأدلة الصحيحة ، فالقول في ذلك كالقول في الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة والمراسيل وقصص الصالحين والإسرائيليات والرؤى ونحوها ، والأمر في هذا واسع ؛ إذ الحكم ثابت بدونها ، وإنما يستأنس بها ، وعلى هذا أكثر الأئمة والعلماء في كتبهم .
والثاني : أن تكون هذه القصة عمدة في استنباط حكم من الأحكام الشرعية ؛ كتجويز التشبيب بالنساء ووصف مقاطعهن وقدودهن ، ونحو هذا ، فهذا لا يجوز ، إلا إذا ثبتت صحة هذه القصة ؛ لأنها في هذه الحالة تعامل معاملة أحاديث الأحكام ، لا التاريخ ، ومرويات الأحكام لا بد فيها من صحة الأسانيد للاحتجاج بها كما سبق ، وقد تبين لك في المطلب السابق أن هذه القصة لا يصح فيها إسناد.
وعلى هذا : فكل حكم بني على هذه القصة بمجردها فهو فاسد ؛ لضعفها "
وتفرقة الرجل بين الحكم على رواية الحديث ورواية التاريخ تناقض فى المنهج أيا كان لسبب واحد وهو :
أن الرواة هنا هم الرواة هناك فلماذا نقبل روايتهم فى الحديث أو لا نقبل بينما نقبلها فى التاريخ ؟
إن هذا المنهج الجنونى أدى بنا إلى تصديق روايات إخبارية متناقضة فى المكان والزمان فى التاريخ باعتبار ان كلها صحيحة وهو كلام لا يقبله عقل سليم لأن أى حادثة لها طريقة واحدة للحدوث وزمن واحد ومكان واحد وأفعال واحدة وأقوال واحدة
ومن ثم إما رفض الروايات أو قبولها أيا كانت تاريخية أو حديثية كما يقسمونها بناء على الإسناد عند القوم وإما قياس الكل على كتاب الله ورفض المتناقضات وغيرها وفى النهاية لن يكون لدينا إلا روايات قليلة جدا يمكن قبوله
|