نقد تفسير سورة النصر لابن رجب
نقد تفسير سورة النصر لابن رجب
الكتاب للمؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي وقد سمى الكتاب الكلام على سورة النصر وليس كما سماه محقق الكتاب تفسير سورة النصر وقد استهله بالقول :
«الكلام على سورة النصر»
جاء في حديث أنها: «تعدل ربع القرآن» "
والخطأ هنا هو أن سورة النصر ربعع ،لنا أن نتساءل ما هى أرباع القرآن ؟قطعا لا رد ودعونا نتساءل هل المراد ربع المعانى أم الألفاظ ؟إذا كان أراد المعانى فإن هذه السورة كلها لا تشكل إلا أقل من 1%من معانى القرآن بدليل عدم ورود أحكام فيها سوى حكم واحد على الأكثر بينما القرآن فيه ألوف الأحكام وإذا كان الرد الألفاظ فألفاظها مجتمعة لا تشكل واحد من مائة ألف ثم دعونا نتساءل كيف يساوى قليل نصف أو ثلث أو ربع القرآن إذا كان لا تفاضل بين سور القرآن فى أى شىء لأنها كلها كلام الله وكلام الله سواء فى المصدر وفى العمل به
ثم قال :
"وهي مدنية بالاتفاق؛ بمعنى: أنها نزلت بعد الهجرة إلى المدينة، وهي من أواخر ما نزل
وفي «صحيح مسلم» عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعا: "إذا جاء نصر الله والفتح "
واختلف في وقت نزولها، فقيل: نزلت في السنة التي توفي فيها رسول الله(ص)
وفي «مسند الإمام أحمد» عن محمد بن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح "قال رسول الله(ص)«نعيت إلى نفسي بأنه مقبوض في تلك السنة» عطاء هو ابن السائب اختلط بآخره
ويشهد له ما أخرجه البزار في «مسنده» والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار وصدقة بن يسار عن ابن عمر قال: نزلت هذه السورة على رسول الله(ص)بمنى وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع "إذا جاء نصر الله والفتح "فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء، فرحلت له، ثم ركب فوقف للناس بالعقبة فحمد الله وأثنى عليه وذكر خطبة طويلة
هذا إسناد ضعيف جدا، وموسى بن عبيدة قال أحمد: «لا تحل عندي الرواية عنه»
وعن قتادة قال: عاش رسول الله(ص)بعدها سنتين
وهذا يقتضي أنها نزلت قبل الفتح، وهذا هو الظاهر لأن قوله "إذا جاء نصر الله والفتح "يدل دلالة ظاهرة على أن الفتح لم يكن قد جاء بعد، لأن إذا ظرف لما يستقبل من الزمان هذا هو المعروف في استعمالها، وإن كان قد قيل: أنها تجيء للماضي كقوله: "وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها "[الجمعة: 11]
وقوله: "ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه "[التوبة: 92]
وقد أجيب عن ذلك بأنه أريد أن هذا شأنهم ودأبهم، لم يرد به الماضي بخصوصه، وسنذكر أن النبي(ص)قال بعد نزول هذه السورة: «جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن» ومجيء أهل اليمن كان قبل حجة الوداع "
وأما وقت نزولها فكما ناقشه ابن رجب فهى لا يمكن أن تكون من أواخر ما نزل من القرآن لأنها تتحدث عن فتح مكة قبل وقوعه ومن ثم كل الروايات التى تتحدث عن نزولها فى أواخر حياة النبى(ص) كاذبة فهى لابد أن تكون نزلت قبل فتح مكة
ثم قال :
"قوله تعالى: "إذا جاء نصر الله والفتح "
أما نصر الله فهو معونته على الأعداء حتى غلب النبي(ص)العرب كلهم، واستولى عليهم من قريش وهوازن وغيرهم وذكر النقاش عن ابن عباس أن النصر: هو صلح الحديبية
وأما الفتح فقيل: هو فتح مكة بخصوصها، قال ابن عباس وغيره: لأن العرب كانت تنتظر بإسلامها ظهور النبي(ص)على مكة
وفي «صحيح البخاري» عن عمرو بن سلمة قال: لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله(ص)، وكانت الأحياء تلوم بإسلامها فتح مكة فيقولون: دعوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي
