 
 
 
 
 
)ذلك بأنَ الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم وأنّ الله سميع عليم(
 
 
 
[الأنفال : 53]
 
 
 
 
 
 
مــقــدمـــة
 
 
 
 
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، 
r تسليماً كثيراً . 
أما بعد : 
فهذه قواعد عمليَّة في النجاح([1]) ، تُعين الراغب وتدلّه على الكفاح ، مَن كان لها مطبِّقاً : كان لهدفه بإذن الله محقِّقاً ، تكون عوناً للمرء على مواصلة السير دون انقطاع ، والمداومة على الأعمال دون ترك وانصراف . 
ولْيَعْلَم المرء أن النجاح لا يتحقق إلا بمجاهدة وجدّ واجتهاد ، وإن كان طريقه فيه مشقة وعَنَتْ إلا أن عواقبه حميدة ، وثمراته طيبة ، وهذا لا يدركه إلاّ العقلاء . 
قال ابن الجوزي يرحمه الله : "إنما فضل العقل بتأمل العواقب ، فأما القليل العقل فإنه يرى الحال الحاضرة ، ولا ينظر إلى عاقبتها . فإنّ اللص يرى أخذ المال وينسى قطع اليد ، والبطّال يرى لذة الراحة وينسى ما تجني من فوات العلم وكسب المال …وكذلك الزنا فإن الإنسان يرى قضاء الشهوة،ونسي ما يجني منه من فضيحة الدنيا والحدّ . وربما كان للمرأة زوج ، فألحقت الحمل مِن هذا به ، وتسلسل الأمر. 
فَقِسْ على هذا وانتبه للعواقب ، ولا تُؤْثِر لذة تفوِّت خيراً كثيراً ، وصابر المشقَّة تحصِّل ربحاً وافراً" . 
ودفعاً لما يَقَع عند البعض من شبهات ، وحلاً لكثيرٍ من المشكلات : كان تقييد هذه الورقات ، سائلاً المولى جل وعلا التوفيق والسداد ، والله المستعان ، وعليه التكلان . 
 
 
 
 
 
 
الفصل الأول : التفكير والتخطيط
 
 
أمران لابد منهما قبل التخطيط
 
 
 
 
قبل أن يفكِّر المرء ويُخطٍّط لأهدافٍ يُراد تحقيقها ، وغايات يُطلَب بلوغها ؛ هناك أمران لابدّ منهما ، ولا مندوحة للراغب عنهما ، وهما : 
أولاً : الاستعانة بالله والتوكل عليه : 
الاستـعـــانة بالله والتوكل عليـــه مــع 
بذل الأسباب 
 
فلا بد للمرء أن يستحضر في ذهنه ذلك دائماً ، وفي كل خطوةٍ يخطوها ينبغي أن يجعل ذلك نُصْب عينيه، إذ الله هو المعين على كل مقصد ، ولا حول ولا قوة إلا به ، وهو المستعان ، فاستعن بالله؛ لأنه هو الذي يمنحك القوة لتبدأ ، وتوكل عليه ؛ لأنه هو الذي يهديك وييسّر لك السبل ، اطلب دائماً العون منه والتوفيق ، وأَظْهِر فقرك وحاجتك له في كل الأحوال تكن أغنى الناس وأقواهم ، فمن توكل على غير الله وُكِل إليه ، وكانت نهايته إلى خسار ، ولو حصَّل شيئاً من النجاح في هذه الدنيا.
ثم ابذل الأسباب المعينة على بلوغ ذلك الطريق ، واعلم أنه ليس هناك سبب يستقل بإيجاد المطلوب ، بل لابدّ من أمر خالق الأسباب ، فالجأ إليه ، وتوكّل عليه تأوِ إلى ركنٍ شديد . 
قال ابن القيم رحمه الله : 
(شهدتُ شيخ الإسلام ـ قدَّس الله روحه ـ إذا أَعْيَتْه المسائل واستصعبتْ عليه : فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللَّجَأ إليه واسْتِنْـزَال الصواب من عنده والاستفتاح من خزائن رحمته؛ فقلَّما يَلْبث المَدَدُ الإلهي أن يتتابع عليه مَدَّاً ، وتَزْدَلِفُ الفتوحات الإلهية إليه بأيَّتِهِنَّ يَبْدَأ) .
إذا لم يكنْ عونٌ من اللهِ للفتى
 
 
 
فأولُ ما يَجْني عليه اجتَهادُهُ
 
 
 
 
الإيمـان والرضا بالقضاء والقـدر
 
 
ثانياً : الإيمان والرضا بالقضاء والقدر : 
بعد إتيانك بالأمر السابق ، وبعد أن بذلتَ الجَهْد ، وعملتَ بالأسباب ، فلا تحزن إن فشلتَ أو لم يتحقق هدفك ، بل ارْضَ بما قَسَم الله لك ، واعلم أن الخيرة فيما اختاره الله ، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، رُفِعَت الأقلام وجَفَّت الصحف . 
 
 
· ثم هاهنا مبحثان :
 
الأمــور التي تســاهم فـي نجاح التفكير
 
 
المبحث الأول : في التفكير :
هناك أمور لابد من استشعارها حتى يصبح التفكير ناجحاً ويُؤتي ثماره ، وهي على النحو التالي :
 
 
· الاستفادة من العقـل تكون لمـــن أراد أن يصنع الحياة
البداية من حيث انتهى الآخــرون 
مبدأ العمل 
 
 
هو التفكير
 
 
فهاهو الإمام البخاري ـ يرحمه الله ـ يستغلُّ فكرة عابرة خلَّدتْ ذكره ، ورفعتْ منـزلته رحمه الله ، وذلك لما ألّف كتابه : [الجامع الصحيح ] . قال البخاري ـ رحمه الله ـ : "كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال لنا بعض أصحابنا :لو جمعتم كتاباً مختصراً في الصحيح لسنن النبي 
r ، وكانت الكتب قبل ذلك تَجْمَع الصحيح والضعيف ، فوقع ذلك في قلبي فأخذتُ في جَمْع هذا الكتاب ـ يعني : كتاب صحيح البخاري ـ" . 
 
 
· 
 
 
 
 
 
أي فكرة 
 
 
خامساً : التفكير هو مبدأ العمل ، ولا يستطيع أحدٌ أن يعمل دون أن يُفكِّر ، وبقدر سمو هذا التفكير تَسْمو الأعمال . ولا تكون الأعمال رَتِيْبَة مملّة لا تجديد ولا إبداع فيها : إلا بإهمال التفكير وتعطيل عمل الذهن ، والانشغال بالعمل دون تفكير أو رغبة في التطوير . 
· سادساً : لا تحتقر أيَّ فكرة مهما بدأ أنها سَطْحية لأول وَهْلَة ، فقد تكون عند التَّمْحِيص فكرة قيَّمة ، أو قد تكون مبدأ لفكرة ذات شأن .
· سابعاً : حاول الإبداع ، والارتقاء بالعمل إلى الأفضل .