{{ فن الإصغاء }}
فن الإصغاء.
فن الإصغاء هو نصف المحادثة. فإذا لم يصغ إليك أحد فما فائدة الحديث. وهذه حقيقة يبدو أن الكثيرين من المحدثين لا يشكون فيها، ومع ذلك فالإصغاء ليس من السهولة بقدر ما يتوهم الكثيرون. ذلك لأن على السامع، في الواقع، إن يفك رموز الكلمات و معانيها فضلا عن قصد ذاك الذي يتلفظ بها.
ولنكن صريحين فنقول: إننا لا نحب الاصغاء. فالقاعدة العامة هي إننا نتكلم أكثر مما نعير آذاننا لما يردده الآخرون. والمهم في نظر بعضهم أن يتكلم أكثر من سواه، حتى لو لم يكن لديه ما يقول. وبقدر ما نجهل عن أمر من الأمور، بقدر ذلك نتكلم عنه و نبدي من الإقتناع فيه.و فضلا عن ذلك، كم بيننا من تبدو عليهم أمارات {علامات} الإصغاء و الإهتمام، وهم في الحقيقة يفكرون في كلام يأملون من ورائه أن يفاجئوا الحضور في المجتمع عندما يعطون فرصة الكلام؟ مع أنه ليس من الصعب تعلم فن الأصغاء.
كثيرون منا لا يعرفون كيف يصغون. خصوصا في هذا العصر، عصر التكنولوجيا و موبايل و الإنترنت، حيث يقضي معظمنا وقتا أطول في الإصغاء إلى الكلمة المحكية.
إن الإصغاء هو مهارة عقلية يمكن تنميتها بالتدريب العملي. وعملية الإصغاء تتطلب منك أن تقوم بأكثر من ترك موجات الصوت تدخل أذنيك، تماما كعملية القراءة التي تتطلب أكثر من النظر الى الأسطرالمطبوعة. إن الإصغاء الحسن يتطلب الأشتراك الإيجابي, غير ان هناك عقبات كثيرة تعترض الإصغاء... من هذه العقبات إننا نفكر بسرعة أكثر مما نتحدث. فنسبة الحديث لدى معظمنا هي حوالي 125 كلمة في الدقيقة, في حين اننا نفكر بمعدل اربعة أضعاف هذه السرعة, مما يعني أنه في كل دقيقة يتحدث المرء إلينا فيها ينبغي لنا طبيعياً ان نضع جانباً فترة تفكير تتسع لحوالي 400 كلمة....فإذا كنا من الذين لا يحسنون الإصغاء سرعان ما ينفذ صبرنا, فتتحول أفكارنا الى شيء آخر لفترة قصيرة, ثم تعود الى الخطيب أو المتحدث. وهذه التحولات الجانبية على قصرها تستمر حتى يتوقف تفكيرنا طويلاً لدى موضوع غير الموضوع الذي يتكلمان فيه, ثم عندما تعود افكارنا الى المتحدث نرى أنه قد تجاوزنا بشوط كبير, وقد بات أصعب علينا أن نتابعه, وأسهل في الوقت نفسه أن نقوم بتلك التحولات الجانبية...وفي النهاية نستسلم في حين يكون الخطيب لا يزال في حديثه ولكن فكرنا في عالم آخر... وخير مثال على هذا الموقف هو ما يحدث في مدرج الكليات وفي غرف الصف, حيث ان هناك كثير من الطلاب الذين اجسادهم امام الأستاذ في حين ان افكارهم تذهب الى عالم آخر... شخصياً لقد وقعت في هذا الموقف أيضاً في سنوات دراستي الى درجة كان الأستاذ يوقظني من غفلتي...
|