وعن الحسن قال لما فتح رسول الله(ص)مكة قالت العرب أما إذا ظفر محمد بأهل مكة وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان ، فدخلوا في دين الله أفواجا
وقيل: إن الفتح يعم مكة وغيرها مما فتح بعدها من الحصون والمدائن، كالطائف وغيرها من مدن الحجاز واليمن وغير ذلك، وهو الذي ذكره ابن عطية "
والرجل ناقش هنا اختلاف القوم فى الفتح والنصر باعتبار الفتح فتح مكة والنصر صلح الحديبية وهو ما يخالف أن الله سمى الحج للبيت دخول له كان الفتح قريبا بعده فقال :
"لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا"
ومن ثم فالفتح هنا هو النصر لأن النصر يكون فى القتال والحروب كما قال تعالى :
"لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "
ثم قال :
"وقوله: "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا "
المراد بالناس العموم على قول الجمهور، وعن مقاتل: أنهم أهل اليمن
وفي «مسند الإمام أحمد» من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري عن النبي "[أنه] قال: لما نزلت هذه السورة: "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت"قال: قرأها رسول الله(ص)حتى ختمها فقال «الناس حيز وأنا وأصحابي حيز» وقال «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية» وأن مروان كذبه فصدق رافع بن خديج وزيد بن ثابت أبا سعيد على ما قال وهذا يستدل به على أن المراد بالفتح فتح مكة، فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي(ص)قال يوم الفتح: «لا هجرة، ولكن جهاد ونية»
وأيضا فالفتح المطلق هو فتح مكة كما في قوله: "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل "[الحديد: 10] ولهذا قال: «الناس حيز وأنا وأصحابي حيز»
وروى النسائي من طريق هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح "إلى آخر السورة قال: نعيت لرسول الله(ص)نفسه حين أنزلت فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة"
ابن رجب هنا يناقض نفسه بتصديق أن السورة نعى فقد كذب هذا الحديث فى أول الكتاب بقوله" وهذا يقتضي أنها نزلت قبل الفتح، وهذا هو الظاهر لأن قوله "إذا جاء نصر الله والفتح "يدل دلالة ظاهرة على أن الفتح لم يكن قد جاء بعد"
ثم نقل أحاديث كاذبة كلها عن أن المراد بالناس أهل اليمن فقال :
"وقال رسول الله(ص)بعد ذلك: «جاء الفتح وجاء نصر الله وجاء أهل اليمن» فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟
قال: «قوم رقيقة قلوبهم لينة قلوبهم ، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان»
وروى ابن جرير من طريق الحسين بن عيسى الحنفي عن معمر عن الزهري عن أبي حازم عن ابن عباس قال: بينما رسول الله(ص)في المدينة إذ قال «الله أكبر الله أكبر، جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن» قيل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال: «قوم رقيقة قلوبهم لينة طباعهم ، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية»
ورواه أيضا من طريق عبد الأعلى عن معمر عن عكرمة مرسلا ، وكذا هو في «تفسير عبد الرزاق»: عن معمر أخبرني من سمع عكرمة فأرسله "
وقد كذب الرجل تلك الأحاديث فقال :
"وهذا لا يدل على اختصاص أهل اليمن بالناس المذكورين في الآية، وإنما يدل على أنهم داخلون في ذلك فإن الناس أعم من أهل اليمن
قال ابن عبد البر: لم يمت رسول الله(ص)وفي العرب رجل كافر، بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين والطائف، منهم من قدم، ومنهم من قدم وافده، ثم كان بعد من الردة ما كان، ورجعوا كلهم إلى الدين
قال ابن عطية: المراد – والله أعلم – العرب عبدة الأوثان وأما نصارى بني تغلب فما أراهم أسلموا قط في حياة رسول الله(ص)،لكن أعطوا الجزية
|